الجمعة 29 مارس 2024
في الصميم

نبيل بنعبد الله.. وزير المدينة أم وزير المنعشين "مالين الشكارة"؟!

نبيل بنعبد الله.. وزير المدينة أم وزير المنعشين "مالين الشكارة"؟!

"ولد نعينيعة"، "ولد الطواشة"، "ولد لمجروح"، ولد القرعة"، "ولد الشهبة"، "ولد الضب"، ولد "المجراب"، "ولد المشقوف"...

هذه ليست أسماء شعراء أو فلاسفة أو رياضيين أو باحثين في مجال الدراسات اللغوية أو الإسلامية والفيزياء وعلوم البحار والهندسة  المدنية، بل هي أسماء لمجرمين فرختهم مشاريع السكن الاجتماعي الكارثية التي نبتت في أحياء الدار البيضاء وفي ضواحيها في السنوات العشر الأخيرة.

فعلى امتداد الشريط الضاحوي الممتد من حد السوالم إلى المحمدية مرورا بالخيايطة والرحمة والحي الحسني وبوسكورة والدروة وسيدي مومن، أضحت مصالح الدرك الملكي وأجهزة الشرطة والنيابة العامة، تستأنس بألقاب مجرمين جدد صنعتهم "ماكينة" الإنعاش العقاري في أقفاص إسمنتية تسمى أحياء السكن الاجتماعي من قبيل ما تنتجه شركة الضحى ومن على شاكلتها. وهي المشاريع التي تفتقد معظمها لمواصفات السكن وتفتقد للبعد الاجتماعي.

إذ بدل أن تكون هذه المشاريع مدمجة للسكان في نسيج حضري ومتمدن تحولت إلى مضخة لإنتاج الانحراف والإدمان والإجرام.

فبالأمس القريب كانت الدار البيضاء تتوفر على الكاريانات التي أنتجت "أمراء الدم" الذين روعوا المغرب بالتفجيرات الإرهابية، وتم تبرير ذلك بكون الكاريانات كانت خارج رادار الدولة والأحزاب والجماعات ورجال المال والأعمال.

ولما تراكمت الأعطاب وتفاقمت الاختلالات بشرتنا الدولة بآلية جديدة في الهندسة الحكومية تسمى وزارة سياسة المدينة بهدف تجفيف منابع الإقصاء والهشاشة. فظهر أن الوزارة بدل أن تكون في خدمة المدينة سقطت رهينة بيد الحيتان الكبرى في مجال الإنعاش العقاري. وبدل أن تصدر وزارة سياسة المدينة النصوص بما يردم الهوة ويطوق الشرخ الحضري داخل مشاريع السكن الاجتماعي، نراها تستسلم للمنعشين الكبار الذين أضحى معظمهم هم المشرعون الحقيقيون في الوزارة وفي البرلمان، لدرجة أن نبيل بنعبد الله لم يعد يحمل لقب "وزير سياسة المدينة" بقدر ما أصبح مؤهلا لحمل لقب وزير "مالين الشكارة".

فهو(أي الوزير بنعبد الله) بحمولته اليسارية ومرجعية حزبه التقدمية كان يفترض فيه أن يمزق كناش التحملات الذي صاغته الحكومة على مقاس شركات الإنعاش العقاري لا أن يصبح عرابا للجرائم العمرانية التي تحدث في مجال نفوذه "المدينة"!

فكناش التحملات الخاص بالسكن الاجتماعي الذي حددته الوزارة يضم مجموعة من المواصفات: المواصفات التعميرية ومواصفات التهيئة والمواصفات الهندسية المعمارية والمواصفات التقنية، لكن الغائب في الكناش هو أن الجودة غير مطروحة بتاتا (جودة الخشب والزليج والصباغة والترصيص والمواد الكهربائية وما شاكل ذلك).

كما أن الكناش حدد حجم الغرفة والصالون والمرحاض ولم يحدد "السميك العمراني" (أي الحد الأدنى من المساحة الآدمية التي يمكن أن تخصص لإسكان الأسر حسب حجمها وعدد أفرادها في الشقق المرخص بإحداثها في مشاريع السكن الاجتماعي).

فكما أن هناك حدا أدنى في الأجر يسمح للأجير بتوفير الضروريات للعيش، هناك توافق بين الخبراء في التهيئة الحضرية بالعالم بوجوب تحديد حد أدنى من الأمتار المربعة لكل فرد في الأسرة أثناء بناء الشقة (وهو15 متر مربع للفرد الواحد)، أي أن أسرة مكونة من أب وأم وثلاثة أبناء يفترض توفير شقة من مساحة تقارب 100 متر مربع، وليس أقفاصا إسمنتية من مساحة 47 متر أو 54 متر مربع تقطنها أسر يفوق أفرادها التسعة (!)، وهذا ما يفسر لماذا في المدن الأوروبية تخصص أنواع الشقق حسب حجم (F1 أو F2 أو F3...  إلخ..).

ويزداد الجرح ألما حين نعرف أنه أمام ضيق الشقق في مشاريع السكن الاجتماعي وضيق الأزقة والشوارع لا توجد فضاءات عمومية من ساحات وملاعب وحدائق داخل المشاريع السكنية المرخصة تسمح بامتصاص الاحتقان وتسمح للأطفال والشبان بتفريخ شحناتهم السلبية في الركض واللعب بين أبناء الحومة بعضهم ببعض مما يقوي اللحمة الاجتماعية ويخلق الانسجام والألفة بين الجيران ويعضد التماسك ويرسخ هوية الانتماء إلى الحي والدرب، بدل أن تصبح هذه المشاريع السكنية مصنعا للتوتر والشجار والاقتتال.

وإذا كانت العتبة في السكن الاجتماعي بالعالم المتمدن هي إنتاج 50 إلى 70 شقة في الهكتار الواحد، فإن الوزير نبيل بنعبد الله لم يقو حتى على فرض بناء 100 أو 120 شقة في الهكتار الواحد على كل منعش عقاري، فأحرى أن يمنعهم من الاستمرار في تكديس المغاربة في مشاريع السكن الاجتماعي بمعدل يتراوح بين 163 و220 شقة في الهكتار الواحد.. (مثلا الشريط الممتد من الحي الحسني إلى مدينة الرحمة بالدار البيضاء أو بالدروة في اتجاه برشيد أو بطنجة في اتجاه المطار أو في ويسلان بضواحي مكناس أو في تامسنا بتمارة وتامنصورت بمراكش إلخ..) في عمارات تتشابه دون الحرص على المزج بين الأشكال العمرانية والوحدات السكنية (فيلات، عمارات، بقع فردية، مرافق عمومية إلخ...).

إن الخوف كل الخوف، هو أن نسمع بعد 10 أو 15 سنة عن ميلاد جيل جديد من الانتحاريين في هذه المشاريع السكنية وآنذاك لن ينفع الندم أو الحسرة.

فهل سيتحرك نبيل بنعبد الله قبل فوات الأوان، أم سيبقى فاقدا للسلطة أمام الحيتان؟!