الجمعة 21 فبراير 2025
سياسة

السالك رحال: دم الضحايا الصحراويين سيبقى عالقا فـي رقاب عسكر الجزائر

السالك رحال: دم الضحايا الصحراويين سيبقى عالقا فـي رقاب عسكر الجزائر السالك رحال، إعلامي وباحث في شؤون الصحراء والساحل
يؤكد‭ ‬السالك‭ ‬رحال،‭ ‬الإعلامي‭ ‬والباحث‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الصحراوية‭ ‬والساحل،‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬ارتكبته‭ ‬جبهة‭ ‬البوليساريو‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬الصحراويين‭ ‬بمخيمات‭ ‬تندوف‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬الأجهزة‭ ‬الاستخباراتية‭ ‬العسكرية‭ ‬للجزائر،‭ ‬يندرج‭ ‬ضمن‭ ‬جرائم‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية،‭ ‬مطالبا‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬بفتح‭ ‬المخيمات‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬لجان‭ ‬تقصي‭ ‬الحقائق‭ ‬الأممية‭ ‬للتحقيق‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬غير‭ ‬القابلة‭ ‬للتقادم.

ونحن‭ ‬في‭ ‬فضاء‭ ‬الصور‭ ‬الموثقة‭ ‬لفظاعات‭ ‬التعذيب‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الصحراويين‭ ‬ضحية‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬سجون‭ ‬مخيمات‭ ‬تندوف،‭ ‬ولكل‭ ‬صورة‭ ‬قصة،‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬تشعر‭ ‬به‭ ‬وأنت‭ ‬تشاهد‭ ‬هذه‭ ‬الصور؟
لا‭ ‬يمكن‭ ‬لإنسان‭ ‬يشاهد‭ ‬هذه‭ ‬الصور‭ ‬إلا‭ ‬ويحس‭ ‬بالتذمر‭ ‬والأسى‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬قامت‭ ‬بها‭ ‬عناصر‭ ‬البوليساريو‭ ‬بدعم‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭. ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الضحايا‭ ‬الذين‭ ‬لقوا‭ ‬حتفهم‭ ‬تحت‭ ‬آلات‭ ‬التعذيب‭ ‬وسياط‭ ‬الجلادين،‭ ‬وممن‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬أجسادهم‭ ‬تحمل‭ ‬آثار‭ ‬هذا‭ ‬التعذيب،‭ ‬وآخرون‭ ‬ما‭ ‬زالوا‭ ‬في‭ ‬حكم‭ ‬المفقودين،‭ ‬يجعلنا‭ ‬نطرح‭ ‬سؤال:‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬وقع‭ ‬بالضبط‭ ‬حتى‭ ‬بلغنا‭ ‬هذه‭ ‬السادية‭ ‬في‭ ‬تعذيب‭ ‬هؤلاء‭ ‬والتنكيل‭ ‬بهم‭ ‬بل‭ ‬والتمثيل‭ ‬بجثتهم؟‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الصور‭ ‬المعروضة‭ ‬في‭ ‬مقر‭ ‬حزب‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬للقوات‭ ‬الشعبية،‭ ‬بالرباط،‭ ‬ضمن‭ ‬ندوة‭ ‬مشتركة‭ ‬مع‭ ‬الائتلاف‭ ‬الصحراوي‭ ‬لضحايا‭ ‬سجن‭ ‬الرشيد‭ ‬بمخيمات‭ ‬تندوف،‭ ‬لا‭ ‬تمثل‭ ‬إلا‭ ‬جزءا‭ ‬يسيرا‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬أسود‭ ‬لجبهة‭ ‬تدعي‭ ‬التحرر‭ ‬وبلد‭ ‬يدعي‭ ‬المناصرة،‭ ‬لقد‭ ‬قامت‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬«مديرية‭ ‬الأمن‭ ‬السياسي»‭ ‬بجبهة‭ ‬البوليساريو‭ ‬باحتجاز‭ ‬أشخاص‭ ‬مدنيين‭ ‬خارج‭ ‬القانون‭ ‬في‭ ‬مراكز‭ ‬سرية‮ ‬‭ ‬غير‭ ‬مصنفة‭ ‬ضمن‭ ‬فضاءات‭ ‬سلب‭ ‬الحريات،‭ ‬وفي‭ ‬أرض‭ ‬جزائرية،‭ ‬بدون‭ ‬الوقوف‭ ‬على‭ ‬شروط‭ ‬التقاضي‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬معروفة‭ ‬عالميا،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هناك‭ ‬محاكمات‭ ‬ولا‭ ‬أحكام،‭ ‬هي‭ ‬أحكام‭ ‬العسكر‭ ‬في‭ ‬جبهة‭ ‬البوليساريو‭ ‬بإشراف‭ ‬جزائري،‭ ‬ضد‭ ‬كل‭ ‬صحراوي‭ ‬أبدى‭ ‬موقفا‭ ‬أو‭ ‬بدونه،‭ ‬إذ‭ ‬يتم‭ ‬اختطافه‭ ‬واحتجازه‭ ‬دون‭ ‬محاكمة،‭ ‬ولم‭ ‬تعط‭ ‬الفرصة‭ ‬للضحايا‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬أنفسهم،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬لمعرفة‭ ‬الجرم‭ ‬الذي‭ ‬اعتقلوا‭ ‬بسببه،‭ ‬هذا‭ ‬دون‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬غياب‭ ‬مطلق‭ ‬لدفاع‭ ‬الضحايا،‭ ‬اليوم‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬إماطة‭ ‬اللثام‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬الإنسانية‭..‬
 
 بعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬سنة،‭ ‬من‭ ‬الضحايا‭ ‬من‭ ‬قضى‭ ‬نحبه‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬ينتظر،‭ ‬ألم‭ ‬تندمل‭ ‬هذه‭ ‬الجراح؟
 الضحايا‭ ‬الأحياء‭ ‬وذوو‭ ‬من‭ ‬لقوا‭ ‬مصرعهم‭ ‬تحت‭ ‬التعذيب،‭ ‬لم‭ ‬ولن‭ ‬ينسوا‭ ‬هذه‭ ‬الفظاعات‭. ‬والجرائم‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية‭ ‬لا‭ ‬يطويها‭ ‬الزمان‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬مستمرة‭ ‬من‭ ‬جيل‭ ‬لجيل،‭ ‬خصوصا‭ ‬مع‭ ‬تجاهل‭ ‬مطالبهم‭ ‬في‭ ‬الاعتراف‭ ‬بما‭ ‬اقترفه‭ ‬الجلادون،‭ ‬الذين‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬بعضهم‭ ‬في‭ ‬مناصب‭ ‬قيادية‭ ‬بجبهة‭ ‬البوليساريو‭. ‬إن‭ ‬الجراح‭ ‬والجرائم‭ ‬لا‭ ‬تسقط‭ ‬بالتقادم‭ ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحالات‭. ‬وأنا‭ ‬أتحدث‭ ‬إليكم،‭ ‬أمامي‭ ‬صورة‭ ‬علالي‭ ‬ولد‭ ‬عليا‭ ‬رحمه‭ ‬لله،‭ ‬أحد‭ ‬الذين‭ ‬لقوا‭ ‬مصرعهم‭ ‬في‭ ‬سجن‭ ‬الرشيد‭ ‬بمخيمات‭ ‬تندوف،‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬أسرته،‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬العقود،‭ ‬تنتظر‭ ‬الإنصاف‭ ‬ومحاسبة‭ ‬الجلادين‭ ‬في‭ ‬محكمة‭ ‬دولية‭ ‬مختصة،‭ ‬محملين‭ ‬المسؤولية‭ ‬للجزائر‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬الانتهاك‭ ‬وقع‭ ‬على‭ ‬أرضها،‭ ‬وتحت‭ ‬ولايتها‭ ‬القضائية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬ضباطا‭ ‬جزائريين،‭ ‬تابعين‭ ‬للناحية‭ ‬العسكرية‭ ‬الثالثة‭ ‬لتندوف،‭ ‬كانوا‭ ‬يحققون‭ ‬معه‭ ‬ومع‭ ‬غيره‭ ‬ويعذبونهم‭.‬‮ ‬‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬المنظومة‭ ‬الجزائرية،‭ ‬العسكرية‭ ‬والقضائية‭ ‬والسياسية،‭ ‬مسؤولة‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬الانتهاكات‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬على‭ ‬أرضها‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬الصحراويين،‭ ‬ولايمكن‭ ‬أن‭ ‬تفلت‭ ‬من‭ ‬العقاب،‭ ‬طال‭ ‬الزمن‭ ‬أو‭ ‬قصر‭..‬
لقد‭ ‬حاولت‭ ‬البوليساريو‭ ‬ومعها‭ ‬الجزائر،‭ ‬أن‭ ‬تقوم‭ ‬بما‭ ‬يسمى‭ ‬تعويض‭ ‬الضحايا‭ ‬الصحراويين،‭ ‬يوم‭ ‬10‭ ‬أكتوبر‭ ‬2022،‭ ‬شاركت‭ ‬اللجنة‭ ‬الجزائرية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬محاولة‭ ‬لمصالحة‭ ‬محتشمة‭ ‬جدا‭ ‬لتعويض‭ ‬بعض‭ ‬الضحايا‭ ‬الذين‭ ‬ما‭ ‬زالوا‭ ‬في‭ ‬المخيمات‭ ‬تحت‭ ‬السلطة‭ ‬الإدارية‭ ‬لجبهة‭ ‬البوليساريو،‭ ‬وحاولوا‭ ‬بالأموال‭ ‬أن‭ ‬يدفنوا‭ ‬هذا‭ ‬الماضي‭ ‬الأسود‭. ‬وهذا‭ ‬دليل‭ ‬على‭ ‬صدقية‭ ‬ما‭ ‬ظلوا‭ ‬ينفونه‭ ‬لعقود‭ ‬من‭ ‬وقوع‭ ‬هذه‭ ‬الانتهاكات‭ ‬الجسيمة‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬الدنانير‭ ‬لايمكنها‭ ‬دفن‭ ‬الجرم‭ ‬بهذا‭ ‬الشكل‭ ‬المحتشم،‭ ‬بل‭ ‬يجب‭ ‬محاسبة‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬تورط‭ ‬فيها،‭ ‬وأولهم‭ ‬ضباط‭ ‬الجيش‭ ‬الجزائري،‭ ‬ومعهم‭ ‬باقي‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬جبهة‭ ‬البوليساريو‭..‬

 
 هل‭ ‬يمكن‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬لكل‭ ‬ضحية‭ ‬قصة‭ ‬في‭ ‬التعذيب،‭ ‬وقبل‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬حيثيات‭ ‬الاحتجاز‭ ‬أو‭ ‬الاختطاف؟
بالنسبة‭ ‬لجبهة‭ ‬البوليساريو‭ ‬كتنظيم‭ ‬شمولي،‭ ‬لا‭ ‬تمر‭ ‬فترة‭ ‬من‭ ‬فتراتها،‭ ‬دون‮ ‬‭ ‬خلق‭ ‬عدو‭ ‬وهمي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬توجيه‭ ‬ساكنة‭ ‬المخيمات‭ ‬نحو‭ ‬هذا‭ ‬الأمر،‭ ‬وعدم‭ ‬الانشغال‭ ‬بالقضايا‭ ‬الأساسية‭. ‬مثلا‭ ‬تم‭ ‬خلق‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬شبكة‭ ‬«كليبات‭ ‬الفولة»،‭ ‬ضحاياها‭ ‬مدنيين‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬70‭ ‬شخصا،‭ ‬منهم‭ ‬شباب‭ ‬وكهول‭. ‬وأيضا‭ ‬شبكة‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬المجموعة‭ ‬الفرنسية‭ ‬الموريتانية‭ ‬للجوسسة‭ ‬والتخريب،‭ ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬اتهام‭ ‬كل‭ ‬المعذبين‭ ‬بالتخابر‭ ‬مع‭ ‬المغرب‭. ‬وهذا‭ ‬دون‭ ‬دليل‭ ‬مادي‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يدعونه،‭ ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬المعذبين‭ ‬مدنيين‭ ‬وعسكريين‭ ‬من‭ ‬درجات‭ ‬مختلفة،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬الضحايا‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬يشتغل‭ ‬في‭ ‬التعليم‭ ‬بالجبهة،‭ ‬وأستحضر‭ ‬مثال‭ ‬التروزي‭ ‬ولد‭ ‬أحمد‭ ‬عيشة،‭ ‬شافاه‭ ‬لله،‭ ‬كان‭ ‬مكلفا‭ ‬في‭ ‬المخيمات‭ ‬بوضع‭ ‬منظومة‭ ‬تربوية،‭ ‬أيضا‭ ‬محمد‭ ‬فال‭ ‬ول‭ ‬القاضي،‭ ‬رئيس‭ ‬جمعية‭ ‬«ذاكرة‭ ‬وعدالة»،‭ ‬ضمن‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬المجموعة‭ ‬الموريتانية‭ ‬الفرنسية‭. ‬وقصته‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تروى‭ ‬بمزيج‭ ‬من‭ ‬الألم‭ ‬بالنظر‭ ‬للتعذيب‭ ‬الذي‭ ‬تلقاه‭ ‬رفقة‭ ‬آخرين،‭ ‬وكل‭ ‬هذا‭ ‬كان‭ ‬بتوجيه‭ ‬من‭ ‬أجهزة‭ ‬الاستخبارات‭ ‬العسكرية‭ ‬الجزائرية،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الاعتقال‭ ‬والتحقيق‭ ‬والاحتجاز‭..‬
 
 في‭ ‬أي‭ ‬فترة‭ ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الانتهاكات‭ ‬بمخيمات‭ ‬تندوف؟
 ابتداء‭ ‬من‭ ‬نشأة‭ ‬البوليساريو،‭ ‬بدأت‭ ‬هذه‭ ‬الانتهاكات،‭ ‬واستمرت‭ ‬خلال‭ ‬الحرب‭ ‬مع‭ ‬المغرب،‭ ‬وأحمد‭ ‬خر،‭ ‬أطال‭ ‬الله‭ ‬عمره،‭ ‬رئيس‭ ‬الائتلاف‭ ‬الصحراوي‭ ‬لضحايا‭ ‬سجن‭ ‬الرشيد‭ ‬بتندوف،‭ ‬هو‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬عشرات‭ ‬الصحراويين‭ ‬الذين‭ ‬نالوا‭ ‬قسطا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬الاحتجاز‭ ‬والتعذيب،‭ ‬رفقة‭ ‬بعض‭ ‬المؤسسين‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬البشير‭ ‬الدخيل،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬سنة‭ ‬1974،‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬الولي‭ ‬مصطفى‭ ‬السيد،‭ ‬وتم‭ ‬سجنهم‭ ‬لعدة‭ ‬أشهر‭ ‬في‭ ‬سجن‭ ‬يدعى‭ ‬«كويرة‭ ‬بيلا»‭ ‬وبعدها‭ ‬في‭ ‬سجن‭ ‬«الرويضة»‭.‬‭ ‬يعني‭ ‬الانتهاكات‭ ‬بدأت‭ ‬مع‭ ‬نشوء‭ ‬جبهة‭ ‬البوليساريو،‭ ‬وكانت‭ ‬الاعتقالات‭ ‬في‭ ‬البداية،‭ ‬أي‭ ‬خلال‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬«الجمهورية»‭ ‬تستهدف‭ ‬كل‭ ‬المعارضين‭ ‬لهذا‭ ‬التوجه،‭ ‬وطالت‭ ‬الانتهاكات‭ ‬المنافسين‭ ‬لقيادة‭ ‬الجبهة،‭ ‬واستمر‭ ‬هذا‭ ‬الاستهداف‭ ‬إلى‭ ‬سنة‭ ‬1991،‭ ‬ليأخذ‭ ‬شكلا‭ ‬جديدا‭ ‬من‭ ‬الانتهاكات‭ ‬وهي‭ ‬ضرب‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬الكرامة‭ ‬والعيش‭ ‬الكريم‭..‬
 
هل‭ ‬استهدفت‭ ‬هذه‭ ‬الانتهاكات‭ ‬الصحراويين‭ ‬المدنيين‭ ‬أم‭ ‬العسكريين‭ ‬أم‭ ‬الجميع؟
 لم‭ ‬تترك‭ ‬آلة‭ ‬البطش‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬مخيمات‭ ‬تندوف،‭ ‬مدنيا‭ ‬ولا‭ ‬عسكريا‭ ‬إلا‭ ‬استهدفته‭ ‬بالتضييق‭ ‬أو‭ ‬التعذيب،‭ ‬ولم‭ ‬تفرق‭ ‬بين‭ ‬صحراوي‭ ‬ولا‭ ‬موريتاني،‭ ‬والخطير‭ ‬أن‭ ‬الضحايا،‭ ‬لم‭ ‬توجه‭ ‬لهم‭ ‬أي‭ ‬تهمة،‭ ‬وبالتالي،‭ ‬كما‭ ‬قلت‭ ‬لم‭ ‬يعرضوا‭ ‬على‭ ‬القضاء‭ ‬ليقول‭ ‬كلمته‭ ‬فيهم‭. ‬الحبيب‭ ‬ولد‭ ‬الخرشي‭ ‬قضى‭ ‬14‭ ‬سنة‭ ‬في‭ ‬سجون‭ ‬البوليساريو،‭ ‬منها‭ ‬3‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬سجن‭ ‬انفرادي،‭ ‬وهو‭ ‬لايدري‭ ‬بأي‭ ‬ذنب‭ ‬تم‭ ‬الزج‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬غياهب‭ ‬مركز‭ ‬يفتقد‭ ‬لأدنى‭ ‬شروط‭ ‬الاحتجاز‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬متعارف‭ ‬عليها‭ ‬دوليا،‭ ‬أو‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬هو‭ ‬نفسه،‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬لاطير‭ ‬فيه‭ ‬يطير‭ ‬ولا‭ ‬وحش‭ ‬فيه‭ ‬يسير،‭ ‬ومباشرة‭ ‬بعد‭ ‬إطلاق‭ ‬سراحه‭ ‬توجه‭ ‬نحو‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬قيادة‭ ‬البوليساريو،‭ ‬وقضى‭ ‬أسبوعين‭ ‬معتصما‭ ‬يطالب‭ ‬بالإجابة‭ ‬عن‭ ‬سؤال‭ ‬سبب‭ ‬اعتقاله،‭ ‬معلنا‭ ‬عن‭ ‬قبوله‭ ‬لأي‭ ‬حكم‭ ‬قضائي،‭ ‬مستند‭ ‬على‭ ‬تهمة،‭ ‬منددا‭ ‬باحتجازه‭ ‬طوال‭ ‬14‭ ‬سنة‭ ‬دون‭ ‬محاكمة‭. ‬ونفس‭ ‬الأمر‭ ‬بالضحية‭ ‬محمد‭ ‬بداهي‭ ‬الملقب‭ ‬بابريطانيا،‭ ‬هو‭ ‬اليوم‭ ‬يطالب‭ ‬بإعادة‭ ‬محاكمته،‭ ‬بعد‭ ‬قضائه‭ ‬7‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬سجن‭ ‬الرشيد‭ ‬بدون‭ ‬تهمة‭ ‬ولا‭ ‬محاكمة‭..‬
 
 ومن‭ ‬هؤلاء‭ ‬الضحايا‭ ‬من‭ ‬تم‭ ‬اختطافه‭ ‬وتعذيبه‭ ‬في‭ ‬زهرة‭ ‬شبابه؟‭..‬
 فعلا،‭ ‬ومن‭ ‬الضحايا‭ ‬من‭ ‬تم‭ ‬استدراجه‭ ‬من‭ ‬فرنسا،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬يشتغل،‭ ‬وهم‭ ‬الضحايا‭ ‬المعروفون‭ ‬بمجموعة‭ ‬«من‭ ‬المطار‭ ‬إلى‭ ‬الغار»‭. ‬ومنهم‭ ‬المرحوم‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭ ‬الصباغ‭ ‬وزوجته،‭ ‬وابنيهما،‭ ‬طفل‭ ‬وطفلة،‭ ‬وهم‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬عداد‭ ‬المختفين‭.. ‬والعشرات‭ ‬من‭ ‬الضحايا‭ ‬لقوا‭ ‬حتفهم‭ ‬تحت‭ ‬سياط‭ ‬التعذيب‭ ‬وقساوة‭ ‬الاحتجاز‭ ‬بالنظر‭ ‬لدرجة‭ ‬الحرارة‭ ‬المرتفعة‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬قتل‭ ‬بسم‭ ‬الأفاعي‭ ‬والعقارب‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتجول‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المراكز‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬الصحاري،‭ ‬المهدي‭ ‬ولد‭ ‬عثمان السويح،‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬هؤلاء،‭ ‬حسب‭ ‬بعض‭ ‬الشهادات‭ ‬تم‭ ‬تقطيعه،‭ ‬وابنه‭ ‬اليوم‭ ‬يطالب‭ ‬بجثمانه‭ ‬قصد‭ ‬دفنه‭ ‬والترحم‭ ‬عليه‭. ‬أيضا‭ ‬بونا‭ ‬ولد‭ ‬العالم،‭ ‬هو‭ ‬أستاذ‭ ‬اللغة‭ ‬الفرنسية،‭ ‬من‭ ‬قبيلة‭ ‬أولاد‭ ‬ادليم،‭ ‬تم‭ ‬تعذيبه،‭ ‬وهو‭ ‬معلق‭ ‬من‭ ‬أطرافه،‭ ‬حتى‭ ‬سقط‭ ‬أرضا‭ ‬ميتا‭..‬
 
 ألهذه‭ ‬الدرجة‭ ‬انعدم‭ ‬الحس‭ ‬الإنساني‭ ‬عند‭ ‬هؤلاء‭ ‬الجلادين؟
 الجواب‭ ‬هو‭ ‬فظاعة‭ ‬هذه‭ ‬الصور،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬التقاطها‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬بعيدة‭ ‬من‭ ‬التعذيب‭ ‬لقلة‭ ‬الإمكانيات‭ ‬التوثيقية،‭ ‬والجواب‭ ‬هو‭ ‬هذه‭ ‬الشهادات‭ ‬من‭ ‬الضحايا،‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬ضمن‭ ‬المرويات‭ ‬رغم‭ ‬مرور‭ ‬الزمن،‭ ‬وكأنها‭ ‬وقعت‭ ‬بالأمس‭. ‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬نظام‭ ‬شمولي،‭ ‬يقوده‭ ‬أشخاص‭ ‬ساديون،‭ ‬بأوامر‭ ‬من‭ ‬العسكر‭ ‬الجزائري،‭ ‬ولا‭ ‬علاقة‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬يحاولون‭ ‬تقديمه‭ ‬من‭ ‬كونهم‭ ‬من‭ ‬المد‭ ‬التحرري‭ ‬أو‭ ‬المناصر‭ ‬لقضايا‭ ‬الشعوب‭ ‬المضطهدة،‭ ‬وكل‭ ‬الوقائع‭ ‬والأدلة‭ ‬تثبت‭ ‬أننا‭ ‬إزاء‭ ‬أشخاص‭ ‬مجرمين‭ ‬ساديين،‭ ‬يستمتعون‭ ‬بتعذيب‭ ‬الآخرين‭..‬
 
طبيعة‭ ‬المجتمع‭ ‬الصحراوي،‭ ‬أنه‭ ‬متعارف‭ ‬مع‭ ‬بعضه‭ ‬البعض،‭ ‬عائلات‭ ‬وقبائل‭ ‬عاشت‭ ‬لقرون‭ ‬جنبا‭ ‬إلى‭ ‬جنب،‭ ‬وجل‭ ‬الصحراويين‭ ‬الذين‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬مخيمات‭ ‬تندوف‭ ‬ينحدرون‭ ‬من‭ ‬الأقاليم‭ ‬الجنوبية‭ ‬للمغرب،‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬للضحية‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬قريبا‭ ‬عائليا‭ ‬أو‭ ‬قبليا‭ ‬من‭ ‬الجلاد‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الظروف؟
لقد‭ ‬تم‭ ‬استهداف‭ ‬الضحايا‭ ‬من‭ ‬جميع‭ ‬القبائل،‭ ‬ولاتوجد‭ ‬قبيلة‭ ‬لم‭ ‬يتعرض‭ ‬منتسبوها،‭ ‬أفرادا‭ ‬وجماعات‭ ‬للانتهاكات‭ ‬الجسيمة‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬لكن‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نعرف‭ ‬بأن‭ ‬قيادة‭ ‬البوليساريو‭ ‬هي‭ ‬خارج‭ ‬المنطقة‭ ‬المتنازع‭ ‬عليها،‭ ‬الساقية‭ ‬الحمراء‭ ‬ووادي‭ ‬الذهب،‭ ‬وتم‭ ‬تأسيس‭ ‬الجبهة‭ ‬خارج‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬بالزويرات‭ ‬الموريتانية،‭ ‬والقيادة‭ ‬تلقت‭ ‬تعليمها‭ ‬بالجامعة‭ ‬المغربية‭ ‬بالرباط،‭ ‬وينحدرون‭ ‬من‭ ‬طانطان‭ ‬وبويزكارن‭. ‬وأنا‭ ‬شخصيا‭ ‬استغرب‭ ‬لحجم‭ ‬هذه‭ ‬السادية‭ ‬في‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأشخاص،‭ ‬ولا‭ ‬أشك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬الأمر‭ ‬كان‭ ‬مقصودا‭ ‬من‭ ‬النظام‭ ‬العسكري‭ ‬الجزائري‭ ‬في‭ ‬توريط‭ ‬الصحراويين‭ ‬في‭ ‬تقتيل‭ ‬بعضهم‭ ‬والتنكيل،‭ ‬حتى‭ ‬«تبرئ»‭ ‬ساحتها‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬ملاحقة‭ ‬قانونية‭ ‬بعدية،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فمسؤوليتها‭ ‬القانونية‭ ‬قائمة‭ ‬بحكم‭ ‬الواقع‭ ‬وبحكم‭ ‬الأرض‭.. ‬وبالتالي‭ ‬فالمسؤولية‭ ‬الجرمية‭ ‬قائمة‭ ‬ومستمرة‭ ‬في‭ ‬الزمان‭ ‬ولن‭ ‬يلحقها‭ ‬تقادم‭ ‬ودم‭ ‬الصحراويين‭ ‬سيبقى‭ ‬عالقا‭ ‬في‭ ‬رقاب‭ ‬العسكر‭ ‬الجزائري‭ ‬وسياسييه،‭ ‬وما‭ ‬دام‭ ‬الضحايا‭ ‬يواجهون‭ ‬الجزائر‭ ‬في‭ ‬المنظمات‭ ‬الحقوقية‭ ‬الدولية‭ ‬بكل‭ ‬الوسائل،‭ ‬وهنا‭ ‬يطرح‭ ‬السؤال‭ ‬لماذا‭ ‬تمنع‭ ‬الجزائر‭ ‬دخول‭ ‬المقررين‭ ‬الأممين‭ ‬لمخيمات‭ ‬تندوف؟‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬تترك‭ ‬الجزائر‭ ‬سلطة‭ ‬التقرير‭ ‬لجبهة‭ ‬البوليساريو‭ ‬لدخول‭ ‬هؤلاء‭ ‬المقررين؟‭ ‬هذا‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬الجبهة‭ ‬فاقدة‭ ‬لسلطة‭ ‬القرار‭ ‬لصالح‭ ‬الجزائر،‭ ‬وما‭ ‬دامت‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬لم‭ ‬تتحل‭ ‬بالشجاعة‭ ‬اللازمة‭ ‬في‭ ‬إجراء‭ ‬إحصاء‭ ‬أممي‭ ‬لساكنة‭ ‬المخيمات‭ ‬فإنها‭ ‬بذلك‭ ‬تبعث‭ ‬رسالة‭ ‬بأنها‭ ‬تريد‭ ‬استمرار‭ ‬هذا‭ ‬المشكل‭ ‬قائما‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬افريقيا،‭ ‬ولا‭ ‬تريد‭ ‬أي‭ ‬تسوية‭ ‬أممية،‭ ‬وسيظل‭ ‬اسم‭ ‬الجزائر‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المحافل‭ ‬الحقوقية‭ ‬العالمية،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الانتهاكات‭ ‬الحقوقية،‭ ‬وهنا‭ ‬استحضر‭ ‬اسم‭ ‬الضحية‭ ‬مربيه‭ ‬محمود‭ ‬آدا،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬سجلت‭ ‬له‭ ‬هيئة‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ملفا‭ ‬بشأن‭ ‬تعرضه‭ ‬للانتهاكات‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬جزائرية،‭ ‬وهذه‭ ‬ستكون‭ ‬مقدمة‭ ‬لملفات‭ ‬مشابهة‭..‬
 
‬هل‭ ‬كانت‭ ‬تشمل‭ ‬هذه‭ ‬الانتهاكات‭ ‬الأفراد‭ ‬أم‭ ‬الأسر‭ ‬أيضا؟
هناك‭ ‬أسر‭ ‬صحراوية‭ ‬كثيرة‭ ‬تم‭ ‬التنكيل‭ ‬بها‭ ‬وتهجيرها،‭ ‬مثلا‭ ‬كما‭ ‬قلت‭ ‬لك‭ ‬أسرة‭ ‬المرحوم‭ ‬عبد‭ ‬السلام‭ ‬الصباغ،‭ ‬تم‭ ‬استقدامها‭ ‬من‭ ‬باريس‭ ‬إلى‭ ‬الجزائر‭ ‬العاصمة‭ ‬إلى‭ ‬مخيمات‭ ‬تندوف‭ ‬وسجونها‭ ‬ومازالت‭ ‬هذ‭ ‬الأسرة‭ ‬مجهولة‭ ‬المصير،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تم‭ ‬قتل‭ ‬الأب،‭ ‬واختطاف‭ ‬الزوجة‭ ‬وابنيها‭..‬
 
 لم‭ ‬يكن‭ ‬الضحايا‭ ‬أيضا‭ ‬ينحدرون‭ ‬من‭ ‬الأقاليم‭ ‬الصحراوية،‭ ‬بل‭ ‬شمل‭ ‬أيضا‭ ‬مدنيين‭ ‬وعسكريين‭ ‬من‭ ‬شمال‭ ‬المملكة،‭ ‬تم‭ ‬اختطاف‭ ‬بعضهم‭ ‬وأسر‭ ‬بعضهم‭ ‬ليجدوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬في‭ ‬غياهيب‭ ‬سجون‭ ‬البوليساريو‭..‬
 فعلا،‭ ‬هناك‭ ‬عسكريين‭ ‬مغاربة‭ ‬تم‭ ‬أسرهم‭ ‬بمساعدة‭ ‬عسكريين‭ ‬جزائريين،‭ ‬وكل‭ ‬الشهادات‭ ‬تقول‭ ‬أنهم‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬جزائرية،‭ ‬والتحقيق‭ ‬معهم‭ ‬كان‭ ‬بإشراف‭ ‬ضباط‭ ‬جزائريين،‭ ‬والمخابرات‭ ‬العسكرية‭ ‬الجزائرية،‭ ‬والقانون‭ ‬الدولي‭ ‬يعطي‭ ‬حقوقا‭ ‬للأسرى،‭ ‬تم‭ ‬انتهاكها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬البوليساريو‭ ‬وداعمتها‭ ‬الجزائر،‭ ‬ومن‭ ‬بينهم‭ ‬المرحوم‭ ‬القبطان‭ ‬علي‭ ‬نجاب،‭ ‬الذي‭ ‬يروي‭ ‬فظاعات‭ ‬أسره‭ ‬لسنوات‭ ‬طوال،‭ ‬وكيف‭ ‬تمسبق‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬روى‭ ‬استخدامه‭ ‬رفقة‭ ‬زملائه‭ ‬الأسرى‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬السخرة،‭ ‬مقابل‭ ‬أسرى‭ ‬عساكر‭ ‬من‭ ‬الجبهة‭ ‬كانوا‭ ‬يتمتعون‭ ‬بكل‭ ‬الحقوق‭ ‬في‭ ‬فضاءات‭ ‬مخصصة‭ ‬لهم‭ ‬بأكادير‭ ‬وبالضبط‭ ‬بنسركاو‭. ‬وأنا‭ ‬زرت‭ ‬هذا‭ ‬المركز‭ ‬بحكم‭ ‬وجود‭ ‬قريب‭ ‬لي،‭ ‬كان‭ ‬المركز‭ ‬شبيها‭ ‬بجلسات‭ ‬الصحراويين،‭ ‬ويزوره‭ ‬موظفو‭ ‬الصليب‭ ‬الأحمر‭ ‬بانتظام،‭ ‬كما‭ ‬من‭ ‬حقهم‭ ‬الزيارات‭ ‬العائلية،‭ ‬يعني‭ ‬كان‭ ‬مركزا‭ ‬إنسانيا‭ ‬أكثر‭ ‬بكثير‭ ‬مما‭ ‬عاشه‭ ‬الأسرى‭ ‬المغاربة‭ ‬في‭ ‬سجون‭ ‬مخيمات‭ ‬تندوف،‭ ‬وفق‭ ‬قواعد‭ ‬السلوك‭ ‬في‭ ‬اتفاقية‭ ‬جنيف‭ ‬سنة‭ ‬1951،‭ ‬حيث‭ ‬تنص‭ ‬على‭ ‬استنطاق‭ ‬الجندي‭ ‬في‭ ‬أمرين،‭ ‬اسمه‭ ‬ورتبته‭ ‬العسكرية‭. ‬والحال‭ ‬أن‭ ‬الأسرى‭ ‬المغاربة‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬الجزائرية‭ ‬تم‭ ‬استخدامهم‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬السخرة،‭ ‬بناء‭ ‬المدارس‭ ‬والإدارات‭ ‬وتم‭ ‬التنكيل‭ ‬بهم‭ ‬وتعذيبهم‭ ‬في‭ ‬أبشع‭ ‬الصور،‭ ‬ولم‭ ‬يتم‭ ‬احترام‭ ‬أدميتهم‭ ‬وكرامتهم‭..‬
كما‭ ‬تم‭ ‬اختطاف‭ ‬مدنيين‭ ‬أبرياء‭ ‬من‭ ‬المدن‭ ‬الحدودية‭ ‬للجزائر،‭ ‬من‭ ‬محاميد‭ ‬لغزلان‭ ‬وزاكورة‭ ‬ومن‭ ‬طاطا‭ ‬ومن‭ ‬الزاك،‭ ‬وتم‭ ‬التنكيل‭ ‬بهم‭ ‬بعد‭ ‬زجهم‭ ‬في‭ ‬مراكز‭ ‬التعذيب،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الاختطافات‭ ‬لم‭ ‬تطل‭ ‬الأفراد‭ ‬بل‭ ‬جماعات،‭ ‬مثال‭ ‬ما‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬جماعة‭ ‬البيرات‭ ‬بإقليم‭ ‬أسا‭ ‬الزاك‭ ‬الحدودي،‭ ‬حيث‭ ‬قتل‭ ‬من‭ ‬قتل‭ ‬وتم‭ ‬اختطاف‭ ‬من‭ ‬ظل‭ ‬حيا‭.. ‬وهناك‭ ‬شهادات‭ ‬مصورة‭ ‬ومضمنة‭ ‬في‭ ‬مجلات‭ ‬وجرائد‭ ‬وكتب‭ ‬توثق‭ ‬لهذه‭ ‬الانتهاكات‭ ‬الحقوقية،‭ ‬واستعباد‭ ‬المختطفين‭.‬
 
ما‭ ‬وقع‭ ‬من‭ ‬انتهاكات‭ ‬حقوقية‭ ‬لايخالف‭ ‬فقط‭ ‬روح‭ ‬الدستور‭ ‬الجزائري،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬تنصيصه‭ ‬على‭ ‬دولة‭ ‬الحق‭ ‬والقانون،‭ ‬بل‭ ‬يخالف‭ ‬نصا‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬عدم‭ ‬تفويت‭ ‬أي‭ ‬قطعة‭ ‬أرضية‭ ‬جزائرية،‭ ‬والحال‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬وقع‭ ‬هو‭ ‬منح‭ ‬مساحة‭ ‬أرضية‭ ‬لجهة‭ ‬أجنبية‭ ‬تمارس‭ ‬فيها‭ ‬سلطة‭ ‬عسكرية‭ ‬وسياسية‭ ‬ضد‭ ‬دولة‭ ‬أخرى‭.. ‬هل‭ ‬من‭ ‬تحليل‭ ‬لهذا‭ ‬الوضع؟
فعلا‭ ‬تنص‭ ‬المادة‭ ‬15‭ ‬من‭ ‬الدستور‭ ‬الجزائري،‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬«لايجوز‭ ‬البتة‭ ‬التنازل‭ ‬أو‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬التراب‭ ‬الوطني»‭. ‬والحال‭ ‬أن‭ ‬الدولة‭ ‬الجزائرية،‭ ‬تنازلت‭ ‬لجبهة‭ ‬البوليساريو‭ ‬عن‭ ‬قطعة‭ ‬أرض‭ ‬وتخلت‭ ‬عنها،‭ ‬وهي‭ ‬تعادل‭ ‬مساحة‭ ‬الجولان‭ ‬السوري،‭ ‬تمارس‭ ‬فيها‭ ‬مهام‭ ‬عسكرية‭ ‬وسياسية‭ ‬وأمنية‭ ‬وقضائية‭ ‬وفيها‭ ‬ساكنة‭ ‬غير‭ ‬جزائرية،‭ ‬ويتم‭ ‬تعذيب‭ ‬أبرياء‭ ‬في‭ ‬أرضها‭ ‬وانتهاك‭ ‬حقوقهم،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأراضي‭ ‬الجزائرية‭ ‬يتم‭ ‬استهداف‭ ‬الأراضي‭ ‬المغربية،‭ ‬يعني‭ ‬نحن‭ ‬أمام‭ ‬«دولة»‭ ‬في‭ ‬قلب‭ ‬دولة،‭ ‬ويمنع‭ ‬على‭ ‬الجزائريين‭ ‬الدخول‭ ‬لمخيمات‭ ‬تندوف‭ ‬إلا‭ ‬بتصريح،‭ ‬وحتى‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬المخيمات‭ ‬نحو‭ ‬التراب‭ ‬الجزائري‭ ‬يستلزم‭ ‬تصريح،‭ ‬يعني‭ ‬حالة‭ ‬فريدة‭ ‬في‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬وبالتالي،‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬تفسير‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬الشاذة؟‭ ‬وكيف‭ ‬يمكن‭ ‬لبلد‭ ‬«المليون‭ ‬شهيد»‭ ‬أن‭ ‬تظل‭ ‬مساحة‭ ‬ما‭ ‬يعادل‭ ‬80‭ ‬ألف‭ ‬كلم‭ ‬تحت‭ ‬سيطرة‭ ‬جهة‭ ‬غير‭ ‬جزائرية،‭ ‬تمارس‭ ‬سيادتها‭ ‬فيها‭ ‬داخل‭ ‬حدود‭ ‬محروسة‭ ‬من‭ ‬القطاع‭ ‬العسكري‭ ‬الجزائري‭ ‬ومن‭ ‬الناحية‭ ‬العسكرية‭ ‬الثالثة‭.‬‭ ‬ومن‭ ‬جبهة‭ ‬البوليساريو؟‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الأرض‭ ‬الجزائرية‭ ‬المتخلى‭ ‬عنها‭ ‬للبوليساريو‭ ‬تضم‭ ‬أسلحة‭ ‬ثقيلة‭ ‬للجبهة،‭ ‬وهذا‭ ‬يخالف‭ ‬الدستور‭ ‬الجزائري‭ ‬أيضا،‭ ‬الذي‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬حصر‭ ‬السلاح‭ ‬كيفما‭ ‬كان‭ ‬بيد‭ ‬الجيش‭ ‬الجزائري‭..‬
 
كيف‭ ‬ترى‭ ‬سبل‭ ‬الترافع‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬الإنساني‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬والمتعلق‭ ‬بالانتهاكات‭ ‬الجسيمة‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬مخيمات‭ ‬تندوف؟
أجدد‭ ‬التنويه‭ ‬والإشادة‭ ‬بمبادرة‭ ‬حزب‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬اللقاء‭ ‬الحقوقي‭ ‬لفضح‭ ‬هذه‭ ‬الانتهاكات‭ ‬بسجون‭ ‬البوليساريو‭ ‬بتندوف‭. ‬وهذا‭ ‬نداء‭ ‬لباقي‭ ‬الهيئات‭ ‬السياسية‭ ‬والحقوقية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إدراج‭ ‬هذه‭ ‬النقطة‭ ‬الإنسانية‭ ‬ضمن‭ ‬ترافعها‭ ‬في‭ ‬المحافل‭ ‬الدولية،‭ ‬والتي‭ ‬لها‭ ‬ارتباط‭ ‬بخلفياتها‭ ‬الفكرية‭ ‬والحقوقية،‭ ‬ويجب‭ ‬توثيق‭ ‬هذه‭ ‬الشهادات‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬ضحاياها‭ ‬للانتهاك،‭ ‬وإدراجها‭ ‬في‭ ‬أشغال‭ ‬لجان‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬أمميا،‭ ‬ومتابعة‭ ‬الجناة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬يزورونها،‭ ‬وهذه‭ ‬حقيقة‭ ‬وجريمة‭ ‬مكتملة‭ ‬الأركان،‭ ‬وزكتها‭ ‬البوليساريو‭ ‬مؤخرا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ما‭ ‬أسمته‭ ‬تعويض‭ ‬الضحايا،‭ ‬يعني‭ ‬أنها‭ ‬أقرت‭ ‬بما‭ ‬ظلت‭ ‬لسنوات‭ ‬تنكره‭.. ‬وهذا‭ ‬نتيجة‭ ‬لضغط‭ ‬الضحايا‭ ‬في‭ ‬المنتظم‭ ‬الدولي،‭ ‬وما‭ ‬زال‭ ‬الضغط‭ ‬مستمرا‭.‬
 
ونحن‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬انتهاكات‭ ‬حقوقية‭ ‬اقترفتها‭ ‬البوليساريو‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬وموافقة‭ ‬النظام‭ ‬العسكري‭ ‬الجزائري،‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬معينة،‭ ‬الحال‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الانتهاكات‭ ‬مستمرة‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭ ‬بأشكال‭ ‬أخرى‭..‬
 هناك‭ ‬800‭ ‬حالة‭ ‬لأطفال‭ ‬تم‭ ‬انتزاعهم‭ ‬من‭ ‬أسرهم‭ ‬البيولوجية‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الحاضر،‭ ‬ووضعهم‭ ‬تحت‭ ‬نظام‭ ‬الكفالة‭ ‬لصالح‭ ‬أسر‭ ‬إسبانية‭ ‬غير‭ ‬مسلمة،‭ ‬هذا‭ ‬أكبر‭ ‬انتهاك‭ ‬لحقوق‭ ‬الأطفال‭. ‬ولدي‭ ‬أقرباء‭ ‬في‭ ‬مخيمات‭ ‬تندوف‭ ‬رفعوا‭ ‬شكاوي‭ ‬قضائية‭ ‬ضد‭ ‬هذا‭ ‬الانتزاع‭. ‬وحتى‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬عادوا‭ ‬للمخيمات‭ ‬بعد‭ ‬العطلة‭ ‬الصيفية،‭ ‬عادوا‭ ‬بمزاج‭ ‬واعتقاد‭ ‬مختلف،‭ ‬أثر‭ ‬على‭ ‬سلوكهم‭ ‬مع‭ ‬أسرهم،‭ ‬وكأنهم‭ ‬تعرضوا‭ ‬لغسيل‭ ‬دماغ،‭ ‬وأصبحوا‭ ‬يتحينون‭ ‬كل‭ ‬الفرص‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬العودة‭ ‬لإسبانيا،‭ ‬وهذا‭ ‬يؤدي‭ ‬لمزيد‭ ‬من‭ ‬الشتات‭ ‬الأسري‭. ‬وهناك‭ ‬تقارير‭ ‬أمنية‭ ‬للشرطة‭ ‬الإسبانية‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬تعرض‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأطفال‭ ‬الصحراويين‭ ‬لانتهاكات‭ ‬جنسية‭ ‬وتعريضهم‭ ‬لجرائم‭ ‬معاقب‭ ‬عليها‭ ‬قانونيا،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬حالات‭ ‬لأطفال‭ ‬أصبحوا‭ ‬مثليين،‭ ‬وهناك‭ ‬مقاطع‭ ‬إباحية‭ ‬تصور‭ ‬بعض‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأطفال،‭ ‬يتم‭ ‬تداولها‭ ‬عبر‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭.. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬صورا‭ ‬لأطفال‭ ‬في‭ ‬الكنائس‭ ‬وصور‭ ‬بجانب‭ ‬رمز‭ ‬المثلية‭ ‬الجنسية،‭ ‬وبالتالي‭ ‬ما‭ ‬تسميه‭ ‬البوليساريو‭ ‬بـ‭ ‬«عطل‭ ‬السلام»‭ ‬هو‭ ‬انتهاك‭ ‬لحقوق‭ ‬الأطفال،‭ ‬كما‭ ‬يتم‭ ‬استغلال‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬مواقف‭ ‬سياسية‭ ‬وعسكرية،‭ ‬وهذا‭ ‬مخالف‭ ‬للمواثيق‭ ‬الدولية،‭ ‬وينبغي‭ ‬للمنظمات‭ ‬الحقوقية‭ ‬التحقيق‭ ‬فيها‭..‬
 
ألا‭ ‬يوجد‭ ‬رادع‭ ‬قانوني‭ ‬أو‭ ‬أممي‭ ‬يوقف‭ ‬هذه‭ ‬الانتهاكات‭ ‬الحقوقية‭ ‬سواء‭ ‬السابقة‭ ‬أو‭ ‬الحالية؟
 البوليساريو‭ ‬ومعها‭ ‬الجزائر،‭ ‬يقومان‭ ‬بحملة‭ ‬إعلامية‭ ‬دعائية،‭ ‬تحاول‭ ‬التغطية‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬الانتهاكات،‭ ‬وتقديم‭ ‬الصحراويين‭ ‬في‭ ‬مخيمات‭ ‬تندوف‭ ‬على‭ ‬أنهم‭ ‬ضحايا‭ ‬المغرب،‭ ‬والحال‭ ‬أنهم‭ ‬ضحايا‭ ‬مخيمات‭ ‬تندوف،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإن‭ ‬صورة‭ ‬الضحية،‭ ‬بدأت‭ ‬تندثر‭ ‬بفعل‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وعلى‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬إجبار‭ ‬البوليساريو‭ ‬والجزائر‭ ‬على‭ ‬قبول‭ ‬الإحصاء،‭ ‬أقصد‭ ‬منظمة‭ ‬غوث‭ ‬اللاجئين‭. ‬إذ‭ ‬لايعقل‭ ‬أن‭ ‬تظل‭ ‬المخيمات‭ ‬حبيسة‭ ‬رقم‭ ‬مضلل‭ ‬تقدمه‭ ‬البوليساريو،‭ ‬والمفروض‭ ‬معرفة‭ ‬العدد‭ ‬الحقيقي‭ ‬لساكنة‭ ‬المخيمات،‭ ‬فمنذ‭ ‬القرار‭ ‬الأممي‭ ‬1754‭ ‬لسنة‭ ‬2007،‭ ‬يتم‭ ‬المطالبة‭ ‬بإجراء‭ ‬إحصاء،‭ ‬وإلى‭ ‬اليوم‭ ‬يتم‭ ‬رفض‭ ‬ذلك،‭ ‬وهذا‭ ‬غرضه‭ ‬هو‭ ‬سرقة‭ ‬المعونات‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬تقدم‭. ‬وهناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الفضائح‭ ‬التي‭ ‬انفجرت‭ ‬جراء‭ ‬تلاعب‭ ‬البوليساريو‭ ‬والجزائر‭ ‬بمواد‭ ‬الدعم،‭ ‬وتم‭ ‬فضحها‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬المخيمات‭. ‬كما‭ ‬لا‭ ‬ننسى‭ ‬أن‭ ‬رفض‭ ‬الإحصاء،‭ ‬هو‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الساكنة‭ ‬كرهائن‭ ‬في‭ ‬المخيمات،‭ ‬لأن‭ ‬صفة‭ ‬لاجئ،‭ ‬تمنحه‭ ‬الحق‭ ‬للانتقال‭ ‬لبلد‭ ‬آخر‭ ‬غير‭ ‬الذي‭ ‬يعيش‭ ‬فيه،‭ ‬وبالتالي‭ ‬هناك‭ ‬تخوف‭ ‬من‭ ‬إفراغ‭ ‬المخيمات‭ ‬من‭ ‬ساكنيها،‭ ‬خصوصا‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المتدهورة‭.. ‬كما‭ ‬أن‭ ‬رفض‭ ‬الإحصاء‭ ‬مرده‭ ‬التستر‭ ‬على‭ ‬أصول‭ ‬ساكنة‭ ‬مخيمات‭ ‬تندوف،‭ ‬لأن‭ ‬مجرد‭ ‬مقارنة‭ ‬بسيطة‭ ‬مع‭ ‬إحصاء‭ ‬1974‭ ‬سيتم‭ ‬اكتشاف‭ ‬أن‭ ‬ساكنة‭ ‬تندوف‭ ‬ينحدرون‭ ‬من‭ ‬الجزائر‭ ‬ومن‭ ‬دول‭ ‬مجاورة،‭ ‬غير‭ ‬ساكنتها‭ ‬الأصلية‭ ‬المنحدرة‭ ‬من‭ ‬الأقاليم‭ ‬الجنوبية‭ ‬للمغرب،‭ ‬وبالتالي‭ ‬ستنكشف‭ ‬الكذبة‭ ‬الكبرى،‭ ‬أننا‭ ‬أمام‭ ‬لاجئين‭ ‬صحراويين‭ ‬لايشكلون‭ ‬إلا‭ ‬حوالي‭ ‬20‭ ‬في‭ ‬المائة،‭ ‬من‭ ‬الساكنة‭ ‬الأصلية‭ ‬ومن‭ ‬تبقى‭ ‬غرباء‭ ‬عن‭ ‬مناطق‭ ‬النزاع‭. ‬نحن‭ ‬نطالب‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬بالضغط‭ ‬على‭ ‬جبهة‭ ‬البوليساريو‭ ‬والجزائر‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬القبول‭ ‬بدخول‭ ‬منظمة‭ ‬غوث‭ ‬اللاجئين‭ ‬وإحصاء‭ ‬الساكنة‭ ‬الحقيقية‭ ‬للمخيمات،‭ ‬إذ‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬أن‭ ‬المطلب‭ ‬الذي‭ ‬ترفع‭ ‬البوليساريو‭ ‬والجزائر‭ ‬هو‭ ‬تقرير‭ ‬المصير‭ ‬والاستفتاء،‭ ‬افتحوا‭ ‬أسوار‭ ‬المخيمات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬يقرر‭ ‬الساكنة‭ ‬مصيرهم‭ ‬ويعرفوا‭ ‬من‭ ‬هي‭ ‬الساكنة‭ ‬الحقيقية‭ ‬من‭ ‬الغريبة‭..‬
 
 بعد‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬العقود،‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬الأوضاع‭ ‬الاجتماعية‭ ‬متردية‭ ‬في‭ ‬المخيمات،‭ ‬ولم‭ ‬تقم‭ ‬الجزائر‭ ‬الراعية‭ ‬للجبهة‭ ‬بأي‭ ‬إنجاز‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬البنيات‭ ‬التحتية،‭ ‬وهذا‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬العالم‭ ‬المفتوح،‭ ‬أصبح‭ ‬في‭ ‬متناول‭ ‬المراقبين‭..‬
 من‭ ‬باب‭ ‬العلم،‭ ‬فإن‭ ‬أول‭ ‬ما‭ ‬بدأت‭ ‬جبهة‭ ‬البوليساريو‭ ‬في‭ ‬تشييده‭ ‬منذ‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬مايسمى‭ ‬"الجمهورية"‭ ‬هي‭ ‬السجون‭ ‬ومراكز‭ ‬التحقيق،‭ ‬وذلك‭ ‬لتكميم‭ ‬أفواه‭ ‬كل‭ ‬المعارضين،‭ ‬وبعد‭ ‬ذلك‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬تهييء‭ ‬المقابر‭ ‬لدفن‭ ‬الجثت‭ ‬وقتلى‭ ‬الحرب‭ ‬مع‭ ‬المغرب،‭ ‬اجتماعيا،‭ ‬نسبة‭ ‬الهدر‭ ‬المدرسي‭ ‬مرتفعة‭ ‬في‭ ‬صفوف‭ ‬الأطفال،‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬شهادة‭ ‬البكالوريا،‭ ‬لايتعدى‭ ‬1‭ ‬في‭ ‬المائة،‭ ‬ولكم‭ ‬أن‭ ‬تتصوروا‭ ‬99‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬لايتوفرون‭ ‬على‭ ‬شهادة‭ ‬الباكالوريا،‭ ‬أي‭ ‬أفق‭ ‬ينتظرهم‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬انعدام‭ ‬شروط‭ ‬العيش‭ ‬الكريم،‭ ‬ومجال‭ ‬جغرافي‭ ‬ومناخي‭ ‬قاسي،‭ ‬لايبقى‭ ‬أمامهم‭ ‬إلا‭ ‬التطرف‭ ‬الاجتماعي‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ارتفاع‭ ‬معدل‭ ‬الجريمة‭ ‬والتعاطي‭ ‬للمخدرات‭ ‬أو‭ ‬التطرف‭ ‬الديني‭ ‬والالتحاق‭ ‬بعناصر‭ ‬داعش‭ ‬في‭ ‬الصومال‭ ‬أو‭ ‬شمال‭ ‬مالي،‭ ‬وهناك‭ ‬حالات‭ ‬لشباب‭ ‬صحراويين‭ ‬تم‭ ‬التغرير‭ ‬بهم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬القتال‭ ‬في‭ ‬بؤر‭ ‬التوتر،‭ ‬بل‭ ‬هناك‭ ‬بوادر‭ ‬لتنظيم‭ ‬ديني‭ ‬مقاتل‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬المخيمات‭. ‬وأنا‭ ‬متأكد‭ ‬أن‭ ‬جبهة‭ ‬البوليساريو‭ ‬تشكل‭ ‬بالنسبة‭ ‬للجماعات‭ ‬المقاتلة‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬الصحراء‭ ‬والساحل،‭ ‬عنصر‭ ‬تغذية‭ ‬للقتال‭ ‬في‭ ‬افريقيا،‭ ‬مما‭ ‬يشكل‭ ‬تهديدا‭ ‬للاستقرار‭ ‬العالمي،‭ ‬وتهريب‭ ‬البنزين‭ ‬والاتجار‭ ‬بالبشر‭ ‬عبر‭ ‬شبكات‭ ‬دولية،‭ ‬هو‭ ‬شكل‭ ‬من‭ ‬أشكال‭ ‬عدم‭ ‬الاستقرار‭..‬