الجمعة 21 فبراير 2025
سياسة

سجون تندوف.. إجرام جزائري خارج المراقبة الدولية

سجون تندوف.. إجرام جزائري خارج المراقبة الدولية القيادة ال‬دموية داخل سجون البوليساريو: الجلادان شنقريحة وغالي
ما‭ ‬يجري‭ ‬داخل‭ ‬سجون‭ ‬البوليساريو‭ ‬بتندوف‭ ‬ليس‭ ‬سوى‭ ‬أعمال‭ ‬حقيرة‭ ‬بإنفاق‭ ‬جزائري‭ ‬باهظ‭. ‬هذه‭ ‬هي‭ ‬الصورة‭ ‬الغامقة‭ ‬لما‭ ‬يقع‭ ‬هناك‭.  ‬جلادون‭ ‬عسكريون‭ ‬ماتت‭ ‬إنسانيتهم‭ ‬وشبعت‭ ‬موتا،‭ ‬لا‭ ‬يتورعون‭ ‬عن‭ ‬فعل‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬يسكت‭ ‬عويل‭ ‬أحقادهم‭ ‬وأمراضهم‭. ‬لا‭ ‬يطربهم‭ ‬إلا‭ ‬نحيب‭ ‬المحتجزين‭ ‬وصراخهم‭ ‬في‭ ‬الأقبية‭ ‬المظلمة،‭ ‬ولا‭ ‬يشفي‭ ‬غليلهم‭ ‬سوى‭ ‬الدم‭ ‬المسفوك‭ ‬خلف‭ ‬جدران‭ ‬الزنازن‭. ‬إذ‭ ‬تُشير‭ ‬تقارير‭ ‬وشهادات‭ ‬متعددة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يقع‭ ‬داخل‭ ‬هذه‭ ‬السجون‭ ‬قد‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬الإعدام‭ ‬خارج‭ ‬نطاق‭ ‬القانون!
 
ففي‭ ‬مارس  ‬2024،‭ ‬استنكرت‭ ‬منظمتان‭ ‬غير‭ ‬حكوميتين،‭ ‬هما‭ ‬"الشبكة‭ ‬الإفريقية‭ ‬للتنمية‭ ‬والحكامة‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان"،‭ ‬ومنظمة‭ ‬«إل‭ ‬سيناكولو»،‭ ‬هذه‭ ‬الانتهاكات‭ ‬أمام‭ ‬مجلس‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬التابع‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭. ‬وأشارت‭ ‬المنظمتان‭ ‬إلى‭ ‬تعرض‭ ‬المحتجزين‭ ‬في‭ ‬مخيمات‭ ‬تندوف‭ ‬لعمليات‭ ‬إعدام‭ ‬خارج‭ ‬نطاق‭ ‬القضاء،‭ ‬واختفاءات‭ ‬قسرية،‭ ‬واغتصاب‭ ‬وسخرة‭ ‬وعبودية‭ ‬وتنكيل‭ ‬بطرق‭ ‬وحشية‭. ‬كما‭ ‬نددتا‭ ‬بصمت‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬تجاه‭ ‬هذه‭ ‬الفظائع‭ ‬المرتكبة‭ ‬دون‭ ‬عقاب‭. ‬ومن‭ ‬ذلك‭ ‬إقدام‭ ‬العسكر‭ ‬الجزائري‭ ‬على‭ ‬إعدام‭ ‬3‭ ‬شبان‭ ‬من‭ ‬«مخيم‭ ‬الداخلة»‭ ‬كانوا‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬للتنقيب‭ ‬عن‭ ‬الذهب‭ ‬في‭ ‬الصحراء‭ ‬بتهمة‭ ‬محاولة‭ ‬الفرار‭ ‬إلى‭ ‬المغرب،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أكده‭ ‬مرصد‭ ‬الصحراء‭ ‬للسلم‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬بيان‭ ‬ندد‭ ‬بحالات‭ ‬القتل‭ ‬خارج‭ ‬نطاق‭ ‬القانون‭ ‬التي‭ ‬يتعرض‭ ‬لها‭ ‬سكان‭ ‬المخيمات،‭ ‬داخل‭ ‬السجون‭ ‬وخارجها‭.‬
 
الصورة‭ ‬القاتمة
الصورة‭ ‬القاتمة‭ ‬نفسها‭ ‬نقلتها‭ ‬صحيفة‭ ‬«إل‭ ‬سييتي»‭ ‬الشيلية‭ ‬في‭ ‬يونيو‭  ،  ‬2023‭ ‬حيث‭ ‬نشرت‭ ‬شهادات‭ ‬لضحايا‭ ‬تعرضوا‭ ‬للتعذيب‭ ‬في‭ ‬سجون‭ ‬البوليساريو،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬بين‭ ‬هؤلاء،‭ ‬سعداني‭ ‬ماء‭ ‬العينين‭ ‬«ابنة‭ ‬الراحل‭ ‬الوالي‭ ‬الشيخ‭ ‬سلامة»‭ ‬التي‭ ‬تحدثت‭ ‬عن‭ ‬تفاصيل‭ ‬التعذيب‭ ‬الذي‭ ‬تعرضت‭ ‬له‭ ‬هي‭ ‬ووالدها،‭ ‬وترحيلها‭ ‬القسري‭ ‬إلى‭ ‬كوبا‭. ‬كما‭ ‬تحدث‭ ‬الداهي‭ ‬أكاي‭ ‬«أحد‭ ‬مؤسسي‭ ‬جبهة‭ ‬البوليساريو‭ ‬ورئيس‭ ‬مفقودي‭ ‬البوليساريو»‭ ‬عن‭ ‬آثار‭ ‬التعذيب‭ ‬الوحشي‭ ‬على‭ ‬جسده،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬تورط‭ ‬30‭ ‬من‭ ‬قيَّاديِّي‭ ‬البوليساريو‭ ‬في‭ ‬جرائم‭ ‬الإبادة‭ ‬والاختفاء‭ ‬القسري‭ ‬والانتهاكات‭ ‬الجسيمة‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭. ‬فيما‭ ‬كشف‭ ‬أحمد‭ ‬خر،‭ ‬«أحد‭ ‬مؤسسي‭ ‬البوليساريو‭ ‬ورئيس‭ ‬الائتلاف‭ ‬الصحراوي‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬ضحايا‭ ‬سجن‭ ‬الرشيد‭ ‬بتندوف»،‭ ‬الوجه‭ ‬الوحشي‭ ‬البشع‭ ‬لجلادي‭ ‬البوليساريو‭ ‬الذي‭ ‬احتجزوه‭ ‬14‭ ‬عامًا‭ ‬في‭ ‬السجن،‭ ‬منها‭ ‬10‭ ‬سنوات‭ ‬في‭ ‬عزلة‭ ‬تامة،‭ ‬تعرض‭ ‬خلالها‭ ‬لأشكال‭ ‬متعددة‭ ‬ومتنوعة‭ ‬من‭ ‬التعذيب‭.‬

هذا‭ ‬الوضع‭ ‬اللاإنساني‭ ‬والمأساوي‭ ‬يطرح‭ ‬بقوة‭ ‬هذا‭ ‬السؤال:‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬أي‭ ‬رقابة‭ ‬دولية‭ ‬على‭ ‬سجون‭ ‬البوليساريو؟!‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬دور‭ ‬المنظمات‭ ‬الحقوقية‭ ‬والإنسانية‭ ‬الدولية‭ ‬«المفوضية‭ ‬السامية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬مجلس‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬منظمة‭ ‬العفو‭ ‬الدولية،‭ ‬المنظمة‭ ‬الدولية‭ ‬للإصلاح‭ ‬الجنائي،‭ ‬اللجنة‭ ‬الدولية‭ ‬للصليب‭ ‬الأحمر،‭ ‬«هيومن‭ ‬رايتس‭ ‬ووتش»‭.. ‬إلخ»؟‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬موقفها‭ ‬من‭ ‬إصرار‭ ‬السلطات‭ ‬الجزائرية‭ ‬على‭ ‬منع‭ ‬وصول‭ ‬المفتشين،‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬كامل،‭ ‬إلى‭ ‬السجون‭ ‬والمعتقلات‭ ‬في‭ ‬تندوف،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬المادة‭ ‬16‭ ‬من‭ ‬اتفاقية‭ ‬مناهضة‭ ‬التعذيب‭ ‬تنص‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يلي:‭ ‬«تتعهد‭ ‬كل‭ ‬دولة‭ ‬طرف‭ ‬بأن‭ ‬تمنع،‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬إقليم‭ ‬يخضع‭ ‬لولايتها‭ ‬القضائية‭ ‬حدوث‭ ‬أي‭ ‬أعمال‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬أعمال‭ ‬المعاملة‭ ‬أو‭ ‬العقوبة‭ ‬القاسية‭ ‬أو‭ ‬اللاإنسانية‭ ‬أو‭ ‬المهينة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬التعذيب»؟‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬أدوار‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الجمعيات‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬«الحجرات‭ ‬المظلمة»‭ ‬التي‭ ‬يحرسها‭ ‬العسكر‭ ‬الجزائري‭ ‬في‭ ‬مخيمات‭ ‬تندوف؟‭ ‬ما‭ ‬دور‭ ‬المنتظم‭ ‬الدولي‭ ‬في‭ ‬تقويم‭ ‬ممارسات‭ ‬البوليساريو‭ ‬التي‭ ‬تتعارض‭ ‬مع‭ ‬التزامات‭ ‬الجزائر‭ ‬الدولية؟

في‭ ‬الأسبوع‭ ‬الماضي‭ ‬من‭ ‬فبراير‭ ‬2025،‭ ‬وفي‭ ‬لقاء‭ ‬احتضنه‭ ‬المقر‭ ‬المركزي‭ ‬لحزب‭ ‬الاتحاد‭ ‬الاشتراكي‭ ‬بشارع‭ ‬العرعار،‭ ‬طالب‭ ‬«الائتلاف‭ ‬الصحراوي‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬ضحايا‭ ‬سجن‭ ‬الرشيد‭ ‬بتندوف»،‭ ‬يوم‭ ‬الجمعة‭ ‬14‭ ‬فبراير‭ ‬2024،‭ ‬المجتمع‭ ‬الدولي‭ ‬وكافة‭ ‬الهيئات‭ ‬الحقوقية،‭ ‬بالضغط‭ ‬على‭ ‬الجزائر‭ ‬والبوليساريو‭ ‬لوضع‭ ‬حد‭ ‬لهذه‭ ‬الانتهاكات،‭ ‬وإطلاق‭ ‬سراح‭ ‬كل‭ ‬المختطفين،‭ ‬وكشف‭ ‬مصير‭ ‬المفقودين‭. ‬كما‭ ‬طالب‭ ‬مجلس‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان‭ ‬بإرسال‭ ‬بعثة‭ ‬حقوقية‭ ‬للنبش‭ ‬في‭ ‬المقابر‭ ‬الجماعية‭ ‬المتناثرة‭ ‬قرب‭ ‬تلك‭ ‬المعسكرات‭ ‬السجنية‭ ‬السرية‭ ‬ومحاسبة‭ ‬المسؤولين‭ ‬«الجزائريين‭ ‬والانفصاليين»‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭.‬
 
قيادة‭ ‬دموية
ووفقًا‭ ‬لصحيفة‭ ‬«لاراثون»‭ ‬الإسبانية،‭ ‬فإن‭ ‬ضحايا‭ ‬الانتهاكات‭ ‬يتهمون‭ ‬قيادة‭ ‬البوليساريو‭ ‬بارتكاب‭ ‬جرائم‭ ‬تشمل‭ ‬الإبادة‭ ‬الجماعية،‭ ‬والقتل،‭ ‬والاحتجاز‭ ‬غير‭ ‬القانوني،‭ ‬والتعذيب،‭ ‬والاختفاء‭ ‬القسري‭. ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬أكبر‭ ‬المتهمين‭ ‬زعيم‭  ‬الانفصاليين‭ ‬إبراهيم‭ ‬غالي‭ ‬شغل‭ ‬سابقا‭ ‬عدة‭ ‬مناصب،‭ ‬منها‭ ‬مسؤول‭ ‬شؤون‭ ‬الأمن‭ ‬والدفاع،‭ ‬وعضو‭ ‬في‭ ‬اللجنة‭ ‬التنفيذية،‭ ‬وسفير‭ ‬في‭ ‬إسبانيا‭ ‬والجزائر،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬بشير‭ ‬مصطفى‭ ‬السيد‭ ‬الذي‭ ‬شغل‭ ‬منصب‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬الوطني‭.‬،‭ ‬ثم‭ ‬محمد‭ ‬سالم‭ ‬ولد‭ ‬السالك‭ ‬«وزير‭ ‬الشؤون‭ ‬الخارجية»،‭ ‬وحمدي‭ ‬ولد‭ ‬الرشيد‭ ‬«وزير‭ ‬الداخلية»‭. ‬كل‭ ‬هؤلاء‭ ‬مسؤولون‭ ‬عن‭ ‬الانتهاكات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬«بطلها»‭ ‬بدون‭ ‬منازع‭ ‬سيد‭ ‬أحمد‭ ‬البلال‭ ‬المتوفى‭ ‬في‭ ‬ماي‭ ‬2021،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يشغل‭ ‬منصب‭ ‬مدير‭ ‬الأمن‭ ‬العسكري‭ ‬خلال‭ ‬ثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭. ‬إذ‭ ‬رغم‭ ‬فقدانه‭ ‬البصر‭ ‬بسبب‭ ‬إصابته‭ ‬في‭ ‬معركة‭ ‬«المسيد»‭ ‬سنة‭ ‬1983‭ ‬«اندحرت‭ ‬فيها‭ ‬قوات‭ ‬البوليساريو‭ ‬أمام‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الملكية»،‭ ‬استمر‭ ‬الانفصاليون‭ ‬في‭ ‬تمتيعه‭ ‬بمناصب‭ ‬قيادية،‭ ‬منها‭ ‬وزير‭ ‬الاتصال‭ ‬ووزير‭ ‬التجهيز‭. ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬موضوع‭ ‬عدة‭ ‬شكاوى‭ ‬قضائية‭ ‬رفقة‭ ‬قياديين‭ ‬بارزين،‭ ‬إذ‭ ‬قررت‭ ‬محكمة‭ ‬إسبانية‭ ‬في‭ ‬عام ‬2009،‭ ‬فتح‭ ‬مسطرة‭ ‬قضائية‭ ‬ضد‭ ‬27‭ ‬من‭ ‬مسؤولي‭ ‬جبهة‭ ‬البوليساريو،‭ ‬بتهم‭ ‬ارتكاب‭ ‬أعمال‭ ‬إبادة‭ ‬وتعذيب‭. ‬وقد‭ ‬جاء‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬استجابةً‭ ‬لشكاية‭ ‬قدمتها‭ ‬الجمعية‭ ‬الصحراوية‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬دجنبر‭ ‬2007‭. ‬
 
ويُتهم‭  ‬البلال‭ ‬بالإشراف‭ ‬المباشر‭ ‬على‭ ‬عمليات‭ ‬التعذيب‭ ‬في‭ ‬سجون‭ ‬البوليساريو،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬سجن‭ ‬الرشيد‭ ‬سيئ‭ ‬السمعة‭. ‬فيما‭ ‬تشير‭ ‬تقارير‭ ‬متعددة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬انتهاكات‭ ‬البوليساريو‭ ‬تُرتكب‭ ‬بشكل‭ ‬رئيسي،‭ ‬وعن‭ ‬عمد‭ ‬وسبق‭ ‬إصرار،‭ ‬بدعم‭ ‬مكشوف‭ ‬من‭ ‬السلطات‭ ‬الجزائرية‭ ‬التي‭ ‬تتحمل‭ ‬مسؤولية‭ ‬قانونية‭ ‬وأخلاقية‭ ‬وسياسية‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬الانتهاكات،‭ ‬نظرًا‭ ‬لتفويضها‭ ‬الفعلي‭ ‬لسلطاتها‭ ‬إلى‭ ‬مجرمي‭ ‬البوليساريو،‭ ‬مما‭ ‬يشكل‭ ‬انتهاكًا‭ ‬للاتفاقيات‭ ‬الدولية‭ ‬المتعلقة‭ ‬بحماية‭ ‬اللاجئين‭. ‬
 
إن‭ ‬هذه‭ ‬الجرائم‭ ‬التي‭ ‬تقع‭ ‬تحت‭ ‬أعين‭ ‬وبمباركة‭ ‬وتواطؤ‭ ‬السلطات‭ ‬الجزائرية‭ ‬يدعو‭ ‬المنتظم‭ ‬الدولي‭ ‬إلى‭ ‬إرغام‭ ‬الجزائر‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬كامل‭ ‬المسؤولية‭ ‬القانونية‭ ‬والأخلاقية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الملف،‭ ‬كما‭ ‬تدعو‭ ‬دولا‭ ‬مجاورة‭ ‬إلى‭ ‬التحرك‭ ‬لفضح‭ ‬الأعمال‭ ‬الوحشية‭ ‬التي‭ ‬يتعرض‭ ‬لها‭ ‬مواطنوها‭ ‬المحتجزون‭ ‬في‭ ‬سجون‭ ‬العار‭.‬
 
هناك‭ ‬محتجزون‭ ‬من‭ ‬جنسيات‭ ‬مختلفة‭. ‬ففضلا‭ ‬عن‭ ‬السجناء‭ ‬المغاربة‭ ‬الذين‭ ‬تم‭ ‬اختطافهم‭ ‬واقتيادهم‭ ‬إلى‭ ‬تندوف،‭ ‬هناك‭ ‬المعارضون‭ ‬السياسيون‭ ‬داخل‭ ‬المخيمات‭ ‬الذين‭ ‬يعتبرون‭ ‬أن‭ ‬قيادة‭ ‬البوليساريو‭ ‬لا‭ ‬تمثلهم،‭ ‬وهناك‭ ‬الأفارقة‭ ‬الذين‭ ‬ينحدرون‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الساحل‭ ‬أو‭ ‬موريتانيا،‭ ‬وهناك‭ ‬الذين‭ ‬اكتشفوا‭ ‬الوجه‭ ‬البشع‭ ‬للبوليساريو‭ ‬وراعيتها‭ ‬الجزائر،‭ ‬وحين‭ ‬أعلنوا‭ ‬موقفهم‭ ‬تعرضوا‭ ‬للاعتقال‭.  ‬وهناك‭ ‬اللاجئون‭ ‬الذين‭ ‬يتم‭ ‬احتجازهم‭ ‬والمتاجرة‭ ‬فيهم،‭ ‬أو‭ ‬تجنيدهم‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأعمال‭ ‬القذرة‭ ‬«الجماعات‭ ‬المسلحة،‭ ‬التهريب،‭ ‬المتاجرة‭ ‬في‭ ‬المخدرات»‭. ‬كل‭ ‬هؤلاء‭ ‬يشتركون‭ ‬في‭ ‬جحيم‭ ‬الاحتجاز،‭ ‬وأيضا‭ ‬في‭ ‬الطوق‭ ‬السميك‭ ‬الذي‭ ‬تضربه‭ ‬عليهم‭ ‬الجزائر‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الرقابة‭ ‬الدولية،‭ ‬إلى‭ ‬الحد‭ ‬الذي‭ ‬يصعب‭ ‬تحديد‭ ‬العدد‭ ‬الدقيق‭ ‬للسجناء‭ ‬بشكل‭ ‬موثوق‭. ‬إذ‭ ‬تقدر‭ ‬بعض‭ ‬المنظمات‭ ‬غير‭ ‬الحكومية‭ ‬والمصادر‭ ‬الصحفية‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬مئات‭ ‬من‭ ‬السجناء‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬عددهم‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتفاوت‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬بين‭ ‬الارتفاع‭ ‬والانخفاض،‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬تطور‭ ‬الأوضاع‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وأيضا‭ ‬بالنظر‭ ‬إلى‭ ‬الصراعات‭ ‬الداخلية‭ ‬بين‭ ‬مختلف‭ ‬التيارات‭ ‬والأجيال‭ ‬داخل‭ ‬البوليساريو‭.‬
 
مداخل‭ ‬الحل
إن‭ ‬المدخل‭ ‬الأساس‭ ‬لحل‭ ‬هذا‭ ‬الملف‭ ‬هو‭ ‬مواجهة‭ ‬الجزائر‭ ‬انطلاقا‭ ‬من‭ ‬عدة‭ ‬مداخل‭. ‬ومن‭ ‬المداخل‭ ‬الرئيسة‭ ‬التي‭ ‬يمكن‭ ‬اعتمادها‭ ‬حاليا:
 
أولا:‭ ‬تقوية‭ ‬التعاون‭ ‬مع‭ ‬المنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الضغط‭ ‬على‭ ‬السلطات‭ ‬الجزائرية‭ ‬لتمكين‭ ‬هذه‭ ‬المنظمات‭ ‬من‭ ‬القيام‭ ‬بأدوارها‭ ‬في‭ ‬المراقبة‭ ‬والتوثيق‭ ‬دخل‭ ‬سجون‭ ‬البوليساريو‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نطلق‭ ‬عليه‭ ‬«الرقابة‭ ‬الدولية‭ ‬المستقلة»‭.‬
ثانيا:‭ ‬ملاحقة‭ ‬المسؤولين‭ ‬عن‭ ‬الانتهاكات‭ ‬الجسيمة‭ ‬قضائيا،‭ ‬للحد‭ ‬من
التعذيب‭ ‬والاحتجاز‭ ‬التعسفي‭ ‬في‭ ‬المخيمات،‭ ‬وذلك‭ ‬أمام‭ ‬المحكمة‭ ‬الجنائية‭ ‬الدولية‭  ‬أو‭ ‬المحاكم‭ ‬الوطنية‭.‬
ثالثا:‭ ‬تشجيع‭ ‬الضحايا‭ ‬والمنظمات‭ ‬الحقوقية‭ ‬الوطنية‭ ‬«الدول‭ ‬التي‭ ‬ينحدر‭ ‬منها‭ ‬المحتجزون»‭ ‬على‭ ‬التقدم‭ ‬بشكاوى‭ ‬ضد‭ ‬الجلادين‭ ‬من‭ ‬زعماء‭ ‬البوليساريو‭.‬
رابعا:‭ ‬التعزيز‭  ‬الإعلامي‭ ‬لدور‭ ‬المنظمات‭ ‬الإنسانية‭ ‬التي‭ ‬تشتغل‭ ‬في‭ ‬تندوف،‭ ‬وذلك‭ ‬بمواكبة‭ ‬عملها‭ ‬داخل‭ ‬سجون‭ ‬المخيمات،‭ ‬وتقديمها‭ ‬بوصفها‭ ‬آليوة‭ ‬محايدة‭ ‬ومستقلة‭ ‬تهدف‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬إلى‭ ‬تحسين‭ ‬ظروف‭ ‬الاحتجاز‭ ‬بسجون‭ ‬تندوف‭.‬
خامسا:‭ ‬تمكين‭ ‬الإعلام‭ ‬الدولي‭ ‬الحر‭ ‬والنزيه‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬المعتقلات‭ ‬السرية‭ ‬بتندوف‭ ‬لينقل‭ ‬بشكل‭ ‬شفاف‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬الزنازن،‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬التلاعب‭ ‬السياسي‭ ‬أو‭ ‬العسكري‭.‬
سادسا:‭ ‬إطلاق‭ ‬حملة‭ ‬دولية‭ ‬عامة‭ ‬لدعم‭ ‬ضحايا‭ ‬البوليساريو‭ ‬وتعبئة‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬للضغط‭ ‬على‭ ‬الحكومات‭ ‬والمنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬لفتح‭ ‬ملف‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬وتندوف،‭  ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬دعم‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬داخل‭ ‬المخيمات‭. ‬
سابعا:‭ ‬نشر‭ ‬تقارير‭ ‬دورية‭ ‬حول‭ ‬معاملة‭ ‬السجناء‭ ‬وظروف‭ ‬الاحتجاز‭ ‬بمخيمات‭ ‬تندوف‭ ‬لمنع‭ ‬التعذيب،‭ ‬وترسيخ‭ ‬ثقافة‭ ‬أنسنة‭ ‬الاعتقال‭.‬
 
ومهما‭ ‬يكن،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الوجه‭ ‬القاتم‭ ‬للسجون‭ ‬البوليساريو‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬ينسينا‭ ‬أن‭ ‬المسؤولية‭ ‬القانونية‭ ‬والسياسية‭ ‬الأكبر‭ ‬ينبغي‭ ‬إلقاؤها‭ ‬دون‭ ‬تردد‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬الحاضنة،‭ ‬لأنها‭ ‬لم‭ ‬تعمل‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬الآليات‭ ‬القانونية‭ ‬والإنسانية‭ ‬الكفيلة‭ ‬بإيقاف‭ ‬التعذيب‭ ‬والاحتجاز‭ ‬التعسفي‭ ‬والانتهاكات‭ ‬بحق‭ ‬السجناء‭ ‬في‭ ‬تندوف،‭ ‬بل‭ ‬أنفقت‭ ‬أموالا‭ ‬طائلة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬بناء‭ ‬محضنة‭ ‬عسكرية‭ ‬آمنة‭ ‬لكسر‭ ‬كرامة‭ ‬المعتقلين‭ ‬والمعارضين‭ ‬والأحرار‭..‬
 
                    تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الان"
                        رابط العــــــدد هنا