على عكس جارتها "كرواتيا" التي شهدت خلال حروب البلقان في تسعينات القرن العشرين أكبر عملية "تسييس لكرة القدم"، فإن دولة صربيا شهدت أكبر عملية "كرونة"( بفتح الكاف وتسكين الراء) للمجتمع برمته ( Footbalisé)، وفق التعبير البليغ الذي نحته Loic Trégourès، الأستاذ بجامعة بروكسيل الحرة وبجامعة ليل 2، في دراسته الشيقة حول: "le supportérisme serbe et l Europe".
الجمهور الرياضي في صربيا، ليس تجمعا لمشجعين متعصبين لفريق معين، بل يكاد يكون الجمهور "ذراعا مسلحا" لكل الفاشيين والقوميين ورجال الدين الأورتذوكسيين المتطرفين الحالمين بخلق "صربيا العظمى".

في صربيا تتجاوز ظاهرة "الهوليغانيزم" شغب الملاعب أو سخط الجمهور بسبب سقطة رياضية للفريق المفضل، على اعتبار أن الشغب الرياضي في معظم الدول ينتهي مع انتهاء المباراة، أما في صربيا فإنها ( أي الهوليغانيزم)، تعد تعبيرا سياسيا يخترق المجتمع ككل، نتيجة تراكم حقد الصرب ضد أوربا وضد أمريكا، بل وضد دول العالم.
الحقد يرجعه غالبية الصرب إلى الحصار الدولي الذي سبق أن تم فرضه على صربيا، فضلا عن استقلال إقليم "كوسوفو" عنها ( يعتبرون إقليم كوسوفو مهد مملكة الصرب ورمز الهوية الصربية)، وهو ما جعل صربيا تعاني من عزلة دولية دامت من مطلع تسعينات القرن العشرين إلى حدود 2010 تقريبا، بسبب مجازر حرب البلقان، وما تلا ذلك من ملاحقة قادة صربيا من طرف المحكمة الجنائية الدولية.
تأسيسا على هذه الحيثيات، تعد ظاهرة الهوليغان في صربيا ( باللغة المحلية Huligani)، مزيجا من قيم الفاشية الإيطالية وقيم العنف الموروثة عن الهوليغانز الإنجليز، مما أنجب ظاهرة خاصة بصربيا تقوم على العنف الشديد والتعصب الأعمى ونشر الرعب والفوضى.
ومع وصول الديكتاتور" سلوبودان ميلوزوفيتش" إلى الحكم وإحكام قبضته على صربيا (من 1989 إلى 2000)، زاد منسوب العنف والكراهية عند الهوليغان الصرب، لأن "ميلوزوفيتش" - وبسبب الحصار الدولي والأزمة الاقتصادية الخانقة الناتجة عن الحصار - خلق اقتصادا موازيا، وخلق مع هذا الاقتصاد غير المهيكل، ميكانيزمات الرشوة وتعميمها في مختلف دوالي الإدارة، وانتشار السوق السوداء، وتم إغراق المجتمع في دوامة من الفساد والإجرام، وانزلقت صربيا في كابوس مظلم.
.jpeg)
في ظل هاته الأوضاع أفتى الديكتاتور "ميلوزوقيتش"، بإحياء اللون الموسيقي البلقاني المعروف باسم Turbofolk( وهو خليط غنائي يمزج بين الروك والفولكلور)، لكن مع الحرص على شحن الأغاني بكلمات تمجد السلاح والمال السهل والعنف والتعصب الأعمى لصربيا العظمى. وهذا ما أنتج جيلا من الصرب غارقا في العنف والإجرام والتعصب والتطلع للحصول على المال السهل.
الحجة على ذلك، أنه رغم الإطاحة بالرئيس "سلوبودان ميلوزوفيتش" وتسليمه للمحكمة الجنائية الدولية في سنة 2001 ( مات أثناء المحاكمة عام 2006)، واقتياد معظم قادة صربيا من مرتكبي المجازر في حق الكروات والألبان وفي حق البوسنة ومسلمي كوسوفو ، أمام نفس المحكمة الدولية، فإن صربيا مازالت إلى اليوم تعاني من داء الهوليغانيز المتعصب والفوضوي، بالنظر إلى أن الجيل الذي ولد عام 1989 وما بعد، اكتسب جينات العنف الدموي والتعصب الأعمى ضد كل ماهو غير صربي.
وحين تم الإعلان عن استقلال "إقليم كوسوفو" عام 2008، زادت جرعة الراديكالية عند الهوليغانز الصرب، الذي يعتبرون "بتر كوسوفو" بمثابة بتر " حقهم في " الأرض المقدسة لميلاد الأمة الصربية التي أغرقها الاحتلال العثماني بالمسلمين، على امتداد حوالي خمسة قرون من سيطرة الأتراك على دول البلقان. وهذا ما يفسر كيف أن الجمهور الصربي (خاصة جمهور فريق "النجم الأحمر" في بلغراد Etoile Rouge Belgrade الذي يصنف بأنه الأكثر عنفا، وكذا جمهور غريمه بنفس المدينة"نادي Partizan")، يحرص على رفع لافتات رفض استقلال كوسوفو في المباريات، ويرفع كذلك لافتات تحمل صور قديسي الكنيسة الأورتوذكسية وصور زعماء الهوليغانز الذي ماتوا أو اعتقلوا، مما يحول الملاعب التي تلعب فيها أندية صربية في مواجهة أندية أجنبية (سواء التي تنتمي لدول البلقان أو للاتحاد الأوربي)، إلى ساحة حرب وشغب وعنف وفوضى وتمرد، أيا كان الملعب ( بصربيا أو بالخارج). لدرجة أن الدخول إلى ملعب صربي لمشاهدة مباراة، يعتبر بمثابة الدخول إلى "الجحيم" نتيجة عنف أغلب المشجعين وتعصب معظمهم.
ألم يكتشف العالم عنف الجمهور الصربي يوم 12 أكتوبر 2010، في ملعب جنوة بإيطاليا، مما أدى إلى إيقاف المباراة بين منتخبي صربيا وإيطاليا، التي لم يمض على انطلاقها سوى 6 دقائق؟!
ألم يسبق للاتحاد الأوربي لكرة القدم أن منع إجراء مباريات البطولة الأوربية بملاعب صربيا؟!
ألم يسبق لصحافة كرواتيا أن كتبت عن هوليغان الصرب بأن "فريق النجم الأحمر بلغراد" ليس فريقا لديه أنصار ومشجعين، بل هو حاضنة "رمز الصربية" ؟! (Le symbole de la Sérbité).
ألم يسبق للاتحاد الأوربي لكرة القدم أن منع إجراء مباريات البطولة الأوربية بملاعب صربيا؟!
ألم يسبق لصحافة كرواتيا أن كتبت عن هوليغان الصرب بأن "فريق النجم الأحمر بلغراد" ليس فريقا لديه أنصار ومشجعين، بل هو حاضنة "رمز الصربية" ؟! (Le symbole de la Sérbité).
ملحوظة:
التقطت الصور زوال الأحد 16 فبراير 2025، بملعب فريق "النجم الأحمر بلغراد"، الذي يطلق عليه الصرب اسم : ملعب "maracana" نسبة إلى ملعب البرازيل الشهير. وتعود التسمية إلى كون طاقة الملعب أثناء بنائه عام 1927، لم تكن تتجاوز 30 ألف متفرج. لكن في عهد الشيوعيين تم توسيع الملعب عام 1964 لتصل طاقته إلى 110 ألف متفرج. بعد انهيار المعسكر الشرقي، ولملائمة الملعب مع ضوابط السلامة الأوربية، تم في سنة 1990 تقزيم طاقة الملعب إلى 55 ألف متفرج.