
في أحدث تصريحاته، أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عبارة “من ينقذ بلاده لا ينتهك القانون”، مستوحياً إياها من الإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت. هذه الجملة ليست مجرد شعار سياسي، بل تعكس نهجًا فلسفيًا عميقًا تجاه الحكم والشرعية، حيث يرى ترامب أن القائد القوي لا يجب أن يكون مقيّدًا بالقوانين إذا كان الهدف هو إنقاذ الأمة من التهديدات الداخلية والخارجية.
في ظل قيادته الحالية، ومع تصاعد التحديات المحلية والدولية، يبرز هذا المفهوم كحجر زاوية في مقاربته للسلطة، مما يطرح تساؤلات كبرى حول مدى التزامه بالمؤسسات الديمقراطية، والتوازن بين القانون والسلطة التنفيذية، وتأثير هذه الفلسفة على مستقبل الولايات المتحدة والعالم.
نابليون بونابرت وتجاوز القانون باسم المصلحة الوطنية
كان نابليون بونابرت رمزًا للقائد الذي لا يتردد في تجاوز القوانين التقليدية عندما يرى أن الأمة بحاجة إلى زعيم قوي يعيد صياغة القواعد. عندما نفّذ انقلاب 18 برومير عام 1799، لم يكن ذلك عملاً قانونيًا، لكنه برّره بأنه ضرورة لإنقاذ فرنسا من الفوضى.
بعد ذلك، أرسى قانون نابليون، وهو أحد أسس القوانين الحديثة، لكنه لم يكن مترددًا في تجاوز القواعد عندما اقتضت المصلحة الوطنية ذلك، سواء من خلال إلغاء المؤسسات الجمهورية، أو فرض رقابة صارمة على الصحافة، أو شن حروب توسعية لتعزيز مكانة فرنسا في العالم.
كان نابليون يؤمن بأن القانون يجب أن يكون في خدمة الدولة، وليس عقبة أمام القائد. هذا المبدأ سمح له بتبرير توسيع صلاحياته على حساب البرلمان، وفرض قرارات غير دستورية بحجة الحفاظ على الأمن والاستقرار، واستخدام الجيش لتطبيق أجندته السياسية داخليًا وخارجيًا. ترامب، باستحضاره لهذه المقولة، يبدو أنه يتبنى نفس النهج، معتبرًا أن القانون ليس قيدًا على القائد، بل أداة لتحقيق الأهداف الوطنية.
ترامب بين القانون والشرعية: كيف يفكر؟
منذ رئاسته الأولى، تبنى ترامب نهجًا يقوم على توسيع سلطات الرئاسة وتقليل الاعتماد على الكونغرس والمؤسسات التقليدية. بعد عودته إلى البيت الأبيض لفترة رئاسية جديدة، أصبح أكثر اقتناعًا بضرورة إصلاح النظام السياسي بحيث يمنح الرئيس صلاحيات أوسع لمواجهة التحديات التي يراها تهدد أمريكا.
يمكن ملاحظة عدة مواقف تؤكد تبنيه لفكرة أن القائد لا يجب أن يكون مقيّدًا بالقوانين البيروقراطية عندما يكون في مهمة إنقاذ البلاد، من بينها استخدامه المتزايد للقرارات التنفيذية لتجاوز الكونغرس في قضايا مثل الهجرة، الأمن القومي، والضرائب، والهجوم على القضاء والإعلام، باعتبارهما أدوات تعيق تنفيذ رؤيته الإصلاحية، وإجراء تغييرات جذرية داخل الإدارة الأمريكية لضمان وجود مسؤولين موالين لسياساته دون معارضة.
يرى ترامب أن القوانين الحالية في الولايات المتحدة تمثل عائقًا أمام “النهضة الأمريكية” التي يسعى إليها. ومن هذا المنطلق، فإنه يعمل على إعادة تشكيل النظام القانوني بحيث يمنح الرئاسة صلاحيات أوسع في حالات الطوارئ والأمن القومي، ويقلل من قدرة الكونغرس على عرقلة أجندته السياسية، ويعزز دور السلطة التنفيذية في اتخاذ القرارات دون الحاجة إلى موافقات مطولة.
تأثير هذه الفلسفة على السياسات الداخلية والخارجية
في فترته الرئاسية الثانية، يتوقع أن يكون ترامب أكثر حزمًا في إعادة هيكلة السلطة، وهو ما قد يؤدي إلى تغييرات كبيرة في النظام السياسي الأمريكي، مثل تعزيز سلطاته التنفيذية في مجالات الأمن والهجرة والتجارة، وإجراء إصلاحات قانونية تمنح الرئاسة مرونة أكبر في مواجهة الأزمات، وتقليص نفوذ المؤسسات التقليدية، مثل وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي.
على الصعيد الدولي، من المتوقع أن يتبنى ترامب سياسة أكثر عدوانية واستقلالية، حيث يعزز نهج “أمريكا أولًا” من خلال إعادة التفاوض على الاتفاقيات التجارية والدبلوماسية، ويتجاهل القيود التي تفرضها المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية، ويستخدم العقوبات الاقتصادية والضغوط السياسية كأدوات رئيسية في التعامل مع الدول المنافسة، مثل الصين وإيران.
هذا النهج قد يؤدي إلى تزايد التوترات العالمية، لكنه قد يمنح الولايات المتحدة ميزة استراتيجية في فرض أجندتها على الساحة الدولية دون الحاجة إلى توافق دولي واسع.
مخاطر هذا النهج: هل ينجح ترامب حيث فشل نابليون؟
رغم أن ترامب يستلهم نهج نابليون في تجاوز القوانين لتحقيق أهدافه، إلا أن هناك تحديات كبيرة قد تواجهه، مثل أن المؤسسات الأمريكية قوية ومصممة لمنع تغوّل السلطة التنفيذية، والمعارضة السياسية والإعلامية قد تتحد ضده بشكل أكبر، والرأي العام الأمريكي قد لا يتقبل تغييرات جذرية تهدد التوازنات الدستورية.
على الرغم من ذلك، فإن قدرة ترامب على التواصل المباشر مع قاعدته الشعبية الواسعة قد تمنحه هامشًا للمناورة يمكنه من تنفيذ سياسات أكثر جرأة من أي رئيس سابق.