الأربعاء 19 فبراير 2025
فن وثقافة

الدكتور أنور الشرقاوي: في باريس تشتري الكتب بما تريد

الدكتور أنور الشرقاوي: في باريس تشتري الكتب بما تريد انور الشرقاوي أمام المكتبة الوطنية الفرنسية "فرانسوا ميتران" بباريس
 باريس، مدينة الأنوار، تخبئ في أزقتها أسرارًا لا تنضب، ومفاجآت لا تنتهي. يكفي أن يهيم المرء في دروبها الضيقة حتى يصادف تلك الدكاكين التي يبيع فيها الناس ماضيهم بثمن النسيان.
هناك، بين الأقمشة البالية والأشياء التي أضاع الزمن قصصها، تتوارى كنوز لا تخطر على البال.

في أحد هذه المتاجر، سلّم خشبي ضيق يقود إلى قبو هادئ.
ما إن تطأه الأقدام حتى يعانق الزائر عبق الورق العتيق، كأنما نَفَسٌ من زمن غابر يهمس في الأجواء.

تصطف الكتب على رفوف ممتدة، لا يضبطها ترتيب ولا يخضعها نظام، تنتظر من أيادٍ عاشقة أن تستيقظ من سباتها الطويل.
روايات منسية، مقالات غطتها غبار السنين، أشعار على صفحات اصفرّت بفعل الأيام…
لكل زائر هنا رحلة، لكل عابر طريق نحو ذاته، ولكل كتاب روح تسعى إلى من يحررها.

لكن العجب كل العجب يكمن في لحظة العبور إلى طاولة الحساب، حيث لا بطاقات سعرية ولا أرقام ثابتة.
هنا، القارئ هو الذي يقرر، والمشتري هو الذي يُملي.
الكتاب الذي احتضنته أصابعه، والذي قلب صفحاته بروحٍ تهتز وجدانها، هو وحده من يحدد قيمته.

فلسٌ واحد أو ورقة نقدية كريمة، لا فرق. فالمعاملة ليست بميزان الدراهم والدنانير، بل بميزان الوجد والتوق، ذلك الحبل الخفي الذي يربط بين الكتاب ومن يختاره.

وهكذا، في هذا المتجر حيث تلتقي الأقمشة والخزف بأرواح الورق، تثبت باريس مرة أخرى أنها الملاذ الأبدي للحالمين والشعراء.