اجتمع قادة سياسيون ورواد قطاع التكنولوجيا في باريس يومي 10 و11 فبراير في قمة مخصصة للذكاء الاصطناعي، وذلك لمناقشة مستقبل هذا القطاع وتحدياته. تُعد هذه التكنولوجيا من أسرع التقنيات تطورًا، حيث أحدثت ثورة في العديد من مجالات المجتمع، وتحاول كل دولة الاستفادة منها. وقد شاركت الولايات المتحدة بمستوى نائب الرئيس الأمريكي، بالإضافة إلى نائب رئيس الوزراء الصيني، والمستشار الألماني، والممثلة الأوروبية.
هذا اللقاء الدولي، الذي تمت رئاسته بشكل مشترك مع الهند بحضور رئيس وزرائها، يأتي في ظل سباق محموم بين الصين والولايات المتحدة للهيمنة على مجال الذكاء الاصطناعي. وتحاول أوروبا وفرنسا اللحاق بهذا القطاع السريع النمو من خلال تجميع استثمارات ضخمة. كما تحاول الهند هي الأخرى الالتحاق بهذا الركب وتستغل الصراع والخلافات بين الولايات المتحدة الأميركية والصين في هذا المجال لتجد لها مكانا تحت الشمس..
كما حضر اللقاء قادة قطاع التكنولوجيا، مثل سام ألتمان من شركة "أوبن إيه آي" (مبتكر "تشات جي بي تي")، وسوندار بيتشاي، المدير التنفيذي لشركة "غوغل"، وداريو أمودي، رئيس شركة "أنثروبيك" الأمريكية الناشئة.
وناقش المشاركون فرص هذه التكنولوجيا ومخاطرها خلال جلسات طاولات مستديرة تناولت مواضيع مثل "الهجمات الإلكترونية وسلامة المعلومات"، و"الذكاء الاصطناعي والعلوم"، و"مستقبل العمل".
كما بحثت الجهات الفاعلة الرئيسية في هذا القطاع مسألة الحكامة العالمية للذكاء الاصطناعي، بهدف السيطرة على التجاوزات المحتملة دون إعاقة تطوره.
السباق العالمي نحو الريادة
يطغى على هذا اللقاء السباق المحتدم نحو الريادة في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث يخيم التقدم الذي حققته الصين من خلال "ديب سيك" (DeepSeek) على المناقشات. ففي يناير الماضي، أذهل الروبوت الصيني "ديب سيك" وادي السيليكون بقدرته على منافسة التقنيات الأمريكية بتكلفة أقل بكثير مما يعني إمكانية دخول بلدان ذات إمكانيات متواضعة هذا السباق المحموم لامتلاك هذه التكنولوجيا الجديدة.
في المقابل، تمتلك الولايات المتحدة مشروع يسمى "ستارغيت" بقيمة 500 مليار دولار، مما يضع أوروبا وفرنسا أمام تحدٍ كبير لإثبات مصداقيتهما في هذا المجال. وقد أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن الهدف هو التقدم "بشكل أسرع وأقوى"، معلنًا عن استثمارات تصل إلى 109 مليارات يورو في مجال الذكاء الاصطناعي في فرنسا خلال السنوات القليلة المقبلة. وذلك من اجل تدارك فرنسا واروبا هذا السباق الذي تقدمت فيه بيكين وواشنطن.
ما يميز التجربة الصينية هو انخفاض تكلفتها، مما يجعلها في متناول دول مثل المغرب ودول أفريقية أخرى. فالتكنولوجيا الصينية مفتوحة المصدر، مما يسمح للباحثين بتطويرها والاستفادة منها باستخدام رقائق إلكترونية غير متطورة نسبيًا. وغير مكلفة ماديا.
ومن اجل تدارك التأخر الذي تعرفه باريس، فان الاسثمارات الفرنسية التي تعتمد أساس على الخارج تتضمن الاستثمارات الفرنسية مركز بيانات عملاق تموله الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى 20 مليار يورو من صندوق "بروكفيلد" الكندي لمراكز بيانات جديدة في فرنسا. هذه الاستثمارات تهدف إلى توفير البنية التحتية اللازمة لتخزين البيانات وتوفير القدرة الحاسوبية الهائلة التي يتطلبها الذكاء الاصطناعي.
المغرب والذكاء الاصطناعي
أعرب المغرب، عبر وزير خارجيته ناصر بوريطة، عن رغبته في الانضمام إلى الشراكة العالمية للذكاء الاصطناعي التي أطلقتها فرنسا مع سبع دول على هامش القمة. إلا أن المغرب يحتاج إلى استثمارات ضخمة وشراكات مع دول صديقة لتطوير البنية التحتية اللازمة، مثل الحواسيب العملاقة، وتشجيع الجامعات والطلاب على تطوير برامج في هذا المجال. ويمكنه في هذا المجال استلهام النموذج الفرنسي الذي يعول على استمارات خارجية وداخلية، والنموذج الصيني الذي اثبت انه يمكن الدخول الى حلبة السباق من اجل الذكاء الاصطناعي بإمكانيات لا تضاهي ما تضعه دولة مثل الولايات المتحدة الأميركية. التي تريد تطوير الاستعمالات الأمنية والعسكرية لذكاء الاصطناعي وهو القطاع الذي بدأت تشتغل عليه غوغل، وميكروسوفت في السنوات الأخيرة.
كما ان المغرب أصبح اليوم رائدا في الطاقة النظيفة التي يمكنه استعمالها في هذا المجال الذي يتطلب كميات مهمة لتشغيل الحواسب الكبرى وبنيات التخزين التي يتطلبها.
تمت بباريس مناقشة التحديات البيئية التي يطرحها الذكاء الاصطناعي، خاصة مع الاستهلاك الكبير للطاقة الذي تتطلبه الحواسيب العملاقة ومراكز البيانات. وتسعى منظمة "كارنت إيه آي" إلى جمع 2.5 مليار دولار لتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي صديقة للبيئة ووضع ضوابط تضمن استخدام هذه التكنولوجيا لخدمة المصلحة العامة.
ومثل المملكة في هذا الحدث وفد قادته الوزيرة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، السيدة أمل الفلاح السغروشني.التي إشارة في تصريح لوكالة الانباء إلى أن "هذه القمة تشكل انطلاقة لسباق نحو الذكاء الاصطناعي، ينبغي أن يعود بالنفع على الجميع، وأعتقد أننا، كمغاربة، في موقع جيد للمشاركة في هذا السباق والفوز به".وأكدت أن "الذكاء الاصطناعي لم يعد رفاهية، وليس هناك ما يدعو للخوف منه"، مشددة على أن "تطويره يتطلب استثمارات كبيرة في البنية التحتية، وأيضا في تكوين الشباب المغاربة، الذين يمكننا أن نفخر بقدراتهم ومهاراتهم".