حضور متجدد في الذاكرة الأدبية :
قال الكاتب والإعلامي عبد الإله التهاني، في مفتتح الحلقة التي خصصها لاضاءة الإبداعات الشعرية لعميد الدراسات الادبية المغربية المرحوم عباس الجراري ، بأن الوسط الأدبي والفكري مازال يستحضر سيرته ، وأن رحيله وغيابه
عن الحياة ، لم يقلل ابدا من اهتمام الدارسين بإنتاجه وتراثه الغزير ، في مجالات الأدب والفكر والتاريخ والدراسات الفقهية والحضارية وسير الأعلام ، وفي الفنون والابداعات وضمنها الثقافة الشعبية، وخاصة فن الملحون .
وشدد عبد الإله التهاني على أنه كان للباحث الأدبي عباس الجراري رحمه الله في كل هذه الحقول، إسهام معتبر وعطاء وفير ، وإنتاج أصيل ومتأصل، وريادة متميزة، مما جعله حجة ومرجعا للباحثين، في الثقافة المغربية والعربية والإسلامية، وملهما لهم ولدراساتهم، سواء منها التي كانت ومازالت تنجز داخل شعب الآداب والدراسات الإسلامية بالجامعة المغربية، أو تلك التي تتم خارجها في الحياة الثقافية العامة.
عن الحياة ، لم يقلل ابدا من اهتمام الدارسين بإنتاجه وتراثه الغزير ، في مجالات الأدب والفكر والتاريخ والدراسات الفقهية والحضارية وسير الأعلام ، وفي الفنون والابداعات وضمنها الثقافة الشعبية، وخاصة فن الملحون .
وشدد عبد الإله التهاني على أنه كان للباحث الأدبي عباس الجراري رحمه الله في كل هذه الحقول، إسهام معتبر وعطاء وفير ، وإنتاج أصيل ومتأصل، وريادة متميزة، مما جعله حجة ومرجعا للباحثين، في الثقافة المغربية والعربية والإسلامية، وملهما لهم ولدراساتهم، سواء منها التي كانت ومازالت تنجز داخل شعب الآداب والدراسات الإسلامية بالجامعة المغربية، أو تلك التي تتم خارجها في الحياة الثقافية العامة.
الجانب الأدبي المغمور في سيرة عباس الجراري :
وفي هذا السياق، توقف نفس المتحدث عند جانب بديع ولطيف، في سيرة هذه الشخصية الفكرية المغربية الفذة، جانب بقي شبه مغمور ، أو كاد أن يكون كذلك، إذ لا يعرفه إلا من كان يحضر باستمرار المجالس الأدبية الأسبوعية للراحل عباس الجراري، ويتبادل معه الأواصر والوشائج الحميمية، في جلسات الاستمتاع الفكري ، وأمسيات الأنس الثقافي، بكل تجلياته وتعبيراته الرفيعة.
وأضاف عبدالإله التهاني يقول بأن الإنتاج الشعري للمرحوم عباس الجراري ، يجعله في مصاف كبار الشعراء المتمكنين من ملكة القول الشعري، ومن الإجادة فيه، على الرغم من أن شخصيته كمفكر وكدارس كبير ، في مجال المعرفة والحضارة والتاريخ، ربما قد تكون غطت على ألمعيته الشعرية، وإن لم تحجبها أبدا.
دواوين الجراري التي ظلت محجوبة :
وأوضح ذات المتحدث أنه كان على الأوساط الأدبية أن تنتظر طويلا، حتى تيسّر لناقد ودارس أدبي مقتدر، هو الباحث الدكتور محمد احميدة، كي يزيح الستار عن هذا الجانب الشعري المغمور في شخصية الأديب العميد عباس الجراري رحمه الله ، ويوثقه ويخرجه إلى دائرة الضوء ، وذلك من خلال إشرافه على نشر أقصى ما توصل إليه، من قصائد هذا الرجل الفذ، الذي عاش واشتهر في العلن، مفكرا وعالما وأديبا وباحثا، لكنه اختار أن يكون شاعرا في الظل.
ونوه الكاتب الإعلامي عبد الإله التهاني بأهمية العمل التوثيقي والدراسي، الذي أنجزه الدكتور محمد أحميدة، حيث قال عنه بأنه جمع ونسق رصيدا وافرا من إنتاجات المرحوم عباس الجراري الشعرية، ودرسها وقدم لها ، بمقدمة ضافية وافية، وأنه رصع كل ذلك بالعديد من تعاليقه وشروحاته الوجيهة، وهوامشه المفيدة، ثم صدر هذا العمل التوثيقي في كتاب من جزأين بعنوان: "من ديوان عباس الجراري" ، إذ يقع الجزء الأول في 285 صفحة، بينما تصل صفحات الجزء الثاني إلى 205 صفحات.
وأشاد نفس المتحدث بالمقدمةالتي كتبها الأستاذ محمد احميدة ، وافتتح بها هذا الديوان في جزأيه معا ، والتي جاءت في شكل دراسة شاملة عن شاعرية المرحوم عباس الجراري ، متبوعة بمختارات من قصائده البديعة ، في شتى الأغراض والموضوعات الشعرية التي تناولها.
من ثانوية مولاي يوسف بالرباط إلى جامعة القاهرة :
واستطرد عبدالإله التهاني موضحا ، بأنه في مقدمة الجزء الأول من الديوان، الصادر سنة 2017 ، يلقي الناقد والدارس الأدبي محمد احميدة، كثيرا من الضوء على التجربة الشعرية للمرحوم عباس الجراري، والتي تعود إلى وقت مبكر من شبابه، حين كان طالبا بالقاهرة في أواسط الخمسينات من القرن العشرين، بل وقبل ذلك، وهو تلميذ بثانوية مولاي يوسف بالرباط.
واستحضر معد ومقدم برنامج "مدارات"، عناية الأستاذ محمد احميدة، بتوصيف المراحل التي قطعها الراحل عباس الجراري، في ممارسته للكتابة الشعرية، وكيف أنه لم يقدم على نشر أشعاره الغزيرة أو يصدرها في ديوان.
واستعرض عبد الإله التهاني ما قاله الأستاذ محمد احميدة من أنه خلال العديد من المناسبات التي كان ينشد فيها المرحوم عباس الجراري أشعاره، وبعضها خلال مجالسه الأدبية التي تنعقد كل يوم جمعة، كان بعض جلاسه من الأدباء يحثه على نشر هذه الأشعار ، إلا أن الأمر لم يتحقق، علاوة عن الإلحاح الشديد الذي أبدته الأستاذة حميدة الصايغ، زوجة العميد عباس الجراري، حيث نجحت في إقناعه بنشر أشعاره ، حيث اتخذ قراره سنة 2016، بإخراج تراثه الشعري مطبوعا، وهي المهمة التي سيتولى الإشراف على ترتيباتها، الباحث الأدبي الدكتور محمد احميدة، بتنسيق مع الشاعر الراحل نفسه، حيث مده بجزء وفير من كتاباته الشعرية، بعد تصنيفها وترتيبها.
وهكذا ضم الجزء الأول من أشعاره، قصائده التي كتبها لزوجته ، ووضعها تحت عنوان "أشواق" ، ثم مقتطفات من أشعاره إلى أبنائه، التي اختار لها عنوان : "مع حبي ورضاي"، ويختتم هذا الجزء بمقتطفات من إخوانياته، أي ما كتبه الشاعر عباس الجراري، لخلصائه وأصدقائه المقربين ، في حين يستقل الجزء الثاني بالمساجلات التي دارت بينه وبين بعض الشعراء.
قصة الثغرات والفراغات في تجربة الجراري الشعرية:
وتوقف الزميل عبد الإله التهاني عند ملاحظة وردت في التقديم الضافي، الذي كتبه الناقد والدارس الأدبي محمد احميدة، للجزء الأول من ديوان الشاعر عباس الجراري، “، حيث لاحظ هذا الناقد ، وجود ما سماه "فراغات وثغرات"، في الإنتاج الشعري للراحل عباس الجراري، بلغت عشرين سنة، إذ يصفها بأنها رسمت بياضا فسيحا، في مساحة تجربته الشعرية، مرجحا فرضية عدم توقف الشاعر عباس الجراري، عن الكتابة الشعرية، وأنه ربما يكون قد تم حجب بعض أشعاره عن مجال التداول، ولو أن هذا الترجيح من الدكتور محمد احميدة، لم يمنعه من طرح السؤال حول هذا الإنقطاع على الشاعر الراحل نفسه ، والذي برر له انقطاعه المؤقت عن كتابة الشعر بعدة أسباب ، منها انشغاله بالبحث الجامعي، وإعداده رسالته ثم أطروحته بالجامعة المصرية، إضافة إلى انشغاله بالمهام الرسمية التي تولاها، وتفرغ للقيام بها تفرغا تاما.
ظاهرة المساجلات في شعر عباس الجراري :
في سياق متصل، أشار عبد الإله التهاني أن الدكتور محمد احميدة، قد حرص على تسجيل ملاحظة رئيسية، حول ما توفر لديه من أشعار المرحوم عباس الجراري، حيث يقول في هذا الصدد:
" ارتكازا على أن ما بيدي من شعر الجراري، هو مقتطفات من دواوينه الثلاثة ، يمكن بسط ملامح من التجربة الشعرية لعباس الجراري ليس غير، وهي تجربة تضيء جانبا آخر من اهتمامات هذا المفكر الأصيل".
واستعرض عبد الإله التهاني تحليل الأستاذ محمد احميدة، للظاهرة الادبية المتمثلة في "المساجلات "، التي شغلت حيزا من الإنتاج الشعري، لعدد من الشعراء المغاربة خلال الفترة الحديثة، كأحمد بن المامون البلغيثي، ومحمد بوجندار، وعبد الله القباج، ومحمد البيضاوي الشنكيطي، ومحمد الجزولي، وعبد الرحمان حجي، ومحمد بنإ إبراهيم المعروف بشاعر الحمراء، وعلال الفاسي، والحسن البونعماني، وغيرهم، إضافة إلى شعراء آخرين من الفترة المعاصرة ، عرفوا بمساجلاتهم الشعرية، كالشاعرين الكبيرين مولاي علي الصقلي، ومحمد الحلوي.
وأشار معد ومقدم برنامج "مدارات"، إلى ما ذكره الناقد محمد احميدة من كون "المجموع الشعري للمرحوم عباس الجراري، احتلت فيه المساجلة قسما غير يسير، لدرجة أنه خصص الجزء الثاني من ديوانه لهذا النمط الشعري" ، مسجلا بأن “علاقات الشاعر الجراري كانت متعددة ومتنوعة، ومتسعة في الزمان والمكان، وأن مساجلاته كانت بدورها كذلك، إذ ساجل شعراء من المغرب، ومن دول عربية متعددة”، مضيفا بأن “تأملنا لمساجلات عباس الجراري الشعرية، يضعنا أمام نصوص لا تقتصر على تبادل العواطف والمجاملات التي يقتضيها هذا النوع من القصيد، بل نجد أنفسنا أمام شاعر يطرح من خلال مساجلته، بعض القضايا التي تشعبت لتلمس الديني والسياسي والأدبي”، بتعبير الدكتور محمد احميدة.
فنون القول الشعري عند الجراري :
وفي موضع آخر من حديثه الإذاعي الأدبي، اعتبر الإعلامي عبد الإله التهاني بأن قصائد المرحوم عباس الجراري، تغطي مجمل الموضوعات التي يكتب فيها الشعراء عادة . ومن ذلك قصائد في العشق، والحنين، والشوق والإغتراب، وفي المديح، والرثاء والعتاب، وفي باب الإخوانيات والمساجلات ، وغير ذلك من الأغراض الشعرية.
وأضاف عبدالإله التهاني قائلا ، بأننا خلال كل ذلك ، نعثر أيضا في قصائد عباس المرحوم الجراري ، على نفس ديني صادق وعميق، ينبثق من قصائده ، حيث لم يكن إنتاجه الشعري الوفير، يخلو من تلك الرؤية الإيمانية التي ظلت تسكنه، وتنبعث من كتاباته، نثرا وشعرا.
فسحة في عرصات عباس الجراري:
ويشار إلى أنه في ختام هذه الحلقة المتميزة من برنامج "مدارات"، انتقى عبد الإله التهاني مختارات من قصائد الشاعر عباس الجراري ، وقام بفسحة سريعة في عرصات التجربة الشعرية للأديب المغربي المرحوم عباس الجراري، الذي عرف بشخصيته الفكرية والأكاديمية، كعالم وناقد،، وكدارس ومؤرخ أدبي ، أكثر ما عرف كشاعر ترك رصيدا وافر من القصائد البديعة التي جمعت وصدرت في ديوان من جزأين، بتقديم وتعليق الباحث المغربي الدكتور محمد احميدة. وخلال هذه الفسحة الشعرية ، قرأ معد البرنامج نصوصا شعرية مختلفة ، تعطي نظرة عن المقومات الإبداعية الجمالية الشعرية في التجربة الشعرية للأديب الراحل عباس الجراري.