الأربعاء 5 فبراير 2025
كتاب الرأي

عبد الغني السلماني: هدنة أم نهاية الحرب؟

عبد الغني السلماني: هدنة أم نهاية الحرب؟ عبد الغني السلماني

غزة تتنفس الصعداء:

يحمل عنوان هذا المقال مفارقة غير مقصودة ، حيث الهدنة والحرب  في موقع غير موقعهما التقليدي المعتاد. إن ما هو معروف عنهما أنهما يوجدان في تقابل مستمر  ، بل إن حضور أحدهما يعني تلقائيا غياب  اشتغال الثاني أو اشتعاله اختر ما تشاء، مثلهما في ذلك مثل السلام والقتال ، في ممارستهما المتبادلة لدوري الحياة والموت، فلنختار  الحياة ونجرب اللعبة من جديد. بعد نهاية الحرب في غزة  لم تعد مسألة حكم القطاع من أهم الأولويات الأطراف المتصارعة  بل هي واحدة من أكثر القضايا الشائكة، حتى عملية توقيف الحرب لم تكن من خلال قرار واضح  لغموض سياقات  المفاوضات بين طرفي النزاع،  ما هو مؤكد حتى الآن؛ تم الاتفاق على  وقف إطلاق النار وتبادل الرهائن والأسرى، الذي دخل حيز التنفيذ يوم الأحد 19 يناير 2025.  السؤال المطروح أي دور لحركة  حماس في إدارة القطاع بعد الحرب؟  هل يمكن أن تدبر  السلطة الفلسطينية قطاع غزة بعد غياب طويل ؟ هل سيتم  تكليف قوة دولية بالمهمة؟  كل الخيارات  غير مضمونة وخاصة أن  حماس  ترفض  بل تعي جيدا هي الأخرى أن استفرادها بالحكم لم يعد ممكنا.

قطاع غزة  لم يعد كما كان قبل الحرب  06 أكتوبر 2023،  فبعد خمسة عشر شهرا من الدمار  والقتال انقلب  كل شيء رأسًا على عقب. قطاع غزة الساحلي الذي كان  ينبض بالحياة، تحول إلى فضاء  أشباح، يلفه الدمار ويخيم عليه مشهد الركام الذي يغطي الطرقات والمباني.  المكان يُظهِر  حجم المأساة، بمجرد ما تفتح الشاشات والهواتف الذكية حتى تظهر  الأضرار  على المباني نتيجة  القصف العشوائي ، مباني أصبحت  أطلال ،حتى الوضع الصحي في القطاع أصبح مأساويا  ولم تعد  المستشفيات قادرة  على استقبال المرضى أو تقديم الرعاية اللازمة لهم . وحسب  تقرير  صادر عن الأمم المتحدة أن إعادة بناء المنازل المدمرة في قطاع غزة قد يصل إلى سنة  2040 وقد يتجاوز ذلك بسنين، ووفقا لبيانات أقمار اصطناعية للأمم المتحدة نشرت في دجنبر 2024 ، فإن ثلثي المباني في غزة قبل الحرب، أكثر من 170 ألف مبنى، تهدمت أو سويت بالأرض. وهذا يتجاوز أكثر من  68 في المئة من إجمالي المباني في القطاع كما ذكرت تقديرات للأمم المتحدة أن هذا الإحصاء يتضمن ما مجموعه 245123 وحدة سكنية. وأن أكثر من 1.8 مليون شخص يحتاجون حاليا إلى مأوى في غزة.هنا يطرح السؤال أكثر كيف يتنفس أهل غزة تحت الركام ؟ هل الجثث اختارت قبورها لتودع العالم  ؟

من المستفيد من  وقف الحرب :

بعدما أعلنت كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وقطر، ومصر، يوم  الأربعاء 15 يناير 2025 توصل إسرائيل وحركة  حماس الفلسطينية  إلى اتفاق لوقف إطلاق النار  الذي دخل حيز التنفيذ يوم الأحد 19 يناير 2025، يكون العالم قد تنفس الصعداء من تداعيات حرب غير متكافئة وعدوان قل نظيره في ممارسة كل أشكال التقتيل ضد مدنيين أطفال نساء وشيوخ... لقد توافقت  الأطراف بعد التخريب  الذي لحق غزة وتدمير بنياتها التحتية والقتالية وبدأ يظهر المنتصرين بثمار الوساطة أولهم  قطر  التي نجحت في مهمتها مع حركة حماس وهي المستفيدة من هذا الترويج الإعلامي والسياسي، مما دفع بالرئيس الأمريكي  المنتهية ولايته جو بايدن للإشادة بها والاتصال بأميرها لتقدير مسعاه.

ثاني مستفيد من الحرب هي الولايات المتحدة الأمريكية التي  لعبت  دورا كبيرا  وخاصة الدور المحوري للرئيس الجديد المنتخب دونالد ترامب في تذليل العقبة أمام اسرائيل ونجاحه  في إيصال رسائل الضغط  على بنيامين نتنياهو ، مما دفع هذا  الأخير  إلى الموافقة على وقف إطلاق النار، ترامب الذي هدد الجميع  «بفتح أبواب جهنم» ربما هي الكلمة المفتاح لإجبار المتتبعين   على الموافقة.

ثالث مستفيد هي مصر  باعتبارها  من أهم  الجهات الفاعلة الرئيسية تاريخياً في غزة والدولة العربية الوحيدة المتاخمة للقطاع. لقد كانت القاهرة ولا زالت  تلعب  دورا محوريا كوسيط في حل الأزمات المتكررة  للقضية الفلسطينية ،  مما يؤهلها أن تحصل على مزايا لهذا الدور،  قصد تبديد  المخاوف الأمنية الإقليمية المتعلقة بمنطقتها سيناء، و تفادي الصحوة المفاجئة للاحتجاجات الشعبية  التي قد تعصف باستقرارها السياسي نتيجة  الأزمة اقتصادية الطاحنة التي تعرفها .مصر دائما ترفض  أي محاولة لتصفية القضية الفلسطينية رغم شيطنتها من خصوم سياسيين واقعيين ومفترضين ، سواء عبر تهجير الفلسطينيين أو تحويل قطاع غزة إلى منطقة غير قابلة للعيش. يجب التذكير أيضا  أن مصر لا توافق على  فكرة استخدام سيناء كوطن بديل للفلسطينيين،  وهو ما كانت تراهن عليه إسرائيل لمدة 15 شهر في حربها على غزة .

قطاع غزة وسلطة حماس  ووساطة مصر :

هناك واقع  متغير ومتحرك باستمرار في القضية الفلسطينية بما فيها قطاع الضفة الغربية بشكل عام لكن داخل منطقة غزة بشكل خاص  ، القطاع الذي تمكنت حركة  حماس من السيطرة عليه  منذ عام 2007،  ورغم الضغط الذي مارسته  مصر في علاقتها بالقطاع  حيث اتخذت وساطتها  شكل الضغط على فصائل المقاومة الفلسطينية لوقف التصعيد أو قبول التسويات السياسية. وقد ارتكز نفوذها مع هذه الجماعات على التعاون الأمني مع السلطة الوطنية  الفلسطينية وخاصة في تدبير و  إدارة معبر رفح، باعتباره  المنفذ الحدودي الوحيد لغزة الذي لا يخضع لسيطرة إسرائيل. لكن منذ  2013  فرضت مصر حصاراً على غزة، وأغلقت معبر رفح لفترات طويلة، ومن هنا؛ ظهرت القاهرة  من وجهة نظر فصائل المقاومة  متواطئة مع إسرائيل في حربها عام 2014.  ابتداءً من عام 2017 بدأ موقف مصر يتغير  تجاه حكام غزة ومنذ عام 2021  تمكنت مصر في العودة إلى الدور المعتاد المتعلق بالوساطة  الذي كانت تضطلع به منذ عهد مبارك. إذ يعمل جهاز المخابرات العامة على ضمان الحد من التصعيد ووقف إطلاق النار كلما اندلعت التوترات بين إسرائيل وجماعات المقاومة الفلسطينية. وفي المقابل، تحصل على بعض النفوذ السياسي مع واشنطن والعواصم الغربية. علاوة على ذلك، أدى ضمان التهدئة إلى استخدام معبر رفح كورقة مساومة مع حماس ونقل المعلومة الاستخباراتية مع الكيان المحتل. في ظل التصعيد العسكري في المنطقة، خاصة مع وجود قوات أمريكية كبيرة في البحرين الأحمر والمتوسط لمراقبة الوضع عن كثب ، تبدو التهديدات على حدود مصر أكثر واقعية، إذ تعكس التطورات المحيطة بغزة محاولة لتوجيه الضغط على الفلسطينيين للرحيل عن أراضيهم، لكن إرادة الشعب الفلسطيني تكون دائما أقوى.

مستقبل الشرق الأوسط في عهد ترامب:

الشرق الأوسط تغيرت فيه التوجهات، لهذا فإن عهد ترامب الجديد لن يكون مثل فترته الأولى، فمنذ إعلان "صفقة القرن" التي قدمها دونالد ترامب، تغيرت خريطة التحالفات الإقليمية بشكل غير مسبوق. فالصفقة أسقطت حق العودة، واعترفت بسيادة إسرائيل على القدس والمستوطنات، مما تسبب في تدهور الوضع الفلسطيني وتعقيد الملف. وبتوقيع اتفاقيات "السلام الإبراهيمي" بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، تعزز الاتجاه نحو شراكات اقتصادية ودبلوماسية دون مراعاة لحقوق الفلسطينيين. ورغم أن سيناء لم تُذكر كجزء من الصفقة، إلا أن التصعيد الذي تنهجه إسرائيل  يشير إلى احتمال أن تصبح مطمعًا استراتيجيًا لها ، وهو ما يستدعي من مصر اليقظة والتصدي لكل محاولات زعزعة أمنها القومي.

تمثل عودة ترامب للرئاسة والتي لها تأثير غير مباشر على الصراع في غزة، حيث من المحتمل أن يسعى للحد من الإنفاق الأمريكي في الحروب المكلفة، ويرى أن الدعم العسكري والمالي لإسرائيل يشكل عبئًا. ومن منطلقه الاقتصادي، قد يحاول ترامب تهدئة النزاع في غزة لخفض التكاليف، خاصةً أن الدعم الأمريكي لإسرائيل يكون في شكل منح وليس قروضًا، ما يُزيد من الضغوط المالية على واشنطن. من جانب آخر، تشير التقارير إلى تحركات أمريكية-روسية لبدء تسويات جديدة بالشرق الأوسط، حيث يمكن أن يتجه  ترامب لإشراك روسيا في عمليات التسوية القادمة بالمنطقة، مما يفرز بعض الخلاصات والتقديرات المنتظرة:

أوكرانيا متى تنتهي الحرب؟ 

وبالنسبة لأوكرانيا، يبدو أن هناك توجها مشتركًا بين ترامب وبوتين لدفع العملية السياسية بالبلاد، عبر تنظيم انتخابات رئاسية في 2025، تهدف لاختيار قيادة وسطية تُرضي أطراف النزاع: روسيا، أوروبا، وأمريكا. ويمكن أن تكون هذه الخطوة ضمن محاولات أخرى  للتوصل إلى تسوية للصراع الأوكراني، خاصة بعد أن بات الرئيس زيلينسكي غير مرغوب فيه لدى بعض الأطراف الدولية، مما قد يكون سبباً في اختلاف التوجهات الدولية بين الرؤية الامريكية الأوروبية اتجاه الشرق الأوسط ، والتأثير على فاعلية وجدوى استمرار حلف الناتو.

مستقبل حماس تحت المحك:

بنيامين نتنياهو، يتعمّد الإبقاء على حكم «حماس»  حتى تبدو ضعيفة تجاه المحتل وقوية ومنتصرة تجاه السلطة الفلسطينية، استفادة حماس من  دخول منحة مالية من دولة خليجية بقيمة 30 مليون دولار في الشهر هو عنوان المفارقة، يقوي المقاومة  على حساب السلطة الوطنية ، ويعمّق الانقسام الفلسطيني.

قد يبدو للمتتبع أن  إسرائيل  نجحت في مهمتها هذه، لكنها وقعت في فخ. فقامت «حماس» بهجومها في السابع من أكتوبر 2023 الذي زلزل إسرائيل ولحدود الساعة لا أحد فكك المؤامرة .  لكن ما هو مثبت أن إسرائيل استغلت الفرصة وقامت بالرد الجنوني المعروف، الذي ألحقت فيه الدمار الجبار بقطاع غزة والضفة الغربية ثم لبنان وسوريا وطالت أياديها حتى إيران. ويرون في إسرائيل أنها نجحت في قلب المعادلة، خصوصاً ضد حماس.  بعدما تمكنت الآلة العسكرة من  اغتيال قادة الحركة الأساسيين، وفي مقدمتهم رئيس المكتب السياسي، إسماعيل هنية ويحيى السنوار، تم ضرب نحو 90 في المائة من القدرات العسكرية  للحركة  وضرب قوة المساندة من حزب الله، وباتت حماس تنفّذ عمليات محدودة وبالأساس دفاعية.

الأمر الجوهري الان  كيف تظهر حركة حماس بهذا التنظيم والعتاد وهي تسلم الأسرى؟ إذا كانت حماس قد  فقدت قوتها الأساسية وخسرت حكمها وحلفاءها كما تدعي إسرائيل ،  فهي تظل تروج صورة المقاومة و تحلم  بتصفيتها نهائياً لأهداف يوظفها اليمين المتطرف، الذي  يتحمّل  المسؤولية في تقوية اليمين الفلسطيني   على حساب السلطة الوطنية الفلسطينة  وتكون النتيجة أن إسرائيل تمكنت  من إقامة علاقات آمنة مع سوريا الشرع  أكثر مما كان في عهد الأسد. ولهذا جاءت الضربات العسكرية للجيش السوري وجاء احتلال كل رؤوس جبل الشيخ وعدة قرى في الجولان الشرقي. حيث تدعي  إسرائيل أن هذا الاحتلال سيكون مؤقتاً، وتلك هي حكاية بداية مقاومة من شكل آخر.. أو تأييد لتطبيع قادم في الأفق.

خاتمة

كل يوم من القتال المستمر في غزة والضفة الغربية سوف يضع مستقبل السلام في كف عفريت، ويزيد من عبء إدارة الضغوط المتزايدة على السلطة الوطنية الفلسطينية  مما يجعلها الأشد ضعفا في المقابل يبقى مستقبل  المقاومة رهين بوجود دعم سياسي خارجي ونظرا لوضع إيران وحزب الله في جنوب لبنان  وانهيار النظام السوري لم يعد للمقاومة من دعم سوى الفٌرق التي تلعب دور الوساطة فيما يسمى السلم، أما لحظة الحرب الكل يبحث عن مصالحه إن التحرك نحو وضع نهائي محدد أمر ضروري لأي استراتيجية عسكرية، أو ببساطة كما قال الفيلسوف الصيني سون تزو في كتاب "فن الحرب" إن "التكتيكات بدون إستراتيجية هو الضجيج الذي يسبق الهزيمة.  ما تحتاجه إسرائيل هو إيجاد سبيل لتوفير مسار سياسي، لكن ما  حققته إسرائيل أو ستحققه أنها ستقتل  العديد من مقاتلي  حماس ، وربما سيتم كسر قوتهم العسكرية في الوقت الحالي وهذا فقط ما تستطيع فعله لكنها لا تستطيع اغتيال فكرة الوطن عند الفلسطيني .

عبد الغني السلماني / كاتب و باحث