يبدو من أغلب التصريحات التي يدلي بها الرئيس الفرنسي عمانوئيل ماكرون هنا وهناك، واللقاءات التي يعقدها داخل فرنسا السقيمة وخارجها، وكذلك من المواقف المتحوّلة والمنقلبة على ذاتها، والتي اتخذها ماكرون بشكل مفاجئ في شأن ملفات غير قليلة ولكنها مصيرية ووازنة، كملف النزاع المفتعل حول صحرائنا الجنوبية الغربية... يبدو من كل ذلك، انه يحاول جاهداً أن يستدرك ما فاته في أكثر من فضاء وأكثر من ساحة، وفي مقدمة ذلك، الساحة الإفريقية، والفضاء الأورومتوسطي، اللذان خسر فيهما الشيء الكثير والثقيل... ولذلك بدأ ماكرون يقدم نفسه في صورة باهتة ترصِّعُها ابتسامة صفراء فاقعة، وكأنه يقول لمخاطَبيه في الاتحاد الأوروبي وخارجه: "حِلماً ورأفةّ بي، فأخوكم مُثخَنٌ بالجراح وفي أمس الحاجة إلى أكبر قدر من التفهّم، ومن التجاوُز!!
ماكرون العُهدة الثانية هذا، لا يشبه في أي شيء ماكرون العهدة الأولى، التي كان فيها صعب المراس، شديد الثقة بنفسه، كثير الانتقاد لغيره، حتى داخل مجتمع أوروبي توجد فيه ألمانيا العالمة، وإسبانيا الأصيلة، وإيطاليا المتوثّبة، وإسكندينافيا شديدة التطور والتألق بلا كثير بهرجة، وبريطانيا المُحتفية دائما وأبداً بأصالتها وعظمة تاريخها التليد!!
أمام ذلك "الماكرون الأول"، يبدو هذا "الماكرون الثاني" ضعيفاً، بل شديد الضعف والهوان، خاسراً ومنهزماً في كل جدلياته الإفريقية، السياسية والاقتصادية والمالية والثقافية... وهذا بالذات، هو الذي اضطره إلى مراجعة موقفه من مغرب جديد لا يشبه بدوره في شيء مغرب الأمس، وبالتالي الانضمام إلى أطروحته الوحدوية ليس بدعمها فحسب، بل وبالتعهّد والالتزام بالدفاع عنها أوروبياً وأممياً، بل والذهاب في هذا المنحى الجديد بعيداً كل البعد بإبدائه الاستعداد والأهبة لفتح ملف الأراضي التي ضمتها فرنسا الديغولية إلى جغرافية الجزائر، مقابل سماح معتوهي جزائر الثورة لها، مِن مختطفي الثورة الجزائرية، بالاستمرار في إجراء تجاربها الذرية والبيولوجية، في ظل احتجاجات شديدة اللهجة من لدن المغفور له محمد الخامس، الذي لم يتوقف أبدا عن اعتبار الأراضي المعنية مغربيةً بكل المعايير، حتى أنه كان ينتظر إعلان تقرير مصير الشعب الجزائري ليسترجعها من حكامه بلا عثرات ولا مراوغات!!
بيد أن الرئيس ماكرون لم يجد رغم انضمامه للطرح الوحدوي المغربي ما كان يتوقعه من التجاوز الصريح عن عدوانيته السابقة من لدن الزعماء الأفارقة الجدد، في المستعمرات الفرنسية السابقة، وخاصة في السينغال والتشاد ومالي وبوركينا فاسو والنيجر، ولذلك لم يجد بُدّاً من البحث عن ورقة توت يغطي بها سَوأته السياسية والدبلوماسية فاتّجه صوب لبنان الجريح، الذي ما زال لفرنسا فيه موطئُ قدمٍ، ممنيا النفس بالبحث عن عقود مُجزاة لإعادة الإعمار من جهة، ولتأمين تسليح كتائب الجيش اللبناني، الذي أبدى أكثر من أي وقت مضى رغبته الملحة في تقوية كتائبه وتأهيل فيالقه لكي لا يبقى متفرجا على ما يشجر تحت سمائه، وفوق ترابه الذي استباحته قواتُ إسرائيل، بعد أن عاثت فيه فساداً وبغياً كتائبُ "حزب الشيطان"، ليبدو لبنان أثناء تلك الاستباحة المزدوجة وكأنه ليس صاحب الأرض، ولا الحامل لمفاتيحها والملتزم بداهةً ومنطقاً بالذود عنها إلى آخر رمق!!
ماكرون إِذَن، ذهب يبحث لنفسه في بيروت عن متّكَئٍ يستند إليه لعله يبدو في نظر مواطنيه ذا جدوى ولو بصورة بالغة المحدودية... إنها "القشة التي يتشبث بها الغرقى"، كما يُقال في أدبياتنا العربية المشرقية... وهل لبنان في وضعها الراهن أكثر شيءٍ قينمةً ووزناً من مجرد قشّة؟!!
ثم ماذا عن هذه الزيارة إلى لبنان؟
أول ما يلفت الانتباه أنها جاءت موازاةً مع تنصيب رئيس جديد للدولة اللبنانية، ولكنه رئيس مبتدئ تميّز في أول خطاب رسمي له أمام رئيس الدولة العظمى، الفرنسى، باعتبار ذاته "عاهلاً" وليس مجرد رئيس، ما دام قد قال في ذلك الخطاب بعظمة لسانه: إن الرئيس و"شعبه" (هكذا بدلا من الرئيس و"مواطنيه")، مما يدل على أنه أهّل نفسه للفصل رفقة ضيفه ماكرون فيما يصلح للبنان، اليوم وغداً، وذلك في توافق مع تصريحات ماكرون، التي أبدى فيها هذا الأخير استعداده لحمل الكثير من المنافع ومن أشكال الدعم "للبنان الجديد"، كما قال، والذي استمد جِدته من التغييرات العميقة التي بشرت بإحداثها ضربةُ إسرائيل القاضيةُ لحزب الشيطان، الذي كان أفضع مشكل عانى منه ورثة حضارة صُور، قبل أن تنقذهم قوات نتنياهو من براثنه!!
أول ما يلفت الانتباه أنها جاءت موازاةً مع تنصيب رئيس جديد للدولة اللبنانية، ولكنه رئيس مبتدئ تميّز في أول خطاب رسمي له أمام رئيس الدولة العظمى، الفرنسى، باعتبار ذاته "عاهلاً" وليس مجرد رئيس، ما دام قد قال في ذلك الخطاب بعظمة لسانه: إن الرئيس و"شعبه" (هكذا بدلا من الرئيس و"مواطنيه")، مما يدل على أنه أهّل نفسه للفصل رفقة ضيفه ماكرون فيما يصلح للبنان، اليوم وغداً، وذلك في توافق مع تصريحات ماكرون، التي أبدى فيها هذا الأخير استعداده لحمل الكثير من المنافع ومن أشكال الدعم "للبنان الجديد"، كما قال، والذي استمد جِدته من التغييرات العميقة التي بشرت بإحداثها ضربةُ إسرائيل القاضيةُ لحزب الشيطان، الذي كان أفضع مشكل عانى منه ورثة حضارة صُور، قبل أن تنقذهم قوات نتنياهو من براثنه!!
وكما سبقت الإشارة، فأهم ما يمكن أن يَسيل له لعابُ فرنسا ماكرون، في علاقتها بلبنان الجديد هذا، إنما يمكن اختزاله في ثلاثة أمور بالتحديد:
1- استحواذ المقاولات الفرنسية المختصة بمجالات الإعمار على نصيب الأسد في الجهود المرتقبة لإعادة الإعمار؛
2- استئثار الشركات الفرنسية للصناعات الحربية بقصب السبق في مد الجيش اللبناني بأحدث الأسلحة وآخر التكنولوحيات المتاحة في مجال الصناعات الحربية الفرنسية؛
3- الاحتفاظ لفرنسا بحصتها المعهودة في كل الأنشطة الاقتصادية والمالية التي تطلقها الدولة اللبنانية في شتى الميادين والأسواق...
3- الاحتفاظ لفرنسا بحصتها المعهودة في كل الأنشطة الاقتصادية والمالية التي تطلقها الدولة اللبنانية في شتى الميادين والأسواق...
مسكين الرئيس ماكرون، في وضعه الحالي، لأنه وجد الحاجة ملحة إلى أن يخطب ود بلد مصاب بكل أشكال الضعف والهوان هو لبنان اليوم!!
تُرى، أي دعم يمكن للبنان أن يقدمه للحالة السياسية والدبلوماسية والاقتصادية التي يعبّر عنها ويشخّصها الرئيس الفرنسي المسكين، مقابل الدعم الصوري من لدن هذا الرئيس نفسه للبنان تحت مسمى إعادة إعماره وتسليحه ليتحول إلى لبنان جديد؟!