أثارت اهتمامي تدوينة نشرها الصحفي الدكتور عبد الرحيم أريري على صفحته الفايسبوكية تحت عنوان: "على بعد عام ونصف من الانتخابات.. متى ينسلخ اليسار من دور "طياب العنب"؟!" يسلط فيها الضوء على معضلة جوهرية يعيشها اليسار المغربي، وهي التناقض بين حضوره القوي في تعبئة الشارع ودوره المحتشم في المؤسسات الدستورية المسؤولة عن صناعة القرار. فهذا التناقض القائم ليس مجرد مسألة تنظيمية أو استراتيجية، بل يعكس أزمة أعمق تتعلق بالثقة بين القوى اليسارية والجماهير، وبقدرتها على التحول من الإحتجاج إلى الفعل السياسي الفعال.
فاليسار المغربي ظل لعقود قادرا على تأطير الحركات الإحتجاجية المطالبة بالحقوق الأساسية في مجالات الصحة والتعليم والشغل وغيرها من القضايا الحيوية ليعبر عن انحيازه التقليدي إلى قضايا الفئات الهشة والمتضررة، ويجعل منه صوتا قويا لمجتمع الهامش.
فاليسار المغربي ظل لعقود قادرا على تأطير الحركات الإحتجاجية المطالبة بالحقوق الأساسية في مجالات الصحة والتعليم والشغل وغيرها من القضايا الحيوية ليعبر عن انحيازه التقليدي إلى قضايا الفئات الهشة والمتضررة، ويجعل منه صوتا قويا لمجتمع الهامش.
لكنه يستطع أن يترجم هذه القوة في الشارع إلى حضور حقيقي في المؤسسات الدستورية، وهو ما يثير تساؤلا مشروعا: هل يكتفي اليسار بدور "التَّحْيَاحْ" كما أثارت تدوينة الدكتور عبد الرحيم أريري، أم أن غياب خطط واضحة وآليات تنظيمية فعالة تحول دون قدرته على لعب دور سياسي مؤثر؟
ان المعضلة الكبرى التي يواجهها اليسار المغربي هي فشله في تحويل شعبيته الإحتجاجية إلى قاعدة ناخبة متماسكة حيث نلاحظ فجوة بين قدرته على تأطير المحتجين في الشارع وبين قدرته على إقناعهم بالتوجه إلى صناديق الاقتراع.
ويعزى هذا الفشل إلى عوامل أهمها غياب الثقة في العملية السياسية، إذ ينظر كثير من المحتجين بعين الريبة إلى تنظيمات اليسار ويرون أنها عاجزة عن إحداث تغيير حقيقي في ظل تشرذمها وانتهازية قياداتها وتشبتها بمواقع القيادة وانقسامها ( الراديكالي، المخزني، والكافيار) وإلى ضعف خطابها السياسي الذي لم يتمكن من تقديم برنامج سياسي واضح ومقنع يجيب على تطلعاتهم ويحفزهم على المشاركة في العملية الإنتخابية والتصويت على مرشحيها، وما النتائج المسجلة إلا انعكاس لحصيلة هذا التشرذم والتردي.
ومع اقتراب انتخابات 2026، يحتاج اليسار المغربي إلى إعادة النظر في استراتيجيته السياسية، ليتحول من لعب دور منظم الإحتجاج في الشارع إلى موقع صنع القرار في المؤسسات، وهو ما يتطلب منه إعادة بناء الثقة عبر تقديم بدائل واقعية وقابلة للتنفيذ تعكس هموم المواطنين وتطلعاتهم، والسعي بكل جدية لإنهاء الانقسامات بين تيارات اليسار المختلفة في أفق العمل ضمن رؤية موحدة. مع التركيز على رفع الوعي السياسي لدى الجماهير وإقناعهم بأن التغيير يبدأ من صناديق الاقتراع وليس من الشارع كما ظل يعتقده بعض هواة التقاط الصور منا.
بنسعيد الركيبي فاعل مدني