الأربعاء 5 فبراير 2025
كتاب الرأي

الدكتور أنور الشرقاوي: الصعقه المتوقعة من عدو غادر

الدكتور أنور الشرقاوي: الصعقه المتوقعة من عدو غادر الدكتور أنور الشرقاوي
مسرحية بثلاثة فصول، مستوحاة من واقعٍ حقيقي، مألوف، متكرر، لكنه قابلٌ للتجنب .

الفصل الأول: الوقفة عند الجزار

كان صباحاً عادياً عند "جزار الحومة" ، حيث كان عبق اللحم الأحمر الطازج ممزوجاً برائحة الأعشاب العطرة يملأ المكان.

إدريس بنحليمة، رجل هادئ في الرابعة والستين من عمره، كان يقترب ببطء من عامه الخامس والستين.

كانت سنوات تقاعده تبدو وكأنها محطة هادئة، عبوراً نحو حياة أبسط وأكثر راحة.

واقفاً عند الجزار ، يراقبه يشحذ سكينه بحركة دقيقة، بينما كان إدريس يخطط لوجبة لذيذة: شريحة لحم طرية، حمراء، ومشبعة بالعطرية

ولكن، بينما كان يستمتع بفكرة ذلك العشاء الذي ينتظره، حدث ما لم يكن في الحسبان.

ضربة غير مرئية، كالصاعقة، نزلت عليه بثقل لا يُطاق.

تلاشت الوجوه من حوله، وضاعت الأصوات في عوالم بعيدة.

ثم، وبلا مقدمات، انهار. ليس كرجل تعثر بعائق، بل كجذع شجرة أطاحت به يد غامضة.

عندما استفاق، وجد نفسه ملقى على الأرض، عاجزاً عن الحركة.

ساقه اليسرى وذراعه كانا كأنهما غريبان عنه، لا يستجيبان لأوامره.

وما زاد الطين بلة، أن الكلمات التي حاول نطقها بدت وكأنها سجينة في فمه.

الجزار، وقد ارتبك، صرخ يطلب النجدة، بينما أخذ الزبائن يتهامسون في ذعر.

أما إدريس، فقد كان غارقاً في سؤال لم يجد له إجابة:
"ما هذا العدو الذي باغتني دون سابق إنذار؟"

*الفصل الثاني: الجدّ المحبوب

على بعد كيلومترات من هناك، كانت عائلة ضاحكة قد اجتمعت لتحتفل بعيد ميلاد.

كان يوماً دافئاً، تملؤه حرارة اللقاءات وصخب الضحكات وقرع كؤوس الشاي والمونادا والعصير.

صالح المنصوري، رب الأسرة المحبوب، كان يحتفل بعامه الخامس والسبعين.

بناته حضرن وليمة سخية، وأحفاده، بروح الشباب المتدفقة، ملأوا الأجواء بالمرح.

جلس صالح عند رأس الطاولة، مستمتعاً بلحظة صفاء، وفي يده كوب شاي ساخن.

ولكن فجأة، تجمدت الأجواء.

اختفى البريق من وجهه، الذي كان يضيء بابتسامة رقيقة.

شفاهه، التي كانت تطاوعه بسلاسة في الكلام، توقفت عن الحركة.

- "أبي، هل أنت بخير؟" سألت إحدى بناته، وقد لاحظت نظرة غريبة في عينيه.

حاول صالح أن يجيب، ولكن صوته لم يخرج.

ارتجفت يده قليلاً، وسقط كأس الشاي من بين أصابعه، متحطماً على الأرض.

توقفت الضحكات فوراً، وحل مكانها صمت ثقيل.

هرع الأطفال إلى جانبه، بينما اتجه الكبار نحو الهاتف، مستنجدين بالطبيب.


الفصل الثالث: التشخيص البارد

في الحالتين، جاء التشخيص الطبي ببرود مميت: جلطة دماغية.

لكن لماذا؟ تساءل الأقارب، غارقين في الحيرة.

إدريس وصالح، رجلان بسيطان، يعيشان حياة بلا تعقيدات، قد بدوا وكأنهما بصحة في توازن بفضل الأدوية

فكيف تمكن هذا العدو الخفي من أن يضربهما بهذه القسوة؟

هل هو تآمر صامت للسنوات التي تمر؟

أم أنها تراكمات خفية: قلب مرهق، شرايين انسدت ببطء، أو ضغط مرتفع لم يلاحظه أحد؟.

لكن، وسط الرعب والحيرة، تظهر رسالة واضحة.

هذه الظلال الصامتة، هذه الأزمات المفاجئة، تذكرنا بأهمية الاستماع لجسدنا، قراءة علاماته، وفهم لغزه قبل فوات الأوان.

علينا أن نتعلم كيف نحمي أنفسنا بأنفسنا

هناك علامات تسبق الجلطة الدماغية.

علينا أن نتعرف عليها، أن نترقبها، وأن نبحث عن جذورها لنمنع حدوث ما لا يمكن إصلاحه او تداركه.\