التطورات الحاصلة في قضية الصحراء المغربية، خاصة اعتراف العديد من الدول الوازنة كالولايات المتحدة الامريكية وفرنسا واسبانيا وألمانيا وغيرها من دول العالم من مختلف القارات بسيادة المغرب على صحراءه، ورفض الصين وروسيا حضور يافطة الجمهورية الوهمية في كل لقاءات الشركات التي تجمعهما مع دول منظمة الاتحاد الافريقي. وقيام المغرب بفتح مشاريع استخراجية كبرى بالمنطقة، كتمكين دول الساحل من الوصول الى المحيط الأطلسي، أو مشروع أنبوب الغاز الأطلسي وغيرها من المشاريع التي تهم عموم افريقيا، فضلا عن انكماش الدور الجزائري ودخول مليشيات البوليساريو في مرحلة الانهيار والتفكك.
كلها عوامل تجعل موريتانيا تقف على حجم التغييرات الاستراتيجية الكبيرة التي حدثت في ملف الصحراء وفي محيطها الإقليمي. في وقت أصبح فيه النظام العسكري الجزائري الذي فرض عنوة وبالتهديد على موريتانيا الموقف الذي تسميه بـ «الحيادي» في قضية الصحراء المغربية، أكثر ضعفا وترهلا وأكثر عزلة ، فضلا عن تمدد الصراعات بين أجنحته والتراجع على جميع المستويات، لدرجة أصبحت مواقف الجزائر الخارجية وقرارتها الداخلية والخارجية، محل استغراب واستنكار واستهجان وسخرية.
ضرورة توحيد الجهود للتصدي لدعوات فصل الولايات الشمالية عن موريتانيا
هذه التطورات تجعل المغرب وموريتانيا أمام خيار استراتيجي واحد ، يتمثل في حتمية بناء شراكة موسعة بين البلدين، تشمل مختلف المجالات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها ، فليس من مصلحة المغرب وجود جار في جنوبه مهدد بعدم الاستقرار والانهيار والتفكك ، كما ليس من مصلحة الأمن القومي المغربي نجاح دعوات فصل الولايات الشمالية عن موريتانيا ، وهي دعوات ظهرت في السنوات الأخيرة خاصة منذ سنة 2016، حيث قامت في شهر دجنبر من نفس السنة جمعية تابعة لمليشيات “البوليساريو“ تسمى جمعية “ذاكرة تيرس“، بتوزيع منشور انفصالي يدعو إلى منح ازويرات حكما ذاتيا. ودعا المنشور إلى منح من وصفهم بـ “السكان الأصليين لازويرات“ حقهم في ثروة ولايتهم الغنية. و كان ذلك بالتزامن مع الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة المغربية آنذاك، عبد الاله بن كيران والوزير المنتدب في الخارجية ناصر بوريطة، إلى مدينة ازويرات الموريتانية، بتكليف من الملك محمد السادس، حيث التقيا الرئيس الموريتاني آنذاك محمد ولد عبد العزيز.
وعرفت السنوات القليلة الماضية كذلك دعوات مماثلة تقف وراءها المخابرات العسكرية الجزائرية، بالموازاة مع التوسيع المكثف لعملية تجنيس عناصر البوليساريو وساكنة مخيمات تندوف بالجنسية الموريتانية، بحكم أن فصل شمال موريتانيا يعد خيارا بديلا بعد فشل مشروع الانفصال الذي يستهدف الأقاليم الجنوبية المغربية. ففصل شمال موريتانيا عنها وإقامة كيان موالي للجزائر، يحقق في الأخير هدف تطويق المغرب من الجنوب، وهو هدف عملت على تحقيقه القوى المنافسة للمغرب طيلة القرون السابقة. وعملت على تحقيقه فرنسا واسبانيا طيلة العقود الماضية، قبل ان تتولى الجزائر بشكل مكشوف وسافر تحقيق هذا الهدف.
وقد انتهج النظام العسكري الجزائري سياسة الضغط الممنهج على موريتانيا طيلة العقود السابقة، بتعريضها لهجمات مليشيات «البوليساريو» في عقد السبعينات من جهة، ولهجمات التنظيمات الإرهابية خاصة في سنوات 2005 _ 2007_ 2008 و2009، وجعلها تعيش في حالة خوف دائمة ، ودفعها إلى الخشية من كل تقارب مع المغرب، و فرض عنوة على موريتانيا الموقف الذي تسميه «بالحيادي» في قضية الصحراء المغربية.
توسع دعوات فصل ولايات شمال موريتانيا، دفعت السلطات الموريتانية سنة 2021 للقيام باعتقال عدد من الأشخاص الذين يقفون وراء دعوات الانفصال، كما دفعت العديد من النخب الموريتانية الى دق ناقوس الخطر، منهم مثلا مسعود ولد بولخير رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي في موريتانيا، الذي اكد أن الجزائر و“البوليساريو” تعملان على تغذية النعرات القبلية في بلاده، وتقومان بدفع سكان الشمال إلى الانفصال، وأكد كذلك بقوله ان أهل الشمال أصبحوا «يتحدثون منذ فترة أنهم تعبوا من حمل موريتانيا على ظهورهم، وأنهم يريدون أن يكونوا أمة وحدهم». وعبر بلخير، الذي يرأس حزب التحالف التقدمي أيضا، عن تخوفه من انهيار بلاده كدولة، وقال: «إن موريتانيا لم تعد موجودة كدولة، وهي قريبة من حافة الهاوية ومآلها القريب الانفجار التشظى أو الانفجار»، مشيرا إلى «احتمال أن تستغل جبهة البوليساريو بدعم من الجزائر الوضع القائم في موريتانيا حاليا وتعلن انفصال الشمال»، وتابع أنه صارح الرئيس محمد ولد الغزواني، وأكد له أن الوضع الذي تمر به موريتانيا لا يمكن أن يتداركه إلا الحوار، وأن عليه أن ينظم هذا الحوار ليضع حدا لهذه التحديات، وأن يتدارك موريتانيا قبل فوات الأوان.
ليس من مصلحة المملكة المغربية ان تكون موريتانيا دولة فاشلة
يتجاوز أثر الهشاشة الحدود الوطنية للدولة الهشة، إذ تشير التقديرات إلى أن نحو 80 في المائة من تكاليف الهشاشة في النمو الاقتصادي الضائع تتحمله دول الجوار، التي تعاني كثيرا من تأثير هشاشة الجار، حيث ينخفض معدل النمو بنحو 0.6% سنويا لكل دولة مجاورة.
وتحدث الدول الهشة تأثيراً سلبياً على جيرانها من خلال قنوات أخرى، تعد من العوامل المساعدة على انتشار خطر عدم الاستقرار والصراعات العنيفة عبر الحدود، منها حالة انتشار أسواق الأسلحة (كما هو الحال في موريتانيا)، إذ تؤدي سهولة اختراق الحدود الوطنية إلى سهولة تنقل الأسلحة والذخائر بين الدول.
ويتجلى المزيد من تأثيرات الجار الهش في تحركات اللاجئين عبر الحدود، مما يفرض تكاليف باهظة على الدولة المستقبلة، ويمكن أن تؤدي تحركات اللاجئين الجماعية أيضاً إلى زعزعة استقرار البلدان المجاورة، وتصبح مخيمات اللاجئين موقعاً لتنظيم نشاط الجماعات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة قبل تنفيذ عملياتها.
كما يمكن أن يشكل استمرار التدفقات الأخرى غير المشروعة كتهريب الكوكايين، التي تجتذبها البلدان ذات السيطرة المحدودة على أراضيها والعاجزة عن إنفاذ القانون والعاجزة عن تامين حدودها، تهديدا لاستقرار البلدان المجاورة.
فأمام عجز الدولة الموريتانية في إنشاء نظام عصري، وبناء اقتصاد وطني، جعلها عرضة لمخاطر التدمير الداخلي والتدريجي، بسبب ارتفاع معدلات الفقر والهشاشة الاجتماعية وبسبب التوترات الاثنية والعرقية وتصاعد الانتماءات القبلية، وأصناف التقسيم الاجتماعي الأخرى التي يقوم بإثارتها واستغلالها بعض الزعماء المحليين والسماسرة السياسيين المرتبطين أحيانا بمهربي المخدرات، كما ان فشل موريتانيا في إقامة هوية وطنية موحدة تقوم على احترام التعدد العرقي، يجعل مؤشرات اندلاع توترات حاضرة بين البيضان والحراطين والأفارقة السود الذين يشكلون الأقلية غير الناطقة باللهجة الحسانية، والتي تعود أصول أغلبها إلي القبائل الزنجية المنتشرة على ضفتي نهر السنغال، فالمجتمع الموريتاني ينقسم تاريخيا إلى طبقات اجتماعيه لكل منها وظيفتها الخاصة.
كلها عوامل تجعل موريتانيا تقف على حجم التغييرات الاستراتيجية الكبيرة التي حدثت في ملف الصحراء وفي محيطها الإقليمي. في وقت أصبح فيه النظام العسكري الجزائري الذي فرض عنوة وبالتهديد على موريتانيا الموقف الذي تسميه بـ «الحيادي» في قضية الصحراء المغربية، أكثر ضعفا وترهلا وأكثر عزلة ، فضلا عن تمدد الصراعات بين أجنحته والتراجع على جميع المستويات، لدرجة أصبحت مواقف الجزائر الخارجية وقرارتها الداخلية والخارجية، محل استغراب واستنكار واستهجان وسخرية.
ضرورة توحيد الجهود للتصدي لدعوات فصل الولايات الشمالية عن موريتانيا
هذه التطورات تجعل المغرب وموريتانيا أمام خيار استراتيجي واحد ، يتمثل في حتمية بناء شراكة موسعة بين البلدين، تشمل مختلف المجالات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها ، فليس من مصلحة المغرب وجود جار في جنوبه مهدد بعدم الاستقرار والانهيار والتفكك ، كما ليس من مصلحة الأمن القومي المغربي نجاح دعوات فصل الولايات الشمالية عن موريتانيا ، وهي دعوات ظهرت في السنوات الأخيرة خاصة منذ سنة 2016، حيث قامت في شهر دجنبر من نفس السنة جمعية تابعة لمليشيات “البوليساريو“ تسمى جمعية “ذاكرة تيرس“، بتوزيع منشور انفصالي يدعو إلى منح ازويرات حكما ذاتيا. ودعا المنشور إلى منح من وصفهم بـ “السكان الأصليين لازويرات“ حقهم في ثروة ولايتهم الغنية. و كان ذلك بالتزامن مع الزيارة التي قام بها رئيس الحكومة المغربية آنذاك، عبد الاله بن كيران والوزير المنتدب في الخارجية ناصر بوريطة، إلى مدينة ازويرات الموريتانية، بتكليف من الملك محمد السادس، حيث التقيا الرئيس الموريتاني آنذاك محمد ولد عبد العزيز.
وعرفت السنوات القليلة الماضية كذلك دعوات مماثلة تقف وراءها المخابرات العسكرية الجزائرية، بالموازاة مع التوسيع المكثف لعملية تجنيس عناصر البوليساريو وساكنة مخيمات تندوف بالجنسية الموريتانية، بحكم أن فصل شمال موريتانيا يعد خيارا بديلا بعد فشل مشروع الانفصال الذي يستهدف الأقاليم الجنوبية المغربية. ففصل شمال موريتانيا عنها وإقامة كيان موالي للجزائر، يحقق في الأخير هدف تطويق المغرب من الجنوب، وهو هدف عملت على تحقيقه القوى المنافسة للمغرب طيلة القرون السابقة. وعملت على تحقيقه فرنسا واسبانيا طيلة العقود الماضية، قبل ان تتولى الجزائر بشكل مكشوف وسافر تحقيق هذا الهدف.
وقد انتهج النظام العسكري الجزائري سياسة الضغط الممنهج على موريتانيا طيلة العقود السابقة، بتعريضها لهجمات مليشيات «البوليساريو» في عقد السبعينات من جهة، ولهجمات التنظيمات الإرهابية خاصة في سنوات 2005 _ 2007_ 2008 و2009، وجعلها تعيش في حالة خوف دائمة ، ودفعها إلى الخشية من كل تقارب مع المغرب، و فرض عنوة على موريتانيا الموقف الذي تسميه «بالحيادي» في قضية الصحراء المغربية.
توسع دعوات فصل ولايات شمال موريتانيا، دفعت السلطات الموريتانية سنة 2021 للقيام باعتقال عدد من الأشخاص الذين يقفون وراء دعوات الانفصال، كما دفعت العديد من النخب الموريتانية الى دق ناقوس الخطر، منهم مثلا مسعود ولد بولخير رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي في موريتانيا، الذي اكد أن الجزائر و“البوليساريو” تعملان على تغذية النعرات القبلية في بلاده، وتقومان بدفع سكان الشمال إلى الانفصال، وأكد كذلك بقوله ان أهل الشمال أصبحوا «يتحدثون منذ فترة أنهم تعبوا من حمل موريتانيا على ظهورهم، وأنهم يريدون أن يكونوا أمة وحدهم». وعبر بلخير، الذي يرأس حزب التحالف التقدمي أيضا، عن تخوفه من انهيار بلاده كدولة، وقال: «إن موريتانيا لم تعد موجودة كدولة، وهي قريبة من حافة الهاوية ومآلها القريب الانفجار التشظى أو الانفجار»، مشيرا إلى «احتمال أن تستغل جبهة البوليساريو بدعم من الجزائر الوضع القائم في موريتانيا حاليا وتعلن انفصال الشمال»، وتابع أنه صارح الرئيس محمد ولد الغزواني، وأكد له أن الوضع الذي تمر به موريتانيا لا يمكن أن يتداركه إلا الحوار، وأن عليه أن ينظم هذا الحوار ليضع حدا لهذه التحديات، وأن يتدارك موريتانيا قبل فوات الأوان.
ليس من مصلحة المملكة المغربية ان تكون موريتانيا دولة فاشلة
يتجاوز أثر الهشاشة الحدود الوطنية للدولة الهشة، إذ تشير التقديرات إلى أن نحو 80 في المائة من تكاليف الهشاشة في النمو الاقتصادي الضائع تتحمله دول الجوار، التي تعاني كثيرا من تأثير هشاشة الجار، حيث ينخفض معدل النمو بنحو 0.6% سنويا لكل دولة مجاورة.
وتحدث الدول الهشة تأثيراً سلبياً على جيرانها من خلال قنوات أخرى، تعد من العوامل المساعدة على انتشار خطر عدم الاستقرار والصراعات العنيفة عبر الحدود، منها حالة انتشار أسواق الأسلحة (كما هو الحال في موريتانيا)، إذ تؤدي سهولة اختراق الحدود الوطنية إلى سهولة تنقل الأسلحة والذخائر بين الدول.
ويتجلى المزيد من تأثيرات الجار الهش في تحركات اللاجئين عبر الحدود، مما يفرض تكاليف باهظة على الدولة المستقبلة، ويمكن أن تؤدي تحركات اللاجئين الجماعية أيضاً إلى زعزعة استقرار البلدان المجاورة، وتصبح مخيمات اللاجئين موقعاً لتنظيم نشاط الجماعات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة قبل تنفيذ عملياتها.
كما يمكن أن يشكل استمرار التدفقات الأخرى غير المشروعة كتهريب الكوكايين، التي تجتذبها البلدان ذات السيطرة المحدودة على أراضيها والعاجزة عن إنفاذ القانون والعاجزة عن تامين حدودها، تهديدا لاستقرار البلدان المجاورة.
فأمام عجز الدولة الموريتانية في إنشاء نظام عصري، وبناء اقتصاد وطني، جعلها عرضة لمخاطر التدمير الداخلي والتدريجي، بسبب ارتفاع معدلات الفقر والهشاشة الاجتماعية وبسبب التوترات الاثنية والعرقية وتصاعد الانتماءات القبلية، وأصناف التقسيم الاجتماعي الأخرى التي يقوم بإثارتها واستغلالها بعض الزعماء المحليين والسماسرة السياسيين المرتبطين أحيانا بمهربي المخدرات، كما ان فشل موريتانيا في إقامة هوية وطنية موحدة تقوم على احترام التعدد العرقي، يجعل مؤشرات اندلاع توترات حاضرة بين البيضان والحراطين والأفارقة السود الذين يشكلون الأقلية غير الناطقة باللهجة الحسانية، والتي تعود أصول أغلبها إلي القبائل الزنجية المنتشرة على ضفتي نهر السنغال، فالمجتمع الموريتاني ينقسم تاريخيا إلى طبقات اجتماعيه لكل منها وظيفتها الخاصة.
محمد الطيار ، باحث في الدراسات الاستراتيجية والأمنية