الأربعاء 5 فبراير 2025
كتاب الرأي

محمد بنمبارك: المغرب - موريتانيا.. حكمة القيادة وثبات المواقف

محمد بنمبارك: المغرب - موريتانيا.. حكمة القيادة وثبات المواقف محمد بنمبارك
في‭ ‬خطوة‭ ‬بناءة‭ ‬تعكس‭ ‬عمق‭ ‬الروابط‭ ‬التاريخية‭ ‬والإنسانية‭ ‬الممتازة‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬الشقيقين‭ ‬الجارين‭ ‬المغرب‭ ‬وموريتانيا،‭ ‬تُبْرِز‭ ‬متانة‭ ‬علاقاتهما‭ ‬المضطردة‭ ‬المتنامية‭ ‬والرغبة‭ ‬المشتركة‭ ‬لتفعيل‭ ‬آليات‭ ‬التعاون،‭ ‬استقبل‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس،‭ ‬يوم‭ ‬20‭ ‬دجنبر‭ ‬2024‭ ‬بالقصر‭ ‬الملكي‭ ‬بالدار‭ ‬البيضاء،‭ ‬محمد‭ ‬ولد‭ ‬الشيخ‭ ‬الغزواني،‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬الاسلامية‭ ‬الموريتانية،‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬بزيارة‭ ‬خاصة‭ ‬إلى‭ ‬المغرب،‭ ‬هي‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬إلى‭ ‬المملكة‭ ‬منذ‭ ‬توليه‭ ‬الحكم‭ ‬بموريتانيا‭ ‬سنة‭ .‬2019‭ 
 
الأهمية‭ ‬البالغة‭ ‬والمتميزة‭ ‬لهذا‭ ‬اللقاء‭ ‬الرفيع‭ ‬المستوى،‭ ‬عكسه‭ ‬بلاغ‭ ‬الديوان‭ ‬الملكي،‭ ‬الذي‭ ‬أكد‭ ‬في‭ ‬جانب‭ ‬منه‭ ‬على‭ ‬حرص‭ ‬قائدي‭ ‬البلدين‭ ‬على: «تطوير‭ ‬مشاريع‭ ‬استراتيجية‭ ‬للربط‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭ ‬الجارين،‭ ‬وكذا‭ ‬تنسيق‭ ‬مساهمتهما‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬المبادرات‭ ‬الملكية‭ ‬بإفريقيا،‭ ‬خاصة‭ ‬أنبوب‭ ‬الغاز‭ ‬الافريقي‭ ‬ـــــ‭ ‬الأطلسي‭ ‬ومبادرة‭ ‬تسهيل‭ ‬ولوج‭ ‬دول‭ ‬الساحل‭ ‬الى‭ ‬المحيط‭ ‬الأطلسي»‭.  ‬
 
نظرة‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬محمد‭ ‬السادس‭ ‬إلى‭ ‬الشقيقة‭ ‬موريتانيا،‭ ‬تتلخص‭ ‬في‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬توطيد‭ ‬علاقات‭ ‬التعاون‭ ‬البناء‭ ‬وتعزيز‭ ‬الشراكة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬المتعددة‭ ‬المجالات،‭ ‬الهادفة‭ ‬إلى‭ ‬تقوية‭ ‬وتوسيع‭ ‬وتنويع‭ ‬المشاريع‭ ‬الاقتصادية‭ ‬وتشجيع‭ ‬الاستثمار‭ ‬والرفع‭ ‬من‭ ‬حجم‭ ‬التبادل‭ ‬التجاري‭ ‬وفسح‭ ‬المجال‭ ‬أمام‭ ‬حركية‭ ‬تنقل‭ ‬البشر‭ ‬ورؤوس‭ ‬الاموال،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ترسانة‭ ‬هائلة‭ ‬من‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الثنائية‭ ‬تشكل‭ ‬قاعدة‭ ‬لانطلاق‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المشاريع‭ ‬الواعدة‭ ‬بما‭ ‬يخدم‭ ‬مصلحة‭ ‬البلدين‭ ‬وشعبيهما‭ ‬معا‭. ‬يحرص‭ ‬جلالة‭ ‬الملك‭ ‬أيضا‭ ‬على‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬تعزيز‭ ‬الدور‭ ‬الإقليمي‭ ‬للرباط‭ ‬ونواكشوط‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬التنمية‭ ‬والاستقرار‭ ‬بالمنطقة‭ ‬مغاربيا‭ ‬وغربا‭ ‬إفريقيا،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬النظرة‭ ‬السياسية‭ ‬الموحدة‭ ‬والمتناغمة‭ ‬التي‭ ‬يلتقي‭ ‬فيها‭ ‬جلالته‭ ‬والرئيس‭ ‬الموريتاني‭ ‬حول‭ ‬القضايا‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭. ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬موريتانيا‭ ‬تمثل‭ ‬بوابة‭ ‬المغرب‭ ‬نحو‭ ‬عمقه‭ ‬الإفريقي،‭ ‬فإن‭ ‬المغرب‭ ‬يشكل‭ ‬جسرا‭ ‬لموريتانيا‭ ‬نحو‭ ‬الفضاء‭ ‬الأوروبي‭.‬
 
كل‭ ‬أسس‭ ‬التوافق‭ ‬البناء‭ ‬والنظرة‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬لآفاق‭ ‬التعاون‭ ‬والارتقاء‭ ‬بالعلاقات‭ ‬منسجمة‭ ‬متوافقة،‭ ‬تقطع‭ ‬أشواطها‭ ‬في‭ ‬هدوء‭ ‬ويقين‭ ‬وثبات‭ ‬وثقة‭ ‬متبادلة‭ ‬لبنة‭ ‬بعد‭ ‬أخرى،‭ ‬صعب‭ ‬معه‭ ‬على‭ ‬المتربصين‭ ‬بهذه‭ ‬العلاقات‭ ‬التشويش،‭ ‬خارج‭ ‬الضوضاء‭ ‬والفقاعات‭ ‬الاعلامية‭ ‬الصاخبة،‭ ‬التي‭ ‬تحركها‭ ‬الأبواق‭ ‬الجزائرية‭.‬
 
لا‭ ‬شك‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬زيارة‭ ‬الرئيس‭ ‬الموريتاني‭ ‬للمغرب‭ ‬ولقائه‭ ‬بأخيه‭ ‬جلالة‭ ‬الملك،‭ ‬مثلما‭ ‬ستعزز‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬البلدين،‭ ‬فإنها‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬ثانية‭ ‬سترخي‭ ‬بظلالها‭ ‬قلقا‭ ‬وغضبا‭ ‬وتذمرا‭ ‬على‭ ‬قادة‭ ‬الجزائر،‭ ‬وستشكل‭ ‬إحباطا‭ ‬وضربة‭ ‬قاسمة‭ ‬لكل‭ ‬مناوراتهم‭ ‬لبث‭ ‬الفرقة‭ ‬والتشويش‭ ‬على‭ ‬العلاقات‭ ‬المغربية‭ ‬الموريتانية‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬ثانية‭ ‬على‭ ‬مخططات‭ ‬قادة‭ ‬الجزائر‭ ‬المحبطة‭ ‬لضرب‭ ‬اتحاد‭ ‬المغرب‭ ‬العربي،‭ ‬وزرع‭ ‬بذور‭ ‬التقسيم‭ ‬والتشطير‭ ‬والصراع‭ ‬والفتنة‭ ‬بين‭ ‬بلدانه‭ ‬الخمسة‭. ‬وهنا‭ ‬يبرز‭ ‬التساؤل‭ ‬الاستنكاري،‭ ‬ما‭ ‬الضرر‭ ‬الذي‭ ‬سيلحق‭ ‬بالجزائر‭ ‬جراء‭ ‬هذه‭ ‬الزيارة؟‭ ‬وما‭ ‬تداعياتها‭ ‬على‭ ‬الشأن‭ ‬الجزائري؟‭  ‬وقد‭ ‬تم‭ ‬اللقاء‭ ‬بين‭ ‬قائدي‭ ‬بلدين‭ ‬شقيقين‭ ‬جارين‭ ‬انشغلا‭ ‬بقضايا‭ ‬تهم‭ ‬علاقاتهما‭ ‬الثنائية‭ ‬ومصالح‭ ‬شعبيهما‭ ‬وتباحثا‭ ‬فيما‭ ‬يخدم‭ ‬جوارهما‭ ‬الإفريقي،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يلتفتا‭ ‬إلى‭ ‬الجزائر‭.‬
 
لكن‭ ‬المتمعن‭ ‬في‭ ‬سياسة‭ ‬الجزائر‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬سيلحظ‭ ‬أنها‭ ‬أولت‭ ‬بالغ‭ ‬اهتمامها‭ ‬للمنطقة‭ ‬المغاربية‭ ‬التي‭ ‬تراها‭ ‬هشة‭ ‬سهلت‭ ‬الاختراق،‭ ‬للتغطية‭ ‬على‭ ‬فشلها‭ ‬الذريع‭ ‬بعد‭ ‬عدم‭ ‬التمكن‭ ‬من‭ ‬المس‭ ‬بالوحدة‭ ‬الترابية‭ ‬للمغرب،‭ ‬ونجاح‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬المغربية‭ ‬في‭ ‬التصدي‭ ‬وإحباط‭ ‬كل‭ ‬مؤامراتها‭ ‬بمختلف‭ ‬المنتديات‭ ‬الدولية‭ ‬والتراجع‭ ‬الكبير‭ ‬لمؤيدي‭ ‬أطروحتها،‭ ‬مما‭ ‬أدخلها‭ ‬في‭ ‬عزلة‭ ‬دولية‭ ‬قاهرة،‭ ‬لاسيما‭ ‬بعد‭ ‬تراكم‭ ‬اعترافات‭ ‬الدول،‭ ‬بما‭ ‬فيها‭ ‬القوى‭ ‬العظمى،‭ ‬بمغربية‭ ‬الصحراء‭ ‬وتأكيدها‭ ‬على‭ ‬حجية‭ ‬ومشروعية‭  ‬مبادرة‭ ‬الحكم‭ ‬الذاتي‭ ‬كحل‭ ‬وحيد‭ ‬واقعي‭ ‬وعملي،‭ ‬وإقبال‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأجنبية‭ ‬على‭ ‬فتح‭ ‬قنصلياتها‭ ‬بمدينتي‭ ‬العيون‭ ‬والداخلة،‭ ‬فضلا‭ ‬عمَّا‭ ‬تشهده‭ ‬أقاليمنا‭ ‬الجنوبية‭ ‬من‭ ‬أوراش‭ ‬واعدة‭ ‬للتنمية‭ ‬والتطور‭ ‬والنمو،‭ ‬وتحولها‭ ‬إلى‭ ‬قطب‭ ‬للاستمارات‭ ‬الأجنبية‭ ‬وانفتاحها‭ ‬على‭ ‬محيطها‭ ‬الإفريقي‭ ‬وعلى‭ ‬واجهتها‭ ‬الأطلسية‭.‬
 
التركيز‭ ‬الجزائري‭ ‬على‭ ‬الشأن‭ ‬المغاربي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬بغرض‭ ‬توحيد‭ ‬الرؤى‭ ‬والتقارب‭ ‬والتعاون‭ ‬لمواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬الكبرى‭ ‬والاشتغال‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يخدم‭ ‬التنمية‭ ‬والأمن‭ ‬واستقرار‭ ‬وازدهار‭ ‬الشعوب‭ ‬المغاربية،‭ ‬بل‭ ‬جاء‭ ‬للعبث‭ ‬بالمنطقة‭ ‬المغاربية‭ ‬واستغلال‭ ‬أوضاع‭ ‬بعض‭ ‬دولها‭ ‬المتقلبة‭ ‬كحالة‭ ‬تونس‭ ‬وليبيا‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬تعزيز‭ ‬نفوذهم‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬بالمنطقة،‭ ‬والاعتقاد‭ ‬بأنها‭ ‬ستجد‭ ‬في‭ ‬موريتانيا‭ ‬ضالتها‭ ‬بالاستجابة‭ ‬والانخراط‭ ‬في‭ ‬مخططها‭ ‬التخريبي‭ ‬الهادف‭ ‬إلى‭ ‬عزل‭ ‬المغرب‭ ‬وتطويقه‭ ‬ضمن‭ ‬استراتيجية‭ ‬هادفة‭ ‬إلى‭ ‬منع‭ ‬المغرب‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬أسواق‭ ‬موريتانيا‭ ‬وغرب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬في‭ ‬فهم‭ ‬قاصر‭ ‬وتقدير‭ ‬خاطئ‭ ‬ومغلوط‭ ‬لموقف‭ ‬القيادة‭ ‬الموريتانية‭. ‬
 
كان‭ ‬رهان‭ ‬قادة‭ ‬الجزائر‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬التباعد‭ ‬المغربي‭ ‬الموريتاني،‭ ‬ومحاولاتهم‭ ‬عبثا‭ ‬استقطاب‭ ‬نواكشوط‭ ‬لصفهم‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬المغرب‭ ‬ودفعها‭ ‬للانخراط‭ ‬في‭ ‬مخططها‭ ‬للإضرار‭ ‬بالمغرب‭ ‬وعزله‭ ‬مغاربيا‭ ‬وإفريقيا،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬الرهان‭ ‬لا‭ ‬يتماشى‭ ‬والرؤية‭ ‬الحكيمة‭ ‬للرئيس‭ ‬الموريتاني،‭ ‬وإدراكه‭ ‬العميق‭ ‬بعملية‭ ‬تفخيخ‭ ‬وتأزيم‭ ‬العلاقات‭ ‬المغربية‭ ‬الموريتانية،‭ ‬الذي‭ ‬فنده‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬مناسبة‭ ‬وعززه‭ ‬بزيارته‭ ‬التاريخية‭ ‬للمغرب‭. ‬
 
ولنا‭ ‬في‭ ‬استغلال‭ ‬نظام‭ ‬الجزائر‭ ‬فرصة‭ ‬استضافته‭ ‬للقمة‭ ‬السابعة‭ ‬للدول‭ ‬المنتجة‭ ‬للغاز‭ ‬في‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬مارس‭ ‬2024،‭ ‬بعقد‭ ‬لقاء‭ ‬قمة‭ ‬ثلاثية،‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬هذا‭ ‬المؤتمر،‭ ‬ضمت‭ ‬تبون/‭ ‬الجزائر،‭ ‬قيس‭ ‬سعيد/تونس‭ ‬ومحمد‭ ‬المنفي/‭ ‬ليبيا،‭ ‬بهدف‭ ‬تشكيل‭ ‬«تكتل‭ ‬مغاربي»‭ ‬جديد‭ ‬بدون‭ ‬المغرب،‭ ‬وقد‭ ‬رفض‭ ‬الرئيس‭ ‬الموريتاني‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬أي‭ ‬تكتل‭ ‬مغاربي‭ ‬لا‭ ‬يشمل‭ ‬المغرب‭. ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬النزق‭ ‬الجزائري‭ ‬الذي‭ ‬أملته‭ ‬ظروف‭ ‬العداء‭ ‬والصراع‭ ‬والحسابات‭ ‬الضيقة،‭ ‬دون‭ ‬التفكير‭ ‬الجدي‭ ‬بمآلات‭ ‬ومصالح‭ ‬شعوب‭ ‬المنطقة‭ ‬واستقرارها‭.‬
 
التوجه‭ ‬الجزائري‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬شكل‭ ‬طروحات‭ ‬فاقدة‭ ‬للشرعية‭ ‬التاريخية،‭ ‬تدعو‭ ‬إلى‭ ‬التشطير‭ ‬المغاربي‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬تجمع‭ ‬ثلاثي‭ ‬وآخر‭ ‬ثنائي‭ ‬ونموذج‭ ‬رباعي،‭ ‬كأننا‭ ‬أمام‭ ‬عروض‭ ‬بيع‭ ‬وشراء‭ ‬قطع‭ ‬أرضية‭ ‬أو‭ ‬توزيع‭ ‬وجبات‭ ‬سريعة،‭ ‬تـُنِـمُّ‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬أصحابها‭ ‬لا‭ ‬يدركون‭ ‬مغزى‭ ‬صلابة‭ ‬هذه‭ ‬المنطقة‭ ‬المغاربية‭ ‬الوحدوية‭ ‬وصمودها‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬أعاصير‭ ‬وتقلبات‭ ‬السياسة‭ ‬ونزوات‭ ‬المال‭ ‬والمصالح‭ ‬والرغبة‭ ‬في‭ ‬التّسَيُد‭. ‬

درس‭ ‬آخر‭ ‬قدمته‭ ‬القيادة‭ ‬الموريتانية‭ ‬للجزائر‭ ‬والبوليساريو‭ ‬معا،‭ ‬لما‭ ‬اشتعلت‭ ‬أزمة‭ ‬معبر‭ ‬الكركرات‭ ‬قبل‭ ‬أربع‭ ‬سنوات،‭ ‬فقد‭ ‬ظلت‭ ‬متمسكة‭ ‬بمنطق‭ ‬الحكمة‭ ‬والهدوء‭ ‬والاتزان،‭ ‬محتفظة‭ ‬بموقف‭ ‬المراقب‭ ‬وهي‭ ‬المعنية‭ ‬مباشرة‭ ‬بالأزمة‭. ‬حسابات‭ ‬موريتانيا‭ ‬كانت‭ ‬دقيقة‭ ‬وذكية،‭ ‬فهي‭ ‬تعي‭ ‬جيدا‭ ‬أن‭ ‬الأزمة‭ ‬عابرة‭ ‬وأن‭ ‬المغرب‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬حسم‭ ‬الموقف‭ ‬متى‭ ‬أراد‭ ‬وكيفما‭ ‬أراد‭. ‬وأن‭ ‬شغب‭ ‬عناصر‭ ‬البوليساريو‭ ‬طارئ‭ ‬لن‭ ‬يطول،‭ ‬وستعود‭ ‬المياه‭ ‬إلى‭ ‬مجاريها،‭ ‬دون‭ ‬التورط‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬مع‭ ‬عناصر‭ ‬البوليساريو‭ ‬ومن‭ ‬يقف‭ ‬خلفهم‭. ‬لذلك‭ ‬وعلى‭ ‬ما‭ ‬يبدو،‭ ‬مارست‭ ‬القيادة‭ ‬الموريتانية‭ ‬سياسة‭ ‬ضبط‭ ‬النفس،‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يقحمها‭ ‬في‭ ‬الاستفزازات‭ ‬المقصودة‭ ‬بها‭ ‬أيضا‭. ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تغفل‭ ‬نواكشوط‭ ‬عن‭ ‬تنبيه‭ ‬قيادة‭ ‬البوليساريو‭ ‬منذ‭ ‬البداية،‭ ‬بواسطة‭ ‬قائد‭ ‬عسكري،‭ ‬إلى‭ ‬خطورة‭ ‬ما‭ ‬يقدمون‭ ‬بالمنطقة‭ ‬العازلة‭ ‬من‭ ‬مس‭ ‬بالأمن‭ ‬والاستقرار‭.‬
 
وقد‭ ‬صدرت‭ ‬توضيحات‭ ‬حول‭ ‬الموقف‭ ‬الموريتاني‭ ‬من‭ ‬الأزمة،‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬الرئيس‭ ‬محمد‭ ‬ولد‭ ‬الشيخ‭ ‬الغزواني،‭ ‬ومن‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬إسماعيل‭ ‬ولد‭ ‬الشيخ‭ ‬وأيضا‭ ‬من‭ ‬الناطق‭ ‬الرسمي‭ ‬باسم‭ ‬الحكومة‭ ‬الموريتانية‭ ‬سيدي‭ ‬ولد‭ ‬سالم،‭ ‬تشير‭ ‬جميعها‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬موريتانيا‭ ‬ليست‭ ‬طرفا‭ ‬في‭ ‬نزاع‭ ‬معبر‭ ‬الكركرات‭ ‬ولكنها‭ ‬معنية‭ ‬بالصراع‭ ‬كبلد‭ ‬جار،‭ ‬وسيتحول‭ ‬موقفها‭ ‬من‭ ‬الحياد‭ ‬إلى‭ ‬الحياد‭ ‬الايجابي،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تنحاز‭ ‬لأي‭ ‬طرف،‭ ‬مؤكدة‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬الموريتانية‭ ‬تسعى‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬إيجاد‭ ‬حل‭ ‬عادل‭ ‬ودائم‭ ‬ومقبول‭ ‬من‭ ‬لدن‭ ‬جميع‭ ‬الأطراف،‭ ‬بالشكل‭ ‬الذي‭ ‬يؤدي‭ ‬إلى‭ ‬رفع‭ ‬المعاناة‭ ‬عن‭ ‬شعوب‭ ‬المنطقة‭ ‬والدفع‭ ‬بعجلة‭ ‬اتحاد‭ ‬المغرب‭ ‬العربي‭.‬
 
سبق‭ ‬للعديد‭ ‬من‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الجزائرية‭ ‬أن‭ ‬وجهت‭ ‬انتقادات‭ ‬شديدة‭ ‬لموريتانيا،‭ ‬في‭ ‬طلعات‭ ‬أقل‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يقال‭ ‬عنها‭ ‬إنها‭ ‬تتجاوز‭ ‬الأعراف‭ ‬الدبلوماسية،‭ ‬فتطاولوا‭ ‬على‭ ‬الدور‭ ‬الموريتاني‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬محاولة‭ ‬الدفع‭ ‬بموريتانيا‭ ‬إلى‭ ‬معاداتها‭ ‬للمغرب‭ ‬لاسيما‭ ‬في‭ ‬واقعة‭ ‬الكركرات،‭ ‬والتدخل‭ ‬في‭ ‬الشأن‭ ‬السيادي‭ ‬الموريتاني‭ ‬المتعلق‭ ‬بتفاهماتها‭ ‬مع‭ ‬المغرب‭.‬

رسائل‭ ‬الرئيس‭ ‬الموريتاني‭ ‬محمد‭ ‬ولد‭ ‬الشيخ‭ ‬الغزواني،‭ ‬إلى‭ ‬قادة‭ ‬الجزائر‭ ‬لم‭ ‬تتوقف،‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬تسلم‭ ‬مقاليد‭ ‬الحكم‭ ‬بالبلاد‭ ‬عبر‭ ‬انتخابات‭ ‬رئاسية‭ ‬ديمقراطية‭ ‬حرة‭ ‬ونزيهة‭ ‬2019،‭ ‬فقد‭ ‬حاول‭ ‬إِفْهامهم‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مناسبة‭ ‬أن‭ ‬موريتانيا‭ ‬لا‭ ‬تخدم‭ ‬أجندة‭ ‬أحد،‭ ‬بل‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬خدمة‭ ‬مصالحها‭ ‬وأمنها‭ ‬وسلمها‭ ‬واستقرار‭ ‬كيانها‭ ‬أولا‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬البناء‭ ‬المغاربي‭ ‬الوحدوي‭. ‬
 
وفي‭ ‬محاولة‭ ‬للارتقاء‭ ‬بالدور‭ ‬الموريتاني‭ ‬البناء‭ ‬والجدي‭ ‬أمام‭ ‬قادة‭ ‬الجزائر،‭ ‬سبق‭ ‬للرئيس‭ ‬ولد‭ ‬الغزواني،‭ ‬في‭ ‬حوار‭ ‬مع‭ ‬مجلة‭ ‬«الاقتصاد‭ ‬والأعمال»‭ ‬اللبنانية،‭ ‬دجنبر‭ ‬2021،‭ ‬أن‭ ‬أبدى‭  ‬استعداده‭ ‬للوساطة‭ ‬لحل‭ ‬الأزمة‭ ‬بين‭ ‬الجزائر‭ ‬والمغرب،‭ ‬وأكد‭ ‬أنه‭ ‬«يأمل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬اليوم‭ ‬الذي‭ ‬تعود‭ ‬فيه‭ ‬اللحمة‭ ‬إلى‭ ‬اتحاد‭ ‬المغرب‭ ‬العربي،‭ ‬وإرساء‭ ‬التكامل‭ ‬المنشود،‭ ‬تحقيقاً‭ ‬لإرادة‭ ‬الشعوب‭ ‬وتجسيداً‭ ‬لأحلام‭ ‬الآباء‭ ‬المؤسسين»‭. ‬وأضاف‭ ‬أن‭ ‬«بلاده‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬للعب‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬استعادة‭ ‬اللحمة‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬المغرب‭ ‬العربي»‭. ‬وأشار،‭ ‬«بلادنا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تلعب‭ ‬دوراً‭ ‬رئيساً‭ ‬في‭ ‬استعادة‭ ‬الروابط»‭. ‬موقف‭ ‬يعكس‭ ‬تمسك‭ ‬نواكشوط‭ ‬بخط‭ ‬الوساطة‭ ‬بين‭ ‬المغرب‭ ‬والجزائر‭ ‬واعتمادها‭ ‬على‭ ‬الحكمة‭ ‬والبصيرة‭ ‬والمساعدة‭ ‬لحل‭ ‬مشاكل‭ ‬جوارها،‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬تمسك‭ ‬فارغ‭ ‬لحكام‭ ‬الجزائر‭ ‬بخيار‭ ‬رفض‭ ‬كل‭ ‬الوساطات‭ ‬ونهج‭ ‬خط‭ ‬التصعيد‭ ‬والتوتر‭ ‬والتظاهر‭ ‬بالغطرسة‭ ‬وشعار»‭ ‬نحن‭ ‬القوة‭ ‬الضاربة»‭. ‬وعلى‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬فإن‭ ‬المشكلة‭ ‬التي‭ ‬تعاني‭ ‬منها‭ ‬الجزائر‭ ‬اليوم‭ ‬تتمثل‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬وجود‭ ‬قيادة‭ ‬حكيمة‭ ‬تملك‭ ‬إرادة‭ ‬سياسية‭ ‬ورؤية‭ ‬مستقبلية‭ ‬ومخطط‭ ‬نموذجي‭ ‬للتعاون‭ ‬وإرادة‭ ‬وعزيمة،‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬خدمة‭ ‬الجزائريين‭ ‬أولا‭ ‬ثم‭ ‬جوارها‭ ‬المغاربي‭. ‬
 
وتظل‭ ‬موريتانيا‭ ‬وفية‭ ‬لمبادئها‭ ‬الفضلى‭ ‬محافظة‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬الحياد‭ ‬الإيجابي،‭ ‬مع‭ ‬حسابات‭ ‬مصالحها‭ ‬الأمنية‭ ‬والبشرية،‭ ‬ويتميز‭ ‬الموقف‭ ‬الموريتاني‭ ‬بالاتزان‭ ‬المعهود‭ ‬وأخذ‭ ‬مسافة‭ ‬من‭ ‬الصراع‭ ‬المغربي‭ ‬الجزائري،‭ ‬والتركيز‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬حدودها‭ ‬وعدم‭ ‬السماح‭ ‬بمناورات‭ ‬وتحركات‭ ‬الجماعات‭ ‬المسلحة‭ ‬للبوليسايو‭ ‬وغيرها‭ ‬على‭ ‬حدودها‭ ‬أو‭ ‬أنشطة‭ ‬التهريب‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تتخذ‭ ‬تلك‭ ‬الجماعات‭ ‬التراب‭ ‬الموريتاني‭ ‬منطلقات‭ ‬لهجماتها‭ ‬ضد‭ ‬المغرب،‭ ‬بغرض‭ ‬زرع‭ ‬بدور‭ ‬النزاع‭ ‬واختلاق‭ ‬الأزمات‭ ‬والمضي‭ ‬بالمنطقة‭ ‬نحو‭ ‬حافة‭ ‬الخطر‭ ‬والصراع‭ ‬اللامنتهي‭.
موريتانيا‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى،‭ ‬باتت‭ ‬دولة‭ ‬متقدمة‭ ‬تحول‭ ‬نظامها‭ ‬السياسي‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬ديمقراطي،‭ ‬يتم‭ ‬فيها‭ ‬التداول‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬بشكل‭ ‬سلمي‭ ‬حضاري‭ ‬مبني‭ ‬على‭ ‬الشرعية‭ ‬والامتثال‭ ‬للقواعد‭ ‬الدستورية‭ ‬وحرية‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير،‭ ‬ونزاهة‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬والتشريعية‭ ‬والبلدية،‭ ‬وشفافية‭ ‬اقتراعها،‭ ‬ومصداقية‭ ‬نتائجها،‭ ‬ومشروعية‭ ‬واستحقاق‭ ‬الفائز‭ ‬بها،‭ ‬بشكل‭ ‬يختلف‭ ‬تماما‭ ‬عما‭ ‬تابعناه‭ ‬قبل‭ ‬شهرين‭ ‬من‭ ‬انتخابات‭ ‬رئاسية‭ ‬هزلية‭ ‬بنتائج‭ ‬مزورة‭ ‬بكل‭ ‬تونس‭ ‬والجزائر‭. ‬
 
لذلك‭ ‬على‭ ‬أصحاب‭ ‬نظرية‭ ‬الاحتواء‭ ‬والهيمنة‭ ‬والتوجيه،‭ ‬الانتباه‭ ‬وتغيير‭ ‬نظرتهم‭ ‬تجاه‭ ‬موريتانيا‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬المغاربي‭ ‬النموذجي،‭ ‬الماضي‭ ‬نحو‭ ‬تحقيق‭ ‬معدلات‭ ‬جد‭ ‬متقدمة‭ ‬في‭ ‬التنمية‭ ‬والتطور‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والنمو‭ ‬والازدهار‭ ‬لشعبه‭ ‬وضمان‭ ‬الهدوء‭ ‬والأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬في‭ ‬البلاد‭. ‬وقيادته‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬الوعي‭ ‬والثقة‭ ‬والحكمة‭ ‬والبصيرة‭ ‬للتمييز‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬يمد‭ ‬اليد‭ ‬لتعزيز‭ ‬التعاون‭ ‬والسعي‭ ‬لتحقيق‭ ‬المصالح‭ ‬المشتركة،‭ ‬وبين‭ ‬يصادق‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬خدمته‭ ‬أجندته‭ ‬الخاصة‭ ‬وخلق‭ ‬أجواء‭ ‬الفتنة‭ ‬وتأجيج‭ ‬الصراعات‭ ‬بالمنطقة‭.  ‬
 
محمد بنمبارك/ دبلوماسي سابق