تساءلت في بداية اندلاع عملية طوفان الأقصى عن مدى استعداد محور المقاومة لما قد ينتج عن هذه العملية من تداعيات خاصة ونحن نعلم ان ردة فعل الكيان الاسرائيلي ستكون قاسية. وأنه قد حضر نفسه بمساعدة غربية لهذه الحرب منذ اندحاره في حرب يوليوز 2006 مع حزب الله.
وكان مدركا ان الحرب المقبلة مع محور المقاومة ستكون حربا شاملة ووجودية بالنسبة له. كما أنه كان متوقعا لما قد ينتج عن الضغط الكبير الذي مارسه على الفلسطينيين في القطاع والضفة وفصائلهم المقاومة التي قد تدخل في حرب غير مسبوقة معه حتى وان كانت غير متكافئة من ناحية العتاد والتسليح. علما كذلك ان هذا التحضير قد سبقه استهداف المفصل الأساسي في الإمداد اللوجستي للمقاومة من خلال نشر الفوضى في سوريا منذ سنة 2011 والتي شكلت حلقة الوصل بين إيران والعراق ولبنان .كما ان الحرب على سوريا عبر وكلاء وفصائل مسلحة مدعومة من أمريكا وتركيا واسرائيل ودول خليجية استنزفت الكثير من الامكانيات والمجهودات لدى محور المقاومة الذي ركز جهوده على مواجهتا لأكثر من عقد من الزمن .علما ان هذه الفصائل المسلحة استفادت ايضا من عدم رضى شريحة واسعة من الشعب السوري عن نظام الحكم القائم الذي اعتراه الفساد والاستبداد مع عدم قدرته على طرح مشاريع سياسية بديلة تؤمن الحريات والممارسة السياسية الديمقراطية في اطار سوريا المتعددة بقومياتها واعراقها و طوائفها بما يتضمنه ذلك من إصلاحات سياسية ودستورية تجعل من البلاد وطنا يتسع للجميع وهو ما كان سيسحب البساط من تحت إقدام الجماعات المسلحة المتطرفة ويُعل من المعارضة المعتدلة شركاء في العملية السياسية. وهو ما كان كذلك سيفوت الفرصة على اعداء وحدة سوريا .بالتالي تتكامل مع المجهودات التي بذلتها المقاومة في الحفاظ على استقرار النظام السياسي لأكثر من عقد من الزمن رغم تكالب بعض الانظمة الخليجية والغربية ..
لكن يبدو ان النظام السياسي السوري استكان الى الوضع القائم دون ان يدرك المخاطر التي كانت تتهدده والتي كانت تتنامى علاقة بمستجدات اخرى على الساحة الدولية سواء في اوكرانيا التي جلبت الاهتمام الروسي على حساب الازمة السورية وهو أمر طبيعي نظرا لما يشكله الصراع الأطلسي الروسي على الاراضي الاوكرانية من تهديد مباشر لأمن روسيا الاتحادية .اضافة الى انشغال ايران الحليف الرئيسي للنظام السوري السابق بالتهديدات الإسرائيلية الامريكية وهو ما تجسد في هجمات ارهابية داخلية و هجمات مسلحة متبادلة بين الطرفين أفضت الى توافقات مع القوى الدولية وبعض الدول الخليجية التي تصالحت معها أمنت موقع ايران كقوة اقليمية في منطقة الشرق الأوسط..
هذا بالإضافة الى انشغال حزب الله بالحرب مع اسرائيل التي اخذت في البداية بعدا تضامنيا مع غزة قبل ان تتحول الى حرب مفتوحة مدمرة في أواخر هذه السنة فقد خلالها حزب الله الكثير من قياداته ومقومات قوته.
هذا في الوقت الذي كانت فيه تركيا كطرف مباشر في الصراع السوري وبتنسيق مع أمريكا واسرائيل تنسج ميدانيا مخططاتها الهادفة الى تفكيك وحدة سوريا وقضم اجزاء من اراضيها مع دعمها المستمر للفصائل المسلحة المتطرفة المتواجدة على مقربة من حدودها من اجل اسقاط الدولة ولن اقول النظام وهو ما تم بالفعل بمؤازرة واضحة من الكيان الاسرائيلي وفي تنكر كلي لمخرجات استانة. مستغلة في ذلك انشغال داعمي سوريا في حروب اخرى في غزة ولبنان مع الكيان الاسرائيلي بالنسبة لإيران وحزب الله وباقي فصائل المقاومة.
وفي أوكرانيا وضد الناتو بالنسبة لروسيا..
اذن الى السؤال الأول الذي كان مستفزا للبعض حين طرحته مع انطلاق عملية طوفان الأقصى . وبالنظر الى ما ألت اليه الاوضاع حاليا التي حقق من خلالها الكيان مالم يحققه في كل مراحل الصراع. وذلك من خلال اضعاف المقاومة في لبنان واغتيال كبار قادتها. وكذا تدمير لكل مقومات الوجود للدولة والشعب السوري مباشرة بعد سقوط الاسد وذلك تحت أنظار الحكام الجدد ..اضافة الى احتلال أجزاء واسعة جديدة من التراب السوري . فإن كل هذا ييجعل السؤال حقا مشروعا خاصة في الجانب المتعلق بمدى تنسيق حماس مع باقي أطراف المقاومة قبل قيامها بعملية طوفان الأقصى التي وإن بدت مفاجئة للكيان الاسرائيلي الذي كان ينتظر اللحظة المناسبة لتبرير عدوانه المدمر لغزة ولباقي أطراف المقاومة خاصة في لبنان وسوريا كعمق استراتيجي لهم ..فإن هذه العملية كانت كذلك مفاجئة للجميع بما فيها محور المقاومة الذي كان قد خرج لتوه من معارك سوريا ،ولباقي الأطراف الداعمة المشغولة في قضايا اخرى اما داخلية او خارجية مرتبطة بالصراع الجيواستراتيجي في كل من أوكرانيا بحر الصين الجنوبي وأفريقيا. بالتالي فأن الطلاق هذه العملية في هذه الظروف الدولية والعربية التي تتسم بالهرولة نحو التطبيع مع الكيان دون التنسيق مع باقي المكونات المنخرطة في هذا المحور، كان مجازفة كبيرة . وعملا يفتقر الى رؤية استراتيجية تستقرئ الظروف الإقليمية والدولية التي لم تكن مواتية لإشعال فتيل هذا الصراع الذي يتجاوز في أبعاده الحسابات المحلية المرتبطة بحماس او اي فصيل آخر .وهذا على الاقل ما أثبتته الوقائع الحالية . كون ان عملية من هذا الحجم كان يجب إدراجها ضمن رؤية شمولية للصراع الدولي بما يتطلبه ذلك من تشاور وتنسيق مع باقي الأقطاب الدولية والإقليمية. . ان حماس بهذه العملية وضعت الجميع امام الامر الواقع. و وضعت المحور بأسره أمام خيار مواجهة كبرى لم يكن مستعدا لها .ولم يهيء لها الشروط لانجاحها. .بالتالي كان من نتائجها ما نشهده حاليا من انتكاسة وحرب ابادة مستمرة في الضفة وغزة .دون ان يكون هناك أمل في وقف إسرائيل عدوانها على الشعب الفلسطيني خاصة بعد خمدت الجبهة اللبنانية والسورية وأصبحت تتصرف كلامر الناهي في المنطقة . خاصة بمع تراجع قوة حزب الله بعد الضربات القوية التي تلقاها و ابقت على اليد العليا للكيان الاسرائيلي على لبنان رغم إعلانها وقف إطلاق النار الذي تخترقه باستمرار دون رد .
اضافة الى تلاشي كل ما ضحى من أجله المحور في سوريا لإبقائها عمقا استراتيجيا له، بعد ان استولت الفصائل المعارضة المدعومة امريكيا وتركيا واسرائيليا عليها.
وتمدد هذه الاخيرة في الجولان السوري وفي اتجاه دمشق مع استهدافها لكل المقومات الدولية لهذا البلد، من مؤسسات عسكرية ومراكز ابحاث علمية واغتيال العلماء والخبراء السوريين. كل هذا دون ان تصدر هذه الفصائل اي بيان ادانة او استنكار. ولن اقول مواجهة هذه الأعمال العدائية التي استباحت سوريا وطنا وشعبا. ولنا في تصريح الجولاني الذي قال فيه ان مهمته الاساسية هي القضاء على مليشيا حزب الله وإيران وبقايا النظام السابق، دون ان يذكر اسرائيل ولو بكلمة واحدة.
أقول هذا لان الحماسة والشجاعة وحدهما لا يصنعان الانتصار، في غياب عقل استراتيجي يقتنص اللحظة المناسبة لبدء المعارك الكبرى..
أقول هذا وانا على يقين ان سورية ذاهبة بموافقة حكامها الجدد نحو التطبيع والتقسيم والبلقنة وعدم الاستقرار الأمني والسياسي.
وأن إسرائيل قد ربحت جولة في سياق ما تعتبره مشروع الشرق الاوسط الجديد ولن اقول انها حققت مشروعها كليا لان الشعوب بطبعها عاشقة للحرية والكرامة و مقاومتها لابد ان تستنهض وتستمر..
وإن الحرب على غزة والضفة لن تتوقف في الأمد القريب رغم كل الوعود التي تطلقها امريكا واسرائيل . وان تركيا أردوغان المنتشية بانتصارها على النظام السوري الغير الديمقراطي المنهار، ستجد نفسها متورطة في سوريا بين مسلحي قصد في الشمال الشرقي لسوريا الراغبين في تأسيس دولتهم المستقلة على الحدود التركية بدعم أمريكي وباقي أكراد حزب العمال الكردستاني المتواجدين داخل تركيا.
وبين مسلحي النصرة وداعش المرابطين على حدودها الشمالية الغربية والقادرين على استبدال ولائهم لصالح اسرائيل وامريكا في حال أسقطت عنهم هذه الاخيرة صفة المنظمة الارهابية وهو ما بدى جليا من خلال بعض التصريحات التي أطلقتها الخارجية الامريكية.