قلتها وأعيدها (وفي بعض التكرار إفادة)، إن من أحسن ما يمكن أن يمنحنا الله كمغاربة وكمغرب من هدية هو جار مثل النظام الجزائري بنخبه التي تسنده.
فهو يقدم لنا خدمة لا يدرك قيمتها (رغم ما يكلفه ذلك ماليا، الله يسمح لينا منو)، أننا نتصالح مع قدرنا التاريخي أن نجمع أطرافنا دوما كأمة في مواجهة كل خطر خارجي.
لنتصور سيناريو عدم وجود نظام سياسي مماثل (مريض نفسيا بعراقة تاريخ المغاربة وتراكم تجربة الدولة فيهم)، كيف كان سيكون حالنا؟. كنا ربما سنكون بعضلات انتباه وطنية أقل، وبارتفاع درجة حرارة اختلافاتنا الداخلية سياسيا ومرجعياتٍ فكرية فيها احتراب أعنف.
لكن القدر قاد إلينا نخبة نظام حكم جزائري مماثل، تتوهم أن مستقبلها كامن في تقويض القوة الحضارية للمغرب، الأمر الذي يمنحنا مجددا فرصة أن نتصالح مع حقيقتنا التاريخية الراسخة أننا جماعةٌ بشرية تشكلت أصلا لحمتها الصلبة بتواتر مواجهة المخاطر الخارجية سواء من مجاهل البحر (المسيحية الغربية التي واحدة من عناوينها ملحمة معركة وادي المخازن)، أو من حسابات الشرق السياسية والمذهبية (الأموية والعباسية والفاطمية والعثمانية). بل وأن ننجح حتى في بلورة أساس هوية مذهبية منذ القرن 11 الميلادي (توليفة مغربية خالصة مسنودة بفقه للنوازل، مالكي الطريق، أشعري العقيدة، على مسلك الجنيد في العبادات).
شكرا أيها النظام الجزائري أنك موجود كحالة تاريخية مرضية ضدنا كمغاربة، لأنك تمنحنا هدية لا تقدر أن لا ننسى قط أننا "جزيرة مطوقة" (بفطنة مفكرنا عبد الله العروي)، جيلا إثر جيل. فيا لها من خدمة تقدم لنا أن نبقى "جامعين طرافنا".
كم نعتذر منك أيها النظام الجزائري أننا نتسبب لك في كل هذه المشقة المكلفة، التي تجعل مزالقك الأخلاقية تتوالى في مهرجان "تارجليت". وعذرا للشعب الجزائري الشقيق (الأخ السيامي لنا كمغاربة) أننا نجعل نخبتك الحالية الحاكمة ("جمهورية 1962" التي طالب حراكك المبارك أن يتم تجاوزها من أجل دولة القرن 21 وتم الإلتفاف على مطلبك مؤقتا، لأنه "شحال خصك من استغفر الله آلبايت بلا عشا")، نجعل تلك النخبة الحاكمة تبذر رزقك وثرواتك في معركة خاسرة وعبثية ضد المغرب والمغاربة. تعلموها أخيرا يا ناس، نحن ودولتنا واحد في مواجهة الخارج.
إنكم تلعبون في الملعب الخطأ من التاريخ، وكم إنكم تهينون الجزائر البلد والناس الطيبين بلعبكم الخاسر ذاك.
ستعبرون (لكن بأية كلفة على حساب حق الجزائريين الفقراء مثلنا لرحمة ربهم في العيش الكريم)، وسيبقى المستقبل لنا نحن الواقفون عند ضفاف الحق مهما كلفنا ذلك من ثمن سلما وحربا وغنان أيضا.