تشكل منطقة الساحل والصحراء الكبرى إحدى الملفات التي تستأثر باهتمام كبير في أجندة الإدارة الأمريكية الجديدة، لأنها مرتبطة بالإرهاب الدولي الشغل الشاغل للولايات المتحدة الأمريكية.
وقد تحولت هذه المنطقة، كما هو معلوم، إلى مرتع للجماعات الإرهابية المتطرفة، تنشط فيها تجارة السلاح والمخدرات والجريمة المنظمة، وتعد ملادا للفارين من العدالة الدولية.
ولعل نجاح عملية تعاون الأجهزة الأمنية المغربية ونظيرتها الإسبانية، في الأيام الاخير، في تفكيك خلية إرهابية موالية لتنظيم "داعش" بالساحل يؤكد طبيعة الخطر الذي باتت تمثله هذه المنطقة، مما ينسجم وتقارير العديد من مراكز التفكير في الولايات المتحدة الأمريكية وخلاصاتها الغنية في هذا الشأن.
فالمغرب دق ناقوس الخطر لما يحدث في قوس الساحل والصحراء في أكثر من مناسبة، تماشيا مع الخيار الإفريقي في إطار التعاون جنوب - جنوب، وإقتناعه بأن الاستقرار والأمن واحترام حقوق الانسان والديمقراطية عوامل أساسية للتنمية والتقدم والازدهار، وكذلك اعتبارا لانخراطه الفاعل والفعال في الاستراتيجية الدولية لمحاربة الإرهاب وتجفيف منابعه.
ولهذا الغرض اقدمت المملكة المغربية على إطلاق المبادرة الأطلسية لتمكين بلدان الساحل غير الساحلية( بوركينافاسو، النيجر، مالي وتشاد) إمكانية الوصول إلى المحيط الأطلسي عبر بنيته التي هي في طور التشكل، في أفق إنشاء منطقة اقتصادية وتجارية بين دول المنطقة وباقي دول العالم، وبالتالي المساهمة في تطور اقتصاديات دول الساحل وتحسين المستوى المعيشي وتأمين الاستقرار.
ولعل التجاوب الإيجابي الذي حظيت به المبادرة الأطلسية للمغرب من قبل بعض القوى الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا على وجه الخصوص، يفسر الأهمية التي تنطوي عليها والأفق الذي تفتحه للجميع في إطار منطق رابح- رابح الذي يرفعه المغرب كعنوان لعلاقاته الدولية، من خلال العناصر الستة الآتية:
أولا: ان المغرب سيصبح مدخلا حقيقيا للولوج إلى الأسواق الإفريقية؛
ثانيا: أن هذه المبادرة ستساهم في الحد من نفوذ روسيا والصين الشعبية، ورغبتهما في التوغل أكثر في المنطقة، وهذا الأمر يشكل قلق الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا التي تراجع نفوذها في بعض البلدان الإفريقية؛
ثالثا: أن الأسواق الإفريقية أضحت تغري بعض دول الخليج العربي كالإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية للخروج من منطقة الشرق الأوسط الغارقة في عدم الاستقرار؛
رابعا: ان المبادرة ستلعب دورا في توفير الأرضية وتأمين الاستفادة من موارد حيوية لاقتصاديات بعض الدولية الغربية؛
خامسا: ان التحولات الدولية المتسارعة اتبثت محدودية المقاربة الأمنية التي لم تنتج إلا التوترات الإجتماعية والأزمات الإقتصادية والإنقلابات العسكرية، في مقابل التوجه نحو مقاربة تقوم على التنمية وتعزيز الشراكات الإقتصادية والبحث عن فرص الاستثمار؛
سادسا: أن هذه المبادرة ستساهم في التخفيف من تدفق المهاجرين الحالمين بفردوس أوروبا، لاسيما وأن المغرب لم يبق بفعل موقعه الجغرافي مجرد معبر، بل أصبح من بلدان الإقامة للمهاجرين القادمين من دول جنوب الصحراء.
لكن نعتقد أن هذه المكاسب لا يمكنها ان تعطي ثمارها وتحقق رهاناتها الكبرى في غياب حل نهائي لمشكل النزاع الإقليمي حول الصحراء. وهذه حقيقة اقتنع بها المجتمع الدولي، وقد وضع الرئيس دونالد ترامب الحجرة الأولى سنة 2020 بعد اعترافه بسيادة المملكة على أقاليمها الجنوبية بفضل الجهود الحثيثة للديبلوماسبة الملكية، وتبعته فرنسا بتأكيدها على أن لا مستقبل للصحراء خارج السيادة المغربية، وقبلها إسبانيا وألمانيا...بفضل عمل جبار قام به وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، مما يفيد أن هذا النزاع في طريقه ليعرف مستقبلا تطورات جوهرية تفضي إلى طيه بشكل نهائي عبر اندماج باقي الصحراويين المتواجدين بالتراب الجزائري بوطنهم الأم المغرب عبر إقامة حكم ذاتي تحت السيادة الوطنية.
ولا شك أن ما تقوم به الديبلوماسية المغربية عبر المندوب الدائم للمملكة بالأمم المتحدة عمر هلال، من مجهود كبير، سواء في محاولة إخراج ملف النزاع حول الصحراء من اللجنة الرابعة للأمم المتحدة، أو في إعطاء نفس جديد ل" مبادرة التفاوض بشأن نظام الحكم الذاتي بجهة الصحراء"، أو في تفكيك أسس خطاب ينتمي إلى عصر "الحرب الباردة" يمارس دعاته ضغوطاتهم من أجل وقف عقارب ساعة التغيير!!
فما تقوم الديبلوماسية المغربية وممثلها لدى الأمم المتحدة من عمل متميز، يلتقي في أرض الواقع، موضوعيا، مع ما تعرفه المنطقة من نهضة تنموية حقيقية... وكلها عوامل مؤثرة في المعادلة الدولية بشأن قضية النزاع حول الصحراء لصالح الطرح المغربي.
▪︎ مصطفى عنترة إعلامي وباحث جامعي.