تبرز الطريق الجهوية رقم 419 ليس فقط كشريان اقتصادي واجتماعي، بل كجزء من ذاكرة جماعية وحلقة وصل تاريخية تعود إلى عهد الملك الراحل الحسن الثاني، حين جرى إطلاق مشاريع كبرى لإعادة الاعتبار للمناطق المتضررة من بناء سد الوحدة. ومع ذلك، تقف هذه الطريق اليوم شاهدة على تهميش واضح وغياب للشفافية، بعد أن تم تخفيض تصنيفها إلى طريق إقليمية في خطوة أثارت الشكوك و فتحت الباب أمام تساؤلات حول النزاهة في تدبير الشأن العام.
مشروع ملكي في مهب البيروقراطية:
كانت الطريق الجهوية 419 حلقة حيوية ضمن مشاريع جبر ضرر سد الوحدة، والذي حوّل مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية إلى بحيرة كبيرة، متسببًا في نزوح العديد من الأسر وتغيير معالم حياة السكان. في ذلك الوقت، جاءت وعود التنمية لتعويض الساكنة المتضررة، حيث كانت الطريق الجهوية 419 ضمن المبادرات الاستراتيجية لضمان الربط بين القرى والتجمعات السكانية التي تنتمي إلى القبائل الجبليّة (سلاس - الجاية - بني زروال - فشتالة) ذات الرّافد الأندلوسي، والمحيطة بسدّ الوحدة، مع عمقها الثقافي بجهة طنجة تطوان. لكن ما حدث بعد عقود من إطلاق المشروع يعكس إشكاليات البيروقراطية المتجذرة؛ إذ جرى تخفيض تصنيف الطريق من "جهوية" إلى "إقليمية"، في خطوة يصفها المتابعون المحليون بأنها محاولة فاضحة من رئيس المجلس الإقليمي لقطع الصلة الثقافية التاريخية بين جبالة إقليم تاونات وامتدادهم الثقافي الطبيعي بجهة طنجة تطوان، و تحويل الاستثمارات المخصصة للمنطقة إلى مناطق أخرى أكثر نفوذًا بالإقليم.
هذا التخفيض، رغم ما يبدو أنه إجراء إداري بسيط، لكنه أدى إلى حرمان الطريق من الأولوية في خطط التنمية، مما أوقف عجلة المشاريع المرتبطة بها.
ويشير المشروع المعلن عنه من طرف وزارة التجهيز والماء إلى تخصيص ميزانية قدرها 12 مليون درهم فقط لتوسعة وتقوية الطريق على طول 10.4 كيلومترات، مع تحديد مدة إنجاز قدرها 12 شهرًا. ومع ذلك، فإن العمل في المشروع إما متوقف أو يسير ببطء شديد لأسباب بيروقراطية غير واضحة، بينما تشكو الساكنة من غياب التواصل معها بشأن مستقبل الطريق ومصير المشاريع المرتبطة بها من قبيل قنطرة تافرانت التي تربط جهتي طنجة تطوان و فاس مكناس.
وتُظهر الوثائق الرسمية والخرائط تصنيف الطريق الحالي على أنها "إقليمية"، في تناقض واضح مع الواقع الذي كانت عليه "جهوية" لسنوات. ويُعتبر هذا التحول ضربًا في صميم العدالة المجالية والتنمية المتوازنة، وهو ما أثار غضب الساكنة المحلية، التي تعتبر الطريق جزءًا من مكتسباتها الوطنية منذ عهد الملك الحسن الثاني.
وتعاني المنطقة من غياب شبه تام للتواصل بين السكان والجهات الرسمية، مما يزيد من حالة الغموض والشكوك. يقول أحد سكان المنطقة وهو رئيس جماعة سابق: "لقد أصبحت هذه الطريق رمزًا للإقصاء. كيف يمكن لجهة تحمل إرثًا تاريخيًا مثل هذا أن تُترك هكذا؟ ما يحدث ليس فقط تغييبًا للتنمية، بل تهميشًا لمطالبنا وحقوقنا ".
والسكان يتساءلون عن الفائدة من طرح النواب البرلمانيين للأسئلة داخل مجلس النواب، في ظل غياب خطوات عملية واضحة لضمان تنفيذ الوعود المقطوعة، وتُطالب العامل بتحمل مسؤوليته في حماية هذا المكتسب التاريخي وعدم السماح للسياسات البيروقراطية بطمس حقوقهم.
ولا تتوقف آثار هذا التهميش عند الحدود التنموية فقط، بل تمتد إلى تعميق الفجوة بين الساكنة والمؤسسات المنتخبة. يقول أحد النشطاء الشباب: "حين تغيب الشفافية وتُهمَّش حقوق الإنسان البدوي، يصبح من الصعب على الشباب الثقة في المؤسسات أو المشاركة في العملية السياسية." هذه الظاهرة باتت واضحة بشكل أكبر، حيث يزداد عزوف الشباب عن الانخراط في المشهد السياسي، معتبرين أن أصواتهم لا تُسمع وأن مطالبهم تُهمش.
على الصعيد الاقتصادي، يعتمد المزارعون المحليون على هذه الطريق لنقل منتجاتهم إلى الأسواق، بينما تتسبب حالة الطريق في خسائر كبيرة بسبب صعوبة التنقل وزيادة تكاليف النقل. هذا الواقع يضعف من فرص الإقليم في جذب الاستثمارات التي يحتاجها بشدة للنهوض بمستوى معيشة السكان.
ويرى متتبعون أن الطريق الجهوية 419 ليست مجرد مشروع تنموي معلق يمكن التلاعب به، بل مكتسب تاريخي ورمزًا لحقوقهم التاريخية وذاكرتهم الجماعية، و صلة الوصل بينهم وبين ذويهم بجهة طنجة تطوان، وهم يدعون الجهات المعنية، وعلى رأسها عامل الإقليم، إلى التحرك العاجل لضمان استعادة التصنيف الجهوي للطريق، وتنفيذ المشروع على أكمل وجه، بما يعكس احترام الدولة لالتزاماتها التنموية في إطار صندوق FDR.
إن استحضار الساكنة بقوة وإجلال للرمزية التاريخية و الثقافية لهذه الطريق، يعكس رغبتها الصادقة في أن تكون هذه الصرخة العفوية بوابة لتغيير حقيقي يعيد الثقة بينها وبين مؤسساتها، وفي الوقت نفسه، تبقى الشفافية، العدالة، والإنصات لمطالب السكان ركائز أساسية لاستعادة الأمل وبناء مستقبل يليق بإقليم تاونات وتاريخه العريق.