بدعوة من مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية ،ومؤسسة محمد داود للثقافة والتاريخ، وكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمرتيل،استقر ،الدكتور أحمد عبادي،الأمين العام الرابطة المحمدية للعلماء،في رحلته التنويرية يوم الثلاثاء 12 نوفمبر 2024،بالخزانة الداودية،لمطارحة موضوع "جدلية الدين والتدين في السياق المعاصر:مناهج النظر ومستلزمات التجسير".
ألفة العبادي بمسالك تطوان،التي جعلته يعتلي فيها مختلف منصات الاستقطاب الجماهيري والطلابي والأكاديمي المفتوح،جعلته هذه المرة،وهو في فضاء الخزانة الداودية المحدود،أمام صدور مغاير لمألوفه،ربما لقياس رجع الصدى لرسائله لدى نخبة محدودة في حقل التلقي، بالنسبة لموضوع سيقتحم عقبته لأول مرة.ولعلنا نستند في هذا "الزعم"/التخمين ،إلى تذييل ملصق المحاضرة،بعبارة "والدعوة خاصة".وهو ما لم يتفهمه بعض من نخبة المدينة ،لأنهم يعتبرون عبادي ممن يمشي على الأرض،يجيد الإمساك بنبض الإصغاء،وليس ممن يمارسون التدبير من أبراج الاستعلاء..لكن سيظهر من خلال هذه التغطية الخطية(غير التركيبية)،أن تلك الدعوة لها ما يبررها،وإن كانت ثقافة الأبواب المفتوحة،جعلتها عمليا في حكم الدعوة العامة.
لقد تولى تسيير جلسة هذه المحاضرة، الدكتور جمال علال البخاري رئيس مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية ،حيث أخذ الكلمة الدكتور الطيب الوزاني عميد كلية الآداب بمرتيل ،الذي رحب بإشعاع عبادي وعمقه الفكري،مع التعبير عن استعداد مؤسسته لبناء جسور التعاون مع الرابطة المحمدية للعلماء.كما شكر الأستاذ البختي على أسلوبه في جمع الشمل،وشكر كذلك الأستاذة حسناء داود على الاستضافة .
الأستاذة حسناء داود رئيسة مؤسسة داود للثقافة والتاريخ، رحبت من جهتها بالأستاذ عبادي، مبرزة قيمته العلمية،كما قيمة محاضرته بالنسبة جيل الشباب على الخصوص،مع جرد لأوجه العمل المشترك بين مؤسسة داود،ومركز أبي الحسن الأشعري،مع الإشادة بعمل الأستاذ البختي في هذا الباب،ومع الترحيب كذلك بالجميع.
بعد ذلك تم توقيع الشراكة بين الرابطة المحمدية للعلماء، ومؤسسة محمد داود للثقافة والتاريخ.
الأستاذ البختي قبل أن يمرر الكلمة للأستاذ عبادي،تولى التمهيد للمحاضرة من خلال رصد واقع الخلط بين الدين والتدين ،بين اتجاه متشبث بالظواهر،وبين اتجاه آخر تعطيلي.وهذا الخلط يؤدي إلى مفاسد عديدة.وترك للمحاضرة الإجابة عن ضرورة التمييز بين الدين كوضع سماوي،والتدين ككسب بشري،بكيف،وبأي منهج؟كما عرج على التعريف بالمسار العلمي والمهني والإشعاعي للمحاضر.
الأستاذ عبادي،عبر في مستهل محاضرته،وهو يحيي الأستاذة حسناء داود، عن سعادته بالحضور في مؤسسة الفقيه/المؤرخ محمد داود، وفي خزانته التي بوثائقها التأسيسية، حفظت الجينوم الحضاري لمدينة تطوان.كما عبر عن سعادته بشكل خاص ،لكون هذا الموضوع الذي سيتم التطرق إليه لأول مرة ،هو ثمرة أولى لهذا الشراكة بين الرابطة والمؤسسة.لكنه لم تفته الإشارة إلى أنه بهذه المحاضرة يكون كذلك ،في موقع الوفاء بوعد علني التزم به سابقا لعميد كلية أصول الدين،الدكتور عبد العزيز رحموني والحضور، عقب درسه الافتتاحي في السنة الماضية بذات الكلية في موضوع:"علوم النص وعلوم السياق:أي تجسير في الزمن الراهن؟".
لقد اعتبر المحاضر،أن مفردات العنوان (الدين-التدين-السياق المعاصر- المناهج -مستلزمات التجسيير)تمثل نسقا يجب أن ينظر إليه كمعادلة.فهو من القضايا الحارقة في السياقات المعاصرة يذكرنا بحديث الرسول (ص)عن زمن الفتن.
والسؤال الوازن في مفتتح هذا الموضوع، ما هو الدين؟هل هو علم الدين ؟أم هو شيء آخر تبحث عنه علوم الدين؟
لمقاربة ذلك اعتمد قوله تعالى "شرع لكم من الدين "الآية،حيث فروق السياقات قبل مرحلة الختم .واعتمد حديث جبريل،حيث تبرز خمسة مكونات ..والغاية جملة من الأمور ينبغي استنباطها من النصوص:جوهر التوحيد-مقصد الاتصال-التزكية-الإبصار-الحكمة-العمران-الإحسان..
لذلك فالدين ميراث من النصوص(150ألف قطعة). إذ قاعدة المعطيات التي ينطلق منها المتكلمون في الدين ،لا يحيطون بها.لذلك لا بد من استحضار بعد التنزيل وبعد النظر في ذلك .ولا بد من تصميم لتركيبها .فالتعاطي معها بمنهج التركيب ينبغي التوسل فيه بالإحاطة بأسباب النزول،و استحضار شهود الجيل الأول ،جيل الصحابة(ض) للتنزيل،وتمثلهم له.وهذا لن يضعنا إلا أمام يسر الدين.
لذلك تبقى وظيفة الدين الجوهرية هي تعليم الناس المنهج الأمثل لتصريف الأنفاس وفق مراد الله عز وجل..بما في ذلك الاجتماع البشري الذي ينحت مفهوم الأمة.
لكن مع الانتقال في مراتب الوجود، تحدث انكسارات ينبغي استبانتها،وقد تكون انكسارات عمدية،ومنها ما عمت به البلوى كنهج الرويبضة في تجاوزهم لمنطق المؤسسات.وهو ما يستوجب العمل على استدراك ذلك.
ثم تطرق بعد ذلك ، إلى الأبعاد التي ينبغي أخذها بعين الاعتبار في التدين:التمثل الوجودي ،والفكري،والنفسي والبسيكو - حركي،والاجتماعي،وبعد الذاكرة،والبعد الدولي المعولم،والتوق للإحسان،ومطلب التوازن المفضي للطمأنينة.
وتحيل هذه الأبعاد على هندسة صناعة الإنسان كبعد مركزي في استلهام "واصطنعتك لنفسي"الآية.ولضبط هذه الآلية من منطلق الكلام وظيفيا ،للعبور الآمن من الدين إلى التدين بدون انكسارات،لابد من المأسسة التي تضمن الاستمرار ،والمتمثلة في مؤسسة إمارة المؤمنين الحاضنة لبعد سلامة التدين الفردي والجماعي.كما لم يفته في خاتمة محاضرته الوقوف على "التقويم" في ضبط التغذية الراجعة للأبعاد التدبيرية،للحفاظ على سلامة الأفق!
وقد انصب النقاش التفاعلي مع المحاضرة ،على واقع التدبير ومنطقه،في باب الانفتاح على غير الفضاءات التقليدية في التأطير.ومسألة التقويم في هندسة مشاريع التأطير الديني.ومخاطر لغة التجريد،بمعزل عن أوتاد التضاريس المذهبية في تدبير خطاب التأطير الديني ،بين حظ حاضنة المشرب الصوفي المنفتح، وتربص النسق المغلق للإسلام السياسي(الحاكمية).
وقد كانت "أنفاس بريس" في تغطيتهاالتركيبية لدرس الأستاذ عبادي الافتتاحي في السنة الماضية بكلية أصول الدين،قد اعتبرت أنه"بهذا الفرش المنهجي وبهذا التحفيز لمنسوب الانتباه، واليقظة،كانت سياحة العبادي وبمعجم صوفي وجودي في "منهاج الترقي"؛ من الخلق، إلى كعبة/قبلة المنتهى. وإذا استعرنا من "سَنن المهتدين في مقامات الدين" للمواق أيضا،"منهاج التدلي"، فإن العبادي مدعو مرة أخرى لكلية أصول الدين، في "مذاكرة " أخرى، متحررة من إكراهات الوقت، وتشابكات السياق نفسه".من هنا يكون في عنق الأستاذ عبادي دين الحديث في تطوان مرة أخرى،عن تزكية "أنفاس" الخلق بمنهج التدلي وفي تضاريس المغرب، وبنفحات "شمس القلوب" للجائي.
حضر هذا اللقاء "النخبوي" المحدود،بعض مسؤولي مراكز الإدارة المركزيةللرابطة،ومراكزها بالشمال،وأعضاء من المجلس العلمي بتطوان والمضيق،وعميد كلية أصول الدين ،والمندوب الجهوي السابق للشؤون الإسلامية بالشمال،ومدير متحف الأوقاف ،ومقدم الطريقة الكتانية بتطوان ،ومقدم الزاوية البودشيشية بطنجة،ورئيس مركز كارلوس كيروس للدراسات الإسبانية المغربية،ومؤرخ تطوان الدكتور عبد العزيز سعود،والفنان التشكيلي أحمد بن يسف،ورائد مؤرخي المسرح المغربي رضوان احدادو،وأساتذة جامعيون من كلية الآداب وأصول الدين،والمدرسة العليا للأساتذة،والمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين،ومفتشون من أكاديمية التعليم،ووجوه صحفية.