الجمعة 29 مارس 2024
سياسة

هل يعيد محمد السادس سيناريو "حرب الرمال" ويجتاح الجزائر؟

هل يعيد محمد السادس سيناريو "حرب الرمال" ويجتاح الجزائر؟

ثلاثة اعتبارات كانت لابد أن تدفع النظام الجزائري إلى البحث عن مخرج للوضع المتأزم الذي تعيشه الطبقة الحاكمة هناك عملا بمبدأ تصدير الأزمة إلى الخارج، الذي هو المغرب بحكم الاشتراطات التاريخية الجيو ستراتيجية:

الأول: وضعية الرئيس الحي-الميت الذي يحكم البلاد منذ شهور، وهو على كرسي متحرك، مع ما يستتبع ذلك من تجاذبات الخلافة، ضمن نسق سياسي مغلق لا يريد العسكر الجزائري أن يفوض السلطات فيه إلى الاختيار الديمقراطي.

الثاني: حالة الشلل التي تطبع البلاد ضمن محيط إقليمي تهدده وضعية تفتت الدولة في ليبيا، وعدم الاستقرار في منطقة الساحل الإفريقي، وما ينتج عن المنطقتين من مخاطر تدويل العمل الإرهابي الذي يمس مباشرة جنوب الجزائر.

أما الاعتبار الثالث فيهم الوضع الداخلي الذي يتسم بانحسار الأفق العام، على إيقاع الصراع القبلي العرقي في منطقة غرداية، وبتأثير المعطى الجديد في الحياة الجزائرية ممثلا في انتفاضة رجال الأمن، وهو أمر غير مسبوق حتى في الدول التي عرفت أكبر الاحتجاجات ضمن ما يعرف بـ "الربيع العربي". ولأن الحاكمين هناك لا يملكون مخارج ديمقراطية لتدبير هذه التجاذبات، فقد كان لا بد أن يصطنعوا أزمة ما في الجوار المغربي، تماما كما هو دأب السياسيين الجزائريين كلما انغلقت أمام اختيارات الداخل.

في هذا الإطار أقدمت شرطة الحدود الجزائرية، يوم السبت الماضي، على إطلاق الرصاص على مدنيين مغاربة بالشريط الحدودي على شمال غرب مدينة وجدة بحوالي ثلاثين كلمترا. الأمر الذي دعا السلطات المغربية، في اليوم ذاته، إلى إصدار بيان تعرب فيه عن إدانتها للحادث الذي عرض حياة أحد المواطنين إلى الخطر المحدق، وإلى استدعاء السفير الجزائري لاستيضاح الأمر.

بعد ذلك بيوم واحد، أصدرت وزارة الخارجية الجزائرية بيانا في الموضوع تؤكد فيه أن الحادث مبالغ فيه، وأنها ترفض ما رأته "تقديما مغلوطا" للوقائع، على اعتبار أن شرطة الحدود الجزائرية كانت قد "تعرضت إلى استفزاز مهربين مغاربة ردت عليها الشرطة بإطلاق الرصاص في الهواء"، متنكرة لما جرى على الأرض، وللأثر المادي لفعل إطلاق الرصاص. وبعيدا عن هذا التفسير المعلق أصلا في الهواء، تجدر الإشارة إلى أن واقعة مماثلة كان قد شهدها الشريط الحدودي في فبراير الماضي. وقد كانت هي الأخرى مرتهنة بالتباسات الصراع داخل الحكم هناك.

إن خطورة ما يجري على الحدود لا تكمن فقط في تواتر هذه الأعمال العدائية المتكررة تجاه السيادة المغربية، وتجاه مواطنينا العزل، ولكن كذلك في طبيعة رد الفعل المغربي تجاه هده الانتهاكات.

من الواضح أن المغرب، باختياره هذا النوع من ردات الفعل، يكون منسجما مع سياسته الخارجية القائمة على إعطاء الأولوية إلى مبدأ حسن الجوار، وذلك من موقع إحساسه بمسؤوليته في إخماد كل عوامل الاحتقان، تقديرا للعلاقات الأخوية الرابطة بين الشعبين، واستحضارا لهشاشة الوضع الإقليمي الذي لا يمكنه أن يتحمل فائض الأزمة أكثر مما هو الوضع متأزم أصلا. ومع ذلك فالمغاربة لا يمكن أن يقبلوا أن يتم دائما تلبيسهم وضع الضحية كضريبة لعقيدة المسؤولية، ولشعور الإيمان بالأخوة وبالتاريخ. ولذلك يرى كثير من المحللين أن استمرار المغرب في تبني هذا الموقف المتوازن في العلاقة مع الجزائر لن يزيد هذه الأخيرة سوى تعنتا مضاعفا هو أول وآخر ما تملكه في سياقها الداخلي الملتهب.

إن استدعاء السفير لن يكون له من أثر ملموس ما لم ترافقه إجراءات دبلوماسية تنقل التحرش الجزائري المستمر إلى المنتظم الدولي. وبموازاة ذلك الرفع من درجات التصعيد من قبيل المبادرة بتعليق العلاقات الثنائية على سبيل المثال. وفي هذا الإطار نذكر بالموقف الحازم الذي كان المغرب قد اتخذه من قبل حين أعلن توقيف التعاون القضائي مع فرنسا على إثر تفاعلات اتهام مسؤولين مغاربة بممارسة التعذيب على مواطنين مغاربة. مع أن الاعتداء الذي مارسته علينا باريس يومها لم يكن بمثل شراسة الاعتداء الجزائري علينا اليوم.

إن النظام الجزائري المغلق لا يؤمن سوى بسياسات مغلقة تحيا على كرسي متحرك. والمغرب لا يمكن أن يظل ضحية هذا الانغلاق. ولذلك سيكون من المفيد أن نتساءل:

ماذا لو فكر المغرب في "فركعة" هذه الرمانة، عملا بالمثل المغربي الأصيل "كبرها تصغار"؟

إننا لن نخسر شيئا أمام خصم يخسر يوميا مصداقيته التاريخية، ويسعى العسكريون داخله إلى أن يبددوا ثقافة الجوار وتاريخية المشترك بيننا، بعد أن بددوا ثروات الشعب الجزائري.

(تجدون تفاصيل أخرى في العدد الجديد لأسبوعية "الوطن الآن")