الأحد 20 أكتوبر 2024
سياسة

الروداني: المعهد الإفريقي للتنمية في الداخلة.. رؤية استشرافية لتعزيز دور المغرب في تنمية القارة الإفريقية

الروداني: المعهد الإفريقي للتنمية في الداخلة.. رؤية استشرافية لتعزيز دور المغرب في تنمية القارة الإفريقية الشرقاوي الروداني
في خطوةٍ تحمل اكثر من دلالةٍ قررت المملكة المغربية نقل المعهد الإفريقي للتنمية من جنيف إلى الداخلة .تمثل هذه المبادرة بداية للتصورات عملية في جعل الأقاليم الجنوبية تلعب دوراً مهماً في بناء التنمية الإفريقية. للإشارة فالمغرب من خلال النموذج التنموي في الأقاليم الجنوبية وضع خارطة طريق للجعل هذه الجهات مناطق التأثر الاستراتيجي التي ستعزز من استراتيجية ومكانة المغرب كمحور أساسي للتطور في القارة الإفريقية.إن نقل مقر المعهد من جنيف إلى الداخلة يتجاوز مجرد تغيير موقع، بل يحمل أبعادًا جيواقتصادية وسياسية عميقة، تعكس التزام المغرب بدعم القارة الإفريقية ومشاركة خبراته في التنمية مع دولها. على المستوى الجيوسياسي والاستراتيجي، يعد نقل المعهد إلى الداخلة خطوة تعزز من الاعتراف الدولي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، وتضع الداخلة كحلقة وصل بين إفريقيا وأوروبا و القارة الأمريكية.
 
هذا الموقع الجغرافي الفريد يتيح للمعهد أن يصبح منصة استراتيجية لتنسيق العلاقات الإفريقية الأوروبية والأفريقية-الأمريكية حيث يمثل المغرب بوابة إفريقيا إلى العالم الخارجي، وخاصة إلى الأسواق الأوروبية والأمريكية وهو ما سيكون له تأثير على عناصر قوة المغرب في علاقات جنوب-جنوب.
 
علاوة على ذلك، يعزز هذا الانتقال الاعتراف بأهمية الدور المتزايد الذي يلعبه المغرب في حل المعادلات القارية المعقدة مما سيساهم في تعزير التعاون و الاندماج الإفريقي. على مستوى الاقتصادي، فالمعهد يمكن ان يؤسس للإشعاع كبير يجعله يلعب دوراً في التنمية حيث يمثل إنشاء المعهد في الداخلة فرصة كبيرة لتعزيز الاقتصاد المحلي وجذب الاستثمارات الدولية إلى المنطقة عبر إبراز المؤهلات التي تزخر بها. بدون شك فتواجد مؤسسة دولية تعنى بالتنمية الأفريقية في الداخلة سيحفز على تطوير البنية التحتية وتعزيز قطاع الخدمات، مما يسهم في توفير فرص عمل جديدة ورفع المستوى المعيشي للسكان. إلى جانب ذلك، يمكن أن يصبح المعهد نقطة انطلاق لمبادرات اقتصادية وتنموية أخرى في المنطقة، مما يجعل الداخلة مركزًا عالميًا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في القارة. من خلال برامجه المختلفة، يمكن للمعهد أن يقدم الاستشارات للحكومات الإفريقية ويساهم في تصميم وتنفيذ سياسات تنموية تهدف إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة. كما يمكنه أن يشكل منصة لتبادل الأفكار والابتكارات التي من شأنها تعزيز التكامل الاقتصادي الإفريقي، خاصة في إطار تنفيذ اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية (ZLECAF).
 
في نفس الوقت، يمكن أن يكون المعهد الإفريقي للتنمية منصة لتكوين قادة ومفكرين قادرين على اتخاذ قرارات استراتيجية تهدف إلى تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية في القارة. من خلال تقديم برامج تعليمية وتدريبية متنوعة، يمكن ان يساهم المعهد في تطوير القدرات البشرية الإفريقية ودعم التعليم العالي والبحث العلمي. على سبيل المثال لا الحصر، يمكن أن يسهم المعهد في تنفيذ أجندة 2063 للاتحاد الإفريقي التي تركز على الابتكار والبحث العلمي كركائز أساسية للتنمية. من خلال التعاون مع الجامعات الإفريقية والدولية، قد يصبح المعهد مركزًا للتميز البحثي في مجالات مثل الطاقة المتجددة، التكنولوجيا، والزراعة المستدامة.
 
ومن تم، يمكن للمعهد أن يساهم في تنفيذ مبادرات دولية لدعم ريادة الأعمال في إفريقيا، مثل تلك التي تقدمها مبادرة "ازدهار أفريقيا" أو الشراكات مع المؤسسات مثل البنك الإفريقي للتنمية. من خلال التركيز على القطاعات الناشئة و دعم إنشاء حاضنات الأعمال وتقديم التدريب للشباب الأفريقي في مجال ريادة الأعمال والابتكار.

على المستوى الدولي، يعد المعهد منصة مثالية لتعزيز التعاون مع المبادرات الدولية الكبرى مثل مبادرة "ازدهار إفريقيا" التي تسعى إلى تعزيز التجارة والاستثمار بين الولايات المتحدة وإفريقيا.كما يمكن للمعهد أن يلعب دور الوسيط بين الشركات الإفريقية والدولية، مما يسهم في جذب الاستثمارات وتطوير الشراكات الدولية كالتعاون مع البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، والوكالات الدولية للتنمية، يمكن للمعهد أن يستفيد من التمويل والخبرات الدولية لدعم مشاريعه. هذه المؤسسات غالباً ما تبحث عن شركاء محليين ذوي مصداقية لتنفيذ برامج التنمية، والمعهد يمكن أن يلعب هذا الدور كوسيط لتوجيه الاستثمارات والمساعدات إلى المشاريع الأكثر احتياجاً في الدول الإفريقية. كما يمكنه التعاون مع برامج الأمم المتحدة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة من خلال إجراء أبحاث ميدانية وتقديم استشارات للجهات المانحة والدول الإفريقية حول كيفية تحقيق هذه الأهداف. على المستوى الإقليمي، يمكن للمعهد أن يسهم في تعزيز التكامل الاقتصادي بين الدول الإفريقية من خلال تسهيل الحوار بين الحكومات وتقديم استشارات حول سياسات التنمية المستدامة.
 
هذا سيساهم في تقليل الاعتماد على الأسواق الخارجية وزيادة التجارة البينية الإفريقية، مما يعزز من استقلالية القارة الاقتصادية. في نفس الوقت ، لا يمكن الحديث عن التنمية المستدامة في إفريقيا دون الأخذ بعين الاعتبار التحديات الأمنية والسياسية التي تواجهها القارة. الاضطرابات في بعض المناطق مثل الساحل والقرن الإفريقي تؤثر بشكل كبير على الاستقرار الاقتصادي والسياسي. في هذا السياق، يمكن للمعهد الإفريقي للتنمية أن يلعب دورًا هامًا في تقديم حلول مبتكرة لتعزيز الأمن والاستقرار في القارة. من خلال برامجه التعليمية والبحثية، يمكن للمعهد أن يدرب القادة والمسؤولين الأفارقة على كيفية التعامل مع التحديات الأمنية والتنموية المعقدة، مما يعزز من قدرات الدول الإفريقية في مواجهة هذه التحديات. كما يعكس نقل المعهد إلى الداخلة تحولًا رمزيًا من المراكز التقليدية للبحث والتعليم إلى مركز ناشئ في إفريقيا.
 
هذا التحول يمكن أن يكون جزءًا من استراتيجية المغرب لتعزيز "الدبلوماسية التنموية" التي تعتمد على التعليم والبحث العلمي كأدوات لتحقيق التأثير في العلاقات الدولية. من خلال تعزيز التعاون الأكاديمي والبحثي مع المؤسسات الدولية، يمكن للمعهد أن يساهم في تحسين صنع القرار في القارة الإفريقية ويصبح منصة لابتكار الحلول التنموية المستدامة. في الاخير، يعد نقل المعهد الإفريقي للتنمية إلى الداخلة خطوة استراتيجية تعزز من مكانة المغرب في إفريقيا والعالم، وتفتح آفاقًا جديدة للتعاون الاقتصادي والتنموي مع القارة. من خلال دوره المحوري في دعم الابتكار، التعليم، والبحث العلمي، يمكن للمعهد أن يساهم في تحقيق التكامل الاقتصادي الإفريقي وتعزيز التنمية المستدامة . كما يعزز من دور المغرب كمحور للتنمية في إفريقيا عن طريق الاستثمار العلمي في بلورة مبادرتي جلالة الملك المرتبطتين بانخراط الدول الأفريقية-الأطلسية في جيواستراتيجية الأطلسي و فتح هذا المجال للدول الساحل الإفريقي عبر الأقاليم الجنوبية، مما يعكس التزام المملكة بتحقيق الازدهار المشترك مع جيرانها الأفارقة.
 

على مستوى تقوية العلاقة مع الأمم المتحدة، فالمعهد الإفريقي للتنمية قادر أن يلعب دوراً تكاملياً مع برامج الأمم المتحدة للتنمية من خلال تقديم أبحاث ودراسات ميدانية تركز على أهداف التنمية المستدامة. هذه الاستراتيجية ستمكن المعهد من أن يساهم في قياس التقدم المحرز في تحقيق هذه الأهداف داخل القارة الأفريقية، وتطوير استراتيجيات محلية واقليمية تتماشى مع المبادئ العالمية للحد من الفقر، تعزيز التعليم، وتوفير الطاقة النظيفة. كذلك، يمكنه دعم تنفيذ المشاريع التنموية الممولة من الأمم المتحدة عبر توفير خبراء محليين لمتابعة التنفيذ وضمان فعاليته على أرض الواقع.
 

وبالتالي، فبفضل القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، استطاع المغرب أن يتبنى نهجًا استباقيًا واستراتيجيًا في إدارة قضية الصحراء المغربية من خلال عقيدة دبلوماسية مبنية على ثلاثية التنمية، الأمن والاستقرار مما عزز سيادته الوطنية مع تبني مقاربة دبلوماسية حازمة ترتكز على السلام والتعاون الإقليمي. هذه الرؤية الملكية، المستلهمة من قيم الاعتدال والعدالة والتنمية الأفريقية مكّنت المملكة من تأكيد شرعيتها على أقاليمها الجنوبية، مع تعزيز شراكاتها الدولية.

 

في الختام، يُمثل نقل المعهد الإفريقي للتنمية إلى الداخلة رؤية استراتيجية بعيدة المدى للمغرب في تعزيز دوره الريادي في القارة الإفريقية.

 

هذا القرار الملكي يتجاوز كونه مجرد خطوة جغرافية، بل يعكس استشرافاً عميقاً لمستقبل الأقاليم الجنوبية كمراكز ديناميكية للتنمية والتكامل الإفريقي. من خلال موقعها الاستراتيجي، ستلعب الداخلة دورًا محوريًا في توطيد العلاقات بين إفريقيا وبقية العالم، مما يمكّن من تعزيز التجارة والاستثمار والتعاون العلمي والبحثي. إن هذه الخطوة تؤسس لمستقبل اقتصادي قوي يُساهم في تنمية القارة الإفريقية، مع الحفاظ على استقرارها وأمنها، وتعزز مكانة المغرب كقائد إقليمي واستراتيجي في تحقيق الازدهار المشترك.

 
د.الشرقاوي الروداني، خبير في الدراسات الجيو استراتيجية والأمنية