الجمعة 18 أكتوبر 2024
سياسة

محمد أقديم: لهذه الأسباب يتأثّر المغرب بما يحدث فـي الشرق الأوسط

محمد أقديم: لهذه الأسباب يتأثّر المغرب بما يحدث فـي الشرق الأوسط محمد أقديم

يفكّك محمد أقديم، الباحث في التّاريخ الاجتماعي، والكاتب المهتم بقضايا التحولات والسياسية والثقافية، الكثير من الدلالات السياسية والثقافية والجيوستراجية، في إعادة تحديد منطقة المشرق العربي جغرافيا، ''الشرق الأوسط''(midlle -east)".

وفيما يلي نص الحوار مع الباحث محمد أقديم:

 

 

ما مدى تأثير أحداث الشرق الأوسط على المغرب جيواستراتيجيا في علاقته بعدد من قضايا المنطقة. التي صارت هوية أغلب المغاربة شرق أوسطية تتماهى مع قضايا المنطقة أكثر من تفاعله مع قضاياه المحلية والوطنية. لماذا وكيف تفسر ذلك؟

بداية لابد من الوقوف عن مفهوم الشرق الأوسط، الذي كان محور سؤالك، باعتباره مصطلح جيوسياسي، يحمل الكثير من الدلالات السياسية والثقافية والجيوستراجية، فهو مفهوم ظهر بعد الحرب العالمية الثانية، في الدراسات الجيوسياسية الغربية والأمريكية منها على وجه الخصوص، فإعادة تحديد منطقة المشرق العربي جغرافيا، ''الشرق الأوسط ''(midlle -east) وبالفرنسية le moyen orient، وأحيانا ''الشرق الأدنى'' (near east) وبالفرنسية le proche orient، وتحديد موقعها، كان مبنيا على القُرب والبُعد من الغرب الأوربي والأمريكي، فهو شرق أدنى بالنسبة لأوربا ويشمل منطقة الجزيرة العربية والعراق والشام، وشرق أوسط بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، ويضمّ منطقة شمال إفريقيا إلى إيران وأفغانستان مرورا بالجزيرة العربية والعراق والشام وتركيا، فالشرق الأوسط هو توصيف جغرافي غربي (أوروبي أمريكي) لمنطقة عربية اسلامية، تضيق وتتّسع حسب نظرة مخترعي هذا المصطلح، وطبعا ليس وٍفقَ نظرة مُستَهلكيه إعلاميا.

 

وأتى هذا التحديد، الجغرافي في ظاهره، والجيوسياسي في أهدافه، في سياق إعادة ترتيب الأوضاع السياسية وترسيخ وتثبيت خريطة التجزئة السياسية التي تمخضت عن المخطط الامبريالي لسايكس البريطاني وبيكو الفرنسية لسنة 1916. فهذا التحديد الجيوسياسي، الذي لا يحمل في توصيفه لهذه المنطقة العربية إلّا الدلالة الجغرافية، حيث جرّدها من هويتها القومية (العربية) والدينية (الاسلامية). فلم يَعُد يُوصَف لا بالمشرق العربي ولا بالشرق الاسلامي، كما كان سائدا منذ العرص الوسيط إلى غاية القرن النصف الثاني من القرن التاسع عشر، حيث ستتحدّث أدبيات الجغرافيا السياسية البريطانية عن الشرق الأدنى الذي شمل مختلف مناطق الامبراطورية العثمانية.

 

وعليه فكلّ حديث عن ''هوية شرق أوسطية'' يصبّ في إطار هذا المشروع الامبريالي. والغريب في هذا التحديد الجيوسياسي الامبريالي الأمريكي لـ ''الشرق الأوسط'' الذي جرّده من هويته القومية العربية والدينية الاسلامية، والذي تروّج له مراكز صناعة القرار ومراكز البحث والتفكير ووسائل الاتصال في الغرب، يساعد على القبول بكيّان دولة الاحتلال الصهيوني، الذي لا تربطه أي علاقة تاريخية ولا ثقافية ولا قومية بمنطقة المشرق

 

هذا الوضع الشرق أوسطي حدا بالنخب المغربية، حسب موجات الزمن المغربي، إلى جرّ الشارع المغربي حول قضايا الشرق الأوسط بدل قضاياه المحلية فانسلخ عن الكثير من قضاياه. هل في ذلك مزايدات أم ماذا؟ وكيف تقرأ ذلك؟

من الطبيعي جدا أن يتأثر المغرب بمختلف الأحداث والتطورات السياسية والأمنية التي تقع في المشرق، خاصة إذا علمنا أن ما يقع في المشرق العربي تتأثر به مختلف دول العالم، بما في ذلك دول الغرب الأوروبي ودول الأمريكيتين ودول آسيا الوسطى والشرق الأقصى. فالمشرق العربي بموقعه الاستراتيجي (ملتقى المعابر العالمية)، وبتاريخه الحضاري العريق والتطورات السياسية والتحولات الاقتصادية التي كان ولازال يشكل مسرحا لها، وثرواته الطبيعية الهائلة (البترول، يعتبر مركز الثقل ونقطة جذب على المستوى الدولي ومحلّ صراع القوى السياسية الدولية والشركات العالمية، رغم ضعف دُوّلِه سياسيا وتدهورها اقتصادية وانحطاطها ثقافيا. فكيف لا يتأثر المغرب بما يجري في المشرق عموما وفي فلسطين على وجه الخصوص، وحيث علاقة المغرب بالمشرق علاقة تاريخية وطيدة ووثيقة على كل المستويات السياسية والثقافية والاقتصادية والحضارية، فالمغربُ جغرافيا مَغرِبٌ للمشرقِ العربي الاسلامي، والشرقُ الاسلامي هو شَرقٌ للغربِ الاسلامي، وعبر التاريخ ومنذ العصر الوسيط، إن لم أقل العصر القديم، كان دائما لكلّ ما يقع في المشرق تأثير في المغرب، كما هو ثابت في المصادر التّاريخية، وواضح في الدراسات الثقافية، وكان لكلّ ما يقع في المغرب صدى في المشرق.

 

 

الغريب هو أن لا يتأثر المغرب والمغاربة بقضايا المشرق، والتطورات والأحداث التي يعرفها، وهذا ليس بجديد ولا طارئ، بل هو الأمر الطبيعي والمُعتاد، والتاريخي، وليس للأمر أي علاقة بما سمّيتموه "هوية شرق أوسطية"، فالمكوّن العربي، شكّل دائما ولازال جزءا من الهويّة المغربية، إلى جانب المكون الأمازيغي طبعا، والاسلام شكّلا دائما الدّافع والحافز للمغاربة على الاهتمام بقضايا المشرق العربي وما يحدث فيه من تطورات، والتضامن مع شعوبه لما تتعرّض له احتلال وحروب والقمع وقهر، إلى جانب الاهتمام بقضايا شعوب أخرى بمناطق أخرى في العالم تربطها العقيدة الاسلامية بالمغاربة. ثمّ إن الاهتمام بقضايا التحرّر من الاستعمار ومقاومة الاحتلال والتضامن مع الشعوب المُحتلّة أراضيها والمُستعمرة أوطانها، لم يسبق لها أن حالت دون اهتمام المغاربة، ولا غيرهم من الشعوب الاسلامية، بقضاياهم ذات الطابع القومي أو الدّيني أو الإنساني كذلك. وليس هناك أن تناقض بين النضال والانغماس في القضايا والشؤون المحلّية من جهة، وبين مناصرة قضايا التحرّر من الاستعمار ومقاومة الاحتلال سواء في المشرق أو غيره من دوّل العالم.

 

فلا أعتقد أن النظر إلى القضية الفليسطينية، أو أي قضية عادلة، من أي زاوية انتماء (وطنية - قومية - دينية - جغرافية - جنسية - طبقية..) يقزم القضية أو يضيقها أو يسيجها أو يُخصخصها، لأن كل دوائر الانتماء هذه يَجب النظر إليها على أساس أنها دوائر لا تَتَقاطع لتَتَناقض، وإنما تتقاطع لتتكامل، وكلها انتماءات هويّاتية يَحضن بعضها بعضا. فالاختلاف بين الشعوب والقوميات والأعراق والألسن والأديان والمناطق والألوان والطبقات، هو اختلاف تنوًع وتعدًد وتكامل وثراء، وليس اختلاف تضاد وصراع وحرب، ونقض ونفي، وتدمير وإبادة.

 

فأن تختار لتكون مناضلا وطنيا أو قوميا أو متدينا أو طبقيا، أو إيكولوجيا، لا يمنعك من أن تكون إنسانيا. وأن تكون إنسانيا يُجِبُ عليك أن تكون متعاطفا ومتضامنا وحتى مناضلا من أجل الحقوق الوطنية والقومية واللغوية والدينية والجنسية والاجتماعية (الطبقية) والإيكولوجية للأفراد والجماعات والشعوب والدول والأمم.

 

لذا ينبغي النظر إلى القضية الفلسطينية مثلا، كقضية عادلة، كقضية شعب يواجه احتلالا عنصريا، ليس كقضية شرق أوسطية أو "صراع فلسطيني اسرائيلي" كما تسعى دوائر صناعة القرار الامبريالية في الغرب، فينبغي للإنسان أن ينظر إليها من أي دائرة انتماء أو زاوية نظر تريد، ويربط تضامنه معها بعدالتها، وليس بلسان وعرق ودين وجغرافيا وطبقة أصحابها ولا بانتماءات ومواقف الآخرين منها.

 

فلكل انسان الحرية والحق في التضامن مع القضية الفلسطينية كقضية عادلة من أي منطلق فكري أو عقدي أو طبقي أو قومي أو انساني يريد، ولا ينبغي مصادرة هذا الحق من أي جهة كانت.