شكلت مهنة المحاماة عبر التاريخ، إحدى رافعات العمل الحقوقي في المغرب، وهذا ما تضمنه تصدير القانون الأساسي لجمعية هيآت المحامين بالمغرب، إذ إلى جانب العمل على الرفع من مستوى العمل المهني ماديا وأدبيا حتى يرقى إلى مستوى سمو رسالة مهنة المحاماة ونبل أعرافها وتقاليدها، نجد القانون الأساسي للجمعية ينص على العمل من أجل تعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وسيادة حكم القانون واستقلال القضاء ونزاهته وحصانة الدفاع وحريته واستقلاله ونزاهته، وكذا، وهذا هو الأهم، العمل من أجل الدفاع عن المصالح العليا للوطن وعن وحدته الترابية.
وحافظت الجمعية على مكانتها في المشهد الحقوقي، غير متأثرة بالألوان السياسية لرؤسائها، وهذا ما جعلها ذات تأثير كبير في المشهد الحقوقي.
وكما يقول الأستاذ جلال الطاهر، المحامي بهيئة الدار البيضاء، أن جمعية هيئات المحامين بالمغرب تأسست على ضوء التحولات السياسية، التي تجسدت في السيادة الوطنية، حيث كانت أعناق المغاربة تشرئب إلى مغرب جديد، تسود فيه الحرية والكرامة، واحترام حقوق الإنسان بصفة عامة، فإنها اليوم قد تشكل مدخلا لتوحيد قوى اليسار، باعتباره كان يشكل طليعة الجمعية في بداياتها، وما حضور المحامين اليساريين في أشهر وأكبر محاكمات العهد السابق، إلا خير دليل على هذا الارتباط الوثيق بين اليسار وقيمه الأصيلة بمهنة الدفاع.
مناسبة هذا الاسترجاع، هو البلاغ الذي أكد فيه منسقو قطاعات المحامين للأحزاب الديموقراطية المكونة من الاتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية، حزب التقدم والإشتراكية، الحزب الاشتراكي الموحد، فيدرالية اليسار الديموقراطي، أن ما تشكله الهجمة التشريعية على المحاماة، هو انتكاسة حقوقية وردة دستورية غير مسبوقة.
وزادت التنسيقية اليسارية بالقول في تبيان هويتها، بأن المحاماة تتعرض ل "الهجمة التشريعية التي تشنها الحكومة من خلال مشاريع قوانين المسطرة المدنية والجنائية وقانون مهنة المحاماة، في خرق سافر للديموقراطية التشاركية في صياغة التشريعات المؤطرة لحقوق الإنسان ولضمانات المواطنين والمواطنات في حقهم في تشريعات متلائمة مع المواثيق والمعاهدات الدولية".
هي أحزاب مشكلة للتنسيقية يسارية حقة، وإن تفرقت بها السبل، فإن مهنة المحاماة من خلال منسقيها، استطاعوا أن يتوحدوا على مطلب واحد، وهو التصدي لكل ما يمكن أن يمس بمهنة ظلت نشاطا مهنيا لقادة وزعماء الصف اليساري، بدء من عبد الرحمان اليوسفي إلى عبد الرحيم بوعبيد إلى عبد الرحيم الجامعي وعبد الرحمن بنعمرو وأحمد بنجلون ومحمد بوزوبع وعبد العزيز بناني وعبد الرحيم بن بركة وعبد الرحيم برادة.. وغيرهم كثير، كانت القيم اليسارية تؤطر مرافعاتهم السياسية، وكانت دفوعاتهم القانونية على منهج خطاباتهم السياسية..
اليوم يطرح سؤال عودة قوة اليسار من خلال التنسيق القطاعي، ليس فقط المحاماة، بل أيضا التعليم، والصحة، وغيرها من القطاعات التي تعد مجالا حصريا للفكر اليساري، بحكم ارتباطها بالمجتمع المغربي.
جريدة «الوطن الآن»، طرحت سؤال التنسيق القطاعي داخل الأحزاب اليسارية، ومدى إمكانية أن يشكل مدخلا لتقريب وجهات النظر، فكانت أجوبة المعنيين على الشكل التالي:
- إجماع عدد من المشتغلين في مهنة المحاماة على أن يكون التنسيق القطاعي بين الأحزاب الديموقراطية المكونة من الاتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية، حزب التقدم والإشتراكية، الحزب الاشتراكي الموحد، فيديرالية اليسار الديموقراطي، مدخلا فعليا لعودة اليسار بقوة إلى المشهد السياسي ببلادنا، وإنهاء حالة التشرذم التنظيمي، الذي وإن تعددت الإطارات التنظيمية فإنها أضعفت الفعالية، وهذا ما برز في الاستحقاقات الانتخابية الأخيرة، سواء التشريعية أو المحلية.. هو أمل يبقى عالقا وإن كانت شروطه الذاتية والموضوعية لم تنضج بعد، ومع ذلك فكما قال أحد المحامين، الفكرة لا تموت، وتظل حية إلى حين إنضاجها لتكون واقعية.
- اتجاه آخر، تحفظ على أن يكون التنسيق المهني القطاعي مدخلا لعمل يساري مستقبلا، ما دام أن هذا التنسيق اليساري ليس جديدا، بل سبقته تجارب سابقة نقابية، لكن ظل رهين قطاع معين دون أن تمتد آثاره لعمل سياسي حقيقي، وكان من الصعب لم شتات اليسار عبر معركة قطاعية أو مجالية، خصوصا على صعيد الحركات الاحتجاجية المرتبطة مثلا بالغلاء أو الحق في الماء، أو الحفاظ على المدرسة العمومية، بل أكد أصحاب هذا الاتجاه أن هذا التنسيق القطاعي للمحاماة بين مسؤوليها في اليسار، لاينبغي إعطاؤه حجما أكثر منه.
- أما الاتجاه الثالث، فهو يرفض تلوين مهنة المحاماة بلون معين، يساري أو يميني، ما دام ان مهنة المحاماة هي مهنة الدفاع بامتياز، والترافع القانوني، يكون بالنصوص والمواد والفصول، وكل تلوين لها، هو مزيد من عزلها وإضعافها، في الوقت الذي تمر منه المهنة اليوم من معركة شعارها «نكون أو لانكون»، وعلى مر الزمن شكل المحامون عبر هيئاتهم التنظيمية وجمعيتهم التنسيقية، قوة حاضرة، في كل القضايا الكبرى للوطن، حيث انصهرت في ديناميتها كل التعبيرات السياسية لتفرز، مواقف ومطالب ، تعكس وتتجاوب بصدق مع نبضات المجتمع المغربي ضمن المطالبة بدستور ديمقراطي والانفتاح على جميع مكونات الهوية المغربية، ومن المطالبة بإصلاح العدالة إصلاحا شموليا، ومن المطالبة بحرية التعبير، وقطع دابر الفساد واستغلال النفوذ ومن المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وعودة المغتربين، والإفراج عن المختفين وتقديم المسؤولين عن الاختفاء القسري والتعذيب إلى المحاكمة، ومن المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام والانضمام إلى نظام روما، والمصادقة على جميع المعاهدات والاتفاقيات الدولية وآلياتها المتعلقة بحقوق الإنسان، وفق تصريح سابق للمحامي جلال الطاهر.
من هنا يبقى توحيد اليسار، أملا للسياسيين، لكنهم في نفس الوقت يظلون رهائن ماضي أليم استعملوا فيه كل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة لضرب بعضهم بعضا، وهذا مايجعل التنسيق القطاعي محاولات خجولة من أجل تجميع قوى يبدو أن قدرها هو مزيد من الشرخ التنظيمي.