تدخل حرب الإبادة الممنهجة التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في غزة عامها الثاني بحلول السابع من أكتوبر. هذا اليوم الذي سيظل يحتفى به ليس فقط محليا أو عربيا وإنما على المستوى العالمي لأسباب متعددة ومن بينها أن القوة الإقليمية الإسرائيلية بأبعادها العسكرية والتكنولوجية والاستخباراتية قد كسرها في يوم واحد رجال المقاومة الفلسطينية في غزة. فحين استفاقت اسرائيل في اليوم التالي (8 أكتوبر 2023) من وقع المفاجأة والصدمة من الهجوم الاستباقي «طوفان الأقصى» الذي قامت به حركة حماس وأدى إلى اقتحام مستوطنات غلاف غزة وأسر عدد كبير من الجنود والمستوطنين واقتيادهم إلى قطاع غزة، أعلنت أنها ستشن حربا على حماس من أجل تحرير الرهائن. ولكنها إلى الآن، لم تتمكن -بعد مرور عام- من تحقيق هذا الهدف وإن كان أن استرجاع البعض منهم قد تم - بفضل وساطة قطر ومصر والولايات المتحدة - عن طريق صفقة تبادل مع حماس. وهي الصفقة الوحيدة التي نجحت ولم تليها أخرى بالرغم من توالي المفاوضات المتعددة بشأن صفقات جديدة. ويرجع السبب إلى تعنت الطرف الإسرائيلي الذي أفشل كل مساعي الوساطة، مما انعكس سلبا على مسار الحرب وعلى محاولات الوصول إلى أماكن الرهائن أحياء (باستثناء حالة أو حالتين) دون جدوى.
عام من حرب الإبادة
لا شيء يردع إسرائيل عما ترتكبه من جرائم إبادة ومن انتهاكات جسيمة لكل الأعراف والمبادئ والقوانين الإنسانية. كل ما تم وضعه من ترسانات قانونية دولية ومأسسة متعددة الأبعاد والتوجهات في مجال حفظ السلم والأمن لا يعني في شيء إسرائيل التي وضعت نفسها فوق كل مساءلة أو محاسبة عما تفعله ضد الإنسانية وليس فقط ضد الفلسطيني أو اللبناني. فمنذ تأسيسها بفضل قرار أممي (قرار تقسيم فلسطين رقم (181) الصادر عن الجمعية العامة بتاريخ 29 نوفمبر 1947)، تمكنت إسرائيل من وضع يدها بالقوة على كل أجزاء تراب فلسطين التاريخية. كما أنها لم تحترم يوما إرادة المجتمع الدولي ولم تطبق ولو جزءا بسيطا من القرارات الأممية التي صدرت لصالح الحق الفلسطيني (وأبرزها قرار رقم 242 (1967) الذي يتضمن دعوة مجلس الأمن إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي التي احتلتها خلال حرب 1967، قرار مجلس الأمن رقم 338 (1973) حول وقف إطلاق النار بعد حرب أكتوبر، قرار مجلس الأمن رقم 452 (1979) حول عدم شرعية المستوطنات في الأراضي المحتلة، قرار مجلس الأمن رقم 465 (1980) حول مطالبة إسرائيل بتفكيك المستوطنات القائمة والتوقف عن إقامة المستوطنات في الأراضي المحتلة، بما فيها القدس...).
إذن ليس غريبا عن كيان يدعي أنه دولة ولكنه يتصرف بمنطق إرهاب العصابات (الهجانا والأرغون) التي أبادت وحرقت واقتلعت سكان فلسطين من أراضيهم ووضعت مكانهم شتات العالم من جنسيات مختلفة وزرعت فيهم إيديولوجيا متطرفة تعتمد أساسا على العنف والقتل والعنصرية والتعالي على الآخر الذي يراه الإسرائيلي أقل منه، ويتعامل معه بغرور وغطرسة وكأنه يمتلك حق سلب الحياة وتقرير مصير الآخرين. كما لا يهمه إن كان يستهدف -بأي سلاح حتى المحظور منه كالفسفور الأبيض- المدنيين لاسيما الأطفال والنساء. الأهم هو تحقيق النصر واستعراض قوته المسنودة جهرا ودون تردد من طرف الولايات المتحدة التي تقدم نفسها كوسيط إلى جانب مصر وقطر. لكنها بعيدة كل البعد عن قواعد الوساطة التي تفرض التوازن في التعامل والحياد مع أطراف النزاع، وذلك حسب ما تنص عليه الأعراف والقوانين الدولية. فالوسيط يجب ألا ينحاز إلى طرف دون الآخر ولا أن يكون مشاركا في النزاع ولو بشكل غير مباشر. كل شيء يشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية هي طرف شريك في الحرب الدائرة في غزة، وذلك من خلال تزويد الجيش الإسرائيلي بالسلاح وبالاستخبارات، فكيف يمكنها أن تكون محايدة؟ وهي تتكلم لغة واحدة ولا تحيد عنها بأن إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها، ولا تنظر إلى الأرقام المروعة على أرض غزة التي تجاوزت 42 ألف من الضحايا أكثرهم أطفال ونساء وقاربت 100 ألف من المصابين، إلى جانب الدمار المهول الذي أصاب قطاع غزة إلى درجة مسح أحياء بكاملها وتدمير البنيات التحتية وإخراج المستشفيات عن الخدمة وانتشار المجاعة.
انتهاكات دون محاسبة
لا أحد يستطيع إيقاف إسرائيل عما تقوم به ضد لبنان وفلسطين المحتلة (غزة والضفة الغربية) من أعمال عدائية وترقى إلى درجة أعلى من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة والتطهير العرقي لاسيما في قطاع غزة الذي بات وضعه عصيا على المجتمع الدولي لإيجاد حل يضع حدا للمجازر الجماعية المرتكبة من طرف الجيش الإسرائيلي في حق المدنيين العزل. وبالرغم من توجيه المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لائحة اتهام إلى اثنين من قادة إسرائيل (نتنياهو-غالانت) عن الأفعال الإجرامية المرتكبة في غزة، فقد حمل في نفس الوقت المسؤولية الجنائية إلى ثلاثة من قادة حركة حماس (هنية-السنوار-الضيف) عما تم ارتكابه يوم السابع من أكتوبر 2023 في مستوطنات غلاف غزة. والمثير في بيان المدعي العام ما جاء فيه من مساواة فيما ارتكب من الجانبين من أفعال على أساس أن الجلاد والضحية يخضعان لنفس المنطق في حين أن حقائق الواقع تبين مشروعية مقاومة الاحتلال كيفما كان. ومع ذلك، لم يتم إصدار مذكرة اعتقال في حق المطلوبين للعدالة الجنائية الدولية (من الجانب الاسرائيلي) نظرا للضغط الأمريكي لمنع ذلك. ويبقى أن قرارات محكمة العدل الدولية المختصة بالنظر في النزاعات بين الدول، بشأن الحرب على غزة كانت قوية ولكن تطبيقها أو إرغام إسرائيل على احترامها يظل بعيدا في غياب إجماع دولي خارج الهيمنة الأمريكية على القرار الدولي.
كذلك، لا بد من التذكير بالمنظومة الدولية في مجال القانون الدولي الإنساني الذي يلزم جميع الدول باحترام قواعده حين تكون هناك ضرورة الدخول في حرب مع طرف آخر. وهو قانون أكد على الجانب الإنساني الذي يجب أن يراعى أثناء العمليات العسكرية وخصوصا ضرورة اختيار الأسلحة التي تتناسب مع الهدف المراد تحقيقه ومن أجله قامت الحرب. كذلك يجب عدم انتهاك قواعد القانون الدولي الإنساني الذي هو في الأصل مزيج بين قانون جنيف (الاتفاقيات الأربع لسنة 1949) وقانون لاهاي (قانون الحرب) الذي دعا منذ بداياته إلى أنسنة الحرب. وقد تم دمج أهم قواعد هاذين القانونين وما لم يذكر فيهما في البروتوكولين المضافين الموقع عليهما سنة 1977، ومنذ ذلك الحين بدأ تداول اسم القانون الدولي الإنساني كقانون يسعى في مجمله إلى حماية الأشخاص والمنشآت المدنية من أضرار النـزاعات المسلحة أكانت ذات طابع دولي أو غير دولي، وكذا حماية المنشآت المدنية من العمليات العسكرية. كما يلزم الدول المتحاربة على حماية المدنيين خاصة في المناطق التي تخضع للاحتلال من أضرار الحرب وتسهيل ولوج المساعدات لمن لا يستطيع الخروج من مناطق النزاع بدل إيهامه بإمكانية الوصول إلى أماكن آمنة وقبل الوصول إليه يتم استهدافهم كما يفعل الجيش الإسرائيلي حاليا في غزة.
اتساع رقعة الحرب
اندلعت حرب العدوان الإسرائيلي مند سنة كاملة في غزة واتسعت الآن إلى لبنان بعد جملة من الاغتيالات التي استهدفت قيادات حزب الله. لكن منذ انطلاق العدوان السافر الإسرائيلي في الثامن من أكتوبر 2023 على غزة، بدأ القصف وإطلاق الصواريخ من جنوب لبنان. وقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتزويد إسرائيل بالسلاح والاستخبارات وتبرير كل عدوان وكل إجرام وكل إبادة وكل انتهاك للمبادئ الإنسانية المتعارف عليها بجمله واحدة وهي «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، متناسية أو متجاهلة حقوق الضحايا الحقيقيين.
ما يحدث في لبنان يمكن تفسيره على مستويين، الأول يرتبط بالحرب المتواصلة على غزة ولاسيما ما تقوم به إسرائيل من فضائع لم تحدث من قبل وتريد تحويل أنظار العالم إلى لبنان حتى تستطيع إنهاء مهامها العدوانية والإجرامية دون شاهد عليها. فإبعاد غزة عن دائرة الأحداث، من شأنه أن يقلل من الضغط الدولي المطالب بإيقاف النار واستئناف المفاوضات ويوجه الرأي العام الإسرائيلي إلى جبهة الشمال ضد حزب الله. أما المستوى الثاني، فيتمثل في فرصة إسرائيل في التمادي في نهج الاستيطان وضم كل أراضي الضفة الغربية المحتلة والتوسع حتى على حساب الدول المجاورة لها، مادامت المنظومة الدولية عاجزة عن التصدي لها ومنعها من الاستمرار في الإبادة الجماعية والتجويع والتهجير الممنهج.
عجز المنظومة الدولية
يكاد النظام العالمي يخرج عن مساره المعتاد منذ نهاية الحرب الباردة والدخول في مرحلة الفوضى واختلال في التوازنات الدولية وكذا متاهات فرض قانون القوة على الأطراف الضعيفة بالرغم من وجود ترسانة من القوانين الدولية التي تم التوافق عليها تدريجيا وفي مراحل ساد فيها العنف وعدم الاستقرار وذلك لتفادي حالات العنف المتكررة ووضع حد للحروب ودفع كل الدول إلى اعتماد خيارات سلمية لحل خلافاتهم أو الاحتكام إلى المنظومة الدولية لكي تكون محايدة وعادلة في اتخاد القرارات الخاصة بالسلم والأمن في العالم. ولكن تم تقييد عمل منظمة الأمم المتحدة -خاصة مجلس الأمن- بحيث لا تستطيع إصدار أي قرار في مجال حفظ السلم والأمن في العالم إلا بموافقة أمريكا. زد على ذلك أن القرن العشرين شهد صعود نجم أمريكا كقوة لا مثيل لها ولا سيما حين أزاحت الاتحاد السوفياتي من خارطة الزعامة العالمية وانفردت وحدها بقيادة العالم ولجأت في ذلك إلى كل الطرق يما فيها غير المشروعة لتغيير موازين القوة في كل مناطق العالم التي تراها عائقا أمام مصالحها الاستراتيجية. إنه القرن الأمريكي بامتياز، وخصوصا في آواخره، حيث هيمنت أمريكا على معظم مناطق العالم التي تكتسي أهمية استراتيجية ومن بينها المنطقة العربية ولا سيما منطقة الخليج حيث أقامت فيها قواعد عسكرية مكنتها من التأثير على الأنظمة المحلية وكذا توجيه سياساتها فيما يصب في المصالح الأمريكية، وذلك مقابل تقديم الحماية لهم لإبعاد أي توسع إيراني يطال أراضيهم ويهدد استقرارهم، وبالتالي تم رهن المنطقة للأمريكي الذي وجدها فرصة سانحة للتسويق لرؤيته المزدوجة للسلام والتطبيع مع إسرائيل.
وبناء على ما تقدم، يبدو أن عجز الأمم المتحدة في اتخاذ أي قرار لإنهاء الحرب في غزة قد ازداد بشكل غير مسبوق. ذلك أن مجلس الأمن الذي له صلاحية اتخاذ هكذا قرار ملزم يجبر إسرائيل على التراجع ولو نسبيا مما تقوم به من إبادة واستهداف مباشر للمدنيين والعاملين ضمن قطاع الصحة والإعلام وحتى عمال الإغاثة الإنساني وطواقم ومقرات الأونروا، لا يستطيع التعامل مع إسرائيل كما يقوم به مع أي دولة تتمادى في عدم تطبيق القواعد الدولية أو اللجوء إلى التهديد بتفعيل الفصل السابع إذا لم تنه عدوانها على قطاع غزة. وبالتالي، فمجلس الأمن يجد نفسه رهينة بيد القوة العظمى أمريكا التي تغطي على جرائم الكيان الإسرائيلي وتمهله الوقت الكافي حتى ينهي مهامه في غزة وفي نفس الوقت تحمل الضحية المعتدى عليها مسؤولية استمرار الحرب في غزة.
أطراف الإسناد الخارجية لغزة
حين تقوم أطراف خارجية كحزب الله والحوثيين في اليمن بمساندة المقاومة في غزة، فإسرائيل تعتبرهم كأعداء لها، وبالتالي يحق لها استهدافهم بكل الأسلحة المتاحة لها وإن كانت تكنولوجية، أي بتلغيم واختراق أجهزة الاتصال والاستخبارات الدقيقة وتوظيف العمالة المحلية... هكذا نجحت إسرائيل في توجيه ضربات قوية ومتتالية إلى حزب الله، نتج عنها اغتيال جملة من قيادته (بما فيهم الأمين العام للحزب حسن نصر الله)، الشيء الذي أربك حسابات المقاومة اللبنانية ولم تتخذ احتياطاتها فور بداية الاغتيالات الأولى. إذن هناك أخطاء استراتيجية قاتلة لم ينتبه إليها حزب الله في مواجهته لإسرائيل تتجلى في كونه لم يستغل الفرص المتاحة له في وقت كانت فيه الأخيرة في حالة انتظار لرد قوي سواء من حزب الله أو من إيران، لكنه لم يحدث، مما جعل إسرائيل تشعر بالارتياح وتمر إلى مرحلة أعلى من التصعيد وتهاجم مقرات حزب الله بكل الوسائل غير المعتادة. ورغم حجم الاختراق وهشاشة المنظومة الأمنية للحزب، لم يتم تغيير النهج أو الابتعاد عن الضاحية الجنوبية لبيروت، لأنها أصبحت مكشوفة للعيان ومخترقة تكنولوجيا وإلكترونيا بالإضافة إلى العملاء الذين كانوا يصورون أماكن القصف قبيل استهدافها وكأنهم يعلمون توقيت الغارات الاسرائيلية. لابد هنا من التذكير بأهمية حزب الله بالنسبة للبنان وبالنسبة للمقاومة وبالنسبة للمنطقة. فبالنسبة للبنان، يرجع الفضل لحزب الله بتشكيل مقاومة مسلحة نجحت في تحرير جنوب لبنان وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي سنة 2000 وبالتالي لعب دورا مركزيا في المنطقة وارتبط ارتباطا أيديولوجيا ووظيفيا بإيران، هذا الارتباط تطور تدريجيا مع الأحداث التي عرفتها المنطقة في مطلع القرن 21 بعد الحرب على العراق سنة 2003 وما تلا ذلك من تغييرات جدرية على مستوى النظام السياسي في العراق وما ترتب عن ذلك من تمكين إيران والجماعات الشيعية الموالية لها من السيطرة التامة على مقاليد الحكم والتهميش السياسي للعنصر السني، وكل ذلك بمساعدة من أمريكا. وعندما اشتعلت حرب 2006 بين إسرائيل وحزب الله، حظي هذا الأخير بشعبية كبير تجاوزت حدود المنطقة. ومنذ ذلك الحين، أصبحت إسرائيل تحسب له ألف حساب قبل التفكير في أي اجتياح بري لجنوب لبنان. لكن ثورات الربيع العربي وخاصة الأحداث المؤلمة التي رافقت الثورة السورية أثرت بشكل كبير على شعبية الحزب الذي شارك إلى جانب النظام السوري في قمع الثورة السورية. وجاء طوفان الأقصى ليعيده إلى الواجهة ويشعل منابر النقاش حول طبيعة دوره المساند للمقاومة الفلسطينية (حماس) بغض النظر عن ارتباطه المذهبي بإيران.
تغيير موازين القوة في شرق أوسط
إن الشرق الأوسط الذي تريد إسرائيل تغييره من خلال توسيع حدودها بالقوة وإنهاء أي مقاومة لها، لن يكون مستسلما ومستكينا إذا شعوب المنطقة فطنت لما يحاك لها من مخططات. فتوسيع الحدود لن يكتف بالحدود الحالية لفلسطين، بل العين على أراضي الدول العربية المجاورة. يمكن القول أن التصعيد الحالي بين إسرائيل وإيران والذي قد يتحول إلى حرب إقليمية، اتخذ أبعادا مغايرة وأقصى أطرافا من أي تموقع استراتيجي مستقبلا في المنطقة. وكأن هناك فقط قوتين إقليميتين: إسرائيل وإيران تتنافسان على الظفر بأكبر مساحة من أراضي الدول العربية إما بالتطبيع بالنسبة للأولى أو بالانخراط ضمن المشروع الإيراني بالنسبة للثانية، وذلك في غياب أي مشروع عربي من شأنه تجنيب المنطقة تطبيق سيناريوهات تجزيء ما تبقى من المجزأ.
وإجمالا، وبحلول الذكرى الأولى لطوفان الأقصى، تحاول إسرائيل تسجيل نصر ولو على جثث الضحايا المدنيين، وذلك برفع وتيرة الغارات الجوية دون توقف والاستمرار في تدمير البنيات التحتية (مستشفيات-مدارس-مساجد-طرق...) واستهداف كل من ينبض بالحياة ويقاوم أي شكل من أشكال الاحتلال لأرضه أكان في قطاع غزة أو في الضفة الغربية أو في جنوب لبنان أو في الضاحية الجنوبية لبيروت. وحين لم يترك رجال المقاومة لها فرصة إعلان الانتصار ولو من جانب أحادي، أصبحت إسرائيل كالثور الهائج تضرب يمينا وشمالا ولا تميز بين بين المقاتلين والمدنيين وتستمد قوتها من أحدث الأسلحة الفتاكة الممنوحة لها من حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية. زد على ذلك، أن إسرائيل قضت بشكل نهائي على أحلام السلام بين شعوب المنطقة، لأن الأجيال القادمة لن تنسى همجية وحرب الابادة الممنهجة ووحشية الحرب التي قام ويقوم بها جيشها المسنود أمريكيا في غزة وفي لبنان. وكيفما كان الحال، يبقى حسم المعركة أو المعارك خارجا عن إرادتها لأن المقاومة صامدة ولن تكف بعد كل هذا الدمار والإبادة وستقف عائقا في وجه أي مشروع يقصي من دائرته الفلسطينيين أصحاب الأرض والقضية العادلة التي أصبحت قضية الإنسانية جمعاء وصوت العالم الحر.
تدخل حرب الإبادة الممنهجة التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في غزة عامها الثاني بحلول السابع من أكتوبر. هذا اليوم الذي سيظل يحتفى به ليس فقط محليا أو عربيا وإنما على المستوى العالمي لأسباب متعددة ومن بينها أن القوة الإقليمية الإسرائيلية بأبعادها العسكرية والتكنولوجية والاستخباراتية قد كسرها في يوم واحد رجال المقاومة الفلسطينية في غزة. فحين استفاقت اسرائيل في اليوم التالي (8 أكتوبر 2023) من وقع المفاجأة والصدمة من الهجوم الاستباقي «طوفان الأقصى» الذي قامت به حركة حماس وأدى إلى اقتحام مستوطنات غلاف غزة وأسر عدد كبير من الجنود والمستوطنين واقتيادهم إلى قطاع غزة، أعلنت أنها ستشن حربا على حماس من أجل تحرير الرهائن. ولكنها إلى الآن، لم تتمكن -بعد مرور عام- من تحقيق هذا الهدف وإن كان أن استرجاع البعض منهم قد تم -بفضل وساطة قطر ومصر والولايات المتحدة- عن طريق صفقة تبادل مع حماس. وهي الصفقة الوحيدة التي نجحت ولم تليها أخرى بالرغم من توالي المفاوضات المتعددة بشأن صفقات جديدة. ويرجع السبب إلى تعنت الطرف الإسرائيلي الذي أفشل كل مساعي الوساطة، مما انعكس سلبا على مسار الحرب وعلى محاولات الوصول إلى أماكن الرهائن أحياء (باستثناء حالة أو حالتين) دون جدوى.
عام من حرب الإبادة
لا شيء يردع إسرائيل عما ترتكبه من جرائم إبادة ومن انتهاكات جسيمة لكل الأعراف والمبادئ والقوانين الإنسانية. كل ما تم وضعه من ترسانات قانونية دولية ومأسسة متعددة الأبعاد والتوجهات في مجال حفظ السلم والأمن لا يعني في شيء إسرائيل التي وضعت نفسها فوق كل مساءلة أو محاسبة عما تفعله ضد الإنسانية وليس فقط ضد الفلسطيني أو اللبناني. فمنذ تأسيسها بفضل قرار أممي (قرار تقسيم فلسطين رقم (181) الصادر عن الجمعية العامة بتاريخ 29 نوفمبر 1947)، تمكنت إسرائيل من وضع يدها بالقوة على كل أجزاء تراب فلسطين التاريخية. كما أنها لم تحترم يوما إرادة المجتمع الدولي ولم تطبق ولو جزءا بسيطا من القرارات الأممية التي صدرت لصالح الحق الفلسطيني (وأبرزها قرار رقم 242 (1967) الذي يتضمن دعوة مجلس الأمن إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي التي احتلتها خلال حرب 1967، قرار مجلس الأمن رقم 338 (1973) حول وقف إطلاق النار بعد حرب أكتوبر، قرار مجلس الأمن رقم 452 (1979) حول عدم شرعية المستوطنات في الأراضي المحتلة، قرار مجلس الأمن رقم 465 (1980)حول مطالبة إسرائيل بتفكيك المستوطنات القائمة والتوقف عن إقامة المستوطنات في الأراضي المحتلة، بما فيها القدس...).
إذن ليس غريبا عن كيان يدعي أنه دولة ولكنه يتصرف بمنطق إرهاب العصابات (الهجانا والأرغون) التي أبادت وحرقت واقتلعت سكان فلسطين من أراضيهم ووضعت مكانهم شتات العالم من جنسيات مختلفة وزرعت فيهم إيديولوجيا متطرفة تعتمد أساسا على العنف والقتل والعنصرية والتعالي على الآخر الذي يراه الإسرائيلي أقل منه، ويتعامل معه بغرور وغطرسة وكأنه يمتلك حق سلب الحياة وتقرير مصير الآخرين. كما لا يهمه إن كان يستهدف -بأي سلاح حتى المحظور منه كالفسفور الأبيض- المدنيين لاسيما الأطفال والنساء. الأهم هو تحقيق النصر واستعراض قوته المسنودة جهرا ودون تردد من طرف الولايات المتحدة التي تقدم نفسها كوسيط إلى جانب مصر وقطر. لكنها بعيدة كل البعد عن قواعد الوساطة التي تفرض التوازن في التعامل والحياد مع أطراف النزاع، وذلك حسب ما تنص عليه الأعراف والقوانين الدولية. فالوسيط يجب ألا ينحاز إلى طرف دون الآخر ولا أن يكون مشاركا في النزاع ولو بشكل غير مباشر. كل شيء يشير إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية هي طرف شريك في الحرب الدائرة في غزة، وذلك من خلال تزويد الجيش الإسرائيلي بالسلاح وبالاستخبارات، فكيف يمكنها أن تكون محايدة؟ وهي تتكلم لغة واحدة ولا تحيد عنها بأن إسرائيل لها الحق في الدفاع عن نفسها، ولا تنظر إلى الأرقام المروعة على أرض غزة التي تجاوزت 42 ألف من الضحايا أكثرهم أطفال ونساء وقاربت 100 ألف من المصابين، إلى جانب الدمار المهول الذي أصاب قطاع غزة إلى درجة مسح أحياء بكاملها وتدمير البنيات التحتية وإخراج المستشفيات عن الخدمة وانتشار المجاعة.
انتهاكات دون محاسبة
لا أحد يستطيع إيقاف إسرائيل عما تقوم به ضد لبنان وفلسطين المحتلة (غزة والضفة الغربية) من أعمال عدائية وترقى إلى درجة أعلى من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة والتطهير العرقي لاسيما في قطاع غزة الذي بات وضعه عصيا على المجتمع الدولي لإيجاد حل يضع حدا للمجازر الجماعية المرتكبة من طرف الجيش الإسرائيلي في حق المدنيين العزل. وبالرغم من توجيه المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لائحة اتهام إلى اثنين من قادة إسرائيل (نتنياهو-غالانت) عن الأفعال الإجرامية المرتكبة في غزة، فقد حمل في نفس الوقت المسؤولية الجنائية إلى ثلاثة من قادة حركة حماس (هنية-السنوار-الضيف) عما تم ارتكابه يوم السابع من أكتوبر 2023 في مستوطنات غلاف غزة. والمثير في بيان المدعي العام ما جاء فيه من مساواة فيما ارتكب من الجانبين من أفعال على أساس أن الجلاد والضحية يخضعان لنفس المنطق في حين أن حقائق الواقع تبين مشروعية مقاومة الاحتلال كيفما كان. ومع ذلك، لم يتم إصدار مذكرة اعتقال في حق المطلوبين للعدالة الجنائية الدولية (من الجانب الاسرائيلي) نظرا للضغط الأمريكي لمنع ذلك. ويبقى أن قرارات محكمة العدل الدولية المختصة بالنظر في النزاعات بين الدول، بشأن الحرب على غزة كانت قوية ولكن تطبيقها أو إرغام إسرائيل على احترامها يظل بعيدا في غياب إجماع دولي خارج الهيمنة الأمريكية على القرار الدولي.
كذلك، لا بد من التذكير بالمنظومة الدولية في مجال القانون الدولي الإنساني الذي يلزم جميع الدول باحترام قواعده حين تكون هناك ضرورة الدخول في حرب مع طرف آخر. وهو قانون أكد على الجانب الإنساني الذي يجب أن يراعى أثناء العمليات العسكرية وخصوصا ضرورة اختيار الأسلحة التي تتناسب مع الهدف المراد تحقيقه ومن أجله قامت الحرب. كذلك يجب عدم انتهاك قواعد القانون الدولي الإنساني الذي هو في الأصل مزيج بين قانون جنيف (الاتفاقيات الأربع لسنة 1949) وقانون لاهاي (قانون الحرب) الذي دعا منذ بداياته إلى أنسنة الحرب. وقد تم دمج أهم قواعد هاذين القانونين وما لم يذكر فيهما في البروتوكولين المضافين الموقع عليهما سنة 1977، ومنذ ذلك الحين بدأ تداول اسم القانون الدولي الإنساني كقانون يسعى في مجمله إلى حماية الأشخاص والمنشآت المدنية من أضرار النـزاعات المسلحة أكانت ذات طابع دولي أو غير دولي، وكذا حماية المنشآت المدنية من العمليات العسكرية. كما يلزم الدول المتحاربة على حماية المدنيين خاصة في المناطق التي تخضع للاحتلال من أضرار الحرب وتسهيل ولوج المساعدات لمن لا يستطيع الخروج من مناطق النزاع بدل إيهامه بإمكانية الوصول إلى أماكن آمنة وقبل الوصول إليه يتم استهدافهم كما يفعل الجيش الإسرائيلي حاليا في غزة.
اتساع رقعة الحرب
اندلعت حرب العدوان الإسرائيلي مند سنة كاملة في غزة واتسعت الآن إلى لبنان بعد جملة من الاغتيالات التي استهدفت قيادات حزب الله. لكن منذ انطلاق العدوان السافر الإسرائيلي في الثامن من أكتوبر 2023 على غزة، بدأ القصف وإطلاق الصواريخ من جنوب لبنان. وقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتزويد إسرائيل بالسلاح والاستخبارات وتبرير كل عدوان وكل إجرام وكل إبادة وكل انتهاك للمبادئ الإنسانية المتعارف عليها بجمله واحدة وهي «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، متناسية أو متجاهلة حقوق الضحايا الحقيقيين.
ما يحدث في لبنان يمكن تفسيره على مستويين، الأول يرتبط بالحرب المتواصلة على غزة ولاسيما ما تقوم به إسرائيل من فضائع لم تحدث من قبل وتريد تحويل أنظار العالم إلى لبنان حتى تستطيع إنهاء مهامها العدوانية والإجرامية دون شاهد عليها. فإبعاد غزة عن دائرة الأحداث، من شأنه أن يقلل من الضغط الدولي المطالب بإيقاف النار واستئناف المفاوضات ويوجه الرأي العام الإسرائيلي إلى جبهة الشمال ضد حزب الله. أما المستوى الثاني، فيتمثل في فرصة إسرائيل في التمادي في نهج الاستيطان وضم كل أراضي الضفة الغربية المحتلة والتوسع حتى على حساب الدول المجاورة لها، مادامت المنظومة الدولية عاجزة عن التصدي لها ومنعها من الاستمرار في الإبادة الجماعية والتجويع والتهجير الممنهج.
عجز المنظومة الدولية
يكاد النظام العالمي يخرج عن مساره المعتاد منذ نهاية الحرب الباردة والدخول في مرحلة الفوضى واختلال في التوازنات الدولية وكذا متاهات فرض قانون القوة على الأطراف الضعيفة بالرغم من وجود ترسانة من القوانين الدولية التي تم التوافق عليها تدريجيا وفي مراحل ساد فيها العنف وعدم الاستقرار وذلك لتفادي حالات العنف المتكررة ووضع حد للحروب ودفع كل الدول إلى اعتماد خيارات سلمية لحل خلافاتهم أو الاحتكام إلى المنظومة الدولية لكي تكون محايدة وعادلة في اتخاد القرارات الخاصة بالسلم والأمن في العالم. ولكن تم تقييد عمل منظمة الأمم المتحدة -خاصة مجلس الأمن- بحيث لا تستطيع إصدار أي قرار في مجال حفظ السلم والأمن في العالم إلا بموافقة أمريكا. زد على ذلك أن القرن العشرين شهد صعود نجم أمريكا كقوة لا مثيل لها ولا سيما حين أزاحت الاتحاد السوفياتي من خارطة الزعامة العالمية وانفردت وحدها بقيادة العالم ولجأت في ذلك إلى كل الطرق يما فيها غير المشروعة لتغيير موازين القوة في كل مناطق العالم التي تراها عائقا أمام مصالحها الاستراتيجية. إنه القرن الأمريكي بامتياز، وخصوصا في آواخره، حيث هيمنت أمريكا على معظم مناطق العالم التي تكتسي أهمية استراتيجية ومن بينها المنطقة العربية ولا سيما منطقة الخليج حيث أقامت فيها قواعد عسكرية مكنتها من التأثير على الأنظمة المحلية وكذا توجيه سياساتها فيما يصب في المصالح الأمريكية، وذلك مقابل تقديم الحماية لهم لإبعاد أي توسع إيراني يطال أراضيهم ويهدد استقرارهم، وبالتالي تم رهن المنطقة للأمريكي الذي وجدها فرصة سانحة للتسويق لرؤيته المزدوجة للسلام والتطبيع مع إسرائيل.
وبناء على ما تقدم، يبدو أن عجز الأمم المتحدة في اتخاذ أي قرار لإنهاء الحرب في غزة قد ازداد بشكل غير مسبوق. ذلك أن مجلس الأمن الذي له صلاحية اتخاذ هكذا قرار ملزم يجبر إسرائيل على التراجع ولو نسبيا مما تقوم به من إبادة واستهداف مباشر للمدنيين والعاملين ضمن قطاع الصحة والإعلام وحتى عمال الإغاثة الإنساني وطواقم ومقرات الأونروا، لا يستطيع التعامل مع إسرائيل كما يقوم به مع أي دولة تتمادى في عدم تطبيق القواعد الدولية أو اللجوء إلى التهديد بتفعيل الفصل السابع إذا لم تنه عدوانها على قطاع غزة. وبالتالي، فمجلس الأمن يجد نفسه رهينة بيد القوة العظمى أمريكا التي تغطي على جرائم الكيان الإسرائيلي وتمهله الوقت الكافي حتى ينهي مهامه في غزة وفي نفس الوقت تحمل الضحية المعتدى عليها مسؤولية استمرار الحرب في غزة.
أطراف الإسناد الخارجية لغزة
حين تقوم أطراف خارجية كحزب الله والحوثيين في اليمن بمساندة المقاومة في غزة، فإسرائيل تعتبرهم كأعداء لها، وبالتالي يحق لها استهدافهم بكل الأسلحة المتاحة لها وإن كانت تكنولوجية، أي بتلغيم واختراق أجهزة الاتصال والاستخبارات الدقيقة وتوظيف العمالة المحلية... هكذا نجحت إسرائيل في توجيه ضربات قوية ومتتالية إلى حزب الله، نتج عنها اغتيال جملة من قيادته (بما فيهم الأمين العام للحزب حسن نصر الله)، الشيء الذي أربك حسابات المقاومة اللبنانية ولم تتخذ احتياطاتها فور بداية الاغتيالات الأولى. إذن هناك أخطاء استراتيجية قاتلة لم ينتبه إليها حزب الله في مواجهته لإسرائيل تتجلى في كونه لم يستغل الفرص المتاحة له في وقت كانت فيه الأخيرة في حالة انتظار لرد قوي سواء من حزب الله أو من إيران، لكنه لم يحدث، مما جعل إسرائيل تشعر بالارتياح وتمر إلى مرحلة أعلى من التصعيد وتهاجم مقرات حزب الله بكل الوسائل غير المعتادة. ورغم حجم الاختراق وهشاشة المنظومة الأمنية للحزب، لم يتم تغيير النهج أو الابتعاد عن الضاحية الجنوبية لبيروت، لأنها أصبحت مكشوفة للعيان ومخترقة تكنولوجيا وإلكترونيا بالإضافة إلى العملاء الذين كانوا يصورون أماكن القصف قبيل استهدافها وكأنهم يعلمون توقيت الغارات الاسرائيلية. لابد هنا من التذكير بأهمية حزب الله بالنسبة للبنان وبالنسبة للمقاومة وبالنسبة للمنطقة. فبالنسبة للبنان، يرجع الفضل لحزب الله بتشكيل مقاومة مسلحة نجحت في تحرير جنوب لبنان وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي سنة 2000 وبالتالي لعب دورا مركزيا في المنطقة وارتبط ارتباطا أيديولوجيا ووظيفيا بإيران، هذا الارتباط تطور تدريجيا مع الأحداث التي عرفتها المنطقة في مطلع القرن 21 بعد الحرب على العراق سنة 2003 وما تلا ذلك من تغييرات جدرية على مستوى النظام السياسي في العراق وما ترتب عن ذلك من تمكين إيران والجماعات الشيعية الموالية لها من السيطرة التامة على مقاليد الحكم والتهميش السياسي للعنصر السني، وكل ذلك بمساعدة من أمريكا. وعندما اشتعلت حرب 2006 بين إسرائيل وحزب الله، حظي هذا الأخير بشعبية كبير تجاوزت حدود المنطقة. ومنذ ذلك الحين، أصبحت إسرائيل تحسب له ألف حساب قبل التفكير في أي اجتياح بري لجنوب لبنان. لكن ثورات الربيع العربي وخاصة الأحداث المؤلمة التي رافقت الثورة السورية أثرت بشكل كبير على شعبية الحزب الذي شارك إلى جانب النظام السوري في قمع الثورة السورية. وجاء طوفان الأقصى ليعيده إلى الواجهة ويشعل منابر النقاش حول طبيعة دوره المساند للمقاومة الفلسطينية (حماس) بغض النظر عن ارتباطه المذهبي بإيران.
تغيير موازين القوة في شرق أوسط
إن الشرق الأوسط الذي تريد إسرائيل تغييره من خلال توسيع حدودها بالقوة وإنهاء أي مقاومة لها، لن يكون مستسلما ومستكينا إذا شعوب المنطقة فطنت لما يحاك لها من مخططات. فتوسيع الحدود لن يكتف بالحدود الحالية لفلسطين، بل العين على أراضي الدول العربية المجاورة. يمكن القول أن التصعيد الحالي بين إسرائيل وإيران والذي قد يتحول إلى حرب إقليمية، اتخذ أبعادا مغايرة وأقصى أطرافا من أي تموقع استراتيجي مستقبلا في المنطقة. وكأن هناك فقط قوتين إقليميتين: إسرائيل وإيران تتنافسان على الظفر بأكبر مساحة من أراضي الدول العربية إما بالتطبيع بالنسبة للأولى أو بالانخراط ضمن المشروع الإيراني بالنسبة للثانية، وذلك في غياب أي مشروع عربي من شأنه تجنيب المنطقة تطبيق سيناريوهات تجزيء ما تبقى من المجزأ.
وإجمالا، وبحلول الذكرى الأولى لطوفان الأقصى، تحاول إسرائيل تسجيل نصر ولو على جثث الضحايا المدنيين، وذلك برفع وتيرة الغارات الجوية دون توقف والاستمرار في تدمير البنيات التحتية (مستشفيات-مدارس-مساجد-طرق...) واستهداف كل من ينبض بالحياة ويقاوم أي شكل من أشكال الاحتلال لأرضه أكان في قطاع غزة أو في الضفة الغربية أو في جنوب لبنان أو في الضاحية الجنوبية لبيروت. وحين لم يترك رجال المقاومة لها فرصة إعلان الانتصار ولو من جانب أحادي، أصبحت إسرائيل كالثور الهائج تضرب يمينا وشمالا ولا تميز بين بين المقاتلين والمدنيين وتستمد قوتها من أحدث الأسلحة الفتاكة الممنوحة لها من حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية. زد على ذلك، أن إسرائيل قضت بشكل نهائي على أحلام السلام بين شعوب المنطقة، لأن الأجيال القادمة لن تنسى همجية وحرب الإبادة الممنهجة ووحشية الحرب التي قام ويقوم بها جيشها المسنود أمريكيا في غزة وفي لبنان. وكيفما كان الحال، يبقى حسم المعركة أو المعارك خارجا عن إرادتها لأن المقاومة صامدة ولن تكف بعد كل هذا الدمار والإبادة وستقف عائقا في وجه أي مشروع يقصي من دائرته الفلسطينيين أصحاب الأرض والقضية العادلة التي أصبحت قضية الإنسانية جمعاء وصوت العالم الحر.