الأحد 24 نوفمبر 2024
مجتمع

من أين يتسرب الحب بين المرأة والرجل بالمغرب؟

من أين يتسرب الحب بين المرأة والرجل بالمغرب؟

أغلب العلاقات العاطفية بين الجنسين في المغرب، تبدأ هكذا : نظرة جوعى، فكلام متوهج، ثم لقاء، من خلاله تتحدد العلاقة: هل هي "نزوة عابرة" أم ارتباط عاطفي ينتهي نهايته الطبيعية. عندما تقابل فتاة ليست كالأخريات يبدأ عندك بالتدريج اللذيذ ذلك الشعور المخدر الذي توافقنا على تسميته بالحب مبتدأ،و بالغرام خبراً. من منطلق هذا التصور الشائع، يراد لنا أن نقتنع بأن الحب يأتي من الاختلاف، و لا ينبني على التماثل، على أساس أن النصف الأول (الذكر) لا يكتمل إلا من خلال العثور على نصفه الثاني (الأنثى)، والمغايرة هنا هي مكمن الاكتمال. و لكن النظر إلى الحب ليس قسماً مشتركاً بين المحبين، كما تقرر ذلك المسلسلات المكسيكية و التركية التي تحظى بأعلى نسبة مشاهدة في المغرب، فإذا كان الحب «تيرموميتر» الحياة بالنسبة للمرأة، فإنه عند الرجل ليس أكثر من «وهم عابر» سرعان ما يذوب جليده بعوامل « التعرية العاطفية»، عند الأولى، لتشرق شمسه، بإغراء التجديد، بين أحضان الثانية. من هنا ندرك أن المرأة لا تحب إلا مرة واحدة، و لا تسخو بمشاعرها سوى لرجل واحد، في حين يحب الرجل عواطفه لكثيرات، و يملك القدرة على انتاج صنوف متعددة من الحب، الذي لا يعني له أكثر من «حدث استثنائي» قابل للتكرار و التوالد مع كل تجربة. بين الإعجاب والحب، هناك خيط رقيق قد لا يلمس بالإحساس المجرد عدم التفريق بين العاطفتين (الإعجاب الغريزي، والحب الوجداني)، يؤدي إلى اغتيال قلوب كثيرة بين الجنسين، كما يساهم في إنضاج مشاعر وهمية مصدرها الشهوة لا الإحساس المشبوب. "يتسرب الحب إلى دواخل الرجل عبر العينين، ويتسرب إلى قلب المرأة عبر الأذنين". يكاد ينطبق هذا المثل البولوني على المغاربة، لاسيما في عصر الانفتاح المتحرر من جميع القيود الذي نعيشه ونتفاعل معه بوتيرة متسارعة. الشاب المغربي يعشق بالرؤية المجردة، ويبدأ انخراطه في الحب عندما تمتلئ عيناه بمكامن الجاذبية في الأنثى. هذا يعني أن الانشداد إلى المرأة -عند التعارف الأولي- لا يكون مصدره الإحساس بكيانها الإنساني، وإنما الإعجاب بتفاصيلها المظهرية التي ينبني عليها إغراؤها الأنثوي. والشابة المغربية، في المقابل، تختصر الرجل في كلامه، واستشعارها لعاطفة خاصة نحوه لا يبدأ من قلبها، وإنما ينطلق من أذنيها. إن "الكلام المعسول" يصبح، في هذه الحالة، أسهل طريق إلى كسب أعماق المرأة. ولأن معظم  الفتيات المغربيات لا يتعلمن دروس الحياة، فهن يخضن نفس التجربة ويكررنها، حيث تنساق الفتاة، حتى المجربة، وراء العبارات الغرامية الرقيقة، وتذوب مثل شمعة على النور الوهمي الصادر من فم الرجل. إن أغلب العلاقات العاطفية بين الجنسين في المغرب، تبدأ هكذا: نظرة جوعى، فكلام متوهج، فموعد سريع، ثم لقاء أول من خلاله يتحدد أساس هذه العلاقة: هل هي:"نزوة عابرة" تموت فور تحققها، أم ارتباط عاطفي متبادل قد يؤول إلى نهايته الجميلة الزواج و تكوين أسرة؟

هناك اختلاف بين الفتيات المغربيات في تقييد مجال العلاقة العاطفية وضبطها، أو تحرير هذه العلاقة من أية ممنوعات تميلها الأعراف والتقاليد التي بدأت تتآكل بفعل هبوب رياح الحداثة والعولمة. ومثلما نعثر على فتيات متحررات، لا يخضعن علاقاتهن مع الجنس الآخر لأي محظور ويرغبن في ممارسة الحب بوجهيه "الشفوي والكتابي "، نقابل فتيات أخريات يربطن علاقات عاطفية جياشة مع الشبان دون أن يتجاوزن السقف الذي يسيٍّجه المجتمع بآلاف من اللاءات الغليظة. في المحصلة، وعند قراءة الحب في بلادنا، نكشف أن قولة بلزاك "الحب امرأة ورجل وحرمان"، هي أقل حضوراً في مجتمعنا المنفتح، بينما القول المثير الذي أطلقه بيرون "إذا أحب الرجل امرأة سقاها من كأس حنانه، وإذا أحبت امرأة رجلاً أظمأته دائما إلى شفتيها"، هو الأكثر حضوراً. غالباً ما تعلم الأم خبر وقوع ابنتها في الحب، بينما الأب هو آخر من يعلم، لأنه في الحب تتواطؤ النساء، وعند نتيجته الطبيعية (الارتباط الشرعي)، يلتقي الرجال لتتويج مسار نما وترعرع خارج دائرة وصايتهم. عندما تعترف الفتاة لأمها بعشقها لشاب، يتحدد رد فعلها انطلاقا من معرفة إن كان هذا الحب سينتهي بطرق المنزل من بابه، وحين يطلع الشاب أباه عن وقوعه في الحب، يسأل هذا الأخير عن أسرة الفتاة ونسبها وحالتها الاجتماعية. هكذا نعرف أن الأمهات المغربيات لا يعترفن بحب خارج القفص الذي كان ذهبياً وندرك أن الآباء المغاربة، يهمهم بالدرجة الأولى نوعية المصاهرة، والأبعاد المختلفة التي تخلقها في الواقع المأمول للأسرتين. وفي عصر يبدو المجتمع المغربي، بكل طبقاته ومظاهر التفاوت فيه، غارقاً في ثقافة مادية استهلاكية، لا يعتبر الحب الحقيقي على أرضية صلبة يقف عليها، مما يضطره إلى تبني شكل هذه العاطفة الإنسانية النبيلة ونبذ جوهرها. الفتاة المغربية الآن -مع استثناء قليلة- لا تؤمن بالحب إلا إذا كان مسنوداً بأرصدة مالية، وهي بهذا لا تأتي بجديد، ذلك أنها منذ وعيها بالحياة تشربت ذلك المثل المغربي المتخلف الذي يقول "الرجل عيبه هو جيبه". لذلك يمرَّ عندنا "عيد الحب" (14 فبراير)، دون أي التفات، باستثناء تبادل الزهورهنا، وتقديم هدايا هناك، أما مشاعر الحب فلاتزال مغلقة بمصالح ورغائب ونزوات تخرج العشق من النافذة ليدخل نقيضه من الباب.