الأربعاء 9 أكتوبر 2024
كتاب الرأي

عبد الرحمان العمراني: في الحاجة الى توسيع النقاش فيما جرى في محيط الفنيدق قبل أيام

عبد الرحمان العمراني: في الحاجة الى توسيع النقاش فيما جرى في محيط الفنيدق قبل أيام عبد الرحمان العمراني
ماجرى في الفنيدق من محاولة هجرة جماعية لشباب مغربي وعدد من الأفارقة، يطرح عند التدقيق فيما هو عام، قبل الانصراف الى التفاصيل، جملة من الخلاصات، وهي خلاصات تسائل في المقام الاول الطبقة السياسية بكل مكوناتها وتزعزع العديد من اليقينيات الرخوة  التي مارست هيمنة على عقول المخططين والمدبرين لقضايا الاقتصاد في بلادنا.
 
وهذه الخلاصات لا يلغيها  القول أو التاكيد بوجود توظيفات أو استغلال للحدث من أطراف لها أجنداتها وحساباتها الظاهرة أو المستترة.
 
الخلاصة الأولى أن النمو الكمي الذي عرفته البلاد خلال العقود الماضية مقاسا بحجم التجهيزات والمركبات الصناعية والاستثمارات العامة والخاصة، لا يمكنه أن يشكل ضمانة حاسمة لزرع الثقة في المستقبل، خاصة على مستوى الأجيال الجديدة، اذا لم تترافق تلك المجهودات بتوزيع عادل،جغرافيا -مجاليا واجتماعيا لثمرات ذلك النمو. والحال أن الفوارق الاجتماعية تتزايد وتتعمق، ويرى ذلك بالعين المجردة خلال استهلاكات الصيف الباذخة لفآت الميسورين وأغنياء النمو الكمي.
 
الخلاصة الثانية، وهي شديدة الارتباط بالأولى، لها مفهوم في علوم الاقتصاد يسمى ال trickle down، وبمقتضاه فإن التطور حينما يمس الشرائح العليا في المجتمع، فإن مفعولاته تنزل بآثارها الايجابية على كافة طبقات المجتمع.
 
لم يحدث ولا تبرز المؤشرات أن هذا الميكانيزم  سيحدث آثاره  في المستقبل البعيد اللامرئي، ناهيك عن المستقبل أو الامد المنظور. علما أن انتظارات الأمد البعيد لا يصنع ادأملا محفزا. فمن المأثور عن الاقتصادي الشهير ماينار كينز keynes قولته الشهيرة،"في الامد البعيد سنكون كلنا في عداد المتوفين."
 
ما تبرزه الوقائع أن دينامية  trickle down، عندنا ليست ذات منحى ينزل من الأعلى نحو الأسفل، ولكنه دائري أو أفقي التوجه، يحصر مفعولاته في نفس المجالات والدوائر الاجتماعية. إذ يبدو محتجزا بالكامل في الشرائح العليا لا يسلك سبيلا لغيرها.
 
الخلاصة الثالثة، ذات بعد إنساني- سياسي- مجتمعي: ويتعلق الأمر هنا بحاجة أي مجتمع لإنتاج الحلم، الحلم بغد أفضل، الحلم بحركية اجتماعية تطورية واعدة. وفي كلمة الحلم  بنقلة نوعية نحو الأحسن في مسار ونمط الحياة تدفع الى الأمل وتصنعه.
 
وفي هذا السياق فإن شباب اليوم يعاني من انحسارات وانكسارات مزدوجة: أولا قياسا الى ما توفر للاجيال السابقة وللأحلام الكبرى التي أطرت ايقاع الحياة العامة على امتداد عقود ما بعد الاستقلال، وثانيها الانكسارات التي تحدثها الثورة المعلوماتية العولمية وما يرافقها  من تأجيج الشعور بالغبن والحرمان عند إجراء المقارنات.

وهو عامل ذاتي لا يمكن اغفال آثاره على النفوس في عالم انفتحت فيه الابواب الالكترونية والديجاتيلية على مصراعيها وعلى أوسع نطاق.
 
تلك بعض الخلاصات الأولية  ذات الطابع البنيوي فيما أحسب، بعيدا عن المسح الوقائعي والظرفي المباشر. وبعيدا عن الاكتفاء بهذا المسح لتفسير ما حدث.
هي في نهاية المطاف دعوة الى توسيع النقاش والبحث عميقا في جذور المشكلة.