الخميس 19 سبتمبر 2024
فن وثقافة

بعد مرور 25 سنة على محاضرته باليوسفية.. الفقيد المختار بنعبدلاوي وإشكالية "مفهوم المجتمع المدني" الحلقة (2)

بعد مرور 25 سنة على محاضرته باليوسفية.. الفقيد المختار بنعبدلاوي وإشكالية "مفهوم المجتمع المدني" الحلقة (2) الفقيد المختار بنعبدلاوي

في مرحلة التأسيس حين كان الأستاذ عبد الكبير حدان مندوبا لفرع الشعلة باليوسفية، كان للراحل الأستاذ الجامعي الدكتور المختار العبدلاوي لقاء فكريا تحت سقف فرع جمعية الشعلة للتربية والثقافة بمدينة اليوسفية، حيث ألقى محاضرة موسومة بـ "مفهوم المواطنة وإشكالية المجتمع المدني" بدار الشباب الأمل / اليوسفية بتاريخ 25 دجنبر 1999. وبعد مرور 25 سنة على هذا الحدث الفكري المتميز، وتكريما ووفاء لروحه وعطاءاته الفكرية تتقاسم جريدة "أنفاس بريس" نص المحاضرة التي تابعها جمهور غفير حينئذ من نساء ورجال التعليم، إلى جانب شباب المدينة وثلة من الإعلاميين والمبدعين والمثقفين والفنانين.

تطور مفهوم المجتمع المدني ومدخل الحداثة وإشكالية الإنسان وحقوقه وواجباته

لضبط مفهوم المجتمع المدني استعان المحاضر الأستاذ الجامعي الفقيد المختار بنعبدلاوي بالرجوع لفكر غرامشي وتحديدا عند نقطة أساسية وهي "ضرورة إقامة تمييز دقيق، ولو أن ذلك في غاية التعقيد بين ما نعنيه بالمجتمع المدني وما يقصد به المجتمع السياسي داخل الدولة الطبقية" ـ حسب نفس المتحدث ـ  فكون غرامشي عاش خلال الفترة الفاشية في عهد موسوليني بإيطاليا، أي فترة الحرب العالمية، "فقد لاحظ أن الدولة الإيطالية أو الدولة عموما، تنحو إلى التمركز، أي جعل كل وسائل القرار تجتمع في يد واحدة، فهي تكيف القوانين للسيطرة على المجتمع، وتحتكر لنفسها حق القمع والقهر بالوسائل الشرعية، تحتكر سلطة ومشروعية القهر للمجتمع كما تمتلك وسائل تحقيقه القانونية من الجهة الشرعية، ومن جهة أخرى تمتلك وسائله التنفيذية أي الشرطة والجيش".

وانطلاقا من فكر غرامشي أكد ضيف جمعية الشعلة للتربية والثقافة باليوسفية، على أن الدولة في نظر المفكر غرامشي "غول قاهر"، وهكذا تصبح فضاء لفعالية ما يسميه بـ "المجتمع السياسي"، وفي ظل هذه العلاقة بين الدولة والمجتمع ـ حسب نفس المتحدث ـ يطرح المختار بنعبدلاوي سؤال: "كيف يعمل مجتمع المواطنين من أجل حماية نفسه من قهر وسيطرة الدولة؟ ليجيب قائلا: "طبعا سيجتمع وينتظم بالصورة التي تجعله قادرا على الدفاع عن مصالحه، ينتظم عبر تكتلات منسجمة وموحدة للدفاع عن الحقوق"

في هذا السياق أوضح المحاضر بأن "هذا التكتل الذي يقوم به المواطنون هو ما يسمى بالمجتمع المدني الذي ينتظمون داخله خلال التواجد في الجمعيات والقطاعات والإطارات والنقابات، للتمنع والتحصن ضد قهر المجتمع السياسي/الدولة، وبهذا الإنتظام يتم تطوير أفكار وإيديولوجيات وجعلها تهدف إلى زعزعة سيطرة الدولة بأيديولوجيتها المهيمنة". واستطرد موضحا أنه "أمام سيطرة الدولة بالوسائل المادية يتطلع المجتمع المدني إلى الهيمنة بالوسائل المعنوية وإلى خلق الشروط التي تجعل موازين القوى تميل لصالحه، وحتى لا تظل محتكرة من طرف الدولة".

واستنادا على تصور المفكر غرامشي أوضح نفس المتدخل بتعريف بسيط أنه يمكن القول: "أنه داخل كل أمة ودولة هنالك تجاذبين أو قطبين أساسيين، هناك المجتمع السياسي الذي يتكون من الدولة وترسانتها القانونية ووسائل قهرها من الأحزاب السياسية المتناوبة على الحكم، ثم هناك المجتمع المدني المكون من النقابات والجمعيات والإطارات، وفي خضم هذا التقاطب والتجاذب تتطلع الدولة إلى السيطرة، في حين يتمنع المجتمع المدني ويتطلع ويسعى إلى فرض ذاته ويطالب بتوفير شروط طبقة أو نخبة سياسية معينة تتجاوب مع حاجياته ومتطلباته بصورة أفضل".

انطلاقا من هذه الوضعية التي كانت موجودة في أوروبا أصلا مع بداية القرن العشرين، والتي عمل غرامشي على وصفها، فقد اعتبرها المحاضر بأنها "تشكل مدخلا أساسيا من مداخل الحداثة التي أولت أهمية متزايدة للإنسان، حداثة بمواصفات أهلت مفهوم المجتمع المدني إلى طرح نفسه كإشكالية". على اعتبار ـ حسب بنعبدلاوي ـ أنه في المجتمع المدني "أصبح مركز التفكير والهدف والغاية والوسيلة في آن واحد هو الإنسان". خصوصا أن تطور الفكر الأوروبي منذ عصور النهضة والأنوار والحديث، "نجد أن السؤال الأساسي الذي هيمن والذي شكل الإشكالية الكبرى لهذا الفكر هو الإنسان وحقوقه وواجباته، فهو أحد مرتكزات ومداخل الحداثة التي عرف فيها تحيز موقع أساسي تدريجي في هذا العالم". ليخلص المحاضر بالتأكيد بقوله: "لقد أصبح السؤال الجوهري والقضية الكبرى يتمحور حول الإنسان وأنسنة هذا العالم في صيغته المادية والطبيعية وفي علاقاته المجتمعية".

يتبع