اسبانيا ليست الوحيدة في أوروبا في ما يخص ظهور الجماعات السلفية والإسلاموية المتطرفة وتبلورها، بل ربما هي القاعدة وإحدى البؤر الرئيسية للحركات الجهادية في أوروبا، التي تتحدث جميعها عن إسبانيا بنوع من الحنين والرومانسية، وبشكل خاص عن أندلس القرون الوسطى التي حكمها المسلمون في الماضي، والتي تستوجب الجهاد لاسترجاعها بأي وسيلة ممكنة.
في صيف عام 2014، نشرت "داعش" مقطع فيديو قصيراً يظهر فيه أحد مقاتليه برفقة إسباني، وهو يقول: "إننا في طريقنا للموت من أجل تحرير جميع أراضينا المحتلة، من جاكرتا إلى الأندلس"، وأضاف، "إسبانيا هي أرض آبائنا وأجدادنا، ونحن في طريقنا لتحريرها بإذن الله".
وبحسب الخبير في مجال مكافحة الإرهاب في جامعة كومبلوتينز" في مدريد ميكيل بويزا، فإن "التهديد الجهادي ارتفع منسوبه منذ عام 2016، عندما أدرجت مواقع إسلامية إلكترونية، الأندلس كهدف، وهو الاسم الذي عرفت به الأراضي الإسبانية التي حكمها المسلمون حتى عام 1492. ويبلغ عدد السكان المسلمين حوالى مليوني نسمة (4) في المئة)، من أصل 47 مليوناً، يشكلون العدد الاجمالي للسكان في إسبانيا. ويفيد تقرير صادر عن معهد أبحاث "ريال انستيتيوت إلكانو"، بأن عدد الشباب الذي غادروا البلاد للالتحاق بالجماعات الإرهابية مثل تنظيمي داعش والقاعدة في سوريا والعراق، يصل إلى 241 شخصاً". ووفق تقرير أعده المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الارهاب والاستخبارات فإن "الاجهزة الأمنية الإسبانية تواجه مصاعب جدية في تتبع. العناصر المتطرفة، لا سيما مع بروز اتجاه لتجنيد الشباب في المنازل الخاصة والأماكن الصناعية، بعيداً من المساجد التي تقع تحت الرصد الأمني المباشر".
توصل تقرير أمني نشرت مقتطفات منه صحيفة "أنا تيرادیوس" الإسبانية على موقعها الإلكتروني، إلى أن "نسبة السلفيين الجهاديين ارتفعت بشكل صارخ في مناطق معينة في إسبانيا منها كتالونيا تاراجونا، لا ريوخا أراجون، نافارا وإقليم الباسك)، ووفقاً للتقرير فإن هؤلاء السلفيين يتبعون أساليب خاصة بهم إذ يندسون ضمن المجتمعات المسلمة وينتمون للجمعيات الثقافية الإسلامية بغية السيطرة عليها وعلى المساجد المرتبطة بها، يساعدهم في تحقيق ذلك خطباء هذه المساجد الذين يرتبطون بعلاقة وثيقة بجمعيات خيرية خليجية وفي مقدمة هذه الجمعيات " جمعية إحياء التراث الإسلامي" في الكويت؛ وهي جمعية سلفية متطرفة تساعد الجمعيات والمراكز الإسلامية السلفية في العالم، كما ساعدت الحركات الجهادية في سوريا منهم جبهة النصرة؛ لهذا تم تصنيفها من قبل أمريكا على لوائح الإرهاب، فهي تضخ التمويلات المالية للجمعيات السلفية في مدينتي سبتة ومليلية واسبانيا عموما مقابل ترويجهم التعاليم السلفية وأفكار التطرف والجهاد، لهذا قد تم خلال السنوات القليلة الماضية ضرد الكثير منهم إلى بلدانهم الأصلية ومنهم المملكة المغربية ومنهم السلفي الجهادي سعيد بدوي، وعمروش عزبي، ويحيى بن عودة، وغيرهم كثير تمت محاكمتهم وحبسهم في السجون الاسبانية؛ فهؤلاء اعتبرتهم السلطات الإسبانية خطرا على الأمن العام الوطني والقومي، كان يحيى بن عودة إمام مسجد تالايويلا (كاسيريس)، وقد اتُهم بالتشدد ونشر الإسلام المتطرف. واعتبر محمد سعيد بدوي، الزعيم الإسلامي المقيم في ريوس (تاراغونا)، وأمروش عزبي، الذي كان يعيش في فيلانوفا إي لا غيلترو (برشلونة)، خطرا على الأمن القومي بسبب نشر مواد متطرفة مؤيدة للجهاد في سوريا..
هؤلاء تم منعهم من المشاركة في مؤتمر اسلامي وبسببهم تم منع المؤتمر الاسلامي بإسبانيا
وقبل يومين رفضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان دعوى قضائية رفعها إمام تم طرده من إسبانيا لكونه "يشكل خطرا على الأمن القومي". كان ذلك في عام 2001 عندما وصل الرجل إلى إسبانيا. وله زوجة وأربعة أطفال قاصرين، كلهم يحملون الجنسية المغربية . شغل منصب إمام حتى عام 2018 عندما أمر وزير الدولة للأمن التابع لوزارة الداخلية بطرده ومنعه من البقاء في الأراضي الإسبانية لمدة عشر سنوات.
وحسب وزارة الداخلية أنه قام "بأنشطة مخالفة للأمن القومي". وحدد أنه " أصبح مروجاً نشطا لتيار الإسلام السلفي "، "الإسلام الراديكالي والصارم"، فضلاً عن أنه "أجرى اتصالات مع شخصين مشتبه فيهما بالإرهاب ومعتقلين". وقد استأنف الإمام المغربي المقيم في اسبانيا قرار طرده زاعماً "الافتقار الواضح إلى الدافع" لإصدار أمر الطرد، معتبراً أنه "لم يحدد كيف عرّض الأمن القومي للخطر". كما أشار إلى وجود روابط عائلية ومهنية مع إسبانيا. إلا أن السلطات والمحاكم الإسبانية رفضت شكواه . وذكرت المحكمة الوطنية أن "تطرفه ونفوذه تجلى أيضا من خلال أفراد عائلته".
وهكذا، أشار إلى أن " زوجته كانت ترتدي النقاب في الصيف والشتاء، حتى أنها كانت ترتدي قفازات سوداء لا تكشف إلا عن عينيها"، وأنها "لم" تغادر المنزل بدونه قط ، وأنها "بالكاد تستطيع التواصل باللغة الإسبانية الصحيحة". رغم أنهم يقيمون في إسبانيا منذ سنوات".
قامت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بتحليل ما إذا كان أمر الطرد متناسباً فيما يتعلق بحق الرجل في احترام حياته العائلية، وخلصت إلى أن المحاكم الإسبانية "أجرت تقييماً مفصلاً" و"كشفت في قراراتها عن الأسباب ذات الصلة والكافية لتبرير هذا المدى".
وعلى وجه التحديد، يسلط الضوء على أن السلطات القضائية أخذت في الاعتبار كلا من الخطر الذي يمثله المدعي على الأمن القومي وعدم اندماجه في إسبانيا ، لأنه "كان يعمل في بيئة هامشية داخل مجتمع شمال إفريقيا"؛ وعدم اندماجها مع أسرتها، مشيراً إلى ظروف المرأة؛ وأنه "مع الأخذ في الاعتبار عمر الأطفال، فلن يواجهوا صعوبات في التكيف في بلدهم الأصلي المغرب".
وختاما، الظاهرة السلفية في أوروبا وإسبانيا على وجه التحديد أصبحت تقلق الرأي العام الوطني والدولي، كما تقلق الجاليات المسلمة التي ارتفعت وتيرة "الاسلاموفوبيا" ضدهم وكل هذا بسبب شرذمة من السلفيين المتطرفين الجهلة، حفدة الخوارج الذين مازالوا يعيشون في القرن الرابع الهجري ويحلمون بعودة الخلافة الإسلامية، ليقيموا شرع الله حسب فهمهم له، مع أن شرع الله بريء منهم ومن أفعالهم الإرهابية الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون .