أكد نور الدين العلوي، أستاذ جامعي تونسي وناشط سياسي، أن هناك إجماعا عاما على أن سنوات الرئيس التونسي قيس سعيد، كانت سنوات من التعاسة النفسية والمادية، وأن نتائجها الاقتصادية أشد بؤسًا. ولذلك فإن المتحمسين لانتخابات أكتوبر 2024، يقولون لقد وجب التغيير ولا يعارضهم المحبطون، لكنهم يقولون ماذا تغير حول الانقلاب لكي يسهل إسقاطه؟
وأضاف الناشط السياسي التونسي، قائلا: "هنا يدخل التحليل بالعامل الخارجي وله وجاهة كبيرة. فالانقلاب في الأصل خطة خارجية وجدت طامعًا في السلطة لبّاها وذاق حلاوتها ويعسر عليه التخلي عنها، لا يزال نظام الجزائر يتربّص بالتجربة الديمقراطية التونسية، ولا يزال النظام المصري يكيد لها، ولا تزال أنظمة خليجية تدفع المال للانقلاب ليتنفّس ويضمن الرواتب لطبقة الموظفين فلا تتحرك ضده.
وهؤلاء أحرص الناس على ألا يسقط بواسطة صندوق انتخابي انقلاب نظّموه واستثمروا فيه، وهو موقفهم نفسه من الثورة التونسية أول انطلاقتها، فهم يتذكرون التهديد الذي شكّلته على عروشهم، وقد استثمروا كثيرًا في إسقاطها فكيف يتخلون عن مكاسبهم في الانقلاب؟
يردّ المتفائلون هل علينا انتظار رضا هذه الجهات لنتحرك بواسطة الوسائل المتاحة لنا، وهي التي لن ترضى إلا بنظام قمعي يشبهها ويخدمها؟ لكن ماذا يخفي هؤلاء للصندوق الانتخابي القادم بصفته تهديدًا جدّيًا؟
وأبعد من الأنظمة العربية، لقد قدّم الرئيس الحالي خدمة غير مسبوقة للأوروبيين بقبول دور حارس الحدود ضد الهجرات غير النظامية، واليمين الايطالي يمنُّ على أوروبا مكسب حماية الحدود الذي حصله من تونس، فكيف يفرّط في حارس نبيه؟ وفرنسا سعيدة بنتائج الانقلاب الذي أزاح من حديقتها الخلفية (المضمونة لها منذ عهد بورقيبة) التهديد الإسلامي ممثَّلًا في حزب النهضة، فكيف تفرّط في نظام قبّل رأس رئيسها بمودة وخضوع؟ كل هؤلاء يخشون الصندوق الانتخابي في تونس، فما بالك لو كان الفائز يقيم خطابه على الاستقلال والسيادة؟
إن التركيز على العامل الخارجي المحيط يزعج الواقعيين في تونس، وهم لذلك يرون المشاركة بالترشيح والتصويت. يقول أكثرهم واقعية إن الثورة الشعبية صارت وراءنا، ولا يمكن انتظار هبّة الشارع المفقر، فقد ظهرت كل علامات التفقير وطالت حتى الطبقات الوسطى، لكن اتجاه الناس صار تدبير اليومي بأقل الأضرار السياسية دون الخروج إلى الشارع.
أما الحل الحمساوي فحلم رومانسي يمكن كتابته في رواية خيالية، فلا تبقى إلا المشاركة وإحراج الرئيس القائم والأجهزة التي تقف معه، بدفعها إلى الاستسلام لإرادة الصندوق أو فضح تواطؤها ضد الديمقراطية. وحتى الفشل في تغيير الرئيس يمكن البناء عليه لاحقًا لمعارضته، ببناء جبهة سياسية واسعة تجعل فترة حكمه عسيرة.
هنا يسقط الحلم ويتعرى الوهم. فالنخبة السياسية التونسية التي عرفنا وخبرنا ليست في مستوى التغيير السلمي لا بالصندوق ولا بغيره، ودليلنا أنها تقدمت للانتخابات مشتتة تشقّها رغبات زعاماتية لن نتحرج بوصفها بالمرضية (النرجسية وسوء التقدير)، وهي على أبواب فشل آخر من جنس فشلها في حماية الديمقراطية وتطويرها قبل الانقلاب.
إنها نخبة لم تقرأ التاريخ القريب في انتخابات 2019، حين أدى تشتتها إلى وصول الرئيس الحالي إلى المنصب. وهي نخبة مصرّة على العيش في مناخ استئصال سياسي يقبل كل الحلول بما فيها الدكتاتورية، بشرط عدم ظهور إسلاميين في مشهد سياسي. ونحن نراها الآن (وهذه معلومات) تتوسّل الخزان الانتخابي لحزب النهضة (أو ما تبقى منه) دون أن يقدّم أي مرشح جملة سياسية تفيد رفضه للمظالم المسلَّطة على الحزب وقيادته، إلا غمغمة لا تورِّطه في تهمة غواصة النهضة.
هذا الداء العضال (النرجسية والاستئصال) يخفض لدينا سقف التفاؤل بالتغيير عبر الصندوق الانتخابي، ونراه يضمن الفوز للرئيس القائم أو لشخص يواصل سياسته، فيرضي الخارج المتربّص ويؤبّد وضع الاستئصال في الداخل، أما النتائج الاقتصادية والاجتماعية فتحمل كالعادة لمرحلة حكم الترويكا حين كانت النهضة شريك حكم. ويمكننا دون كثير عناء كتابة الجمل التي سيقولها المرشح الفائز بعد سنة من الفشل.
وجب أن أذكّر أصدقاء متفائلين أن جزءًا من النخبة التونسية الماسكة بمفاصل الدولة تنتظر في هذه اللحظة انتخابات أمريكا، وتدعو لفوز ترامب ليواصل سياسة قمع الربيع العربي"، يقول نور الدين العلوي، الأستاذ الجامعي التونسي والناشط السياسي.