الأحد 15 سبتمبر 2024
جالية

أريري: الحق في المدينة.. بين مجانية النقل ومطاردة "السالتين" بفرنسا !

أريري: الحق في المدينة.. بين مجانية النقل ومطاردة "السالتين" بفرنسا ! الزميل عبد الرحيم أريري في كورنيش مدينة نيس promenade des anglais
حتى في فرنسا هناك تفاوت في تمثل السياسيين للحق في المدينة. ففي مدن تجد مجالس منتخبة تعتنق الجيل الرابع من حقوق الإنسان، عبر توفير النقل الحضري مجانا لكل سكانها وزوارها. إذ تتحمل المدينة فاتورة التنقل في مختلف وسائل النقل، من حافلات وترامواي (شراء الحافلات والترام، أجور المستخدمين، المحروقات، قطع الغيار... إلخ)، أو تتعاقد مع شركة خاصة لتدبير المرفق، مقابل أن تتولى المدينة تسديد الفاتورة سنويا.
 
هذا الحل الذي قد يبدو مكلفا بالنسبة للبعض، لكن في الأصل، هو اختيار ماكرو اقتصادي للمجلس المنتخب بهاته المدينة أو تلك، على اعتبار أن الخاضعين للتكليف الضريبي يسددون الضرائب الكافية لتغطية هاته التحملات من جهة، ولدفع المواطنين للتخلي عن استعمال السيارات بشكل يخفف التلوث بالمدينة( وبالتالي تقليص مصاريف العلاج من المرض والتوتر وغير ذلك) ويقلص من حدة الاختناق المروري من جهة ثانية، ويسمح بإعادة تهيئة الشوارع بما يسمح بخلق ممرات خاصة للمشاة وممرات للدراجات الهوائية سيرا على عقيدة المدن المستدامة من جهة ثالثة.
 
في فرنسا، هناك حاليا 30 مدينة تتبنى مجانية النقل الحضري في كافة شبكتها. شعارها هو : "اطلع واركب"، بدون تمييز بين كافة سكانها وزوارها. أذكر في هذا الصدد بعض النماذج التالية:
 
Montpellier
Dunkerque
Calais
Aubagne
Niort
Compiègne
Chatearoux...
 
بالمقابل هناك مجالس منتخبة بمدن أخرى، زاوجت بين مجانية النقل الحضري ( لفائدة من تجاوز 60 سنة ولذوي الاحتياجات الخاصة وللطلبة وللفئات الهشة اقتصاديا)، مع الإبقاء على الآداء للباقي من السكان ذوي القدرة المالية على الأداء.
 
وهناك فئة ثالثة من المدن الفرنسية التي حصرت مجانية النقل الحضري للطلبة فقط، في خطين أو ثلاثة خطوط، بالنسبة للحافلات المتجهة للمركب الجامعي، مع الإبقاء على أداء ثمن التذكرة لباقي السكان بأثمنة مناسبة ووفق شبكة واسعة من الحلول المتاحة ماليا (تذكرة رحلة واحدة أو شراء بطاقة التنقل لليوم الكامل، أو لأسبوع أو لشهر، إلخ...). لكن مع الميل نحو فرض غرامات باهضة جدا وعقوبات حبسية متشددة في حق "السلايتية"( أي الركاب الذين لا يقتنون ثمن التذكرة). .
 
من نماذج هاته المدن، نجد Antibes، التابعة لإقليم Alpes-Maritimes( الموجود مقر عمالتها بمدينة Nice)، التي وضعت تطبيقا يتم تحميله من طرف الطلبة للتنقل مجانا في الطوبيسات المتجهة للكليات والمدارس العليا. لكن بالمقابل قامت المدينة بفرض غرامات ثقيلة تتراوح ببن 34 أورو لمن لم يضع تذكرته في الآلة (Valider) إلى 7500 أورو لمن يضبط في حالة العود " ديال السليت في الطوبيس". بل قد تصل الغرامة إلى 15.000 أورو في حالة إهانة مراقب الحافلة.
 
أما العقوبات الحبسية فتمتد من شهرين إلى 12 شهرا حبسا، حسن نوع المخالفة (الإدلاء بهوية مزيفة، الهروب من المراقبة، إهانة مراقب النقل، إلخ...).
 
لكن أيا كان الحل المعتمد بهاته المدينة الفرنسية أوتلك، فالملاحظ أن القرار لا يتم إملاؤه من فوق ضد إرادة السكان، بل يكون محط نقاش عمومي يشارك فيه السياسيون والجامعيون والمهنيون والجمعيات المدنية في كل محطة انتحابية، حتى إذا مال مجلس منتخب نحو خيار ما، يتم تقبل الخيار من طرف أغلبية السكان، مما يساهم في التهدئة وفي السلم الاجتماعي، ويساهم في تمثل الحق في المدينة من زاوية أخرى، ألا وهو حق المواطن في المشاركة في القرارات العمومية الكبرى التي تهم مدينته.