الاثنين 25 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

محمد عزيز الوكيلي: مَن غيرَ الجارة الشرقية يفرض نفسه كموضوعٍ للسخرية والتندّر؟!

محمد عزيز الوكيلي: مَن غيرَ الجارة الشرقية يفرض نفسه كموضوعٍ للسخرية والتندّر؟! محمد عزيز الوكيلي
في الحقيقة، ومرة أخرى ككل المرات السابقة، ليس لنا الخيار مطلقاً فيما نحن عليه من سوء الحال مع جيران نربأ بأنفسنا أن نسمّيهم، كما يسمينا مسؤولوهم الحكوميون، الرسميون، "جيرانا للسوء"!!
 
فكلما التفتنا يمنة ويسرة في البحث عن موضوعات للساعة بغرض إعادة قراءتها وتحليلها واستخلاص ما يسمح به الممكن من الخلاصات... إلاّ ونُلفي ذاتَنا، المرّةَ تلو المرّة، أمام سلوك جديد من لدن تلك الجارة يبزّ في غرابته وعبثه كل السلوكات السابقة، بمعنى أننا، على الأقل، نضمن يوميا عدم سقوطنا في دائرة الروتين والملل والرتابة، وفي هذا بالذات، علينا أن نشكر جيراننا على هذه المزيّة العظيمة، التي تجعل منهم "نكتةَ زمانهم" بكل المعايير، في السياسة، والدبلوماسيا، وفي الثقافة والسياحة، وفي الاقتصاد والاجتماع... وفي كل ما له صلة بالحياة على هذا الكوكب، ولِمَ لاَ، وقد أثبتوا أنهم وحدهم يشكّلون كوكباً بذاته منقطعَ النظير!!
 
يجرني جرّاً مُبْرِحاً إلى هذا التندّر ما صدر عن تلك الجارة الشمطاء من أفعال يمكن للمرء أن يقسم بأغلظ الأَيْمان أنها لا مثيل لها في كل التاريخ البشري، وفي كل جغرافيا هذا العالم، التي تجمعنا لسوء الطالع مع هؤلاء الجيران في حيز زمكاني واحد... فلله الأمر من قبل ومن بعد، إذْ ما علينا سوى الرضوخ لهذا القدَر مهما بلغ من السخرية!!!
 
قبل بضعة أسابيع، تقدمت مجموعة من المغاربة المقيمين بالجزائر في إطار إقامةٍ قانونية لا تشوبها شائبة، من العاملين في مجالات البناء، وفي النقش بالجبص والفسيفساء، والمزاولين أيضاً في الزراعة في بلد تشكو الفلاحة فيه من كل الآفات... أقول إن هؤلاء تقدموا إلى السلطات الجزائرية بملفات ترمي إلى تجديد أو تمديد إقامتهم، وبدلا من ان يتم ذلك الإجراء الشكلي والاعتيادي في ظروف عادية ترعاها القوانين الدولية المتعلقة بالهجرة المنظَّمة والمشروعة، إذا بهم يفاجَأون ليس فقط برفض ملفاتهم، بل أيضاً بوضعهم رهن الاعتقال والاحتجاز، ولكنْ لأيّ سبب؟ اسمعوا جيدا يا حضرات: لأن أوراقهم الثبوتية، الرسمية، الصادرة عن قنصلية بلدهم المغرب، تتضمن رسما للخريطة المغربية كاملةً من شمالها إلى جنوبها الأقصى الذي تحدّه الغويرة، والمبرر الذي لم يجد الجزائريون الشجاعة ولا الجرأة على الإفصاح عنه في وثائق رافضة تحمل تعليل ذلك الرفض، لكونهم يعلمون أن العالم كله سيستلقي على قفاه ضحكاً من جراء ذلك، هو أنهم يعتبرون أي ظهور لخريطة المغرب كاملةً مساساً خطيراً وصريحاً بسيادتهم الوطنية المفترَى عليها، لأنهم لو كانت لديهم أدنى ذرة من سيادة لكدّوا واجتهدوا في استرجاع "استقلالهم الحقيقي" من فرنسا التي مازالت تربطهم بحبلها السرّي داخل رحمها، بواسطة وثيقة تقريرٍ للمصير تؤطرها "اتفاقية إيفيان"، الشبيهة بعقود الوصاية على القاصرين، وما زالت تتصرف فيهم، وفي مُقَدَّراتهم، وفي خياراتهم، كما تتصرف أيُّ أمّ حريصة على سلامة حاضر ومآل جنينها قبل الوضع
وبعده!!!
 
نعم... نحن هنا بإزاء فضيحة، و"بجلاجل"، كما يقول إخواننا في أرض الكنانة، والعجيب أن إخواننا المغاربة المحتجزين في هذه النازلة، غير المسبوقة في كل التاريخ السياسي والدبلوماسي، تَحَوَّل وضعُهم بين عشية وضحاها إلى ما يشبه وضع مواطنينا المحتجزين في مخيمات العار والمهانة بتيندوف المسروقة؛ فلا هم مجرمون ينتظرون أحكاما جنائية، ولا هم موقوفون في انتظار حل مشكلتهم بالطرق الدبلوماسية والقانونية والإدارية التي تتعامل بها كل دول المعمورة، ولا هم لاجئون من حقهم أن يتمتعوا بكل صفات اللجوء السياسي، أو الإنساني، وفي مقدمتها: الحرية في اختيار العودة إلى وطنهم معززين مكرّمين... وإنما هم معلَّقون بين مختلِف المَنْزِلات، بسبب قرار أصدره رئيس الدولة أو رئيس أركانها وهو في حالة سكر طافح وعربدة شديدة لم يفق منها لحد كتابة هذه السطور، وإخواننا ما زالوا معلقين هناك إلى أن يستفيق أو لا يستفيق!!!
 
لا أخفيكم أنني بحثت وأعدتُ البحث في كل ما تعج به شبكات النت من نصوص تحتكم إليها العلاقات بين الدول من جهة، ثم بينها ومواطني الدول الأخرى من جهة ثانية، لعلني أجد تخريجةً أو تكييفاً قانونياً أنطلق منه إلى اقتراح حلٍّ من الحلول، أو إجراءٍ من الإجراءات، التي يمكن لدبلوماسيتنا أن تلجأ إليها لفك ذلك الاحتجاز الغريب عن إخواننا الذين لا ريب أنهم يعيشون الآن أسوأ أيامهم وأقبح تجاربهم فلم أجد شيئا... ولم أتوصل إلى أي وصف آخر لِما يحدث غير كونه قرصنة ولصوصية اعتاد عليها حفدة "الإخوة بارباروس"، الذين بلغت شهرتهم في زمانهم كل الآفاق، في الخبث والنذالة والمروق وانعدام أي حس إنساني يمكن أن يجد لهم صلة بالإنسان كما نعرفه وكما نَتمثَّلُه، وهؤلاء الأحفاد أقبح خَلَف في ذلك لأقبح سَلَف!!!
 
ويبقى السؤال حارقاً وفي قمة الحرَج: ما العمل الآن أمام أناس لا يفهمون قيد شعرة في السياسة، وفي الأعراف الدبلوماسية، وفي مختلف مقتضيات القوانين الدولية المؤسِّسة والمنظِّمة لمبادئ التعامل بين الدول؟.. لكن، هل نحن هنا فعلاً بصدد الحديث عن "دولة"، بالمفهوم الاصطلاحي العالمي لهذه التسمية؟... ذاك أيضاً سؤال لا يقل أهمية وأولوية!!!
 
ويبقى السؤال أيضاً: "إلى أي حد يمكن أن يصل هذا العُهْر السياسي والدبلوماسي، الذي رفع من منسوب الحُمْق عند هذا النظام المعتوه إلى درجة مطالبتِهِ قنصليةَ بلد جار بتغيير أوراقها الإدارية الرسمية لتتناسب مع تصوراته المَرَضية لمفهوم السيادة في موضوع لا علاقة له إطلاقاً ببلده وإدارته وسلطته، اللهم إلا إذا كان بذلك يومئ إلى طمع دفين وصريح في الاستحواذ على صحرائنا الغربية لإلحاقها بنظيرتها الشرقية التي يقترب زمان المطالبة بها والسعي إلى استردادها، بكل الوسائل بلا استثناء؟!!
 
ما الذي ينبغي على وزارة الشؤون الخارجية المغربية أن تبادر إليه ثُنائياً ودولياً لإطلاق سراح سجنائنا الذين لا يشبههم في وضعيتهم القانونية ولا الإدارية ولا حتى الإنسانية أيُّ سجناء آخرين في هذا العالم؟!
مَن يُجيبني بموضوعية؟!!
 
محمد عزيز الوكيلي، إطار تربوي