انتقدت المعارضة بمجلس النواب استعجال الحكومة مناقشة مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب خلال عرضه اليوم الخميس 18 يوليوز 2024 خلال اجتماع لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب، فيما دافعت الأغلبية عن إثاره للقطع مع التأجيلات التي طالت لأزيد من ستة عقود.
وفي مداخلة لفريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، أكد هذا الأخير على أن ممارسة الحق في الإضراب حق إنساني أصيل، وأداةٌ رئيسية في أيدي العمال، للدفاع عن مصالحهم المشروعة، المادية والمعنوية، وكيفيات الحق في الإضراب عامل محوري في تحقُّـــق السلم الاجتماعي الذي هو شرطٌ من شروط مناخ الأعمال الجاذِبِ للاستثمار. والحق في الإضراب هو مؤشر رئيسي من مؤشراتِ مستوى الديموقراطية في أيِّ مجتمع.
وفيما أبرز الفريق في مداخلته التي تلتها النائبة البرلمانية زهرة المومن، أن الإصلاحات لن يكون لها مفعول حقيقي في المجتمع، سوى بشرطيْن أساسيين: الأول هو توفير آليات التطبيق، ولنا في مدونة الشغل الحالية التي لا تُطَبَّق خيرُ دليل، بسبب غياب أو ضعف وسائل المراقبة، والشرط الثاني: هو المقاربة التشاركية العميقة والحقيقية مع النقابات في بلورة هذه الإصلاحات، إذ من الواضح أنه لا يكتب النجاح لأيّ إصلاح إلا بقَدر ما ينخرط فيه المعنيون به، ولنا في محاولات إصلاح التعليم خير دليل.
وسجل الفريق 10 ملاحظات عامة وأولية، يتعلق الأمر بـ:
أولاً: بخصوص المقاربة التشاركية، ولا سيما مع النقابات، لا يكفي إطلاقُ تصريحات مطمئِنة في هذا الاتجاه من قِبَلِ الحكومة، لأنه لا يوجد أي دليل (تصريح رسمي أو بلاغ مشترك) على أن الحكومة والنقابات، وهيئة المشغلين متفقون فعلاً حول التصور العام لهذا المشروع. ولا نريد أن نغرد في مجلس النواب، أغلبية ومعارضة، خارج السرب، أو أن نكون Hors sujet.
ثانيا: إذا كان فعلاً للحكومة الحالية تصور مختلف جوهريا بخصوص المشروع الموضوع منذ 2016. فلماذا إذن لم يتم المجيئ بمشروع جديد؟ (للتذكير: الحكومة الحالية سبق وأن سحبت مشاريع قوانين منذ بداية الولاية، لكن دون أن تُعيدها إلى طاولة النقاش البرلماني للأسف). هل نفهم من هذا الإبقاء على نفس النص محاولةً لربح الزمن التشريعي؟ أم أن الإصلاحات الحكومية الموعودة سوف لن تكون سوى مجرد روتوشات على النص الحالي؟ .
* ثالثاً: رفض مغالطة "ربط هذا النص الجوهري والتاريخي بما تُسميهِ الحكومة "دينامية الحوار الاجتماعي"" حاليا، لأن الحقيقة أنه رغم بعض المكتسبات الطفيفة في ميدان الحوار الاجتماعي، إلا أن هناك احتقاناً اجتماعيا في عدة قطاعات، وهناك استياء عارم للطبقة العاملة إزاء تدهور قدرتها المعيشية، وهناك تملص واضح للحكومة من الوفاء بعدد من التزاماتها (قطاع الصحة مثلاً)، كما أن هناك خروقات بالجملة لقوانين الشغل (فمأسسة الحوار الاجتماعي ليست هي النجاح في تقديم الإعلانات والتصريحات الوردية المصحوبة بالصور الجميلة، بل هو عمل شاق في العُمق ويتطلب نفساً طويلاً).
وفي هذا السياق، عبر الفريق مرة أخرى عن رفضه لأيّ منطق حكومي يقوم على مقايضة المكتسبات الاجتماعية بتمرير نصوص تشريعية، أو إصلاحات مُفصلَة على المقاس أو تُضِر بمصالح الشغيلة المغربية (وخاصة قانون الإضراب وإصلاح منظومة التقاعد).
رابعاً: أكد على أنه، من حيث الممارسة الفعلية، يجب أن يكون القطاع العمومي نموذجاً وقاطرة وقُدوة للقطاع الخصوصي في احترام الحقوق النقابية وللحق في الإضراب، وفي الوفاء بالالتزامات.
خامساً: من حيث مضمون النص في توجهاته العامة، من الواضح أن هذا المشروع لا يستجيبُ لانتظارات النقابات ولا لتطلعات الشغيلة، ولا يرقى إلى مستلزمات التلاؤم مع روح ومقتضيات الدستور والالتزامات الدولية لبلادنا في مجال الشغل والحقوق الاقتصادية والاجتماعية (أي أنه ببساطة ليس القانون الذي نريده، رغم بعض إيجابياته).
سادساً: معنى ذلك أننا مُطالبون جميعاً، حكومة وبرلمان، وفرقاء اجتماعيين وسياسيين، الاجتهاد أقصى ما يمكن، لإخراج قانونٍ تنظيمي، حتى وإنْ لم يُرضِ الجميع، فعلى الأقل لا يُثيرُ الرفض القاطع من الجميع.
سابعاً: يتعين معالجة هذا النص، مراجعة عميقة، انطلاقاً من الاقتناع الجماعي بأن الإضراب حق، والمنع استثناء، والتأطير القانوني يجب أن يكون متوازناً، مع تنقية المشروع من كافة الصيغ السلبية واستبدالها بصيغ إيجابية.
ثامناً: لا يوجد في العالَم عامل أجير يقوم بالإضراب، أو يشارك فيه حُباًّ في الإضراب، بل إنه يفعل ذلك مضطراً للضغط من أجل نيْلِ حقوقه، لذلك ينبغي تعزيز النص بمقتضيات قوية حول آليات ناجعة وملزمة للحوار والتفاوض وإبرام الاتفاقات الجماعية، كأساليب فُضلى واستباقية لحل نزاعات الشغل الجماعية، وكحلٍّ لخفض حالات الاضطرار إلى خوض الإضرابات.
تاسعاً: يجب التخلي النهائي عن النظرة الضمنية إلى الإضراب على أساس أنه "مساس بالنظام العام"، وإحلال نظرة جديدة، حقوقية وديموقراطية، مسؤولة ومواطِنة، تقوم على تقدير الدولة والقطاع الخصوصي لهذا الحق وإحاطته بالضمانات اللازمة لممارسته في أحسن الظروف، مع صَوْنِ حرية العمل ومصالح المقاولة والاقتصاد الوطني وخدمات المرفق العمومي.
عاشِراً: "يكمن الشيطان في التفاصيل"، لذلك سوف لن يكون كافيا أن الاتفاق حول المبادئ العامة. بل علينا، إلى جانب المقاربة التشاورية الواجبة مع الفرقاء الاجتماعيين، أن نعطي الوقت الكافي، بعيداً عن التسرع، للمناقشة التفصيلية، مع منح آجالٍ كافية للتعديلات. وذلك لأن مواضيع هامة تحتاج إلى التدقيق والتوافق، ولا سيما منها: تعريف الإضراب؛ تحديد الجهة الداعية للإضراب؛ التحديد الدقيق لحالات مُخالَفَة قانون الإضراب من طرف الأجراء والمشغِّلين؛ شروط وكيفيات الإعلان عن الإضراب واتخاذ قراره والمسؤولية عن ظروف خوضه والأسباب الداعية إليه؛ تحديد مفهوم الحد الأدنى للخدمة الحيوية، ثم إعادة النظر في المخالفات والعقوبات حمايةً للمضربين ولغيرهم. وهنا لا بد من مواكبة هذا العمل بإلغاء الفصل 288 المشؤوم من القانون الجنائي.