الأحد 24 نوفمبر 2024
اقتصاد

الواحات تتعرض لأكبر نكبة فـي تاريخ المغرب!

الواحات تتعرض لأكبر نكبة فـي تاريخ المغرب! مشهد من حرائق واحات التخيل
ما‭ ‬زالت‭ ‬الواحات‭ ‬المغربية‭ ‬تتعرض،‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عقدين،‭ ‬إلى‭ ‬تدمير‭ ‬لافت‭ ‬ومثير‭ ‬للحنق‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬البيئة‭ ‬والإنسان،‭ ‬وهو‭ ‬التدمير‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬أكتاف‭ ‬"الجفاف‭ ‬الاصطناعي"،‭ ‬واستنزاف‭ ‬المياه‭ ‬الجوفية،‭ ‬مما‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تقلص‭ ‬المساحة‭ ‬الإجمالية‭ ‬للواحات‭ ‬من‭ ‬150.000‭ ‬إلى‭ ‬حوالي‭ ‬44.000‭ ‬هكتار،‭ ‬وانخفاض‭ ‬معدل‭ ‬إنتاج‭ ‬التمور‭ ‬بما‭ ‬يفوق‭ ‬34%،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬تراجع‭ ‬مستوى‭ ‬معيشة‭ ‬السكان،‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يستتبع‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬هجرة‭ ‬وترحال،‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬آفاق‭ ‬أرحب‭. ‬
 
غير‭ ‬أن‭ ‬أصابع‭ ‬الاتهام‭ ‬ظلت‭ ‬تقفز‭ ‬على‭ ‬«العامل‭ ‬الاصطناعي»‭ ‬المسؤول‭ ‬الرئيس‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬التدهور،‭ ‬وتشير‭ ‬فقط‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬عاملين‭ ‬اثنين؛‭ ‬الأول‭ ‬طبيعي‭ ‬ويتعلق‭ ‬بـ‭ ‬«التغيرات‭ ‬المناخية»‭ ‬وتأثيراتها‭ ‬على‭ ‬المجال‭ ‬الفلاحي؛‭ ‬والثاني‭ ‬بشري،‭ ‬ويتعلق‭ ‬بإهمال‭ ‬الإنسان‭ ‬لهذه‭ ‬الواحات،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬إدماجها،‭ ‬منذ‭ ‬1987،‭ ‬في‭ ‬«الشبكة‭ ‬العالمية‭ ‬للمحميات‭ ‬الحيوية»،‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬منظمة‭ ‬اليونيسكو‭.‬
 
صحيح‭ ‬أنه‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نتوقف‭ ‬قليلا‭ ‬أمام‭ ‬التهديد‭ ‬الذي‭ ‬تشكله‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية،‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ‬التصحر‭ ‬الذي‭ ‬يرتبط‭ ‬بالتعرية‭ ‬الريحية،‭ ‬وزحف‭ ‬الرمال،‭ ‬وندرة‭ ‬المياه‭ ‬وملوحتها‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬تدهور‭ ‬التربة،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬السؤال‭ ‬الذي‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬نطرحه‭ ‬بقوة‭ ‬هنا،‭ ‬هو:‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬العوامل‭ ‬الحقيقية‭ ‬الحاسمة‭ ‬التي‭ ‬تقضي‭ ‬على‭ ‬النشاط‭ ‬الطبيعي‭ ‬للنخيل،‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬كنا‭ ‬نعلم‭ ‬أن‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬ليست‭ ‬حكرا‭ ‬على‭ ‬المغرب‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬بلد‭ ‬بعينه،‭ ‬وأنها‭ ‬معطى‭ ‬عالمي‭ ‬تتعامل‭ ‬معه‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الدول،‭ ‬التي‭ ‬تعيش‭ ‬الوضع‭ ‬نفسه،‭ ‬بكل‭ ‬حنكة‭ ‬واقتدار‭ ‬وعقلانية؟‭ ‬هل‭ ‬الطبيعة‭ ‬هي‭ ‬المسؤول‭ ‬الأول‭ ‬عن‭ ‬الخراب‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬يخيم‭ ‬على‭ ‬الواحات‭.‬
 
لقد‭ ‬سبق‭ ‬للمجلس‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والاجتماعي‭ ‬والبيئي،‭ ‬وهو‭ ‬يثمن‭ ‬اقتصاد‭ ‬الواحات،‭ ‬أن‭ ‬دق‭ ‬ناقوس‭ ‬الخطر‭ ‬حول‭ ‬التهديد‭ ‬الذي‭ ‬طال‭ ‬هذا‭ ‬الشريط‭ ‬الواحي،‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الندرة‭ ‬المائية‭ ‬والأمن‭ ‬المائي،‭ ‬والاستغلال‭ ‬المفرط‭ ‬للموارد‭ ‬المائية‭. ‬إذ‭ ‬يمثل‭ ‬هذا‭ ‬الشريط‭ ‬حوالي‭ ‬15%‭ ‬من‭ ‬مساحة‭ ‬المغرب‭ ‬«من‭ ‬فيجيج‭ ‬إلى‭ ‬حدود‭ ‬أسا-الزاك»؛‭ ‬وهي‭ ‬مساحة‭ ‬شاسعة؛‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬كونه‭ ‬مجالا‭ ‬ترابيا‭ ‬يقطنه‭ ‬حوالي‭ ‬مليونين‭ ‬ونصف‭ ‬(2.500.000 نسمة)‭ ‬تقريبا،‭ ‬أي‭ ‬حوالي‭ ‬4%‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬المغرب‭. ‬وهذا‭ ‬الشريط‭ ‬الواحي‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬ميز‭ ‬المغرب‭ ‬عبر‭ ‬قرون:
 
أولا:‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الرأسمال‭ ‬المادي‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬كون‭ ‬المغرب‭ ‬كان‭ ‬منبتا‭ ‬لتصدير‭ ‬التمور‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬«المجهول،‭ ‬الفقوس،‭ ‬أزيزة،‭ ‬بوسليخن،‭ ‬ترزاوة،‭ ‬بوسكري‭..‬إلخ»،‭ ‬فإذا‭ ‬به‭ ‬أصبح‭ ‬مستوردا‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬تونس‭ ‬ومصر‭ ‬الجزائر‭ ‬وفلسطين‭ ‬وأمريكا‭ ‬وإسرائيل‭ ‬والإمارات‭ ‬(في‭ ‬عام‭ ‬2022،‭ ‬بلغ‭ ‬حجم‭ ‬الواردات‭ ‬من‭ ‬التمور‭ ‬109‭ ‬ألف‭ ‬طن‭ ‬بقيمة‭ ‬213‭ ‬مليون‭ ‬دولار،‭ ‬أي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬31‭ ‬في‭ ‬المائة‭ ‬من‭ ‬إجمالي‭ ‬إنفاق‭ ‬المغرب‭ ‬على‭ ‬واردات‭ ‬الفواكه‭ ‬والخضروات)‭.‬
 
ثانيا:‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الرأسمال‭ ‬اللامادي‭ ‬المتمثل‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬أنتجته‭ ‬لنا‭ ‬الواحات‭ ‬من‭ ‬ثقافة‭ ‬شفهية‭ ‬أو‭ ‬لباس‭ ‬أو‭ ‬عادات‭.. ‬إلخ،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬مساهمتها‭ ‬في‭ ‬إغناء‭ ‬للأرض‭ ‬وتثبيت‭ ‬البشر‭ ‬عليها،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬دورها‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬وقف‭ ‬التصحر‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يبرز‭ ‬مقوماتها‭ ‬ومؤهلاتها‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التنمية‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والثقافية‭ ‬والعمرانية‭ ‬والبيئية‭ ‬والفنية‭.‬
 
وإذا‭ ‬كانت‭ ‬الواحات‭ ‬ثروة‭ ‬وطنية،‭ ‬وهذا‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬حوله‭ ‬اثنان،‭ ‬فإنها‭ ‬ابتليت‭ ‬- للأسف‭ ‬الشديد‭ ‬-‭ ‬بحكومات‭ ‬متعاقبة‭ ‬تمتلئ‭ ‬برامجها‭ ‬بالفساد‭ ‬والجشع‭ ‬واحتقار‭ ‬المجال،‭ ‬إذ‭ ‬أصبح‭ ‬هذا‭ ‬الشريط‭ ‬يتعرض‭ ‬كل‭ ‬سنة‭ ‬إلى‭ ‬اغتيال‭ ‬مادي‭ ‬ورمزي،‭ ‬يتجلى‭ ‬أساسا‭ ‬في‭ ‬إخراجه‭ ‬من‭ ‬«الردار‭ ‬الحكومي»‭ ‬وإهمال‭ ‬تنميته‭ ‬والعناية‭ ‬بها،‭ ‬وبساكنته،‭ ‬وبمتطلبات‭ ‬العيش‭ ‬به،‭ ‬واحترام‭ ‬طبيعة‭ ‬منتوجه،‭ ‬وتقاليده‭ ‬المائية‭ ‬والفلاحية‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬المنطقة‭ ‬تعرف‭ ‬إهمالا‭ ‬كبيرا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الفلاحي،‭ ‬وعلى‭ ‬مستوى‭ ‬صيانة‭ ‬التراث‭ ‬المعماري‭ ‬«القصور»،‭ ‬وأيضا‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬العادات‭ ‬والتقاليد‭ ‬التي‭ ‬ينبغي‭ ‬حمايتها‭ ‬وترصيدها‭ ‬وتحصينها‭ ‬من‭ ‬«قراصنة‭ ‬الشرق»‭ ‬الواقعين‭ ‬في‭ ‬غرام‭ ‬«الثقافة‭ ‬المغربية»‭ ‬«الجزائر»‭. ‬
 
ويتجلى‭ ‬هذا‭ ‬الإهمال‭ ‬الحكومي،‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬في‭ ‬عدم‭ ‬برمجة‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬المشاريع،‭ ‬ومنها‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬التشجير‭ ‬وغرس‭ ‬فسائل‭ ‬النخل‭ ‬بمختلف‭ ‬الواحات،‭ ‬وتحسين‭ ‬الإنتاج‭ ‬الفلاحي‭ ‬وربط‭ ‬الواحات‭ ‬بالتشغيل،‭ ‬وربط‭ ‬تنمية‭ ‬هذا‭ ‬الموروث‭ ‬بالاقتصاد‭ ‬الأخضر‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬والاقتصاد‭ ‬الاجتماعي‭ ‬التضامني‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ثانية،‭ ‬مع‭ ‬ما‭ ‬يترتب‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬تزويد‭ ‬للمنطقة‭ ‬الواحية‭ ‬بمشاريع‭ ‬السقي،‭ ‬إن‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬تحلية‭ ‬مياه‭ ‬البحر،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬إعادة‭ ‬تدوير‭ ‬المياه‭ ‬العادمة،‭ ‬وتطوير‭ ‬المنشآت‭ ‬المائية‭.. ‬إلخ،‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬عدم‭ ‬تحويل‭ ‬مياه‭ ‬السدود‭ ‬«أكدز‭ ‬بدرعة،‭ ‬وقدوسة‭ ‬بالرشيدية»‭ ‬إلى‭ ‬ضيعات‭ ‬الفلاحين‭ ‬الكبار،‭ ‬أو‭ ‬إلى‭ ‬ضيعات‭ ‬الشركات‭ ‬الفلاحية‭ ‬الكبرى،‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬تعبئة‭ ‬الموارد‭ ‬المائية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استمرار‭ ‬الإنجازات‭ ‬الهيدروفلاحية‭ ‬لمدارات‭ ‬السقي‭ ‬الصغير‭ ‬والمتوسط‭ ‬بالواحات‭ ‬عبر‭ ‬استصلاح‭ ‬شبكة‭ ‬الري‭ ‬«حوالي‭ ‬775‭ ‬كيلومترا‭ ‬من‭ ‬السواقي»،‭ ‬وتشييد‭ ‬20‭ ‬سدا‭ ‬تحويليا‭ ‬وترميم‭ ‬منابع‭ ‬المياه‭ ‬والخطارات‭ ‬«107‭ ‬كيلومترات»،‭ ‬وصهاريج‭ ‬التخزين‭.‬
فمن‭ ‬بين‭ ‬أكبر‭ ‬الأسباب‭ ‬التي‭ ‬أدت‭ ‬إلى‭ ‬الكارثة‭ ‬التي‭ ‬تعيشها‭ ‬الواحات‭ ‬حاليا‭ ‬هو‭ ‬سوء‭ ‬التصرف‭ ‬في‭ ‬المياه‭ ‬المتوفرة،‭ ‬وليس‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬الفاشلون‭ ‬الذين‭ ‬يرجعون‭ ‬ما‭ ‬حل‭ ‬بالواحات‭ ‬إلى‭ ‬ثقل‭ ‬الجفاف‭ ‬والتغيرات‭ ‬المناخية‭ ‬والانحباس‭ ‬الحراري،‭ ‬وكأن‭ ‬دولا‭ ‬مثل‭ ‬الأردن‭ ‬والجزائر‭ ‬وتونس‭ ‬ونامبييا‭ ‬والمكسيك‭ ‬وإسرائيل‭ ‬وأمريكا،‭ ‬ليس‭ ‬بها‭ ‬جفاف‭ ‬ولا‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬التغيرات‭ ‬المناخية‭. ‬فلماذا‭ ‬فقط‭ ‬المغرب‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬كلما‭ ‬وصلته‭ ‬نيران‭ ‬الانتقاد‭ ‬يرد‭ ‬الأسباب‭ ‬إلى‭ ‬العوامل‭ ‬الطبيعية،‭ ‬وينسى‭ ‬أن‭ ‬السياسة‭ ‬المائية‭ ‬التي‭ ‬تنهجها‭ ‬الحكومات،‭ ‬والتي‭ ‬تفترض‭ ‬القيام‭ ‬بتدابير‭ ‬استعجالية‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬معالجة‭ ‬مشكل‭ ‬الخصاص‭ ‬في‭ ‬الماء‭ ‬تفتقد‭ ‬إلى‭ ‬النجاعة‭. ‬ذلك‭ ‬أنه،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬سعي‭ ‬الحكومات‭ ‬(على‭ ‬مستوى‭ ‬الشعارات)‭ ‬إلى‭ ‬تحقيق‭ ‬الأمن‭ ‬المائي‭ ‬وتطوير‭ ‬السقي،‭ ‬عبر‭ ‬سياسة‭ ‬بناء‭ ‬السدود،‭ ‬وإطلاق‭ ‬برامج‭ ‬كبرى‭ ‬لتطوير‭ ‬قطاع‭ ‬الفلاحة،‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬لم‭ ‬ترخي‭ ‬بثقلها‭ ‬على‭ ‬الشريط‭ ‬الواحي‭. ‬
 
وإذا‭ ‬أمعنا‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬سنقف‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬السبب‭ ‬الرئيسي‭ ‬للكارثة‭ ‬التي‭ ‬حلت‭ ‬بالواحات،‭ ‬هو‭ ‬السياسات‭ ‬الفاشلة‭ ‬والجهل‭ ‬الراسخ‭ ‬والجشع‭ ‬المركب‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬لأن‭ ‬المسؤولين‭ ‬الحكوميين‭ ‬استغلوا‭ ‬هذا‭ ‬الشريط‭ ‬الواحي‭ ‬ليس‭ ‬لتنمية‭ ‬الفلاحة‭ ‬المعاشية،‭ ‬وتحسين‭ ‬جودة‭ ‬عيش‭ ‬السكان‭ ‬المحليين،‭ ‬بل‭ ‬لتنمية‭ ‬الأرصدة‭ ‬البنكية‭ ‬لبعض‭ ‬«الانتهازيين»‭ ‬الكبار‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يمتون‭ ‬للواحات‭ ‬بأي‭ ‬صلة،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الوكالة‭ ‬الوطنية‭ ‬لتنمية‭ ‬مناطق‭ ‬الواحات‭ ‬وشجر‭ ‬الأركان‭ ‬أنشئت‭ ‬وتم‭ ‬تسويقها‭ ‬لإيهام‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬المغربي‭ ‬بأنها‭ ‬تستهدف‭ ‬تنمية‭ ‬القدرات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬للفلاحين‭ ‬المحللين‭ ‬وسكان‭ ‬الواحات،‭ ‬لتحسين‭ ‬أوضاعهم‭ ‬ومستوى‭ ‬معيشتهم‭.‬‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬واقع‭ ‬الحال‭ ‬يكشف‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الوكالة‭ ‬«انحرفت»‭ ‬عن‭ ‬أهدافها،‭ ‬وصارت‭ ‬تبذل‭ ‬قصارى‭ ‬جهدها‭ ‬لإنعاش‭ ‬الشركات‭ ‬الكبرى‭ ‬وتسمين‭ ‬رقم‭ ‬معاملاتها‭. ‬والدليل‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬البرنامج‭ ‬الذي‭ ‬عرفته‭ ‬منطقة‭ ‬الراشيدية،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬شريط‭ ‬بودنيب‭ ‬وشريط‭ ‬أرفود،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬إحداث‭ ‬آلاف‭ ‬الضيعات‭ ‬الكبرى‭ ‬التي‭ ‬تمتد‭ ‬على‭ ‬مرمى‭ ‬البصر،‭ ‬وهي‭ ‬ضيعات‭ ‬في‭ ‬ملكية‭ ‬كبار‭ ‬الشخصيات‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬«الشخصيات‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬تهافتت‭ ‬على‭ ‬سوق‭ ‬العقار،‭ ‬ولهفت‭ ‬سوق‭ ‬التأمين،‭ ‬وترامت‭ ‬على‭ ‬سوق‭ ‬الزيتون‭ ‬ولهفت‭ ‬سوق‭ ‬الطماطم،‭.. ‬إلخ،‭ ‬وها‭ ‬هي‭ ‬تتهافت‭ ‬تهافتت‭ ‬على‭ ‬على‭ ‬سوق‭ ‬النخيل‭ ‬والواحات‭ ‬الجديدة»‭. ‬لماذا؟‭ ‬لأنه‭ ‬تبين‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تمر‭ ‬المجهول،‭ ‬وهو‭ ‬تمر‭ ‬مغربي‭ ‬أصيل‭ ‬ذو‭ ‬جودة‭ ‬عالية‭ ‬وذو‭ ‬قيمة‭ ‬مضافة‭ ‬من‭ ‬الناحية‭ ‬المالية،‭ ‬«همزة»‭ ‬سقطت‭ ‬بين‭ ‬أيديهم،‭ ‬ولا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬استغلالها،‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬البيئة‭ ‬والناس‭ ‬والمجال،‭ ‬ضدا‭ ‬على‭ ‬الغرض‭ ‬الذي‭ ‬أسست‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬الوكالة‭. ‬وعليه،‭ ‬فإن‭ ‬بوسعنا‭ ‬أن‭ ‬نطلق‭ ‬على‭ ‬«وكالة‭ ‬تنمية‭ ‬الواحات»‭ ‬اسم‭ ‬آخر‭ ‬هو‭ ‬«الوكالة‭ ‬الوطنية‭ ‬لتنمية‭ ‬المجهول‭ ‬لفائدة‭ ‬الشركات‭ ‬الكبرى‭ ‬والفلاحين‭ ‬الكبار»،‭ ‬فهو‭ ‬الاسم‭ ‬الذي‭ ‬يصدق‭ ‬عليها‭ ‬ويليق‭ ‬بها،‭ ‬ما‭ ‬دام‭ ‬اصحاب‭ ‬الشركات‭ ‬والضيعات‭ ‬يعيدون‭ ‬إنتاج‭ ‬الهشاشة‭ ‬بين‭ ‬الفلاحين‭ ‬ويستمرون‭ ‬في‭ ‬نهج‭ ‬اللامساواة‭ ‬في‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الموارد‭ ‬المائية‭. ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬تنامي‭ ‬الزراعة‭ ‬التسويقية‭ ‬الحديثة،‭ ‬مثل‭ ‬زراعة‭ ‬التمور‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬«المجهول»‭ ‬وزراعة‭ ‬الدلاح‭ ‬«البطيخ‭ ‬الأحمر»‭ ‬أصبحت‭ ‬تهدد‭ ‬الزراعة‭ ‬المعيشية‭ ‬البسيطة‭ ‬للفلاحيين‭ ‬الصغار‭ ‬بالواحات،‭ ‬وتساهم‭ ‬في‭ ‬تفاقم‭ ‬وضعيتهم‭ ‬السوسيو-اقتصادية،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬تراجع‭ ‬النشاط‭ ‬السياحي‭ ‬بالمنطقة،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أدى‭ ‬إلى‭ ‬تسارع‭ ‬وتيرة‭ ‬الهجرة‭ ‬وارتفاع‭ ‬معدلاتها،‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬«الإنسان‭ ‬الواحي»،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬طور‭ ‬أشكال‭ ‬مقاومة‭ ‬للطبيعة‭ ‬الواحية‭ ‬وخصوصياتها،‭ ‬أرغم‭ ‬على‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬مصادر‭ ‬عيش‭ ‬أخرى‭ ‬خارج‭ ‬الواحات،‭ ‬إذ‭ ‬كيف‭ ‬له‭ ‬أن‭ ‬يتحمل‭ ‬قساوة‭ ‬ظروفه‭ ‬والصبر‭ ‬على‭ ‬وضعه‭ ‬الذي‭ ‬يفتقد‭ ‬لأبسط‭ ‬شروط‭ ‬العيش،‭ ‬وعلى‭ ‬الأرض‭ ‬التي‭ ‬جفت‭ ‬وتعرضت‭ ‬كل‭ ‬أركانها‭ ‬للتصحر؟
 
إن‭ ‬ما‭ ‬يقع‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬يتنافى‭ ‬مع‭ ‬سياسات‭ ‬واستراتيجيات‭ ‬تنمية‭ ‬الواحات‭. ‬كما‭ ‬يتناقض‭ ‬الخطاب‭ ‬مع‭ ‬الممارسة‭. ‬فالخطاب‭ ‬يكشف‭ ‬وعي‭ ‬الدولة‭ ‬بمخاطر‭ ‬التدخل‭ ‬البشري‭ ‬البشع،‭ ‬غير‭ ‬أنها‭ ‬فتحت‭ ‬الباب‭ ‬على‭ ‬مصراعيه‭ ‬للانتهازيين‭ ‬وطالبي‭ ‬الربح‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬التنمية‭ ‬المحلية‭. ‬وهذا‭ ‬يطرح‭ ‬جملة‭ ‬من‭ ‬الأسئلة:‭ ‬هل‭ ‬خراب‭ ‬الواحات‭ ‬واستنزاف‭ ‬الموارد‭ ‬المائية‭ ‬يستقيم‭ ‬مع‭ ‬أهداف‭ ‬الوكالة‭ ‬الوطنية‭ ‬لتنمية‭ ‬مناطق‭ ‬الواحات‭ ‬وشجر‭ ‬الأرݣان‭ ‬في‭ ‬جعل‭ ‬الواحات‭ ‬مناطق‭ ‬فلاحية‭ ‬قوية؟‭ ‬هل‭ ‬تهجير‭ ‬الفلاحين‭ ‬المحليين‭ ‬يعني‭ ‬«تثمين‭ ‬الموروث‭ ‬الطبيعي‭ ‬والإنساني‭ ‬وتوظيفه‭ ‬لتحسين‭ ‬المستوى‭ ‬المعيشي‭ ‬للساكنة»؟‭ ‬هل‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬«القصور»‭ ‬يدخل‭ ‬في‭ ‬نطاق‭ ‬«الحد‭ ‬من‭ ‬ظاهرتي‭ ‬الفقر‭ ‬والهشاشة‭ ‬والفوارق‭ ‬المجالية»؟‭ ‬هل‭ ‬يستقيم‭ ‬العطش‭ ‬مع‭ ‬إنتاج‭ ‬الدلاح؟‭ ‬هل‭ ‬تحقيق‭ ‬الأرباح‭ ‬وتراكم‭ ‬الأموال‭ ‬ياوافق‭ ‬مع‭ ‬التنوع‭ ‬البيولوجي‭ ‬والطبيعي؟
 
لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬الواحات‭ ‬تشكل‭ ‬درعا‭ ‬طبيعيا‭ ‬للتصحر،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أنها‭ ‬تمثل‭ ‬غنى‭ ‬ثقافيا‭ ‬وعمرانيا،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أنها‭ ‬تتمتع‭ ‬بموارد‭ ‬طبيعية‭ ‬وثقافية‭ ‬واقتصادية‭ ‬مهمة،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬«المجهول»‭ ‬ثروة‭ ‬وطنية»‭. ‬لكن‭ ‬التحدي‭ ‬الأكبر‭ ‬هو‭ ‬بناء‭ ‬حاجز‭ ‬حقيقي‭ ‬بين‭ ‬الجشع‭ ‬الاستثماري‭ ‬الذي‭ ‬ترعاه‭ ‬الفئة‭ ‬المتنفذة‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬وبين‭ ‬حاجة‭ ‬السكان‭ ‬محليين‭ ‬إلى‭ ‬سياسة‭ ‬وطنية‭ ‬لا‭ ‬تجامل‭ ‬ولا‭ ‬تحابي‭ ‬ولا‭ ‬تضع‭ ‬نفسها‭ ‬رهن‭ ‬إشارة‭ ‬المال‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬البيئة‭ ‬والإنسان‭.‬
 
تفاصيل أوفى تجدونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن"