في سياق النقاش الدائر حول "خطة تسديد التبليغ"، نشر موقع "أنفاس بريس"، مادتين حول الموضوع.
الأولى لصاحبها الصادق العثماني، بعنوان:"خطبة الجمعة الموحدة.. والحاجة إلى تطوير وتجديد وعصرنة من أجل مسايرة الواقع المعاصر." الجمعة 28 يونيو 2024.
والثانية لمصطفى الإدريسي بعنوان: "دواعي توحيد خطبة الجمعة.. رفع اللبس!"، الاثنين 1 يوليو 2024.
وكان قبل هذا، قد جاءت في مادة: "آية الله أحمد التوفيق يبسط خطة التبليغ لاحتواء "جاهلية" المجتمع المغربي!" ، الأحد 9 يونيو 2024،لصاحبها محمد الشاذلي المشيشي، الفقرة التالية: "أما مسألة توحيد الخطب على الصعيد الوطني، فستعصف بإشعاع المسجد بهذا التنميط. كما سيجعل جائزة الخطبة المنبرية بدون معنى، مادام سيتحول الخطباء إلى مجرد ساردين، يتساوون جميعا في قراءة الخطبة ليس إلا، حيث ستتحول هذه الجائزة إلى مرتع للأهواء والمحسوبية. فضلا عن إمكانية تعميم الخطبة الموحدة لمخالفات مذهبية من المنبع، كما حصل مع أدبيات ميثاق العلماء."
ويهمنا في هذا المسرد، الوقوف على مادة مصطفى الإدريسي، لتطوير النقاش العمومي في هذا الموضوع، بما ينسجم وخصوصية البلاد المذهبية، واختيارها الديموقراطي، ونموذجها الإشعاعي المفترض في محيطها الإقليمي، فنقول على إيقاع افتحاص الدواعي الخمس التي يتذرع بها صاحب المقال في تبرير تمرير الخطب الموحدة على جميع المنابر، وبالله التوفيق:
1- وجود مسافة بين الدين وتدين المغاربة . وهذا الاستنتاج في واقع الأمر يستند إلى حدوس ومعرفة عامية. وإلا فليخبرنا صاحب المقال عن الجهة العلمية التي قامت برصد الفرق اعتمادا على استمارات وروائز علمية وعن تجميع المعطيات وتحصيل النتائج وعن الفرق الكمي بين الدين والتدين. إنها العشوائية والارتجال والأحكام الجاهزة وهي في العمق لا تنتج إلا نتائج واهية وارتسامات ليس إلا.
2-العلماء مطالبون بإيجاد العلاج لتسديد التدين. والحال هذه وكأن العلماء يمتلكون العصا السحرية لإيجاد حلول المعضلة المتجذرة في المجتمع، علما أن المسؤول عنها أطراف متعددة، منها ما هو اقتصادي ومنها ما هو اجتماعي ومنها ما هو سياسي ومنها ما هو حضاري كوني...علما أن الخطاب الديني يتوجه لمن يأتي إليه ويطلبه. لذلك سيظل الخطاب الديني يراوح مكانه، ولن يتقدم قيد أنملة ليشمل فئات من الناس في حاجة إلى الهداية والتنوير. فكأن الأمر كما قال الشاعر: تحلبون سفيا ضرعها يبس.
إن أشكال التدخل تفرضها طبيعة المقاربة العلمية المتبعة، لا إلقاء الأمر على الخطيب والواعظ والعالم، حتى إذا فشل المشروع، حملتم المسؤولية كاملة لهم، ولأشكال تدخلهم . وهذا منتهى الاستبداد.
3- توحيد الخطبة من مقتضيات العلاج. وهذا يذكرنا بذاك الطبيب الذي يصف نفس الدواء لجميع المرضى. من غير تشخيص لنوع مرضهم وطبيعة جسمهم، وقابليتهم لتحمل نوع العلاج. وهو الضلال المبين بعينه. فما يصلح للوسط القروي قد لا يصلح للوسط الحضري وشبه الحضري . وما يصلح لهذا الحي قد لا يصلح لحي آخر. أضف إلى ذلك أمورا أخرى يضيق السياق عن ذكرها.
4- لا بد من إخراج الخطبة في الوسط القروي من الرتابة والتقليد . وهذا قول على عواهنه فهناك خطباء في الوسط القروي في مستوى عال ورائع ولا يمكن التقليل من قدرهم ومكانتهم العلمية وكفاياتهم في التبليغ. لذا من الأنفع أن تعد الجهة المعنية دليلا خاصا بالوسط القروي يتضمن مختلف الخطب لمختلف المواضيع والمناسبات. وأن تُعطى الخطباء حرية الانتقاء والاختيار منها أو من غيرها. وبذلك نكون قد سهلنا الأمر على فئة من الخطباء، من دون أن نمارس عليهم الاستبداد القهري.
5- مصداقية الخطيب .والوجه الحقيقي الذي ينبغي أن نوجه إليه الخطباء هو الصدع بالحق والدعوة إلى ذلك بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.
وفي الختام فليس توحيد خطبة الجمعة تجديدا ولا إقلاعا ولا انعتاقا. إنها باختصار شديد، تكميم للأفواه وتوجيه الناس إلى الفكر الأحادي لرعاية الاستبداد والفساد.