السبت 6 يوليو 2024
جالية

أريري: تعالوا إلى عاصمة الدلع والدلال بفرنسا !

أريري: تعالوا إلى عاصمة الدلع والدلال بفرنسا ! الزميل عبد الرحيم أريري في حافلة للنقل الحضري بمدينة "ميلوز" وبمطعم LC2 بالحي التاريخي
من بين الطقوس المفضلة عندي لاكتشاف مدينة أجنبية، يبقى المشي هو أقدس طقس، لاعتبارين اثنين: أولا يسمح المشي لي بالذوبان وسط الحشود في الأزقة والأسواق والمقاهي والفضاءات العامة. ثانيا، لأن المشي يسمح لي بإزالة الشحوم الزائدة طمعا في التوفر على "فورمة  ديال غاندي" الله يرحمه ويحسن إليه.
 
لكن اليوم 3 يوليوز 2024، وبسبب الأمطار الغزيرة التي تهاطلت على مدينة Mulhouse بشرق فرنسا مثل "خيط من السما"، اضطررت إلى استعمال الخطة البديلة، ألا وهي امتطاء حافلات النقل الحضري والترامواي لاكتشاف معالم Muhlouse.
 
قصدت أشهر موقع بوسط المدينة يسمى porte jeune، وهو منطقة تضم مراكز التسوق والمطاعم ومحلات الألبسة من مختلف الماركات العالمية وأزقة المشاة ومواقف الترامواي وباركينات تحت أرضية للسيارات، واقتنيت من الكشك تذكرة النقل الحضري صالحة لمدة 24 ساعة بثمن 4 أورو، تتيح لي استعمال 134 حافلة موزعة على 14 خطا، واستعمال الترامواي المكون من ثلاثة خطوط.
 
ما أذهلني أن مدينة Mulhouse لا تضم سوى 107.000 نسمة، أي بالكاد مايوازي  نصف سكان إقامة المستقبل بحي سيدي معروف بالبيضاء، ومع ذلك تتوفر هذه المدينة الفرنسية على تخمة من الحافلات وخطوط الترامواي.
 
صحيح أن شبكة النقل الحضري لا تقتصر على بلدية Mulhouse لوحدها، بل تغطي تراب مجموعة الجماعات تضم 39 جماعة، وتحمل اسم M2A، أي Mulhouse Alsace Agglomeration. لكن حتى على هذا المستوى يبقى الذهول أكبر، لأن مجموعة الجماعات M2A لا تضم ككل، سوى  278.000 نسمة (مايعادل سكان إقليم وازازات أو إقليم ميدلت)، ومع ذاك تعيش هذه الجماعات في بحبوحة من حيت جودة مرفق النقل الحضري.
 
هذه الجودة وقفت على نوعيتها على امتداد 43.000 هكتار التي "خيطتها بالطوبيس" اليوم من الصباح الباكر إلى آخر الزوال، في كامل تراب مجموعة الجماعات M2A ( أي ما يوازي أربع مرات مساحة مدينة الرباط). ففي كل حافلة وفي كل خط أجد نفس الدقة في المواعيد وأجد نفس رفاهية الحافلات المستعملة، سواء تلك التي أقلتني للأحياء الراقية أو التي أقلتني إلى أحياء الأسيويين والأكراد والعرب والأفارقة،أو تلك التي امتطيتها للذهاب للأحياء الصناعية المنتشرة شرق وغرب Mulhouse.
 
في الحافلة التي أقلتني من مركز التسوق Gay Lussac إلى مسبح jonquilles بالجماعة الترابية الضاحوية Illzach، كشف لي السائق الشاب، في دردشة ودية، بأن Mulhouse لا تضاهي المدن الكبرى بفرنسا من حيث الوزن الديمغرافي، لكن تضاهيها بل وتتفوق عليها، من حيث جودة العيش والرفاهية. وأضاف بأن قرب Muhlouse من حدود سويسرا جعل الشركات تتهافت للاستقرار بضواحي المدينة، مما خلق فرصا هائلة للتشغيل، وبالتالي لامتصاص البطالة من جهة، وخلق"همزة ضريبية" ذهبية بالنظر للعوائد الجبائية الهائلة التي تجنيها الجماعات التابعة لمجموعة M2A من جهة ثانية، بشكل جعلها تتوفر على موارد مالية كبرى تنفقها على تجويد عيش السكان.
 
لم يتطلب الأمر مني مجهودا للوقوف على حقيقة مافاه به سائق الحافلة، ففي المساء وجدت صعوبة في العثور على "طابلة" في عشرات المطاعم المنتشرة بالحي التاريخي لمدينة Mulhouse، إذ بشق الأنفس، وجد لي النادل الودود والخدوم بمطعم LC2 بزنقة Henriette، قرب الكنيسة البروتيستانية saint-étienne مقعدا فرديا ب"الكونتوار". 
وبلطف قال لي :" عندك الحظ، لان اليوم هو يوم أربعاء، أما يومي الجمعة والسبت فلن أضمن لك حتى هذا المقعد الفردي بدون حجز مسبق، إنها Mhulouse، حيث الناس مدللين ولديهم قدرة شرائية مرتفعة مقارنة مع مدن فرنسا".
فطوبى لسكان Mulhouse !