الأربعاء 3 يوليو 2024
جالية

أريري.. في قلب أغنى منطقة حدودية في العالم

أريري.. في قلب أغنى منطقة حدودية في العالم الصورة( يمينا) بحزام الأمتعة بالمطار التي تديره ثلاث دول، والصورة الثانية تبين( وفق العلم الوطني) مخارج الحدود نحو كل دولة
هاتان الصورتان التقطتا زوال يوم الاثنين 1 يوليوز 2024، بأحد الأمكنة الأكثر إنتاجا للثروة في العالم بالنظر لحجم المساحة وحجم السكان.
 
المكان هو مطار بال Bâle السويسري، الذي لايحمل من سويسرا إلا الاسم، بحكم أنه المطار الوحيد في العالم الذي يخضع تدبيره لثلاث دول، وهي: سويسرا، فرنسا وألمانيا، ولهذا فالمطار يحمل اسم المدن الحدودية للدول الثلاث: بال ( المدينة السويسرية) وميلوز ( الفرنسية) ثم فريبوغ ( الألمانية).Aeroport Bâle Mulhouse FRIBOURG.
 
المطار الممتد على مساحة 450 هكتار، يمثل رافعة تنموية للحوض الحدودي للدول الثلاث المعنية. هذا الحوض الحدودي يغطي مجالا تقطنه مليون نسمة، إلا أنه يعتبر من أكثر الأحواض دينامية، لدرجة أن الباحثين يقارنونه بالفورة الاقتصادية التي تشهدها ولاية كاليفورنيا الأمريكية. إذ أن مطار "بال/ ميلوز" والمنصات الخدماتية والصناعية المجاورة له، تؤمن أزيد من 35 ألف منصب شغل في حيز ضيق جدا، ورقم معاملات يفوق 4 ملايير أورو.
 
ورغم وجود المطار فوق تراب فرنسا( تحديدا ببلدة Blotzheim التابعة لمنطقة Muhlouse)، إلا أن سويسرا هي صاحبة الأمر والنهي بهذا المطار. ذلك أن مدينة Bale ، وبرغم ضعف وزنها الديمغرافي الذي لا يتجاوز 170.000 نسمة، فهي المدينة المولدة لفرص الشغل لباقي مدن الحدود، فهي المدينة التي تقتات بفضلها مئات الآلاف من الأسر بالشريط الحدودي الموجود شرق فرنسا بمنطقة الألزاس، وذاك الموجود بجنوب غرب ألمانيا بالمدن التابعة لولاية Bade-wurtemberg، بفضل قوة الاقتصاد السويسري، خاصة في القطاعات الاستراتيجية الأربعة التالية: الصيدلة والكيمياء، قطاع المال والتأمينات، المعارض والصالونات، ثم قطاع اللوجيستيك.
 
تعود جذور مطار Bâle/Mulhouse إلى سنة 1930، تاريخ اختناق سويسرا بمجالها الضيق وعدم استيعاب مرافقها المطارية للتطور الذي كانت تشهده الصناعة السويسرية. ونظرا للإكراهات الطبوغرافية التي حالت دون توسيع المطار القديم في "بال"، ولكون نهر الراين الذي بخترق عدة دول أوربية لا يتوفر على عمق كاف يسمح بتوظيف سفن عملاقة، طرقت سويسرا باب فرنسا لتمنحها قطعة أرض لتبني عليها المطار الجديد، خاصة وأن مدينة "بال" لاتبعد عن الحدود الفرنسية سوى بستة كيلومترات.
فرنسا تحمست آنذاك للفكرة لتنمية الشرق الفرنسي الذي كان يعاني من التأخر مقارنة مع الغرب الألماني، إلا إن اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939 أوقف مسلسل تنزيل المشروع على أرض الواقع.
 
وبمجرد ما انتهت الحرب العالمية، حتى تم إحياء مشروع المطار المشترك بين البلدين، خاصة وأن فرنسا خرجت من الحرب العالمية مفلسة، فيما سويسرا اغتنت بفضل حيادها وكانت تواقة لبنية مطارية تخفف الضغط عن مطار زوريخ وجنيف. وهو ماقاد سلطات البلدين عام 1946 إلى إبرام اتفاق يقضي بأن تسلم فرنسا الأرض، على أن تتكلف سويسرا بالبناء. وهو ماتحقق بسرعة البرق. إذ في ظرف شهرين ونصف كان المطار جاهزا، واستقبل في 8 ماي 1946 أول طائرة، لتتوالى نجاحات مطار "بال/ ميلوز" سنة تلو سنة، بشكل أصبح الآن هو ثالث مطار في سويسرا وخامس مطار في فرنسا. وأول مطار في العالم تديره ثلاث دول، بعد التحاق ألمانيا عام 1987 بنظام الحكامة بهذا المطار الذي يسيره مدير سويسري ونائبه فرنسي، ومجلس إدارة يضم 10 ممثلين: ثمانية من سويسرا وثمانية من فرنسا واثنان من ألمانيا، مع ترجيح كفة سويسرا التي تحتكر شركاتها 90% من حجم النقل الجوي بالمطار( fret)، وتحتكر 65% من الرحلات الجوية للمسافرين بفضل اختيار شركات الملاحة الجوية الدولية توطين نشاطها بسويسرا وليس لفرنسا أو ألمانيا.