تناولت وسائل إعلام دولية احتجاجات شح المياه في الجزائر التي انتشرت في العديد من المدن، وسط غياب الإعلام الجزائري عن الحدث وعن أكبر مشكلة يعاني منها المواطنون في البلاد، ويتردد صداها بشكل مكثف على الشبكات الاجتماعية.
وتناولت صحيفة الغارديان البريطانية أخبار الاحتجاجات التي انتشرت بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي، لكنها لم تحظ إلا بتغطية إعلامية قليلة في الجزائر، حيث تخضع الحريات الصحفية لقيود شديدة.
وفي 8 يونيو امتد الغضب بسبب أشهر من تقنين المياه إلى مدينة تيارت وسط الجزائر المنكوبة بالجفاف، حيث قام متظاهرون يرتدون الأقنعة بتحصين الطرق وإحراق الإطارات. وتم اعتماد التقنين للتعامل مع الجفاف حيث انخفضت كمية الأمطار التي غذت الخزانات الحيوية تاريخيا بشكل كبير. وكانت الصنابير تجف منذ أشهر، مما اضطر الناس في المنطقة، إلى الوقوف في طوابير للحصول على المياه.
ولجأ الكثير من الناشطين إلى مواقع التواصل الاجتماعي للحديث عن معاناة المواطنين في ظل تعتيم الإعلام الرسمي والخاص على الأزمة الخانقة، وجاء في تعليق على ورود اسم الجزائر من بين أسوأ الدول للعيش في عام 2024.
وذكرت صحيفة الغارديان أنه مع اقتراب موسم الصيف في الجزائر، يبلغ إجمالي احتياطيات المياه في سدودها البالغ عددها 81 سدا ثلث طاقتها فقط.
والجزائر، أكبر دولة في أفريقيا، تهيمن عليها الصحراء الكبرى التي تغطي ثلاثة أرباع أراضيها. وقد استثمرت لسنوات بكثافة في التكيف مع المناخ، وحفر الآبار للمزارعين، وإنفاق مئات الملايين من الدولارات على مشاريع تحلية المياه.
وفي مارس الماضي أخبر طه دربال، وزير الري، البرلمان أنه سيتم بناء سبع محطات جديدة لتحلية مياه البحر اعتبارا من العام المقبل، بالإضافة إلى خمس محطات قيد الإنشاء حاليا. وهذا من شأنه أن يضاعف استخدام مياه البحر المحلاة من المعدل الحالي البالغ 18 بالمئة من إجمالي حجم مياه الشرب، لكن البعض يقول إن الدولة لا تتصرف بالسرعة الكافية.
وقال أندرو فاراند، مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسسة استشارات المخاطر الجيوسياسية “تتضاءل المياه بالنسبة للسكان في جميع أنحاء غرب الجزائر، وخاصة في السهوب والسهول الداخلية، وهي مناطق رعوية تقليديا”.
وأضاف “هذا النشاط ‘الرعوي’ الآن لا يمكن أن يحدث إلا إذا كان لديك بئر لسحب المياه من تحت الأرض. ولا يوجد ما يكفي من مياه الأمطار لإبقاء الأغنام والماعز على قيد الحياة دون آبار”.
ويعتقد الكثيرون في الجزائر، رابع أكبر مصدر للغاز في العالم، أن المطالبة بخفض استخدام الوقود الأحفوري مفروضة عليهم من قبل الدول الصناعية الغربية الغنية التي تساهم بشكل كبير في انبعاثات الغازات الدفيئة العالمية أكثر من العالم النامي.
وفي الوقت نفسه، يدعو نشطاء أزمة المناخ إلى توزيع عادل لأموال الخسائر والأضرار المتفق عليها في المؤتمرات العالمية مثل “كوب28” لمساعدة أماكن مثل الجزائر، التي تقع على خط المواجهة في أزمة المناخ.
وقالت سارة بن عبدالله، الناشطة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة السلام الأخضر ومقرها تونس “إن بلدان الجنوب العالمي هي الأكثر عرضة لتغير المناخ ويجب على قادتنا أن يتحدثوا بصوت عالٍ بشأن تمويل المناخ حتى يتمكن الملوثون من الدفع”.
وبعد أعمال الشغب في تيارت، أرسل الرئيس عبدالمجيد تبون وزيري الداخلية والموارد المائية لإصلاح الوضع. وبعد اجتماعهما مع السكان المحليين، قامت الحكومة بطرد المسؤولين الذين زُعم أنهم مسؤولون عن سوء تخصيص حصص المياه وحشدت الشاحنات لتزويد المدينة بالمياه. ويجري العمل حاليا على إيجاد حل طويل الأمد: بناء خط أنابيب للمياه إلى تيارت من سد يبعد حوالي 20 كيلومترا (12 ميلا).
ويقول محللون إن المزيد من المظاهرات قد تحدث في الأشهر المقبلة في الجزائر، حيث يوجد تاريخ طويل من الاحتجاجات حول فشل توفير الخدمات المحلية.
وأفاد فاراند “في الأساس، ما رأيناه هو جزء من آلية الحكم حيث تقوم الحكومة بعمل غير كافٍ إلى حد كبير في تقديم الخدمات في الكثير من المجالات، وعندما تسوء الأمور بما فيه الكفاية، يحتج الناس.. ثم ترسل الحكومة بعض الموارد بطريقة طوارئ متسرعة للغاية تحل المشكلة مؤقتًا”.
وأضاف “لكن الانتقال من مكان إلى آخر، وحل المشكلات، وعدم النظر مطلقًا إلى الصورة الرسمية الأكبر، وهو أن الجزائر لديها مشكلة في إدارة المياه على مستوى البلاد، هو نوع من الوضع المعقد”.
ومن المتوقع أن يترشح تبون لولاية ثانية في الانتخابات المقررة في سبتمبر المقبل. ونظرا لسيطرة الدولة المشددة على وسائل الإعلام، فمن غير المعروف ما إذا كانت أزمة المياه ستؤثر على الأصوات أم لا.
وعلى النقيض من منطقة الساحل، حيث أدت الحرارة الشديدة إلى تفاقم أزمة تكلفة المعيشة، فإن دعم الطاقة والمياه والوقود في الجزائر، ثاني أكبر اقتصاد في أفريقيا، خفف إلى حد ما من تأثيره على المواطنين.
وجاءت معظم مدفوعات الدعم من محفظة شركة سوناطراك، شركة النفط والغاز المملوكة للدولة، والتي تستخدم الأرباح من الصفقات مع الشركات الأجنبية بموجب قانون المحروقات الأخير الذي صدر لجذب المزيد من المستثمرين.
ويقول الناشطون إن هذا الترتيب يعزز دورة تستفيد فيها الشركات ويعاني الناس العاديون. وقالت بن عبدالله “يتحمل الجزائريون وطأة تأثيرات تغير المناخ بينما تستفيد شركات النفط العالمية ماليا من موارد النفط الجزائرية”.
عن: العرب