تعتبر الكفاءة من العناصر الهامة في منظومة الموارد البشرية والتي أخذت الكثير من الاهتمام والدراسة من جانب المؤسسات والمراكز والباحثين المختصين في العنصر البشري. فما هي الكفاءة؟ وما أنوعها؟ وهل الكفاءة سيرة ذاتية ومهارات فقط؟
الكفاءة تعني القدرة على الإنجاز والتمكن من الفعل، أي الخبرة العملية والتكوين والقدرة على التصرف وأخذ القرار المناسب في الوقت المناسب.
والكفاءة متنوعة ومتعددة بتعدد حاجات الأفراد والمجتمع، يذكر منها الكفاءة الإدارية الوظيفية والكفاءة التقنية والكفاءة العلمية والكفاءة التواصلية والكفاءة السياسية.
وسنقتصر هنا على الكفاءة السياسية لما لها من أهمية كبيرة وتأثير على المجتمع برمته سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.
بداية لا يخفى على المتابع والمهتم، أن كثيرا ما يتم تجاهل عنصر الكفاءة ويحل محله اعتبارات أخرى كالحزب أو الواسطة أو المال لإرضاء هذا الطرف أو ذاك. وبهذا الكثير من الانتهازيين الغير المناسبين، تسللوا إلى الميدان السياسي من دون أن تكون لديهم الخبرات الكافية للعمل في هذا الحقل المصيري، وهدف هؤلاء واضح تماما، إذ ينحصر بالحصول على المناصب والمكاسب المادية الكبيرة، مقابل جهل كبير واستخفاف بالمسؤولية، كما يشير إلى ذلك جانب من واقعنا، حيث يغيب أصحاب الكفاءات وتغيب معهم حالات الانجاز الجيد والتميز في الأداء السياسي.
ولهذا فغالبا ما يحدث الإخفاق السياسي بسبب تجاهل عنصر الكفاءة من قبل هذا الطرف أو ذاك، والجهة التي تقوم بالتعيين على غير أسس الكفاءة تحصل على مرادها بإرضاء الشخص "المدعوم" ومن يقف وراءه، كما أن هذا الشخص غير الكفؤ وغير المؤهل للتعيين في موقع ما يحصل على ضالته بالتعيين وبالحصول على الراتب أو المكافأة، ولكن المؤسسات نفسها هي التي تدفع الثمن غاليا، ففاقد الشيء لا يعطيه.
وهكذا وبناء على ما سبق، فالسياسي الذي لا يمتلك ذخيرة كافية تدعمه لإنجاز عمله بصورة صحيحة، لا يصلح للعمل في هذا المجال لاسيما أن المغرب يعرف أوضاعا اجتماعية صعبة من أسبابها سوء التدبير وغياب الكفاءة المطلوبة. وما انعدام الكفاءة، الذي هو مبدأ الرداءة وقانونها الأوحد، إلا نتيجة لعدم اختيار الشخص المناسب للمكان المناسب. والرداءة السياسية التي زحفت على المغرب منذ سنة 2011 أدت اليوم إلى تفاقم الهشاشة وتعمق التفاوتات الاجتماعية.
صحيح أن اختيار الكفاءات والوصول إليها وفرزها من بين الآخرين ليس بالأمر السهل، ولكنه في نفس الوقت ليس بالمستحيل كما أنه أفضل من اختيار الأشخاص على أساس الولاء والقرابة. كما أن الكفاءة لوحدها لا تكفي، إذ لابد من النزاهة والاستقامة والتحفظ والوضوح وطهارة اليد..
في هذا الصدد المفكر الألماني ماكس فيبر في كتابه "السياسة بوصفها حرفة" حدد ثلاث سمات رئيسة وحاسمة تسهم في صنع رجل السياسة المناسب الناجح وهي: التوق والحماس la passion لتحقيق أمر مهم، الشعور بالمسؤولية le sentiment de responsabilité ثم النظرة الثاقبة le coup d’oeil التي تحدد ما يمكن وما لا يمكن عمله وأضاف إلى ذلك فضيلة التجرد والنزاهة. وهذه عملة نادرة في المغرب.
ومن النقط المضيئة أيضا قوله: "مسألتان قاتلتان في السياسة وهما عدم الدفاع عن أي قضية والافتقاد إلى المسؤولية".
وهنا أتوقف قليلا بالقول إلى أنه عندما تنعدم المبادئ والقيم وتذهب المسؤولية تنعدم الكفاءة وتموت السياسة.