السبت 23 نوفمبر 2024
منبر أنفاس

مريم القبش: زيادة سعر غاز البوتان.. من يدفع الثمن؟

مريم القبش: زيادة سعر غاز البوتان.. من يدفع الثمن؟ مريم القبش
زيادة جديدة في سعر قنينات غاز البوتان كانت كفيلة بإشعال الرأي العام المغربي، بين طبقة مؤيدة ترى أن زيادة الأسعار مع صرف الدعم لن تؤثر على المستهلك، وأخرى معارضة ترى أن هذه الزيادات تثقل كاهل المواطن وتشكل عبئا على الأسر المغربية خصوصا تلك ذات الدخل المحدود. مما يجعلنا نتساءل " هل نحن مستعدون لمواجهة التحديات المستقبلية التي ستولدها مثل هذه القرارات؟". مع أنني لا أرى أن الفئة الضعيفة من المجتمع ستكون قادرة على ضغوط اقتصادية أكثر.
 
وتجدر الإشارة إلى أن الزيادات الأخيرة قد جاءت في إطار خفض الدعم الحكومي المالي الموجه لأثمنة قنينات غاز البوتان في سابقة من نوعها. بعد أن بدأ المغرب إصلاح نظام دعم أسعار بعض المواد الاستهلاكية المعمول به منذ عقود، بهدف تقليص عجز الميزانية. وتعهدت الحكومة المغربية بالقيام بهذا الإصلاح على مراحل، ما يعني الرفع التدريجي لأثمنة قنينات الغاز المنزلي على دفعات، آخرها سيتم تطبيقها سنة 2026. ولكننا لا يمكن أن نتجاهل أن هذه الزيادة تأتي في وقت يعاني فيه المواطن المغربي من ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل عام، وأنها ستؤدي أيضا إلى ارتفاع أسعار العديد من السلع والخدمات الأخرى. ويبدو، أن الحكومة وإلى حدود الساعة تتجاهل الأثر الحقيقي لمثل هذه القرارات على المواطن البسيط.
 
وفي الجانب الآخر قد يجادل البعض بأن هذا القرار يحمل تأثيراً إيجابياً لصالح الدولة بخفض العجز وتوفير موارد مالية لتمويل البرامج الاجتماعية. لكن هذا لا ينفي إمكانية موجة تضخمية جديدة تعيده إلى مستوياته المرتفعة السابقة. بعد أن تباطأ معدل التضخم العام في أبريل الماضي إلى 0.2% على أساس سنوي، وهو أدنى مستوى له منذ ثلاث سنوات ما يؤشر على عودة التضخم إلى مستويات ما قبل 2022 حيث سجل آنذاك معدل 6.6% وكان الأعلى منذ تسعينيات القرن الماضي.
 
كما أنه من المعروف أن المواد المدعمة الثلاث (السكر وبعض أنواع الدقيق وغاز البوتان) تشكل نسبة 7% من متوسط النفقات السنوية للأسر ذات الدخل المنخفض. فيما يشمل نظام الدعم في المغرب أسعار هذه المواد الثلاث عبر صندوق يُسمى "المقاصة"؛ بلغت تكلفته العام الماضي نحو 3 مليارات دولار، وتخصيص جزء كبير من ميزانية الدعم لهذه المواد يعتبر أمراً ضرورياً لضمان استقرار الأسعار. وتقليصه دون توفير بدائل حقيقية للمواطنين يشكل قراراً غير مسؤول.
 
وسبق لوزارة الاقتصاد والمالية أن أكدت أن القرار الجديد لخفض الدعم المالي لقنينات غاز البوتان يأتي لتطبيق برنامج الدعم الاجتماعي المباشر، لصالح 3.6 مليون أسرة، أي تحويل المبلغ المالي الذي سيجري توفيره، لصالح دعم الخدمات الصحية للفقراء، في سياق تنزيل أكبر مشروع لتوفير التغطية الصحية المجانية لجميع المغاربة.
 
وسأفتح قوساً هنا لأقول: إن الحكومة باتت تختبئ وراء دعم الأسر الفقيرة لتبرير سياساتها المالية، ولكن الواقع يشير إلى أن هذه السياسات تزيد من معاناة المواطن وتثقل كاهله بالمزيد من الأعباء الاقتصادية.
 
ثم إن تعهدات الحكومة ستبقى مجرد حروف على ورق ما لم تدخل حيز التنفيذ بشكل كامل. وما لم تلتزم (الحكومة) بوعودها وتضمن وصول الأموال بالفعل إلى الفئات المستحقة. وفي هذا السياق وإلى حدود الساعة فإن المواطنين مطالبون بترشيد استهلاكهم للطاقة والبحث عن بدائل أكثر اقتصادية، رغم أن هذا ليس حلا كافيا لحفظ جيب المواطن المغربي. ومن الواجب وضع استراتيجيات أكثر فاعلية تضمن مستقبلا أفضل للأجيال القادمة، وتضع مصلحة الشعب في المقام الأول، بالإضافة إلى أنه يجب أن تكون هناك حلول ملموسة وحقيقية لتخفيف العبء المالي عن الأسر المغربية.
 
وفي النهاية، يجب أن نتذكر دائماً أن القرارات الاقتصادية تؤثر بشكل مباشر على الحياة اليومية للمواطنين، ويصبح دور المجتمع المدني أكثر أهمية في هذه الأوقات الحرجة. وسيبقى الموضوع محل جدل واسع في البلاد، ما دامت الجهات المسؤولة لم تعزز الحوار المفتوح والشفاف مع المواطنين، لتتمكن من تحقيق توازن أفضل بين متطلبات الحياة اليومية والإمكانات الاقتصادية المتاحة.