الأربعاء 11 ديسمبر 2024
كتاب الرأي

سعيد الكحل: إفريقيا ضحية الإرهاب والنهب والانقلاب (1/4)

سعيد الكحل: إفريقيا ضحية الإرهاب والنهب والانقلاب (1/4) سعيد الكحل
صدر عن الأمم المتحدة، في شهر فبراير 2024، ينبه إلى خطورة انتشار الآلاف من مقاتلي تنظيمي «القاعدة» و«داعش» في مناطق مختلفة من قارة أفريقيا، وخصوصاً في منطقتي الساحل والقرن الأفريقي، بحيث وصل التهديد الإرهابي إلى ذروته في القارة الأفريقية التي تواجه، بخلاف بقية القارات، ثلاثة مخاطر مشتركة ومتداخلة، تقوض أمنها وتصادر حق شعوبها في التنمية والكرامة والديمقراطية؛ وهي الإرهاب، النهب والانقلاب. وضعية جعلت إفريقيا تعيش مفارقة صارخة: غنى الموارد البشرية والطبيعية والثروات، وفقر معظم شعوبها ودولها. ترتب عن تلك المخاطر أن 230 مليونا من ساكنة القارة يعانون من سوء التغذية، وفق برنامج الغذاء العالمي. فيما يرى الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، أن أفريقيا، تعاني من واحدة من أكثر الأزمات الغذائية إثارة للقلق منذ عقود، بحيث تؤكد تقارير هاتين الهيئتين أنه «يعاني حوالي 146 مليون شخص من انعدام حاد للأمن الغذائي، وهم بحاجة إلى مساعدة إنسانية طارئة». فإفريقيا تمتلك نحو 65 في المائة من مساحة الأرض الزراعية الصالحة للزراعة في العالم، و60 في المائة من ثروتها البشرية تقل أعمارهم عن سن 25. كما تمتلك دول إفريقيا 98% من الكروم في العالم، و90% من الكوبالت، و90% من البلاتين، و70% من الكولتان، و70% من التانتاليت، و64% من المنغنيز، و50% من الذهب، و33% من اليورانيوم، بالإضافة إلى نسب هامة من احتياطات العالم من معادن مثل البوكسيت والماس والتانتالوم والتونغستين والقصدير. كما تمتلك 12% من احتياطات النفط المعروفة، و8% من احتياطات الغاز الطبيعي. في 2012 قدّرت الأمم المتحدة بأنّ الموارد الطبيعية للقارة تشكّل 77% من مجمل وارداتها، و42% من مجمل عائداتها الحكومية. وتشكل القارة الإفريقية سوقا استهلاكية ضخمة ومغرية بنحو 1.3 مليار نسمة.
 
خطر الإرهاب
إن الموارد الطبيعية التي تزخر بها إفريقيا، والهاشة الأمنية التي تعاني منها دول الساحل، تجعل من القارة البيئة الجاذبة للتنظيمات الإرهابية، لدرجة أن داعش بصدد إقامة دولة "الخلافة" في منطقة الساحل بعد انهيار دولته في العراق وسوريا إثر الضربات القوية التي تلقاها من دول التحالف الدولي. وقد مكنت سيطرة داعش على مناطق شاسعة تضم المناطق الريفية الممتدة من جاو في الشمال إلى دورى في الجنوب ومن نتيليت في الغرب إلى منطقة تاهوا الحدودية في الشرق. بحيث أصبحت البلدات، بما في ذلك أندريرامبوكان وإنديليمان وتين حماة، بمثابة عواصم شبه إدارية لدولة داعش التي تتشكل تدريجيا في الساحل.
 
تستغل التنظيمات الإرهابية الصراعات الحدودية بين الدول في النمو والتكاثر والانتشار والسيطرة على الموارد الطبيعية، والدخول في تحالفات وعلاقات فيما بينها ومع بعض حكومات المنطقة. الأمر الذي رفع من نسبة العمليات الإرهابية وضاعف من أعداد الوفيات والنازحين. فحسب مؤشر الإرهاب العالمي لسنة 2023، فإن تأثير العمليات الإرهابية حول العالم عرف زيادة في عدد الضحايا بمعدل وصل إلى 22% ليكون العدد الإجمالي للضحايا 8352 ضحية، رغم أن عدد العمليات الإرهابية الإجمالية قد انخفض بنحو 23% ليكون 3350 هجوماً إرهابياً خلال عام 2023. ففي الوقت الذي انحسرت فيه الاعتداءات الإرهابية بشكل ملحوظ في الدول الغربية، بتنفيذ نحو 23 عملية إرهابية، أي بانخفاض يعادل 55% عن سنة 2022، نجد أن الاعتداءات الإرهابية تركزت أساسا على: أفريقيا جنوب الصحراء، شمال أفريقيا والشرق الأوسط، بالإضافة إلى جنوب آسيا، حيث سقط في هذه الأقاليم 94% من ضحايا الاعتداءات الإرهابية لسنة 2022. واستحوذت أفريقيا جنوب الصحراء وحدها على 59% من عدد ضحايا هذه الاعتداءات، خاصة بوركينافاسو ومالي والنيجر. وكشف تقرير مؤشر الإرهاب العالمي 2023، عن زيادة بنسبة 50 % في الوفيات عن سنة 2022. كما سجل ارتفاع العمليات الإرهابية في المنطقة بأكثر من 2000 % خلال السنوات الـ 15 الماضية. وبحسب المنظمة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا «الإيكواس»، فإن منطقة غرب أفريقيا سجلت أكثر من 1800 هجوم في الأشهر الستة الأولى من عام 2023، مما أدى إلى مقتل ما يقرب من 4600 شخص، بالإضافة إلى نزوح 6.2 مليون شخص داخليا وما يقرب من نصف مليون لاجئ داخل المجموعة المكونة من 15 دولة. وأوضح التقرير أن الفترة الممتدة من يناير إلى 30 يونيو 2023، عرفت وقوع 2725 هجوماً في بوركينا فاسو، و844 في مالي، و77 في النيجر، و70 هجوماً في نيجيريا، أدت جميعها إلى مقتل 4593 شخصاً. بل إن الهجمات الإرهابية امتدت إلى بنين وتوغو اللتين تطلان على المحيط الأطلسي، مما يعد مؤشرا خطيرا على توسع الإرهاب إلى الدول الساحلية.
 
وقد اعتمدت التنظيمات الإرهابية تكتيكا مغايرا يقوم على تركيز عملياتها في مناطق بعينها بدل تشتيت قدراتها لتشمل رقعة جغرافية أوسع وذلك بهدف إسقاط ضحايا أكثر. وقد صنفت 7 دول إفريقية ضمن خانة الدول التي تواجه تهديدا إرهابيا مرتفعا، ويتعلق الأمر بكل من بوركينافاسو ومالي والصومال ونيجيريا والنيجر والكاميرون والكونغو الديمقراطية وموزمبيق.  
 
وفي حالات كثيرة، يشن الهجمات الإرهابية في الساحل أشخاصٌ يسميهم محللو المؤشر «المتشددين المجهولين»، الذين لا يوالون أياً من الشبكات الإرهابية الراسخة مثل تنظيم داعش. وتحدث المحللون عن كثرة حدوث الهجمات بسبب المظالم المحلية، مثل سوء الخدمات الحكومية أو نقص الفرص الاقتصادية، وليس التعاطف مع داعش أو أمثاله.
 
وشهدت منطقة الساحل تصعيدا أكبر منذ منتصف 2017، حيث تزايدت العمليات الإرهابية المنسوبة إلى تحالف جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM) وداعش (الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى) (ISGS) بسبعة أضعاف.
 
وقد ترتب عن تزايد الأنشطة الإرهابية واتساع نطاقها أن صارت دول الساحل عاجزة كليا عن بسط نفوذها على كامل ترابها الوطني (بوركينافاسو مثلا تسيطر فقط على 60 % من مجموع أراضيها. الأمر الذي يجعل الجزء المهم الغني بالذهب خارج سيطرة الدولة). وقد تمكنت التنظيمات الإرهابية، خلال الفترة من 2007 حتى 2022 من شن (6408) هجومًا إرهابيًّا أسفر عن مقتل (22074) شخصًا. مما جعل بوركينافاسو تحتل المرتبة الأولى في مؤشر الإرهاب العالمي. إذ شهدت بوركينا فاسو 67 % من الوفيات(7762) المرتبطة بالتنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل لسنة 2023؛ أي أكثر من ضعف عدد الوفيات المسجلة في عام 2022. أما مالي فتحتل الرتبة الثالثة بعد أن كانت تحتل المرتبة الرابعة سنة 2023؛ والنيجر الرتبة العاشرة للعام الثاني على التوالي.
 
عموما فإن منطقة الساحل والصومال وحوض بحيرة تشاد تمثل الآن 99 % من الوفيات المرتبطة بالتنظيمات الإرهابية في إفريقيا. وزاد من تعقيد وضعية هذه الدول الصراعات الإثنية والانقلابات العسكرية (بين 2020 و2023 شهدت القارة الإفريقية 20 محاولة انقلاب).
 
ومن جهته نشر مركز إفريقيا للدراسات الاستراتيجية، أحد الأقسام التحليلية في البنتاجون، تقريرًا في غشت 2022 ذكر أن الهجمات الإرهابية في أفريقيا ارتفعت بنسبة 300% خلال العقد الماضي مع تضاعف الهجمات العنيفة في السنوات الثلاث الماضية فقط.
 
استنادا إلى تقرير "مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية" الصادر في 5 مارس 2024، يتوزع ضحايا الإرهاب في إفريقيا على الشكل التالي:
 
منطقة الساحل والصومال
تمثل الأعمال الإرهابية في منطقة الساحل والصومال 77 في المائة من إجمالي الأعمال الإرهابية المعلن عنها في جميع أرجاء قارة أفريقيا في عام 2022. إذ ارتفع عدد القتلى بنسبة مثيرة للقلق بلغت 48 في المائة مقارنة بالعام 2022؛ ويقدر عدد الوفيات المرتبطة بالتنظيمات الإرهابية بنحو 11643 شخصا، وهو رقم قياسي منذ ذروة العمليات الإرهابية لبوكو حرام سنة 2015. الأمر الذي جعل أعداد الوفيات بالمنطقة ترتفع بنسبة ثلاثة أضعاف عن مستوياتها في عام 2020، عندما وقع أول انقلاب عسكري في المنطقة – والذي تم تبريره ظاهريًا على أساس انعدام الأمن. وبهذا تمثل الوفيات في منطقة الساحل 50 % من مجموع الوفيات المرتبطة بالتنظيمات الإرهابية المبلغ عنها في القارة عام 2023 بعد أن كانت تمثل 30 % من الوفيات المرتبطة بهذه التنظيمات في القارة عام 2020. ويمثل تحالف جماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM)  أخطر تلك التنظيمات بنسبة 81 % من الجرائم الإرهابية في منطقة الساحل؛ حيث وصل عدد القتلى  إلى9195   مقابل5499   في عام 2022. في المقابل، شهدت الوفيات المرتبطة بتنظيم داعش (( ISGS انخفاضًا بنسبة 7% عام 2023 (وصولاً إلى2448  حالة وفاة). وشهدت بوركينا فاسو 67 % من الوفيات المرتبطة بالتنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل (7762). ويمثل هذا الرقم ضِعف عدد الوفيات المسجلة في عام 2022. أما مالي فشهدت ما نسبته 34 % من الأعمال الإرهابية المبلغ عنها في المنطقة (1014 هجوم و2863 حالة وفاة). فيما عرفت دولة النيجر، زيادة في الأعمال الإرهابية بنسبة 9 % منذ عام 2022 (وصولاً إلى 231 عملية تم الإبلاغ عنها) بحيث قفزت الوفيات بنسبة 48 % (793)، غالبيتها العظمى (93 بالمائة) ارتكبت ضد المدنيين من طرف داعش (242 حالة وفاة). وتشير التقديرات إلى أن هناك أكثر من 330 ألف لاجئ و 2.5 مليون نازح داخليًا من بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ضمنهم أكثر من مليوني نازح داخليًا في بوركينا فاسو وحدها.
 
إلا أن حالة الصومال تظل لافتة للانتباه بسبب الارتفاع في عدد العمليات الإرهابية بنسبة 133 % سنة 2022 من طرف حركة الشباب على الخصوص. كما تم الإعلان عن 6225 حالة وفاة مرتبطة بحركة الشباب، بزيادة 2606 عن سنة 2021، وهو عدد قياسي يتخطى إجمالي أعداد القتلى في عامي 2020و2021. ويمثل هذا 37 % من مجموع العمليات الإرهابية في أفريقيا، وهو أقل بقليل مما حدث في منطقة الساحل.
 
حوض بحيرة تشاد
يشكل حوض بحيرة تشاد ثالث أكبر المواقع من ناحية الوفيات في القارة، حيث يمثل 16 % من إجمالي الوفيات المرتبطة بالتنظيمات الإرهابية؛ إذ بلغ عدد الوفيات 3769 شخصا سنة 2023. وغالبية تلك الأعمال الإرهابية مرتبطة بتنظيم بوكو حرام وتنظيم داعش "الدولة الإسلامية في غرب إفريقيا" (ISWA).
 
شمال موزمبيق
شهد مستوى الأعمال الإرهابية في موزمبيق انخفاضًا بنسبة 71 %، إذ تم الإبلاغ عن 127 عملا إرهابيا و260 حالة وفاة في عام 2023. ويُعزى هذا الانخفاض إلى الهجوم الذي شنته سنة 2023، مجموعة تنمية الجنوب الإفريقي (SADC) والقوات الرواندية التي تم نشرها في يوليو 2021 لمساعدة الجيش الموزمبيقي على طرد الإرهابيين من مدينتي بالما وموكيمبوا دا برايا، واستعادة 90 % من الأراضي التي كانت تحت سيطرة الإرهابيين ودفعهم إلى المناطق الريفية في الجزء الشمالي الشرقي من منطقة ماكوميا.
 
شمال إفريقيا
عرف شمال إفريقيا انخفاضا في الأعمال الإرهابية بنسبة 98 %خلال العام 2023؛ بحيث لم يتم التبليغ سوى عن 4 عمليات، مما نتج عنه انخفاض بنسبة 98 % في عدد الوفيات المرتبطة بهذه العمليات لتصل إلى 7 وفيات، بعدما بلغت 4097 حالة وفاة في عام 2015. وتركز التهديد الإرهابي في شمال إفريقيا في المقام الأول داخل شبه جزيرة سيناء المصرية التي عرفت وقوع 156 هجوما إرهابيا سنة 2022 لينخفض إلى هجوم واحد استهدف الجيش المصري في سيناء في فبراير 2023. وعلى الرغم من هذا التراجع في الأعمال الإرهابية في هذه المنطقة، تعتقد الأمم المتحدة وغيرها من الهيئات أن داعش والقاعدة بليبيا لا يزالان يشكلان تهديدا مستمرا بالمنطقة.
 
ذكر تقرير لمؤشر الإرهاب العالمي لعام 2024 أن الجماعات الإرهابية مرت بعدة تطورات؛ فتاريخيًّا كان هناك نوعان من الجماعات النشطة في إقليم الساحل؛ الأولى: جماعات محلية ركزت على مشكلات المواطنين، وكانت دائمًا ما تعلن معارضتها للسياسات الحكومية الانتقائية، وانقسمت تلك الجماعات لعدة فروع ما بين عرقية وقومية ودينية، وفقًا لطبيعة أيديولوجيتها، وكان أبرزها “أنصار الدين” و”المرابطون” و”كتيبة ماسينا”، أما النوع الآخر من الجماعات فتعرف بالجماعات الجهادية العابرة للحدود، والتي تملك صلات وثيقة بالقاعدة أو بداعش، مما أدى لظهور ما تم تسميته بجهاد اللصوصية، حيث قامت تلك الجماعات الإجرامية باستخدام الدين للدفاع عن أعمالها الإجرامية كتنظيمي “القاعدة” و”داعش”، وتمكنت من التمركز في الأقاليم الحدودية المهمشة حيث ضعف القبضة الأمنية، وارتفاع معدلات الغضب الشعبي نتيجة التهميش الحكومي لأحوال الساكنة، لتتمكن بذلك الجماعات الإرهابية من استقطاب المواطنين وتوسيع القاعدة الشعبية لها، مستغلة حالة الفقر وتدهور الأوضاع الاجتماعية لتلك المناطق.