الاثنين 25 نوفمبر 2024
اقتصاد

يوسف بونوال: إرتفاع ثمن "البوطا"..لا يلدغ المغربي في الجحر مرتين

يوسف بونوال: إرتفاع ثمن "البوطا"..لا يلدغ المغربي في الجحر مرتين يوسف بونوال
الزيادة في ثمن "البوطا" بعشرة دراهم، أي ما نسبته 25٪؜، أثارت كثيرا من النقاش بكلمات تارة تكون جادة و ملغمة بأرقام و مؤشرات يصعب فهمها، و تارة أخرى بلغة عاطفية مدغدغة للنفسيات الباحثة عن ملاذ لوأد حرِّ لسعة غلاء المعيشة الذي أثقل الكواهل و زاد من ثقلها. عشرة دراهم خفيفة علي جيوب قلة و ثقيلة على جيوب كثرة. خرج السيد لقجع، وزير الميزانية، بتصريح يفيد أن الأمر ليس بجلل و إنما زيادة جزئية و ليس بتحرير أسعار. تصريح و كأنه "إنتصار" لفقراء هذا البلد و "لواءُ عدالةٍ" في وجه لا عدالة المقاصة حيث الأغنياء هم الأكثر إستفادة حسب حَجِّيته.
نسمع كثيرا "أن الفقر ليس عيبا". مقولة بحمولة فلسفية تطرح سؤالاً آخر أكثر عمقا و أكثر فلسفية. وأين العيب إذا ؟ العيب أن يكون تصحيح إخفاق السياسات العمومية على حساب الحلقة الضعيفة كأننا نطلب من الضحية أن يزداد تضحية و يتحمل وزر و عبء من كان مسؤولا عن "الخطية". لنا أمثلة لا حصر لها و ذلك لكثرتها. و سوف نكتفي بواحدة جامعة شاملة و محرجة لمن يسير شأننا العام. رفع الدعم عن المواد الأساسية لرفع الضغط عن تكلفة المقاصة و خصوصا لآثارها على ميزانية الدولة التي تعتمد أساسا على الضرائب مما يضعف من تنوعها و من مناعتها. تحرير المحروقات بدون تسقيف نعمة نقمة. قرار سياسي أنعمَ على المحظوظين المُنعَّمين من غدقه الوفير و الربح اليسير. إنه قانون السوق حيث العرض و الطلب و لأننا في نظام إقتصادي تبنى حريةً في تنقل الرساميل و تشجيعا للإستثمار الخاص. كان نعمة على رئيس حكومتنا، و بشكل قانوني لا غبار عليه. أليس هو الرئيس؟ أليس هو الحريص على إحترام القانون و قدسيته؟ القانون عملة بوجهين. عدالة و إنصاف. العدالة تطبيق النص حرفيا بكل تجلياته القطعية و الجازمة. إنصاف في روحه و غاية وجوده  و هو تغليب المصلحة العامة و الإنتصار للضعيف تحقيقا للتوازن داخل المجتمع، الشرط الأساسي للتماسك الاجتماعي وللإحساس بالانتماء للوطن.
غُصَّة إرتفاع ثمن المحروقات مازالت عالقة في الحلق. إنها ضربة حظ للإغتناء و دون عناء. إنه إثراء قانوني في نصه غير منصف في روحه. قد يقول البعض هاته بضاعة و هذا سوق و هذا عرض و هذا طلب. أيْ نعم صدقت غير أن الأثر النفسي على شريحة مهمة و تزداد أهمية، عدديا أقصد، مقلق و مندر بنتائج سيئة تزيد من حدة التفاوتات الاجتماعية و من الهوة بين فئات المجتمع الواحد كأننا نخلق من حيث لا ندري عازلاً مانعاً بين هاته الفئات نحن في غنى عنه. نريد مجتمعا متكاملا رغم إختلاف طبقاته الاجتماعية، إختلاف كوني إيجابي تدافعي حيث الجزء من الكل و الكل نِتاج هذا الجزء.
كثير من المقالات تكلمت خلال السنوات الثلاث الماضية عن إضعاف الطبقة المتوسطة و تفقيرها. إرتفاع تكاليف العيش في ظل كساد اقتصادي و تضخم مالي و إرتفاع للبطالة خصوصا عند الشباب و ندرة في خلق الثروة و إفلاس لكثير من المقاولات و ضغط ضريبي مخيف و مقلق، لم يستثني (أي إرتفاع تكاليف العيش) أية فئة إجتماعية حيث الاثر حاضرا بنسب مختلفة لكنه حاضر و بقوة.
"الفقر ماشي عيب" مثل يعرفه جل الفقراء المغاربة. الإحساس بالحاجة و بالعوز ليس عيبا، لكنه نريده منصفا في توزيعه. لنرجع لموضوع العشرة دراهم، الزيادة في ثمن "البوطا"، أو قنينة الغاز و هنا لن أخوض في الكلام عن غاز رئيس حكومتنا و لربما في مقالة أخرى.
"البوطا" لها رمزيتها و تاريخها الراسخ في مخيلة و ذكريات المغاربة خصوصا في الأحياء الشعبية و حتى المتوسطة إن صحّ التصنيف. هاته الكتلة الحديدية الدائرية الثقيلة و تزداد ثقلا إن كانت ممتلئة رغم شكوكنا في درجة إمتلائها. "البوطا" رمز للتعاون بين فتية الحي بحملها و خصوصا إن كان حملها يستدعي المرور عبر أدراج ضيقة في منازل ضيقة هي الأخرى. "البوطا" بشكلها "المتسخ" تفرض وجودها في كل المنازل، الضيقة و الفسيحة، المشتركة و غير المشتركة. تتواجد كذلك في المحلات الغذائية بكل تصنيفاتها، الشعبية و الراقية و القروية و الحضرية و حتى تلك التي تنبعث كل أسبوع في أسواق بمزيج من الغبار و كثير من النساء و الرجال. درجة الإرتباط "بالبوطا" جعل إحتضارها صعبا و فراقها أليما حتى أصبحنا نُشعل النيران تحت أسفلها علَّنا نمدد في عمرها لكي لا تنسلخ بسرعة روحُها عن جوفها الحديدي. إعلان إرتفاع ثمن "البوطا" بعشرة دراهم أثار فزعا في نفوس المغاربة لإرتباطهم بهاته القنينة الحديدية التي لم تستطع قنينة رئيس حكومتنا البلاستيكية أن تنافسها (هنا وصف كلمة "البلاستيكية" يرجع إلى القنينة).
هلع له ما يبرره. إرتفاع كتوطئة لتحرير ثمن الغاز. هلع لأنه لا يلدغ المغربي في الجحر مرتين و تاريخ تحرير ثمن المحروقات ليس ببعيد. خرج وزير الميزانية بحس إستباقي ليطمئننا أن القرار ليس بتحرير و إنما بإرتفاع جزئي. قلق من إرتفاع التكلفة يؤدي بشكل مباشر و حتمي الى ارتفاع في الأسعار تكون له تبعات تزيد من حدة الضغط على القدرة الشرائية للمغاربة. للأسف أصبح كثير من العائلات غير قادرة على الحفاظ على شكل قفتها اليومية و إستبدلت اللحم الأحمر بآخر أبيض أقل بقليل من ثمنه، و خف الوزن من الكيلو إلى النصف أو الربع و أحيانا "بالحَبَّةِ". ظواهر إجتماعية دخيلة و غريبة أخشى أن تستوطن و تعمر كثيراً. أخشى كل الخشية أن تعصف بالمقولة الشهيرة "المغاربة كلهم واكلين" و أن يطل علينا شبح الجوع و نحن البلد الغني بجغرافيته و خيراته على إمتداد بحرين عظيمين و مساحات خصبة واسعة. هنا نتساءل كيف دُبِّرَ المغرب الأخضر و من سيقرر في الجيل الأخضر؟