إن أكبر ما يثير في واقعة مالك ( 33سنة)، نجل أنس الصفريوي المستثمر العقاري الكبير ورئيس مجموعة الضحى، والذي هو في نفس الوقت صهر رئيس الحكومة عزيز أخنوش، ليس فقط الغلاف المالي للاقتناء قصر بالولايات المتحدة الأمريكية بمبلغ يفوق 15 مليون دولار أمريكي (حوالي 15 مليار سنتيم مغربية). وليس حدوث ذلك في سياق إدعاء الحكومة التي يقودها الصهر الكبير إقامة "الدولة الاجتماعية"، ولكن كذلك في كون الواقعة تأتي كتعبير صريح عن قدرة منظومات المال والأعمال على خرق مضامين الخطابات الملكية التي طالما نبهت إلى ضرورة ترشيد السلوك الاجتماعي، وإلى توجيه الثروة نحو ما يفيد بناء الدولة والمجتمع، وضمنها خطاب الملك في الذكرى 15 لاعتلائه العرش حيث طرح الملك فكرة مآل الثروة المغربية مؤكدا بأن المغاربة «لا يستفيدون جميعهم من الثروة المحصلة في البلاد».
كما أن النازلة هي خرق، تبعا لذلك، لكل النصوص الدستورية ذات نفس المضمون، والأكثر من ذلك أن الواقعة تشكل أذى لاقتصاد المال والأعمال في العالم كما سنوضح ذلك.
قبل أن نواصل شرح تداعيات هذه الآثار والدلالات، لِنعدْ تركيب الصورة كما فجرتها جريدة «ميامي هيرالد» في الثاني من يناير 2024 التي أفادت بأن المعني بالأمر قد اقتنى، من مصمم المجوهرات العالمي بول موريلي، قصرا فاخرا بمنتجع «ميامي بيتش» بجزيرة هيسبيكوس على مساحة ألفي متر مربع، وهو يتكون حاليا من طابقين، لينضم بذلك إلى نادي أثرياء العالم، وذلك بمبلغ محدد في 15.375 مليون دولار.
قبل أن نواصل شرح تداعيات هذه الآثار والدلالات، لِنعدْ تركيب الصورة كما فجرتها جريدة «ميامي هيرالد» في الثاني من يناير 2024 التي أفادت بأن المعني بالأمر قد اقتنى، من مصمم المجوهرات العالمي بول موريلي، قصرا فاخرا بمنتجع «ميامي بيتش» بجزيرة هيسبيكوس على مساحة ألفي متر مربع، وهو يتكون حاليا من طابقين، لينضم بذلك إلى نادي أثرياء العالم، وذلك بمبلغ محدد في 15.375 مليون دولار.
وأضافت الجريدة أن من المتوقع أن يقوم المالك الجديد بهدم البناية، وإعادة تكييفها عمرانيا لتلائم الصيغ الهندسية الأكثر حداثة. موضحة أنه زوج ابنة عزيز أخنوش، وانه يشغل حاليا نائب رئيس شركة «اسمنت أطلس». وانه هو ابن أنس الصفريوي الذي تفوق ثروته، حسب ذات المصدر الأمريكي، 1.1 مليار دولار حسب تقرير فوربيس لسنة 2017.
إن الصورة الإعلامية كما حاولنا إعادة تركيبها تبعث على السؤال البديهي التالي:
ـ كيف هاجرت أموال الشراء من بلد الفقراء إلى جنة الثراء العالمي؟
هل تم ذلك وفق الإجراءات الإدارية المعمول بها في نقل العملة الصعبة إلى الخارج ؟
أم هو فقط الاستهتار بالوطن وترواثه؟
هل تم ذلك وفق الإجراءات الإدارية المعمول بها في نقل العملة الصعبة إلى الخارج ؟
أم هو فقط الاستهتار بالوطن وترواثه؟
المثير الأكثر للتساؤل هو أن المعني بالأمر وشبكاته المؤسسية والأسرية قد سكتت عن الموضوع ولم تعره أدنى اهتمام واخترام حق الرأي العام في معرفة مسارب تحويل العملة الصعبة (هل من المغرب او من الخارج وبأي طريقة)، بما يوضح كواليس الاقتناء وتدحرج الأموال إلى هناك، وبما يحفظ سيرة المعنيين بالأمر، وذمتهم المالية، مع ما تتمتع به هذه الشبكات من وزن مالي وعائلي، علما بأنها هي المعنية الأولى بمثل هذا النوع من «هجرة» الأموال باعتبار والد المعني بالأمر من النافذين في السياسة الاستثمارية والعقارية الريعية. وبالتالي فسكوت الصفريوي الابن، والصفريوي الأب، إلى جانب سكوت رئيس الحكومة «الصهر» وهو ما يجعل كل هؤلاء متورطين في «شبهة» الصمت.
ثم لماذا سكت مكتب الصرف والسلطات الحكومية الوكية على المالية عن النازلة؟
علما بأن المكتب المعني كان قد أعلن بأن قد أقر، ابتداء من فاتح يناير 2022، رفع الحد الأقصى للمخصصات المالية، المسموح للمسافرين بنقلها للخارج، إلى 10 ملايين سنتيم سنويا، تستعمل للسفر إلى الخارج بهدف السياحة أو الحج والعمرة أو الاستشفاء. كما "حدد سقف 100 مليون درهم بالنسبة للاستثمارات في إفريقيا، و50 مليون درهم بالنسبة للقارات الأخرى، حيث تم وضع تسهيلات لفائدة تطوير المقاولات الناشئة الوطنية المدرجة من قبل وكالة التنمية الرقمية". وبالطبع فلا حديث ولا نص عن اقتناء القصور والفيلات الفاخرة وغيرها من الاحتياجات الخاصة الفارهة التي لا مبرر لها سوى إرضاء النفس الأمارة بالسوء.
في غياب الإجابة عن مثل هذه الأسئلة، يكون من المشروع التساؤل عن معنى أن يحدث كل ذلك في مغرب اليوم.
هل هي إرادة حكومة عزيز أخنوش، التي تبدو هشة وعاجزة عن تطويق منظومة الفساد؟ أم هو، بصريح اللفظ والمعنى، الوجه البشع للنفاق الحكومي الذي طالما نددنا بترسخه في النشاط الوطني العام باعتباره أحد أركان ذلك الفساد، وأحد عناصر الأغطية التي يحظى بها الفاسدون المغاربة؟
قد لا يكون لهذا الفساد معنى كبير بالنظر إلى أن الفساد صار عملة رائجة ومتأصلة في السلوك الحكومي منذ فترة طويلة، أو على الأقل منذ تشكيل هذه الحكومة النيواليبرالية المتوحشة التي رفعت شعار «الدولة الاجتماعية». فعزيز أخنوش،رئيس الحكومة «الصهر»، هو نفسه المتورط في عملية الاغتناء بعد تحرير سوق المحروقات، وبتواصل الجشع في الاستثمار في أسواق الأوكسجين وتحلية المياه والفلاحة والعقار، وغيرها بما يتنافى مع تداخل مصالح المال والسياسة والأعمال.
ورئيس مجلس النواب «القيادي في حزب رئيس الحكومة» هو نفسه المحاط بشبهة التهرب الضريبي. ناهيك عن مختلف أنماط سلوك الفساد الأخرى المتمثلة في زيف الشعارات من قبيل بسط الوعود والتطمينات بيد، وإعلان الحرب على مستوى عيش المغاربة بيد أخرى.
لكن المعنى قد يتغير بدرجة قياسية إذا استحضرنا أن انفجار هذه الفضيحة قد تم في الوقت الذي يجري فيه فتح ملفات الفساد من خلال تقديم عدد من القيادات القوية في السلم الحزبي الحاكم، ومن نواب برلمانيين من مختلف الأحزاب وصل عددهم إلى الثلاثين إضافة إلى مستشارين جماعيين وموظفين ومحامين ووسطاء للمساءلة القانونية، وبعضها للاعتقال بتهم وشبهات تبذير المال العام، والاختلال المالي والإداري، واستغلال النفوذ وتسخير العلاقات الرسمية في غير محلها إلى غيرها من المتابعات التي تتعلق بالسب والقذف، وذلك بعدد من المدن المغربية.
لكن الأخطر يتجاوز شأننا الوطني ليسائل صورة المغرب الذي يسعى إلى أن يقدم نفسه كبلد للاشتغال الفعال للمؤسسات حيث المواطن يتمتع باتساع نسبي للحريات والحقوق، وحيث هناك اقتصاد ناشىء تتزايد فيه فرص تدفق الاستثمار الأجنبي في أفق نهضة مجالات صناعية حديثة. واعتمادا على هذه الوصفات بالضبط صار بلدنا يحتل يوما بعد يوما مكانة ذات مصداقية في علاقته مع المؤسسات المالية والدولية التي تشهد بذلك مؤكدة «صمود اقتصادنا الوطني أمام الصدمات والازمات».
فهل ما حدث من شأنه فعلا أن يعزز الثقة في ملفات الاستثمار، أو طلبات المديونية التي يسعى إليها المغرب في حواره مع العالم؟ ام أن ما يجري يفيد بأن «ما يحرثه الفلاح يدكه الجمل»، وبأن الأمر في جوهره يلتقي مع المقول الشعبي «المال السايب تيعلم السرقة»؟ ويقال كذلك «ثلاثة أشياء لا يمكن إخفاؤها عن أنظار الناس: المال والعطر والحب». لكن الذي صنع هذه المأثورة لم يكن يقصد ما هو فاسد من المال والعطر والحب أصلا لأن الفاسد تُعطى رائحته بدون الحاجة إلى الإخفاء.
هل هذا ما تُشتم رائحته اليوم؟
فهل ما حدث من شأنه فعلا أن يعزز الثقة في ملفات الاستثمار، أو طلبات المديونية التي يسعى إليها المغرب في حواره مع العالم؟ ام أن ما يجري يفيد بأن «ما يحرثه الفلاح يدكه الجمل»، وبأن الأمر في جوهره يلتقي مع المقول الشعبي «المال السايب تيعلم السرقة»؟ ويقال كذلك «ثلاثة أشياء لا يمكن إخفاؤها عن أنظار الناس: المال والعطر والحب». لكن الذي صنع هذه المأثورة لم يكن يقصد ما هو فاسد من المال والعطر والحب أصلا لأن الفاسد تُعطى رائحته بدون الحاجة إلى الإخفاء.
هل هذا ما تُشتم رائحته اليوم؟