الأحد 24 نوفمبر 2024
خارج الحدود

مصارعة الثيران في إسبانيا تتحول إلى منازلة سياسية

مصارعة الثيران في إسبانيا تتحول إلى منازلة سياسية مشهد لمصارع للثيران( أرشيف)
أدى الإعلان في إسبانيا عن إلغاء جائزة سنوية لمصارعة الثيران إلى إعادة إحياء النقاش في شأن هذا النوع من الأنشطة، وإلى منازلة على الحلبة السياسية بين الحكومة اليسارية والمعارضة اليمينية، حيث أثار القرار انتقاد ساسة محافظين لما يرونه تخليا عن تقليد يعود إلى قرون، فيما يقول معارضوه إنه “تعذيب” لتلك الحيوانات. 
وتُعتبر مصارعة الثيران على الطريقة الإسبانية، التي عادة ما تنتهي بقتل الحيوان بطعنة سيف من مصارع، تقليدا ثقافيا بالنسبة إلى مؤيديها في حين يصفها المعارضون بأنها تقليد قاس لا مكان له في المجتمع الحديث. 
وكشفت وزارة الثقافة أنها اتخذت قرارها بإلغاء الجائرة بناء على “الواقع الاجتماعي والثقافي الجديد في إسبانيا”، إذ تزايدت المخاوف المتعلقة بالرفق بالحيوان فيما تتراجع نسب الحضور في معظم حلبات مصارعة الثيران.
وقال وزير الثقافة إرنست أورتاسون لتلفزيون “لا سيكستا” “لم يبدُ لنا مناسبا الحفاظ على جائزة تكافئ شكلاً من أشكال إساءة معاملة الحيوانات”، مشيرا إلى أن “غالبية الإسبان يشعرون بقلق متزايد” بشأن احترام الحيوانات. 
وعلّلَ الوزير المنتمي إلى حزب “سومار” اليساري المتطرف عدم الإبقاء على هذه الجائزة ذلك أن “هذه الأشكال من تعذيب الحيوانات تكافأ بميداليات” وبمبالغ من “المال العام”. 
معارضة مصارعة الثيران تنامت في أميركا اللاتينية، التي انتقل إليها التقليد في القرن السادس عشر قبل أن ينتشر في جنوب فرنسا في القرن التاسع عشر. 
وأضاف وزير الثقافة على موقع إكس للتواصل الاجتماعي “هناك شعور ينتاب غالبية الإسبان وهو أنهم لا يفهمون أسباب ممارسة تعذيب الحيوانات في البلاد.. ناهيك عن تلقي هذا التعذيب تمويلا عاما”. 
وأصبحت مصارعة الثيران في الآونة الأخيرة قضية حاسمة في الصراعات الثقافية في إسبانيا، إذ تتصارع الأحزاب اليسارية مثل سومار مع المحافظين اليمينيين الذين يدعمون هذا التقليد، إذ سارع الحزب الشعبي اليميني، وهو الطرف الرئيسي في المعارضة، إلى التعهد بإعادة هذه الجائزة في حال تولى السلطة مجددا. 
وقال بورخا سمبر المتحدث باسم حزب الشعب المحافظ المعارض للصحافيين إن خطوة الحكومة أظهرت أنها “لا تؤمن بالتنوع الثقافي أو الحرية”، وأن حزبه سيعيد الجائزة في حال استعاد السلطة. 
ورأى رئيس الكتلة النيابية للحزب ميغيل تيلادو أن “مصارعة الثيران جزء من ثقافة الإسبان ومن تقاليدهم، وهو جزء من هويتهم كشعب”. 
ولفت خورخيه أثكون زعيم حزب الشعب في منطقة أراغون إلى أن الحزب يعتزم تقديم جائزة أخرى، مضيفا “يجب أن تكون التقاليد شيئا يوحّدنا بدلا من أن يفرّقنا”. 
ويعد الطابع الثقافي لمصارعة الثيران موضوع نقاش حيوي في إسبانيا بين منتقدي مصارعة الثيران والمدافعين عنها. 
لكنّ الطابع الثقافي لمصارعة الثيران يثير جدلاً حادا في إسبانيا. وقد أدرجته حكومة مُحافِظَة عام 2013 في قائمة التراث الثقافي غير المادي لإسبانيا. 
وعلى هذا الأساس، تمنح وزارة الثقافة منذ 2013 هذه الجائزة الوطنية، على غرار الجوائز التي تمنحها في مجالات الأدب والشعر. وسبق لعدد من مصارعي الثيران المشهورين أن نالوا هذه الجائزة التي تبلغ قيمتها 30 ألف يورو.
إلا أن قسما من اليسار الإسباني يرفض إسباغ الطابع الثقافي على مصارعة الثيران. واتخذت حكومة بيدرو سانشيز، بدفع من أقصى اليسار، قرارا عام 2021 باستبعاد مصارعة الثيران من الدعم المالي الثقافي الذي توفره للشباب.
لكنّ أوساط مصارعة الثيران، بدعم من اليمين، توصلت إلى فسخ هذا القرار في القضاء.
وأعلنت حكومات إقليمية عدة استحداث جوائز خاصة بها لمصارعة الثيران. 
ونددت كبرى جمعيات القطاع في بيان مشترك بقرار الحكومة الذي رأت فيه “إهانة لأهم نشاط اقتصادي ثقافي” في إسبانيا وللقانون الصادر عام 2013 الذي يُلزم الدولة “حماية مصارعة الثيران وتشجيعها”. وطالبت هذه المنظمات بـ”استقالة” وزير الثقافة. 
في المقابل، رحبت جمعيات الرفق بالحيوان بالقرار، معتبرةً أنه يمثل “خطوة في مكافحة مصارعة الثيران المثيرة للجدل”. 
ومع أن أبرز مصارعي الثيران يُعدّون من المشاهير في إسبانيا، تُظهر استطلاعات الرأي تراجعا في الاهتمام بهذا النشاط وخصوصا في صفوف الشباب، حيث أصبح معظم محبي مصارعة الثيران من كبار السن، وانخفض عدد مهرجانات مصارعة الثيران بمقدار الثلث بين عامي 2010 و2023. 
وبيّنت أحدث الأرقام الصادرة عن وزارة الثقافة أن 1.9 فحسب من الإسبان حضروا مصارعة ثيران خلال موسم 2021 – 2022. 
وحظرت منطقة كاتالونيا (شمال شرق إسبانيا) مصارعة الثيران عام 2010، لكنّ المحكمة الدستورية فسخت هذا القرار في نهاية عام 2016، كذلك قرر أرخبيل الباليار حظر قتل الثيران، لكنّ المحكمة نفسها فسخت قراره عام 2018. 
وتُعدّ جزر الكناري المنطقة الوحيدة في إسبانيا التي أصبح قرار حظر مصارعة الثيران نافذا فيها منذ عام 1991. 
وتنامت معارضة مصارعة الثيران أيضا في أمريكا اللاتينية، التي انتقل إليها التقليد في القرن السادس عشر قبل أن ينتشر في جنوب فرنسا في القرن التاسع عشر.

عن جريدة "العرب"