الثلاثاء 7 مايو 2024
فن وثقافة

الشيخ الحسين السطاتي.. تربى في أحضان البادية واستطاع التوفيق بين تعليمه ومهنته وولعه بفن العيطة الحلقة (1)

الشيخ الحسين السطاتي.. تربى في أحضان البادية واستطاع التوفيق بين تعليمه ومهنته وولعه بفن العيطة الحلقة (1) الحسين السطاتي

في حوار لجريدة "أنفاس بريس" مع شيخ فن العيطة الفنان المحبوب الحسين السطاتي حول بداياته الطفولية ببادية أولاد عبو، استجوبنا الطفل الحسين حول مسار طفولته التي نشأت في محيط اجتماعي وبيئي بدوي، مارس فيه شغبه وكل هواياته المتعددة من داخل فضاء "لَمْسِيَّدْ" إلى الّلعب وسط الحقول الزراعية، والرعي وصناعة الطّين، إلى ضبط حرفة الخياطة، ثم تكوين مجموعته الفنية. فكان بوحه يمتح من ينبوع ذاكرة الشاوية مرورا برحلته التعليمية لمدينة برشيد ثم سطات والدار البيضاء، إلى حين حصوله على شهادة الباكالوريا، وولوجه لسلك الدرك الملكي ثم التقاعد النسبي، ليتفرغ للكتابة الأدبية في أجناس مختلفة، دون أن يفرط في التعاطي مع الطرب والنغم، كونه يفتخر بانتمائه لحقل فن العيطة. إليكم الحلقة الأولى من الحوار الشيق مع الشيخ الحسين السطاتي.

 

ـ من هو الفنان الحسين السطاتي؟

لابد من تقديم الشكر لمنبركم الإعلامي جريدة "أنفاس بريس" على هذا التواصل الدائم مع مختلف الفنانين، وشكرا على هذه الإستضافة. اسمي الكامل هو المحبوب الحسين بن محمد، واسمي الفني والأدبي "الحسين السطاتي"، فنان شعبي موسيقي ومغني لفن العيطة "شيخ العيطة"، كاتب وشاعر زجال، ومسرحي. بالإضافة إلى أنني دركي متقاعد برتبة "أجودان". متزوج، أب لثلاثة أبناء "بذرة وريحانة ومحمد".

 

ـ كيف ترسم للقراء والجمهور مسار حياة الطفل والتلميذ الحسين السطاتي؟

ولدت وترعرعت بالدوار بريف بادية "أولاد عبو" المسماة "جمعة فوكو" بمنطقة "أولاد سعيد"، جهة سطات الدار البيضاء الكبرى، بسهل الشاوية وسط المغرب، من أسرة بسيطة تعتمد في عيشها على صناعة الفخار، والفلاحة والرعي، نحن أربعة عشر أخ (ثمان إناث وستة ذكور( من أم واحدة. كان أبي رحمه الله فلاحا بسيطا، وصانع فخار "طَيَّانْ"، وهو عسكري "جندي بسيط" متقاعد، من الجنود المحاربين المغاربة الذين حاربوا إلى جانب الجيوش الفرنسية في حرب الهند الصينية، وكان رحمه الله فنانا عازف إيقاع "الْبَنْدِيرْ" ضمن مجموعة شعبية للفن الشعبي والعيطة "الشرفاء لبهالة"، وهو رئيس المجموعة "لَمْقَدَّمْ"، وكانت التداريب الفنية أحيانا تقام بمنزلنا بالدوار، لهذا تشربت الموسيقى والفن الشعبي منذ الصغر، على اعتبار أن والدي كان يقيم جلسات فنية.

 

ـ حدثنا عن مراحل طفولتك بالبادية ...؟

اعتقد أن مرحلة طفولتي كانت رائعة، رغم البؤس والفقر والبساطة، كنت كبقية الأطفال نصنع ألعابنا بأيدينا من مواد أولية بدائية كالطين والخشب والقصب والأسلاك الحديدية. نصنع الدمى ومجسمات الحيوانات من الطين، ونصنع لعبنا من دراجات وعربات وخيل، وآلات موسيقية من مواد طبيعية، وحتى آلتي الموسيقية "كَمَنْجَةْ الطَّارُو" كنت أصنعها بيدي من إناء قصديري مبيد الحشرات وقطعة خشبية أنجرها وأشدّها بأسلاك فرامل الدراجات الهوائية كأوتار. أما القوس فكنت أصنعه من شعر ذيل الفرس أو من شعر عرفه، فأشده إلى غصن من شجر الطلح أو الزيتون أو الخيزران. كنا ونحن أطفال نلعب ونلهو بالحشرات؛ بالنحل والفرشات والنمل والفئران والثعابين والعقارب. وذلك حسب المتاح لنا في البيئة القروية التي نشأت فيها.

لمّا بلغت سن الخامسة من عمري، دخلت إلى الكُتاب "الجَّامَعْ" كما جرت به العادة، وحفظت بعض الآيات والسور القرآنية، وقواعد وسنن الوضوء والصلاة، و لم تكن معنا أية فتاة، إذ لم يكن يسمح للفتيات أن يختلطن بالذكور في "لَمْسِيَّدْ" خلال سنوات سبعينات القرن الماضي، وفي سن السابعة دخلت إلى المدرسة العمومية العصرية، وبالموازاة مع الدراسة كنت أساهم مع عائلتي في أعمال صناعة الفخار والفلاحة والرعي، حيت تعلمت أولى أبجديات العزف على الكمان بطريقة تقليدية عن طريق التكرار والاجترار، وراء قطيع الغنم في الخلاء بالمروج وعلى ضفة الوادي وبجانب البئر وفي الليل بجانب الحانوت وبالبيدر، من رعاة أقدم مني في الرعي وفي الموسيقى.

 

ـ ماذا عن فترات تعليمك الدراسية بالموازاة مع هوايتك في علاقة بالوسط القروي؟

بعد فترة تعليمي بـ "لَمْسِيَّدْ"، نجحت في المرحلة الدراسية الابتدائية بتفوق ممتاز، مما جعلني أستفيد من منحة دراسية، حيث التحقت في المرحلة الإعدادية بالقسم الداخلي، وكنت خلال أيام العطل الدراسية أتفرغ للرعي والموسيقى، ونجحت في المرحلة الدراسية الإعدادية بميزة ممتاز وحصلت كذلك على المنحة الدراسية بالسلك الثانوي، والتحقت بالقسم الداخلي الثانوي بمدينة برشيد شعبة العلوم التجريبية، وخلال هذه المرحلة التحقت بأخي "عبد القادر" الذي يكبرني بسبع سنوات وأسست رفقته مجموعة غنائية بمدينة الدار البيضاء بمنطقة سيدي معروف، وتعلمت منه حرفة الخياطة التقليدية للنساء.

 

ـ كيف استطعت أن توفّق بين شخصية الدركي والفنان الشعبي؟

بعد الباكالوريا، التحقت بمعهد التكنولوجيا التطبيقية بمدينة سطات شعبة التبريد والتكييف، وفي ربيع سنة 1994 التحقت بصفوف الدرك الملكي سلك ضباط الصف. وبعد التدريب العسكري والمهني الدركي، أتبتت خلاله عن اجتهاد وحسن سيرة، وحضور عسكري جيد ضمن الأوائل، فتم اختياري من طرف الرؤساء كمدرب ومكون عسكري للتلاميذ ضباط الصف الدركيّين بالقاعدة العسكرية بمدينة بن جرير، فتلقيت تكوينا خاصا بالأطر المدربين العسكريين، وبدأت في عملي مدربا عسكريا، وبعد ذلك تم تعييني أستاذا مدرسا للشرطة القضائية والشرطة التقنية العلمية، وبعد هذا عملت في حقل الضابطة القضائية عبر القرى والمدن، كضابط شرطة قضائية وعسكرية وضابط مكلف بالأحداث وتقني التشخيص الجنائي الإجرامي، كما حصلت على الشهادة العليا للدرك الملكي، إلى غاية ربيع سنة 2016، حيث حصلت على التقاعد النسبي برتبة "أجودان" وعدت إلى مربطي الأول "فن العيطة"، بنفس الاسم وبنفس جديد، ورغم مساري المهني الدركي كنت دائما فنانا، بقيت على تواصل دائم مع الفنانين "الأشياخ والشيخات" بالمدن التي عملت بها، كنت شيخا في بذلة الدركي.

 

ـ متى انطلق مشوارك الفني؟ وكيف حدث الولع بالعزف والغناء؟

مشواري الفني الغنائي، بدأ منذ أن وعيت وأنا طفل، أمرح وأرعى وسط الحقول الخصبة، والمروج الخضراء، وعلى ضفة الوادي بريف "أولاد عبّو"، أرافق إخوتي إلى الخلاء للرعي والفلاحة، كنت أسمع الأغاني الشعبية والأهازيج، وأغاني العيطة من الرعاة والفلاحين، أثناء موسم الحرث وموسم جني الأعشاب الطفيلية الضارة من الزّرع، وموسم الحصاد، وموسم الدرس، وموسم جني الزيتون، وكنت أحضر حفلات الأفراح بالمنطقة؛ كحفلات العقيقة وأعراس الختان والزواج، وحفلات جزّ صوف الغنم "الدْزَازَةْ"، ومواسم التبوريدة، وحفلات الأعياد الدينية والوطنية، وحتى حفلات عودة الحجاج من أداء مناسك الحج.. كل هذه المناسبات كانت تنشطها مجموعات غنائية شعبية من ثنائيات وثلاثيات و "رْبَايْعْ الشِّيخَاتْ".

 

في فضاء السوق الأسبوعي كنت أتسمّر أمام بائع أشرطة الكاسيت، أستمع إلى الموسيقى وأنظر إلى صور الفنانين "الأشياخ" على أغلفة الكاسيت، ثم أذهب إلى "الحلقة" إذ كنا نتحلق حول الحكواتي في السوق أو فنانا شعبيا ومنهم أسمع الموسيقى والغناء. طبعا كانت هذه الفضاءات هي المعهد الموسيقي الذي تعلمت فيه الأغاني الشعبية وأغاني العيطة.

 

ـ كيف تعلمت العزف والغناء وضبط الإيقاع والموازين الشعبية المختلفة؟

في البداية تعلمت العزف على الكمنجة من أشياخ رعاة، بطريقة بدائية تقليدية، عن طريق السماع الشفوي، والعفوية في التطبيق، بالتكرار والاجترار، وقد تعلمت منهم صناعة آلتي الموسيقية "كَمَنْجَةْ الطَّارُو"، وحين بدأت أعزف بعض الأغاني الشعبية كوّنت رفقة أربعة أشخاص من الدوار مجموعة غنائية على شاكلة المجموعة الشعبية الشهيرة "نجوم بوركَون"، بآلات موسيقية تقليدية بسيطة "كمنجة وثلاثة بنادر وطعريجة"، وبدأنا نحيي سهرات ليلية بالدوار؛ بجانب الحانوت الوحيد، أو في البيدر "الكَاعة" بين أكوام التّبن، أو بجانب البئر.

 

ـ متى وأين حصلت على لقب "الحسين الْمُوتْشُو"؟

لقد بدأنا نحيي حفلات محلية بدوارنا وبالدواوير المجاورة، حيث كنت أقوم بكراء آلة كمان حقيقية، وكنا لا نهتم بالجانب المادي، نذهب للعمل الفني مقابل وجبة عشاء دسمة وبعض الإكراميات من الجمهور. كان هدفنا الأول هو الفرح والفن. وفي هذا السياق صار لي جمهور بالمنطقة. وكنت كلما حلّت بالدوار فرقة موسيقية "رْبَاعَةْ الشِّيخَاتْ" لتنشيط عرس ختان أو زواج، أتسلم الكمنجة من رئيس المجموعة "الشّيخ" وأعزف وأغني مع الشيخات وصلات غنائية. ولما بلغت سن الرابعة عشر تقريبا اشتهرت كمغني وعازف كمنجة بالبادية، ولقبني البعض بلقب الحسين "الْمُوتْشُو" بمعنى "الحسين الصْغِيرْ"، وقد صرت أرافق "رْبَايْعْ الشِّيخَاتْ" بمدينة سطات والنواحي، حيث سأعمل مع الشيخة "الكبيرة السطاتية" والشيخة "نعيمة الخريبكَية"، والشيخة "نزهة السطاتية".

 

ـ هل كنت حينها توازي بين الدراسة والفن الشعبي؟

طبعا هذا كان بالموازاة مع الدراسة، لكن في صيف سنة 1988، التحقت بأخي "عبد القادر" الذي يكبرني بسبع سنوات، بمنطقة سيدي معروف أولاد حدو بمدينة الدار البيضاء، وهو خياط تقليدي للنساء، وفنان شعبي عازف العود والإيقاع ومغني، حيث كوّنا مجموعة غنائية أعطاها أخي في الأول اسم "أوركسترا الإخوان المحبوب"، بعدها غيرنا الاسم إلى "أوركسترا الأفراح الشعبية" وصرت أعمل رفقة موسيقيين محترفين إضافة إلى آلات عصرية، "الأورغ" و "لباتري". وخلال هذا المسار الفني أحيت مجموعتنا حفلات بمدن الدار البيضاء وبرشيد وسطات وأزمور والنواحي. وفي صيف سنة 1991 أسست مجموعتي تحت اسم "أوركسترا الحسين السطاتي"، إلى غاية ربيع 1994، حيث التحقت بالوظيفة العمومية، بإدارة الدرك الملكي سلك ضباط الصف.

 

ـ من هم شيوخك من الرواد الذين تأثرت بمدرستهم التي صقلت مواهبك الفنية عزفا وغناء؟

أول شيوخي في فن العيطة كانوا رعاة بريف "أولاد عبو"، كنا نلتقي في الخلاء، منهم من كان يرعى الغنم ويعمل فنان "مْرَبَّعْ" يعني يشتغل رفقة مجموعة غنائية "رْبَاعَةْ شِيخَاتْ"، بعد ذلك بدأت بالتعلّم عن طريق السماع لأشرطة الكاسيت والفيديو من فنانين كثيرين، وخاصة المجموعات الغنائية على شاكلة نجوم بوركَون، ونسيم بوركَون، وثلاثي الفرح، والخيالة، وجوالة آسفي. أما عن الرواد من أشياخ فن العيطة، فهناك الكثير من الأسماء التي تأثرت بها، بالنسبة لجميع الأنماط، سواء في العيط المرساوي أو العيطة الحصباوية، فضلا عن العيطة الشيظمية ثم العيطة البلدية، وكذلك العيطة الملالية إلى جانب العيطة الحوزية، دون أن أنسى العيطة الجبلية والعيطة الغرباوية ثم العيطة الزعرية...لكنني ركزت في الأخير على مدرسة مجموعة أولاد البوعزاوي.

 

يتبع