ما يزال عسكر الجزائر لم يستوعب بعد أن فرحات إيمازيغن إيمولا، المعروف باسم «فرحات مهنّي»، وهو المغنّي والسّياسي القبايلي، قيادي حركة تقرير مصير منطقة القبائل في منفاه بفرنسا، أن يكون شوكة في حلق عسكر قصر المرادية، يطارده النظام الجزائري في الداخل والخارج دون أن يفلح.
ينحدر مهنّي، الذي يبلغ من العمر 73 عاما، من بلدة «إيلولة أمالو» بدائرة بوزغن في ولاية «تيزي وزو» الأمازيغية، فهو من أسّس قبل 22 عاما حركة تقرير مصير بلاد القبائل في فرنسا، التي تناضل من أجل انفصال بلاد القبائل عن الجمهورية الجزائرية، وكوّن بعدها حكومة مؤقتة. وصرح مرارا أنه لا يعتبر نفسه جزائريا، مما جعل السلطات الجزائرية تسحب عنه الجنسية الجزائرية.
في أبريل 1980، كان مهنّي أحد الفاعلين في الربيع الأمازيغي في «تيزي وزو»، حيث تم توقيفه خلال الشهر نفسه، ولم يستعد حريته إلا في 14 ماي من السنة نفسها، ليستأنف نشاطاته السياسية والثقافية، مع كاتب ياسين عضوا في جمعية أبناء الشهداء «شهداء الثورات»، فتمت مراقبته عن كثب ومصادرة جواز سفره.
ورغم اعتقاله ومطاردته في الداخل، لم يتمكن عسكر الجزائر من توقيف نشاطاته وتحركاته، حيث كان أحد مؤسسي الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، وعضوا في لجنتها التوجيهية في 30 يونيو 1985، ليتمّ اعتقاله من جديد في 17 يوليوز 1985 في منزله بمنطقة «عزازقة»، على خلفية عضويته في الرابطة الحقوقية، فضلا عن الاحتفال بعيد الاستقلال بعيدًا عن المواكب الرسمية . وقد تم إيداعه سجن «البرواقية»، وحُكم عليه في 20 دجنبر 1985 بالسجن لمدة ثلاث سنوات. مع تغريمه 5000 دينار جزائري. غير أنه بعد قضائه 21 شهرًا من السجن، أُفرج عنه في 27 أبريل 1987 بموجب عفو رئاسي.
وعلى الرغم من ذلك، واصل فرحات مهني، المغني والسياسي القبايلي، دعوته مع كل من مصطفى باشا، ومقران آيت العربي، والسعيد سعدي، في نونبر 1988، حيث عقدوا اجتماعات ثقافية أمازيغية ليشكّلوا هيئة أطلقوا عليها اسم: «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية». وصار مهنّي سكرتيرًا وطنيًا للثقافة والتاريخ، كما تم تجديد مسؤولياته في المؤتمر التأسيسي للتجمع في 15 دجنبر 1989. غير أن خلافات داخلية دفعته لهجران قيادة التجمع ليرأس التنسيقية الوطنية للحركة الثقافية الأمازيغية، الجناح القريب من التجمع.
ويعتبر فرحات مهني المهندس الرئيس لمقاطعة المدرسة التي أطلقتها التنسيقية الوطنية للحركة الثقافية الأمازيغية في شتنبر 1994، والتي بلغت ذروتها بعد سنة، ليرغم الحكومة الجزائرية على إنشاء مجلس أعلى للأمازيغية.
واصل مهني مغامراته التي أقدم عليها باتخاذ مواقف، وأحيانا بالصدفة؛ فقد وجد نفسه في طائرة «إيرباص» التابعة للخطوط الجوية الفرنسية التي اختطفها إسلاميو الجماعة الإسلامية المسلحة في دجنبر 1994، وخرج من تلك التجربة مصدومًا، فاستأنف حياته كمغنّ بتوقيعه في نفس العام في باريس على ألبوم مزدوج: أغاني «الصّلب والحبّ والحرّية»، وأغاني «النّار والماء».
عاد في عام 1995، إلى السياسة من خلال إنشاء التنسيقية الوطنية (MCB) لمقاطعة المدرسة في منطقة القبائل. وفي في ماي 1997 استقال من هيئة «التّجمع من أجل الثقافة والديمقراطية» بسبب خلافات في المواقف والتوجهات، غير أنه عقب اختطاف القبايلي معتوب لوناس، تم الاتصال به من قبل السلطات للتفاوض على استئناف الدروس.
ومع اغتيال رفيقه معتوب، قرّر فرحات مهنّي أن يهجر ما أسماه «اللّعبة الحزبية» بعد نفيه الطّوعي إلى فرنسا في يناير 1999، وبدأ يدعو إلى «الحكم الذاتي لمنطقة القبايل» كحل للأزمة التي تتخبط فيها الجزائر بعدما أسس الحركة من أجل تقرير مصير في منطقة القبائل، المعروفة باسم «الماك» (MAK)، وذلك بعد اجتماع في بلدية «ماكودة» بمنطقة القبائل في 24 غشت 2001.
تعرض مهني لمحاكمة غيابية من قبل نظام عسكر الجزائر، كما تم اغتيال ابنه الأكبر أمزيان في الـ 19 يونيو 2004 بمدينة باريس، ولم يفض التحقيق إلى معرفة الجناة. وفي فاتح يونيو 2001، أعلن عن تشكيل حكومة القبائل المؤقتة من باريس، وتتكون من تسعة وزراء، بينما يشغل هو مهمة رئيس الدولة.
ولم يسلم فرحات مهني من أذى عسكر الجزائر، ففي يوم 7 أكتوبر 2019 تمت إشاعة «خبر وفاة زعيم حركة الماك، فرحات مهني بالعاصمة الفرنسية باريس» لم تؤكّده جهات رسميّة جزائرية. وفي اليوم الموالي نفى فرحات مهني علنيًّا وفاته واستنكر ما أسماه حملة التشويه التي تعرّض لها، والمملوءة بالكراهيّة.
يوم 26 غشت 2021 أصدر عسكر الجزائر مذكرة توقيف دولية في حقّ فرحات مهني لتوقيفه لأنه غصّة في حلق نظام ما زال يصارع من أجل البقاء. وهو المحكوم عليه غيابيا بالسّجن المؤبّد.
أعيد انتخاب مهنّي للمرّة الثانية رئيسا لجمهورية القبائل الديمقراطية خلال أشغال مؤتمر حركة «الماك» الخامس بفرنسا في يناير 2023 .