الثلاثاء 26 نوفمبر 2024
كتاب الرأي

عبد الخالق حسين: أُمنا فاطمة القبايلية سليلة التربية المغربية الصوفية ولا فخر..

عبد الخالق حسين: أُمنا فاطمة القبايلية سليلة التربية المغربية الصوفية ولا فخر.. عبد الخالق حسين
هي المديرة الحديدية في ثمانينيات القرن الماضي، الأستاذة والأم والقدوة، للا فاطمة القبايلية رحمها الله.. توفيت رحمها الله سنة 2017،، وكانت مديرة مدرسة لالة مريم، بمدينة طانطان، وبالضبط بشارع الحسن الثاني..
امرأة بالف رجل..
نسترجع ذكريات الطفولة:
سنة 1983.. في كل صباح على الساعة 7:30 تقف المديرة فاطمة على باب المؤسسة.. صفوف التلاميذ تنتظم خارج المؤسسة.. بصرامة عسكرية تراقب الهندام تلميذا تلميذا.. والنظافة.. وتسريحة الشعر.. وتركز على تقليم أظافر اليدين.. كل هذا على نغمات النشيد الوطني.. والأغاني الوطنية التاريخية مثل: "هي هي دولة المغرب، مغربنا وطننا روحي فداه.."، والأغاني التربوية المؤثرة "معلمي هي يا رائدي.." و"مدرستي الحلوة".. كل الساكنة بمحيط المؤسسة كانت تستمتع بالنغمات كل صباح.. لا مجال للنوم في محيط المدرسة بعد السابعة صباحا.. المؤسسة التربوية هي "قائدة التنوير والتنمية" في المجتمع؛ هذه هي فلسفة الأستاذة فاطمة.. للتذكير هذه الفلسفة تبنتها الوزارة (بعد عقود) تحت مسمى انفتاح المؤسسة التعليمية على محيطها..
لقد كان الدخول إلى مدرسة للا مريم عرسا تربويا حقيقيا..
داخل المؤسسة كل الساحات وجنبات الأقسام؛ عبارة عن ورشات.. وفضاءات لتعلم المهارات الحياتية؛ هنا قفص "لتربية الأرانب والبط".. وهناك مزرعة "لاستنبات الورود".. ويكلف التلاميذ بالتعلم بالممارسة، إطعام هذه الدواجن".. و"سقي ورعاية الأزهار"..
أما جدران القاعات فكلها صور بسيطة؛ لكنها ملهمة وساحرة..
وفي المناسبات الوطنية دائما السيدة فاطمة في المقدمة أزياء وأنشطة وتنظيما.. كان أحسن استعراض هو الذي يقدمه تلاميذها.. تسهر على كل التفاصيل.. تصاحبهم، من بداية الحفل حتى رجوعهم الى بيوتهم، طبعا الشكر موصول لكل الأطر التربوية بالمؤسسة..
لقد بصمت السيدة فاطمة تاريخ مدرسة للا مريم بأخلاقها وحسن تواصلها مع الجميع..
والجميل أنها "بلباسها المغربي التقليدي" الذي يذكرنا بمغرب مقاومة الاستعمار.. ومغرب المغفور له محمد الخامس.. بهذا اللباس جسدت للا فاطمة أنموذج المرأة المغربية القادرة على إثبات الذات والتميز والعطاء والإبداع والإدارة التربوية والانسانية الناجحة.. المرأة التي تجمع بين قوة الشخصية وممارسة "الحرية المسؤولة".. والالتزام بالأخلاق الفاضلة.. والتي تمارس "إدارتها" بآخر النظريات البيداغوجية العالمية.. كأنها تملك إلهاما؛ سر الآية "واتقوا الله ويعلمكم الله"..
بل كانت أحيانا "بالنقاب المغربي التقليدي" البسيط والجميل.. غير المقلد للشرق ولا للغرب؛ تقدم قواعد "الاتيكيت" ونصائح في الأناقة لتلميذاتها؛ كيف "يصففن شعرهن" !!.. 
هكذا "يحتفظ" المدرس العظيم" باختياراته الشخصية لنفسه؛ ويلتزم بالتطبيق الصارم للتوجيهات التربوية الرسمية..
علق أحدهم غاضبا؛ هذا سلوك منافق؛ إن المديرة تمارس عكس ما تؤمن به !!.. أجبت: رأيك يدل على باع طويل في "الحمق".. إن المسؤول في الدولة؛ يحكمه الوفاء بالعقود.. فهو متعاقد مع الدولة على تطبيق البرنامج الذي صادقت عليه "الأمة" بلجانها ومؤسساتها.. وليس من حقه أن "يلزم" الأطفال باختياراته واجتهاداته وأذواقه.. فللمدرس "رؤيته الخاصة" المحترمة؛ ولكن للمؤسسة رؤية يصوغها "عقل الأمة الجمعي".. فالأفكار الشخصية نمارسها بحرية مع النفس وفي البيت.. أما المؤسسة فهي فضاء لتعليم الانفتاح والحرية والمسؤولية الشخصية.. أما كلمة "النفاق" ياهذا؛ فليست مصطلحا إداريا ولا اقتصاديا.. بل تختص بالمعتقدات الدينية فقط.. وفي ما يخص مجال التدبير فالمواطن إما "مؤدي للأمانة" أو "خائن لها" وله عقوبة إدارية قانونية وليس دينية على تقصيره.. وللأسف مثلكم من دمر عقول أبنائنا.. وخلط المفاهيم.. وعرقل التطور الطبيعي للعقل والعبقرية المغربية.. وأنتج أجيالا من الحيارى والمتنطعين والمتعالمين !!
قلت كما كنا نجد السيدة فاطمة، رحمها الله، حاضرة بقوة داخل معمعة العمل الاجتماعي والتضامني؛ وقضاء حوائج الناس؛ والاستماع لهموم أولياء الأمور.. بدون عقد ولا ادعاءات دينية متنطعة..
فقد كانت، رحمها الله "موسوعة تربوية وأخلاقية" تمشي على الأرض..
عندما أسمع الحديث المكرور عن أزمة المدرسة.. وأزمة التعليم في المغرب.. وأتذكر السيدة فاطمة القبايلية كمديرة مدرسة ابتدائية بسيطة، في مدينة بسيطة، في ثمانينيات القرن العشرين، أدرك أن نقاشاتنا أحيانا مؤسفة.. ومنطلقاتها مغلوطة..
فنحن لازلنا لم نؤسس "البراديغم المغربي المغربي" لمعالجة قضايانا المصيرية..(تأملوا دعوات الحريات الفردية في 2019 !!!)..
أعرف وأجزم أننا نعاني من"أزمة مسؤولية وكفاءة وطنية" بالأساس.. وهي أزمة تجمع متناقضين: وطنيون تنقصهم الحكمة؛ وسفهاء ينقصهم الحياء !!..قال في مثلهم سيدي عمر بن الخطاب: "اللهم إني أعوذ بك من جلد الفاجر؛ وعجز التقي"..
والنتيجة المنطقية لهذين "الشبحين" هي قتل روح التضحية المبنية على "روح التحدي" و"روح تمغربيت"..
أما (المدرسة والعملية التعليمية) فليس لهما "لسان" ليدافعا عن نفسيهما !!!.. 
لكن كونوا على يقين أن الباطل كان "زهوقا"..
لقد تخرج العلماء والعباقرة والمبدعون.. من تحت "الخيام وبضوء الشمع؛ وبأقلام السمخ وريشة القصب؛ وبألواح الصلصال.. و"ماء وتمر" وشيء من "أرز قليل".. وقماش بالكاد يصل الركبتين؛ يسمى لباسا!؟.. ولازالت مجلدات الشاطبي وابن خلدون والمختار السوسي.. يطير الواحد فرحا إذا حصل على شهادة دكتوراه؛ لأنه "حقق ودرس" " عشرة صفحات" من المقدمة أو المعسول.. وشاهدة منجزاتهم وعبقريتهم على أن العظماء يصنعهم مربون "عظماء"..
وأن عظماء المغرب أنجبتهم (مدرسة وفلسفة ورؤية ووطنية وأخلاق وحياء وصرامة) ؛ أمثال "أمنا فاطمة القبايلية" سليلة التربية المغربية الصوفية ولا فخر...
لقد كانت السيدة فاطمة رحمها الله من هؤلاء "العظماء" الذين مروا هنا من الطنطان .. وبالضبط من شارع الحسن الثاني.. جاءت من طنجة عروسة الشمال إلى الطنطان عروسة الجنوب.. ما اشتكت فاطمة من البعد أو الغربة أو فراق الأهل.. يوم كان الفراق "فراقا حقيقيا" لمن لم يقرأ تاريخ بلاده عموما وتاريخ منطقتنا بالخصوص..
لكن فاطمة تربت نفس تربية "أجدادنا ووالدينا" خدمة الوطن من أي "نقطة وبلدة" اختارها لهم القدر..
فما بال هذا الجيل الجديد  يقتله التذمر والأسى والتسخط؟!..
لا زلت مصرا أن يكون شارع الحسن الثاني بالطنطان متحفا ومزارا دوليا.. وسيبقى هذا حلما الى أن يقيض له القدير سبحانه طنطانيا "قويا وأمينا" يأخذ كتابه بقوة.. ألم أقل لكم ذات يوم؛ لقد مر من هنا؛ العالم كله في المسيرة الخضراء..
هذه إحدى عظيمات الطنطان وما أكثرهن.. وليسمعني الخلف ذكورا وإناثا.. كفى من "لعب الصغار".. فهذه سيرة سلفكم القريب.. 
فليترك أحدنا "منجزا واحدا" .. تبتسم له الطنطان؛ وتترحم به عليه الأجيال.. (يا يحيى خذ الكتاب بقوة)
لكن عزائي أنه " يؤتي الحكمة من يشاء "..
ومن خلال روح السيدة فاطمة رحمها الله، أبلغ تحياتي لكل نساء ورجال التعليم بطانطان.. ومنهم التحية موصولة الى أطر التعليم (بجهة كلميم واد نون)..
وأخص "المديرين الجدد"؛و"أطر الإدارة" الذين أغلبهم أصدقاؤنا وزملاء دراستنا..
أعرف كفاءاتكم.. وواثق من مهاراتكم وغيرتكم.. 
فلتجعلوا مؤسساتكم أفضل، من أحسن، مؤسسات العالم المتقدم.. نعم؛ انهم يملكون الإمكانات المادية.. لكنكم تملكون "روح التحدي" روح الطنطان.. وسنذكر بالخير جميلكم على أبناء الطنطان والجهة.. وستنقش الطنطان أسماءكم في سجل تاريخها وذاكرتها.. واعلموا "أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا"..
فلننطلق وفقكم الله..