تعقد منظمة النساء الحركيات مائدة مستديرة حول موضوع "حضور المرأة في بناء النموذج المغربي للتصوف"، وذلك يوم الأربعاء 27 مارس 2024 بقاعة الاجتماعات التابعة للمسرح الوطني محمد الخامس بالرباط ابتداء من الساعة التاسعة والنصف ليلا.
وحسب أرضية المائدة المستديرة، سيشكل هذا اللقاء الذي يتميز بمشاركة عدد من الهيئات العلمية الدينية ونخبة من الشيوخ والعلماء والأساتذة الباحثين من النساء والرجال في مختلف مجالات العلوم الشرعية والفكر الإسلامي والعقيدة والأديان والتصوف والإبداع الروحي، مناسبة للوقوف على مختلف أشكال حضور المرأة في الحركة الصوفية المغربية سواء كمريدة أو كولية أو كمصلحة سياسية.
كما سيتم التوقف على إسهام المرأة في مجال الإحسان والوقف وإغناء الفكر الصوفي وعلى انفتاح التصوف المعاصر على مختلف مجالات الحياة داخل المجتمع.
كما سيتم بمناسبة هذا اللقاء الوقوف على أسباب اقتصار جل الكتابات حول تجربة التصوف السني بالمغرب على إسهامات المتصوفة من الرجال رغم حضور المرأة المتميز في بناء النموذج المغربي للتصوف وإسهامها في بناء الهوية الدينية والروحية للمغاربة، تمثلا وممارسة ونشرا وكتابة وتدريسا وتربية وبناء وعمرانا، كعالمات وفقيهات ومتصوفات ووليات صالحات.
وشكل دخول الإسلام إلى المغرب بداية مرحلة جديدة في تاريخ هذا البلد؛ إذ تم اندماجه في المدار الحضاري العربي الإسلامي، وانخراطه في ثقافة جديدة مغايرة، مما أسهم في حصول تحولات عميقة مست المجتمع والدين واللغة والثقافة في المغرب، وفق سيرورة دامت عدة قرون، عرفت استقرار الوضعية الدينية والثقافية على أسس عقدية ومذهبية وسلوكية ذات خصوصيات جد محددة، تتأسس على أربعة مرتكزات: العقيدة الأشعرية، والفقه المالكي، والتصوف السني على طريقة الجنيد، وإمارة المؤمنين.
لقد احتل التصوف مكانة مهمة في الهوية الدينية والروحية للمغاربة، وارتكز على تقاليد زهدية راسخة، استطاعت أن تغطي المجال المغربي برمته، وكانت ممارسات المتصوفة ذات مضمون أخلاقي واجتماعي واضح، نتج عنها انتشار التصوف الشعبي وشيوع بعض العادات والتقاليد الاجتماعية، مثل زيارة قبور الصالحين طلبا للاستشفاء، والتبرك بالأولياء، رغبة في التداوي، فضلا عن تعمير المواسم والرباطات، وغيرها من أشكال الممارسات الصوفية الشعبية...
كما انعكست حركة التصوف في المجتمع المغربي، في التآليف التي وضعت عنها، نذكر من بينها، على سبيل المثال، كتاب أخبار صالحي ركراكة والتشوف لابن الزيات التادلي، والمستفاد للتميمي الفاسي والمقصد الشريف للبادسي، وغيرها.
وقد تقوى الحضور الاجتماعي لشيوخ التصوف، فأصبحوا أكثر تأثيرا في المجتمع، من خلال السهر على مبادرات الصلح بين المتخاصمين من الأفراد والجماعات، والتدخل لتخفيف المعاناة عن الناس أيام المجاعات والقيام بالتعليم حسبة، وغير ها، حيث لعبت الرباطات والزوايا أدوارا دينية وسياسية واقتصادية وثقافية وتعليمية هامة في التجربة المغربية للتصوف.
وبجانب الرجل المتصوف، كان للمرأة حضور مهم في الحركة الصوفية المغربية، سواء كمريدة أو كولية، ومن أهم وليات التصوف في المغرب، نذكر فاطمة الأندلسية دفينة قصر كثامة وأم أيمن التي تنسب إليها رابطة بادس وأم عصفور تعزات الهنتيفية وأم محمد تين السلامة وعزيزة السكسيوية، وغيرهن.
ونشير في هذا السياق نفسه، إلى إسهام السيدة العظيمة فاطمة بنت محمد الفهرية (800م/878م)، ببناء مسجد القرويين، سنة 859م، هذا الصرح العلمي الذي شكل لبنة مهمة للدرس والتكوين الصوفيين، ووضع الأساس لأعرق جامعة في العالم، تعمل على نشر العلم والتربية على القيم الصوفية السنية.
كما عرف التصوف المغربي وليات صالحات أخريات، جسدن مفهوم التصوف شكلا ومضمونا، معنى ومبنى، كالولية الصالحة أمي فاطمة بالصحراء، والولية الصالحة فاطنة بنت امحمد بمنطقة عبدة، وهي أمازيغية الأصل من منطقة حاحا، بنت الولي الصالح الشهير سي محمد وشان، وللا عويشة المجذوبة، وللا ميمونة بمراكش، وغيرهن من الوليات الصالحات ممن علا شأنهن، وسمت همتهن، فأعطين الكثير، عقيدة وشريعة وسلوكا وتصوفا، فكان منهن من أُحييت لهن مواسم سنوية، كالولية الصالحة للا تعلات المتوفية سنة 1207م، وفق ما ذكر العلامة المختار السوسي في مؤلفه الشهير: "سوس العالمة"، وقال عنها علماء زمانها: "رابعة زمانها كانت رضي الله عنها".
كما برزت في المجتمع المغربي نساء متصوفات، تصدرن التربية الروحية فكان لهن حضور لافت في المجتمع ونلن تقدير العامة والخاصةـ لا سيما من العلماء: فالعالم القاضي يوسف التادلي تبرك بمنية الدكالية دفينةِ مراكش سنة 595هـ. وكانت هذه المرأة ذاكرة مرجعية للحياة الصوفية، دؤوبة على لقاءات رباط شاكر في عهدها. كما أن القاضي المؤرخ أحمد بن قنفذ القسطنيطيني زار الولية الصالحة فاطمة الصنهاجية بأزمور للتبرك، وطلب الدعاء منها.
ولم يكن دور الصوفيات مقتصرا على الدعاء والتربية الروحية، بل تجاوز ذلك إلى التدخل في الإصلاح السياسي. فهذه الولية الشهيرة لالة عزيزة السكساوية الرجراجية جمعت بين العلم والتربية الروحية، مما أكسبها الثقة والاحترام بين قبائل الأطلس الكبير الغربي، فكانت دعوتها مستجابة، وإرشاداتها نافذة في المجتمع، وقد استطاعت أن تحقن دماء المواطنين بمهمتها السفارية بين وزير السلطان أبي عنان، فارس بن ميمون، قائد الحركة إلى الجبل، وبين عبد الله السكسيوي المناصر للأمير المريني أبي الفضل الذي كان السكسيوي في طاعته وخدمته، وقد تدخلت السيدة عزيزة أو للا عزيزة، ونجحت في عقد الصلح بينهما سنة754هـ، وذلك بشكل نجم عن مشاركة المتصوفات في الحياة السياسية دور هام على مستوى الاستشارة وإطفاء الفتن والوساطة والعدول عن الحرب، وغيرها من الأدوار المؤثرة...
ومن العلماء الذين زاروا الولية لالة اعزيزة، ابن قنفذ القسنطيني، مؤلف "أنس الفقير وعز الحقير"، وقد أورد فيه ذكرا لمكانتها العلمية. أما فاطمة الهلالية المعروفة بـ "تاعلاَّط"، العالمة السوسية، فقد ترجمها الحضيكي في طبقاته، ووصفها برابعة زمانها.
وإذا انتقلنا إلى الجانب الإحساني الذي يعتبر من الشيم التي تطبع الشخصية المتميزة، نجد أن المرأة المغربية قد أبانت، عبر العصور، عن توجهها الإحساني الذي تلتقي فيه مختلف شرائح نساء المغرب، حسب مؤهلاتهن المادية، من أميرات وعالمات وصوفيات قرويات وحضريات.
وقد تعددت أوجه إسهام المرأة الإحسانية، على مستوى بناء المساجد والقناطر وإطعام المحتاجين وخدمتهم، لا سيما إطعام طلبة الزوايا الأفاقيين الذين هم في وضعية طلبة داخليين، وتلامذة الكتاتيب القرآنية. وأبرز ظاهرة عرفها إحسان النساء هي ظاهرة الوقف.
ومن أبرز النساء الإحسانيات، نذكر، على سبيل المثال، فاطمة بنت محمد الفهري، أم البنين، وأختها مريم، حيث تركت كل منهما معلمة خالدة تحمل ذكرى امرأة من أهل البر والإحسان. لقد وجدت الأختان في المحيط الديني والتربوي ما دعاهما لتوظيف نصيبهما في الإرث في العمران الديني. فبنت فاطمة أم البنين جامع القرويين المعلمة التاريخية الشهيرة. وبنت أختها مريم مسجد الأندلس، فضلا عن دورهن المؤثر على مستوى الحياة الاجتماعية داخل القرى والحواضر، وأيضا في المجالس العلمية، وغيرها.
نضيف إلى هذا المثال الشهير في فاس، مثالا من العهد السعدي بمراكش، حيث نجد مسعودة الوزكيتية أم السلطان المنصور الذهبي التي بنت مسجد باب دكالة، فكان من أكبر المساجد بالمدينة وأغناها بما حبست عليه من الأوقاف، وما وفرت له من الكراسي العلمية ومن الكتب المودعة في خزانته، كما قامت هذه السيدة بإصلاح قنطرة أم الربيع وقنطرة واد إسيل التي في مدخل مراكش، وإصلاح عدد من الطرق. وفي باب الوقف حظي حفظة القرءان بالجزء الأكبر من وقف النساء.
ونجد في الفكر الصوفي عدة شهادات تدل على المرتبة المتميزة التي كانت المرأة الصوفية تحتلها، كمقصد للاستفادة الروحية، وكمؤشر على علو شأنهن في مراتب التوحيد، وعن مدى استفادة الصوفيات روحيا من بعضهن البعض، ما جعل المرأة تحظى بمكانة مرموقة لدى الصوفية، بل جعلها تحظى بوضع في أعلى الهرم الوجودي، بشكل ضمن لها مشاركتها الكاملة في عالم الولاية، وتقاسمها لثمار الكرامة وبصيرة العرفان مع الرجال.
ورغم حضور المرأة المتميز في بناء النموذج المغربي للتصوف، وإسهامها المتميز في بناء الهوية الدينية والروحية للمغاربة، تمثلا وممارسة ونشرا وكتابة وتدريسا وتربية وبناء وعمرانا، كعالمات وفقيهات ومتصوفات ووليات صالحات، فقد ظلت جل الكتابات حول تجربة التصوف السني بالمغرب تهتم أساسا بإسهامات المتصوفة من الرجال وتدوين سيرهم، فعنيت بتراجمهم، وجمعت نصوصهم، وأهملت أو تكاد التوقف بما يلزم عند التجربة النسائية الصوفية المغربية، على أهميتها وحضورها وتأثيرها وإشعاعها، بشكل يضاهي المتصوفات في المشرق العربي.
واستنادا إلى مجموع هذه المؤشرات والمعطيات، جاءت فكرة تنظيم مائدة مستديرة حول هذا الموضوع، بغاية الوقوف عند أعلام نساء المغرب المتصوفات، وروافدهن العلمية والعملية والمجالات الجغرافية لتجربتهن الصوفية ورصيدهن في مجال الفكر والإبداع الأدبي الصوفي، وفي مختلف أشكال الإنشاد الديني، من مديح وسماع وحضرة ومنظومات تعلي من شأن الذكر والمناجاة الربانية. كما تطمح هاته المائدة المستديرة إلى التداول حول أدوار الجامعة والبحث العلمي والإعلام والمجتمع المدني في التعريف بحضور المرأة، تاريخيا وراهنا، في بناء النموذج المغربي للتصوف.
وتتوخى منظمة النساء الحركيات، أن يشكل هذا الموضوع محورا ثابتا في برنامج عملها، في محاولة منها إضاءة مدى إسهام المرأة المغربية في بناء الهوية الدينية والروحية والعلمية والوجدانية للمغاربة، بما يمكن من إدراك جوانب من انفتاح نساء المغرب المتصوفات على مزيد من الأبعاد الفكرية والإبداعية الجديدة، التي تشغل بال النساء المغربيات والمجتمع ككل، والتي تروم تكييف المشروع الصوفي نفسه مع مشروع الحداثة العام، تبعا لانفتاح مفهوم التصوف المعاصر نفسه على مجالات وموضوعات أخرى متداخلة، من قبيل: الوطن والحرية والعدالة وحقوق الإنسان والبيئة والديموقراطية والمدنية والشباب والإعلام والتربية والأخلاق والجمال والخير والسعادة والإصلاح الروحي وتجديد الدين والحياة اليومية، وغيرها.
وحسب أرضية المائدة المستديرة، سيشكل هذا اللقاء الذي يتميز بمشاركة عدد من الهيئات العلمية الدينية ونخبة من الشيوخ والعلماء والأساتذة الباحثين من النساء والرجال في مختلف مجالات العلوم الشرعية والفكر الإسلامي والعقيدة والأديان والتصوف والإبداع الروحي، مناسبة للوقوف على مختلف أشكال حضور المرأة في الحركة الصوفية المغربية سواء كمريدة أو كولية أو كمصلحة سياسية.
كما سيتم التوقف على إسهام المرأة في مجال الإحسان والوقف وإغناء الفكر الصوفي وعلى انفتاح التصوف المعاصر على مختلف مجالات الحياة داخل المجتمع.
كما سيتم بمناسبة هذا اللقاء الوقوف على أسباب اقتصار جل الكتابات حول تجربة التصوف السني بالمغرب على إسهامات المتصوفة من الرجال رغم حضور المرأة المتميز في بناء النموذج المغربي للتصوف وإسهامها في بناء الهوية الدينية والروحية للمغاربة، تمثلا وممارسة ونشرا وكتابة وتدريسا وتربية وبناء وعمرانا، كعالمات وفقيهات ومتصوفات ووليات صالحات.
وشكل دخول الإسلام إلى المغرب بداية مرحلة جديدة في تاريخ هذا البلد؛ إذ تم اندماجه في المدار الحضاري العربي الإسلامي، وانخراطه في ثقافة جديدة مغايرة، مما أسهم في حصول تحولات عميقة مست المجتمع والدين واللغة والثقافة في المغرب، وفق سيرورة دامت عدة قرون، عرفت استقرار الوضعية الدينية والثقافية على أسس عقدية ومذهبية وسلوكية ذات خصوصيات جد محددة، تتأسس على أربعة مرتكزات: العقيدة الأشعرية، والفقه المالكي، والتصوف السني على طريقة الجنيد، وإمارة المؤمنين.
لقد احتل التصوف مكانة مهمة في الهوية الدينية والروحية للمغاربة، وارتكز على تقاليد زهدية راسخة، استطاعت أن تغطي المجال المغربي برمته، وكانت ممارسات المتصوفة ذات مضمون أخلاقي واجتماعي واضح، نتج عنها انتشار التصوف الشعبي وشيوع بعض العادات والتقاليد الاجتماعية، مثل زيارة قبور الصالحين طلبا للاستشفاء، والتبرك بالأولياء، رغبة في التداوي، فضلا عن تعمير المواسم والرباطات، وغيرها من أشكال الممارسات الصوفية الشعبية...
كما انعكست حركة التصوف في المجتمع المغربي، في التآليف التي وضعت عنها، نذكر من بينها، على سبيل المثال، كتاب أخبار صالحي ركراكة والتشوف لابن الزيات التادلي، والمستفاد للتميمي الفاسي والمقصد الشريف للبادسي، وغيرها.
وقد تقوى الحضور الاجتماعي لشيوخ التصوف، فأصبحوا أكثر تأثيرا في المجتمع، من خلال السهر على مبادرات الصلح بين المتخاصمين من الأفراد والجماعات، والتدخل لتخفيف المعاناة عن الناس أيام المجاعات والقيام بالتعليم حسبة، وغير ها، حيث لعبت الرباطات والزوايا أدوارا دينية وسياسية واقتصادية وثقافية وتعليمية هامة في التجربة المغربية للتصوف.
وبجانب الرجل المتصوف، كان للمرأة حضور مهم في الحركة الصوفية المغربية، سواء كمريدة أو كولية، ومن أهم وليات التصوف في المغرب، نذكر فاطمة الأندلسية دفينة قصر كثامة وأم أيمن التي تنسب إليها رابطة بادس وأم عصفور تعزات الهنتيفية وأم محمد تين السلامة وعزيزة السكسيوية، وغيرهن.
ونشير في هذا السياق نفسه، إلى إسهام السيدة العظيمة فاطمة بنت محمد الفهرية (800م/878م)، ببناء مسجد القرويين، سنة 859م، هذا الصرح العلمي الذي شكل لبنة مهمة للدرس والتكوين الصوفيين، ووضع الأساس لأعرق جامعة في العالم، تعمل على نشر العلم والتربية على القيم الصوفية السنية.
كما عرف التصوف المغربي وليات صالحات أخريات، جسدن مفهوم التصوف شكلا ومضمونا، معنى ومبنى، كالولية الصالحة أمي فاطمة بالصحراء، والولية الصالحة فاطنة بنت امحمد بمنطقة عبدة، وهي أمازيغية الأصل من منطقة حاحا، بنت الولي الصالح الشهير سي محمد وشان، وللا عويشة المجذوبة، وللا ميمونة بمراكش، وغيرهن من الوليات الصالحات ممن علا شأنهن، وسمت همتهن، فأعطين الكثير، عقيدة وشريعة وسلوكا وتصوفا، فكان منهن من أُحييت لهن مواسم سنوية، كالولية الصالحة للا تعلات المتوفية سنة 1207م، وفق ما ذكر العلامة المختار السوسي في مؤلفه الشهير: "سوس العالمة"، وقال عنها علماء زمانها: "رابعة زمانها كانت رضي الله عنها".
كما برزت في المجتمع المغربي نساء متصوفات، تصدرن التربية الروحية فكان لهن حضور لافت في المجتمع ونلن تقدير العامة والخاصةـ لا سيما من العلماء: فالعالم القاضي يوسف التادلي تبرك بمنية الدكالية دفينةِ مراكش سنة 595هـ. وكانت هذه المرأة ذاكرة مرجعية للحياة الصوفية، دؤوبة على لقاءات رباط شاكر في عهدها. كما أن القاضي المؤرخ أحمد بن قنفذ القسطنيطيني زار الولية الصالحة فاطمة الصنهاجية بأزمور للتبرك، وطلب الدعاء منها.
ولم يكن دور الصوفيات مقتصرا على الدعاء والتربية الروحية، بل تجاوز ذلك إلى التدخل في الإصلاح السياسي. فهذه الولية الشهيرة لالة عزيزة السكساوية الرجراجية جمعت بين العلم والتربية الروحية، مما أكسبها الثقة والاحترام بين قبائل الأطلس الكبير الغربي، فكانت دعوتها مستجابة، وإرشاداتها نافذة في المجتمع، وقد استطاعت أن تحقن دماء المواطنين بمهمتها السفارية بين وزير السلطان أبي عنان، فارس بن ميمون، قائد الحركة إلى الجبل، وبين عبد الله السكسيوي المناصر للأمير المريني أبي الفضل الذي كان السكسيوي في طاعته وخدمته، وقد تدخلت السيدة عزيزة أو للا عزيزة، ونجحت في عقد الصلح بينهما سنة754هـ، وذلك بشكل نجم عن مشاركة المتصوفات في الحياة السياسية دور هام على مستوى الاستشارة وإطفاء الفتن والوساطة والعدول عن الحرب، وغيرها من الأدوار المؤثرة...
ومن العلماء الذين زاروا الولية لالة اعزيزة، ابن قنفذ القسنطيني، مؤلف "أنس الفقير وعز الحقير"، وقد أورد فيه ذكرا لمكانتها العلمية. أما فاطمة الهلالية المعروفة بـ "تاعلاَّط"، العالمة السوسية، فقد ترجمها الحضيكي في طبقاته، ووصفها برابعة زمانها.
وإذا انتقلنا إلى الجانب الإحساني الذي يعتبر من الشيم التي تطبع الشخصية المتميزة، نجد أن المرأة المغربية قد أبانت، عبر العصور، عن توجهها الإحساني الذي تلتقي فيه مختلف شرائح نساء المغرب، حسب مؤهلاتهن المادية، من أميرات وعالمات وصوفيات قرويات وحضريات.
وقد تعددت أوجه إسهام المرأة الإحسانية، على مستوى بناء المساجد والقناطر وإطعام المحتاجين وخدمتهم، لا سيما إطعام طلبة الزوايا الأفاقيين الذين هم في وضعية طلبة داخليين، وتلامذة الكتاتيب القرآنية. وأبرز ظاهرة عرفها إحسان النساء هي ظاهرة الوقف.
ومن أبرز النساء الإحسانيات، نذكر، على سبيل المثال، فاطمة بنت محمد الفهري، أم البنين، وأختها مريم، حيث تركت كل منهما معلمة خالدة تحمل ذكرى امرأة من أهل البر والإحسان. لقد وجدت الأختان في المحيط الديني والتربوي ما دعاهما لتوظيف نصيبهما في الإرث في العمران الديني. فبنت فاطمة أم البنين جامع القرويين المعلمة التاريخية الشهيرة. وبنت أختها مريم مسجد الأندلس، فضلا عن دورهن المؤثر على مستوى الحياة الاجتماعية داخل القرى والحواضر، وأيضا في المجالس العلمية، وغيرها.
نضيف إلى هذا المثال الشهير في فاس، مثالا من العهد السعدي بمراكش، حيث نجد مسعودة الوزكيتية أم السلطان المنصور الذهبي التي بنت مسجد باب دكالة، فكان من أكبر المساجد بالمدينة وأغناها بما حبست عليه من الأوقاف، وما وفرت له من الكراسي العلمية ومن الكتب المودعة في خزانته، كما قامت هذه السيدة بإصلاح قنطرة أم الربيع وقنطرة واد إسيل التي في مدخل مراكش، وإصلاح عدد من الطرق. وفي باب الوقف حظي حفظة القرءان بالجزء الأكبر من وقف النساء.
ونجد في الفكر الصوفي عدة شهادات تدل على المرتبة المتميزة التي كانت المرأة الصوفية تحتلها، كمقصد للاستفادة الروحية، وكمؤشر على علو شأنهن في مراتب التوحيد، وعن مدى استفادة الصوفيات روحيا من بعضهن البعض، ما جعل المرأة تحظى بمكانة مرموقة لدى الصوفية، بل جعلها تحظى بوضع في أعلى الهرم الوجودي، بشكل ضمن لها مشاركتها الكاملة في عالم الولاية، وتقاسمها لثمار الكرامة وبصيرة العرفان مع الرجال.
ورغم حضور المرأة المتميز في بناء النموذج المغربي للتصوف، وإسهامها المتميز في بناء الهوية الدينية والروحية للمغاربة، تمثلا وممارسة ونشرا وكتابة وتدريسا وتربية وبناء وعمرانا، كعالمات وفقيهات ومتصوفات ووليات صالحات، فقد ظلت جل الكتابات حول تجربة التصوف السني بالمغرب تهتم أساسا بإسهامات المتصوفة من الرجال وتدوين سيرهم، فعنيت بتراجمهم، وجمعت نصوصهم، وأهملت أو تكاد التوقف بما يلزم عند التجربة النسائية الصوفية المغربية، على أهميتها وحضورها وتأثيرها وإشعاعها، بشكل يضاهي المتصوفات في المشرق العربي.
واستنادا إلى مجموع هذه المؤشرات والمعطيات، جاءت فكرة تنظيم مائدة مستديرة حول هذا الموضوع، بغاية الوقوف عند أعلام نساء المغرب المتصوفات، وروافدهن العلمية والعملية والمجالات الجغرافية لتجربتهن الصوفية ورصيدهن في مجال الفكر والإبداع الأدبي الصوفي، وفي مختلف أشكال الإنشاد الديني، من مديح وسماع وحضرة ومنظومات تعلي من شأن الذكر والمناجاة الربانية. كما تطمح هاته المائدة المستديرة إلى التداول حول أدوار الجامعة والبحث العلمي والإعلام والمجتمع المدني في التعريف بحضور المرأة، تاريخيا وراهنا، في بناء النموذج المغربي للتصوف.
وتتوخى منظمة النساء الحركيات، أن يشكل هذا الموضوع محورا ثابتا في برنامج عملها، في محاولة منها إضاءة مدى إسهام المرأة المغربية في بناء الهوية الدينية والروحية والعلمية والوجدانية للمغاربة، بما يمكن من إدراك جوانب من انفتاح نساء المغرب المتصوفات على مزيد من الأبعاد الفكرية والإبداعية الجديدة، التي تشغل بال النساء المغربيات والمجتمع ككل، والتي تروم تكييف المشروع الصوفي نفسه مع مشروع الحداثة العام، تبعا لانفتاح مفهوم التصوف المعاصر نفسه على مجالات وموضوعات أخرى متداخلة، من قبيل: الوطن والحرية والعدالة وحقوق الإنسان والبيئة والديموقراطية والمدنية والشباب والإعلام والتربية والأخلاق والجمال والخير والسعادة والإصلاح الروحي وتجديد الدين والحياة اليومية، وغيرها.