فوائد البنوك المعاصرة اليوم، لا علاقة لها بمفهوم الربا الذي حرمه القرآن الكريم تحريما باتا؛ وفي هذا السياق قال الإمام النووي الشافعي: "إن التحريم الذي في القرآن للربا إنما يتناول ما كان معهودًا في الجاهلية من ربا النسيئة أي: التأخير وطلب الزيادة في المال بزيادة الأجل، وكان أحدهم إذا حلّ أجل دينه ولم يوفه الغريم أضعف له المال وأضعف الأجل، ثم يفعل ذلك عند الأجل الآخر".
فهذه الربا المحرمة في القرآن هي ربا العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، وربا الجاهلية بصفة عامة، فقد ورد الحديث عن العباس في خطبة حجة الوداع التي أوردها الإمام مسلم وغيره وفيها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ –أي: مهدور- وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّه".
مع العلم ان البنوك المعاصرة اليوم قد أصبحت تلعب الكثير من الأدوار منها، تحريك الإقتصاد الوطني وتنميته.. ولا يمكن لأي دولة اليوم تنشد التطور والتقدم والنمو والإزدهار الإقتصادي أن تنأى بنفسها وتعلن القطيعة مع هذه المؤسسات البنكية، لا سيما في ظل المنافسة العالمية في عالم التجارة.
والإستثمار والمبادلات التجارية الدولية، فالبنوك اليوم -في الحقيقة- هي عصب الحياة وقلبها النابض، فمن يتخلى عن التعامل معها أو استخدامها فيما يفيد البلاد والعباد فقد قطع شرايين حياته بنفسه، فالنصوص الفقهية التي اعتمدها هؤلاء في تحريم فوائد البنوك نقلوها عن بعض علمائنا الأقدمين التي وضعوها لزمانهم، لكن لو كتب لهؤلاء العلماء الأجلاء العودة من جديد إلى الحياة وخرجوا من قبورهم لكانت عندهم آراء أخرى وفتاوى مغايرة تماما لواقعهم القديم، ولأسرعوا هم بأنفسم للتسجيل في هذه البنوك للحصول على البطاقة البنكية التي من خلالها يمكنهم الانتقال من دولة إلى دولة، ومن قارة إلى قارة، دون أن يحملوا على ظهورهم بعض الكيلوغرامات من التمر والزبيب أو حبة خردل من ذهب أو فضة.. فبطاقتهم البنكية تكفيهم مأونتهم، ماداموا يحفظون رقمها السري ..