لم تمطر، تحركت السحب العاقر نحو شمال القلب الملتاع، تناقصت التمنيات وخواطر الاسترزاق في حفر العهر الجديد، تلاشت أدراج الترجي، وانكشفت العاصفة على فخاخ رملية متحركة تتنظر ضحاياها في صحراء العطش والجفاء.
لم تتحرك الأمور كما شاءت لها قافلة العجزة والمعطلين وفاقدي الموهبة والكاريزما، وشاعت بين قبائل المنتظرين أدعية العاجزين عن ركوب درجات القطار البخاري وغابوا عن الأنظار، واستحالوا إلى نقاط سوداء تراقص مويجات الصهد الغريب وتقاوم سراب الفنان.
تفتقت أكمام المآسي المعتادة عن أزهار سوداء وآلام وأوجاع، تاه "حمادي" بين حانات المدينة المسكونة بالنسيان، توسل لمعارفه القدماء، استجدى ثمن بقناني خضراء رخيصة، تسول من السكارى وجبات عشاء سريعة، وبالمقابل.. كان يلقى على جمهرة الدائخين نكتا حامضة وحركات قرد مستورد من غابات"بن صميم".
وهناك.. في مدينة قيل عنها أنها عاصمة الأنوار، تحت أشجار الكاليبتوس الفتية على الدوام، عند الاستراحة الخاصة بالمنعم عليهم من أقنعة التهريج الممجوج، تبادل "بائع البقر" كؤوس الويسكي الغالي مع ديناصورات بليدة تتباهى بسمنة مؤخراتها والأعناق الغليظة.
وفي بيضاء الكوابيس، امتلأت حفر المحطات المزدحمة بالمتسولين والمنبوذين وملاعين وحش الشاوية الأحمق، ساد الهرج والمرج، انتشرت بين فلول المقصيين حركات احتجاج ونوايا تفضح خبث أولاد الحرام من الذين باعوا للسذج جلد الدب قبل اصطياده، وامتلأ مستنقع الهامش بالساخطين على تدنيس الركح المقدس.
قرر "حمادي" وأشباهه التمرد على أدخنة الحانات الموبوءة، اتفقوا على تنظيم مسيرة احتجاجية على أحوال ساءت، وأجمعت لوائح الغاضبين على صياغة شعارات نارية تحاكم أسماء المتواطئين وتدين الخونة المدجنين.