مع اقتراب شهر رمضان، تتحول الرياضة إلى نشاط يومي سواء للشباب الممارسين أو الذين اعتزلوا الكرة. ليس رمضان شهر العبادة والغفران فقط، بل شهر ممارسة الرياضة أيضا من خلال دوريات رمضانية تستقطب عددا كبيرا من المتتبعين أغلبهم يجعلون من الفرجة الرمضانية فرصة لاستهلاك الزمن تحت شعار "نجيبوا لفطور". لهذا تصبح ملاعب القرب فضاء لجذب الجماهير خاصة بين العصر والمغرب.
ملاعب القرب:
بين بلخياط والعلمي
بين بلخياط والعلمي
في زمن مضى كانت ملاعب القرب مجرد مساحات فارغة في الأحياء، لكن غزو العقار قلص المساحات الفارغة قبل أن يلتهمها الإسمنت وتتحول إلى إقامات سكنية. كان لكل حي ملاعبه المتربة التي يمارس فيها أبناء الحي هوايتهم داخل فرق تتنافس في إطار مباريات فرق الأحياء.
وفي عهد منصف بلخياط وزير الشباب والرياضة السابق، سيظهر مصطلح «ملاعب القرب"، حيث عرض الوزير في لقاء صحفي بأحد فنادق الدار البيضاء مشروعه الذي حمل تسمية الملاعب مراكز سوسيو تربوية، أو ما يعرف اختصارا بـ "سي إس بي".
ساهمت الجماعات المحلية بالوعاء العقاري، وساهمت الوزارة بالتجهيز والتدبير، حيث تطلب المشروع استثمارا تراوحت ما بين 500 ألف درهم إلى 5 ملايين درهم بالنسبة لكل ملعب، علما أن العدد الذي وعد وزير الرياضة بإنجازه هو 1000 ملعب، كما حدد مبلغا لا يزيد عن 20 درهما شهريا من أجل الولوج إلى هذه الأندية الاجتماعية الرياضية، كما تم تفويض التدبير لجمعيات المجتمع المدني. مرت الأيام وتبين أن صندوق المغربية للألعاب والرياضة، التي يرأس الوزير مجلسها الإداري، هو الذي تحمل الجزء الأكبر من ميزانية هذه الملاعب.
راهن المشروع على إنهاء أزمة الفضاءات الرياضية، وقال الوزير أنها ستصالح الرجال والنساء مع الرياضة، لكن سرعان ما ظهرت عيوب المشروع. والتي كشف عنها وزير الرياضة السابق الطالبي العلمي، حين انتقد زميله في حزب الحمامة حين قال: "إن الوزارة وعدت بإنشاء 1000 ملعب للقرب قبل متم سنة 2012، وبعد مرور ثمان سنوات لم ننشئ سوى 300 ملعبا، أي أننا في حاجة إلى 700 ملعب لبلوغ الهدف الذي حددته الوزارة في عهد الوزير السابق (ويقصد منصف بلخياط)".
وأشار الطالبي إلى أن وزارة لم تأخذ بعين الاعتبار الميزانية، لأن 50 مليون درهم سنويا تكفي فقط لبناء 40 ملعبا، لهذا تم إنشاء 300 ملعب من أصل 1000 التي وعد بلخياط بها.
ملاعب القرب بين الوزارة والمبادرة والجماعة والخواص
يمكن تصنيف ملاعب القرب إلى أربعة أصناف:
ملاعب أنجزتها وزارة الرياضة والشباب، وملاعب من إنجاز المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وملاعب بنتها الجماعات المحلية، وأخرى تابعة للخواص. وتعتبر ملاعب القرب المنجزة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، أوراشا ملكية تروم تشجيع الممارسة الرياضية والاندماج الاجتماعي لفائدة الأطفال والشباب والمنحدرين من فئات هشة وفقيرة. من خلال برامج محاربة الفقر بالوسط القروي ومحاربة الإقصاء الاجتماعي في الوسط الحضري والبرنامج الأفقي.
ملاعب أنجزتها وزارة الرياضة والشباب، وملاعب من إنجاز المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وملاعب بنتها الجماعات المحلية، وأخرى تابعة للخواص. وتعتبر ملاعب القرب المنجزة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، أوراشا ملكية تروم تشجيع الممارسة الرياضية والاندماج الاجتماعي لفائدة الأطفال والشباب والمنحدرين من فئات هشة وفقيرة. من خلال برامج محاربة الفقر بالوسط القروي ومحاربة الإقصاء الاجتماعي في الوسط الحضري والبرنامج الأفقي.
لا أحد ينكر الدور الذي لعبته ملاعب القرب في نشر الوعي بالرياضة وكرة القدم على الخصوص، حيث أتيحت للأطفال فرصة ممارسة كرة القدم في فضاءات لا تبعد كثيرا عن مقر سكناهم، وتلبية شغفهم الرياضي في ملاعب معشوشبة، بعد أن كانت مباريات فرق الأحياء تمارس في ملاعب متربة، كما أن هذا الصنف من الملاعب شجع على انتشار جمعيات رياضية تهتم بتكوين النشء، رغم بعض المؤاخذات عليها.
لقد كانت ملاعب القرب المنجزة من طرف المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، موضوع نقاش في البرلمان، واضطر عبد الوافي لفتيت وزير الداخلية إلى التأكيد في رده على أسئلة البرلمانيين، على أن «المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، وضعت منذ إعطاء انطلاقها من طرف الملك محمد السادس، في 18 ماي 2005، ضمن اهتماماتها المساهمة في دعم وتطوير الممارسة الرياضية ببلادنا وخاصة لفائدة فئتي الأطفال والشباب المنحدرين من أوساط فقيرة وهشة».
حذر لفتيت من الانحرافات المسجلة بشأن استغلال هذه الملاعب، خاصة من طرف بعض المنتخبين والجمعيات التي تستغل هذه المنشآت الرياضية لأهداف انتخابوية أو تجارية.
وفي هذا الصدد يقول عبد الإله فراخ، مستشار جماعي بمقاطعة سيدي عثمان: "يجب احترام مشاريع المبادرة الوطنية لأنها مشاريع ملكية يجب أن تظل بعيدة عن نوايا التسييس، لكن تفويتها يطرح إشكالات التدبير، مادام التدبير المباشر لهذه المرافق غير ممكن في ظل الانشغالات الأخرى للمجالس الجماعية، وعدم القدرة على تحمل أعباء أخرى خاصة الصيانة والموارد البشرية من حراسة خاصة وإدارة فضلا عن فواتير الماء والكهرباء".
في أغلب الملاعب لا يزيد عدد القائمين على تدبير هذه المرافق عن شخصين، حارس يملك مفاتيح الأبواب ومسؤول يملك مفاتيح خزانة المداخيل، وأمام غياب مسطرة قانونية للمراقبة أصبحت هذه المرافق مدرة للدخل بسبب عائداتها المالية المرتفعة.
ملاعب الجماعات المحلية تحت رحمة المنتخبين
هناك صنف آخر من ملاعب القرب يتم تدبيره من طرف الجماعات المحلية، وهي الملاعب التي يتم استئجارها من طرف الجمعيات وذلك مقابل رسوم معينة لفترات قصيرة ووفق دفتر تحملات يحدد تفاصيل الاستفادة من هذه المرافق. وفي هذا الباب يتحدث الفاعل الجمعوي إبراهيم كيري عن إشكالية تدبير ملاعب القرب وقال لـ «الوطن الآن» إن "الإشكال يكمن في ضمان استمرارية هذا المرفق ومجانيته، هنا لابد من الحديث عن الفئة المستهدفة وهي المواطنين، الشباب والأطفال، اليوم أصبحت هذه الملاعب تحتكرها مدارس محلية كروية أسست أو تفرخت بشكل كبير وهي تهيمن على حصص الأسد، بحكم أنها مدرسة تساهم في التنشئة الرياضية، وسط مفارقة غريبة لكون ملاعب القرب مجانية لكن التسجيل بالمدارس الكروية ليس مجانيا بحكم أداء أولياء الأمور لمبالغ شهرية لهذه المدارس من أجل تكوين أطفالهم في مجال كرة القدم".
وشدد الفاعل الجمعوي، على ضرورة وجود قرار جبائي على كل مدرسة تريد أن تزاول نشاطها داخل ملعب القرب، "كتجربة اقترحنا جعل ملاعب خاضعة لشركات تتوفر على مدارس رياضية تؤدي تقريبا في كل ثلاث حصص في الأسبوع خمسة آلاف درهم للملعب، وبذلك نساهم في ضمان استمرارية المرفق، وسنشكل عائقا بالقرار الجبائي على المدارس التي أصبحت تتكاثر بشكل كبير في المنطقة، أنا أجد أن المجانية هي واجبة لأبناء المنطقة من أجل الاستفادة من ملاعب القرب، ولكن ما يضيق على أبناء المنطقة الاستفادة من الملاعب هي تلك المدارس الكروية، التي أصبح عددها كبيرا والتي تستخلص مبالغ مالية من أولياء الأمور".
وفي ذات السياق كتب يوسف الساكت المتتبع، للشأن المحلي في الدار البيضاء، تدوينة على صفحته الفايسبوكية، وقال إن ملاعب القرب سواء كانت تابعة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية أو الجماعات المحلية، أكانت مسيرة من طرف ودادية أو جمعية أو فريق لكرة القدم، تعيش تحت رحمة من وصفهم بسماسرة الانتخابات، الذين "تمنح لهم هاد الملاعب في شكل ريع وهدية، وجزاء على الخدمات التي قدموها للرئيس، أو الخدمات التي سيقدمونها في الانتخابات المقبلة". وأشار الساكت إلى كون بعض الجمعيات التي تستفيد من هذه المرافق تثقل كاهل الآباء باشتراكات سنوية تصل إلى 4000 درهم، مقابل أمتعة رياضية رخيصة، ناهيك عن استفادة الجمعيات من الماء والكهرباء والصيانة والحراسة مجانا".
البدائل الممكنة لإعادة الروح لملاعب القرب
أمام الصعوبات التي تواجهها المجالس الجماعية في تدبير هذه المرافق وثقل فاتورتها، أصبح الرأي العام، تائها بين وصفات التدبير، خاصة وأن الرسوم الجبائية لاستغلال هذه الملاعب محددة في صفر درهم.
ويرى المستشار الجماعي فراخ إن "أفضل طريقة للخروج من هذا الإشكال، هي القيام بطلبات عروض للوداديات والجمعيات، لأن المقاطعات عاجزة عن تسديد 15 مليون سنتيم شهريا للتدبير". كما اقترح تبني فكرة محمد مهيدية حين كان واليا على جهة طنجة الحسيمة، (حاليا هو والي جهة البيضاء) وقدم مشروعا يقضي بتفويت تدبير هذه الملاعب لعصبة الشمال لكرة القدم في إطار دفتر تحملات، خصوصا أن وزير الداخلة لفتيت راسل العمال والولاة لبلورة ميزانية 2024 داعيا إلى التقشف.
اليوم تتعرض ملاعب القرب الموجودة بعدة مناطق لعملية إهمال وتخريب، خاصة على مستوى العشب الاصطناعي والسياج والأبواب. همت السياج المحيط بالملاعب المذكورة وبعض منشآت الملاعب ذاتها، كما تعرضت العديد من الأبواب للتخريب، يكفي التوقف عند الملاعب المتواجدة بشارع بوزيان بتراب عمالة مولاي رشيد سيدي عثمان بالبيضاء، التي تحولت إلى مطرح للنفايات.